تسعى القيادة السياسية وتولى اهتمامها منذ توليها مقاليد الحكم إلى ترسيخ أسس الجمهورية الجديدة، التى تعتمد دولة القانون والمؤسسات أساساً لها، ويعد ملف الحبس الاحتياطى من الملفات المهمة، التى ترسم جزءاً رئيسياً فى الطريق نحو الهدف المنشود، باعتباره أحد التدابير الاحترازية التى يتم تطبيقها فى كافة الأنظمة القانونية.

ولذلك كان هناك اهتمام بالغ من كافة مؤسسات الدولة بمراجعة وضبط وإعادة تنظيم (الحبس الاحتياطى)، فكان مجلس النواب حريصاً على التعامل مع تلك المسألة، باعتبارها إحدى المسائل التى وردت ضمن قانون الإجراءات الجنائية المصرى الصادر فى ظل النظام الملكى عام 1950، وهذا القانون أدخلت عليه عدة تعديلات كان آخرها القانون رقم 1 لسنة 2024 بشأن تنظيم أحكام وإجراءات استئناف الأحكام الصادرة من محاكم الجنايات.

مع العبء المتزايد والمستمر على القضاة والمتقاضين بسبب كثرة التعديلات من ناحية، والتطور التقنى والتكنولوجى من ناحية أخرى، أصبح من الضرورة التعامل مع مسألة الحبس الاحتياطى، ضمن حلول ومعالجة شاملة وإعادة صياغة قانون متكامل للإجراءات الجنائية يتسق مع أحكام الدستور القائم الصادر عام 2014 المعدل فى 2019، ويتسق أيضاً مع رؤية الدولة التى وردت فى الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، كما يتسق مع كافة المواثيق الدولية لحقوق الإنسان ذات الصلة.

وبعد محطات لم تكن سهلة، بداية من تشكل لجنة نيابية من المجلس للتعامل مع مشروع القانون الوارد من الحكومة عام 2017، مروراً بساعات عمل وأيام وشهور امتدت لشهور، انتهت اللجنة الفرعية إلى عدة نقاط تعد نقلة نوعية فى مجال حقوق الإنسان، من تلك النقاط:

أنه تم تخفيض مدد الحبس الاحتياطى لتكون فى الجنح 4 أشهر بدلاً من 6 أشهر، وفى الجنايات 12 شهراً بدلاً من 18 شهراً، و18 شهراً بدلاً من سنتين إذا كانت العقوبة المقررة للجريمة السجن المؤبد أو الإعدام.

وتحديد حد أقصى للحبس الاحتياطى من محكمة جنايات الدرجة الثانية أو محكمة النقض فى الجرائم المعاقب عليها بالإعدام أو السجن المؤبد ليصبح سنتين بحد أقصى بدلاً من عدم التقيد بمدد، لأنه كان هناك بعض التعديلات بسبب القضايا الإرهابية هو اعتبار مدة الحبس فى الجرائم التى عقوبتها تصل للإعدام أو أمن الدولة إلى مدد مطلقة وقد قيدها القانون بسنتين.

وأعدت اللجنة الفرعية لصياغة قانون الإجراءات الجنائية بديلاً جامعاً عن القانون القائم الصادر عام 1950 وتعديلاته، واضعة نصب أعينها أحكام الدستور، وتعهدات مصر الدولية فى مجال حقوق الإنسان، ومبدأ الشرعية الإجرائية، الذى هو مبدأ أصيل وأساسى وحاكم للإجراءات الجنائية، لا يجوز الخروج عنه، يقوم بالأساس على إقامة توازن عادل بين حماية الحرية وحماية المجتمع، من خلال رسم نطاق قانونى لحرية الفرد، التى يجب الحفاظ عليها وعدم التضحية بها مهما كانت الأسباب، بما لا يتعارض مع مصلحة المجتمع بل يسهم فى تحقيقها.

ومع رغبة حقيقية من القيادة السياسية لترسيخ قواعد دولة القانون، فالجميع يتكاتف من أجل صدور قانون جديد للإجراءات الجنائية يواكب العصر، ويحقق طموح المصريين، ويتوافق مع الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، كما أنه يشمل التعويض عن الحبس الاحتياطى، وبدائل الحبس الاحتياطى، والتعويض حال الحصول على حكم براءة بعد قضاء فترة عقوبة.

وتخفيض مدد الحبس الاحتياطى، ووضع حد أقصى لها، وتنظيم حالات التعويض عنه، تحقيقاً للغاية من كونه تدبيراً احترازياً وليس عقوبة، فضلاً عن إقرار بدائل الحبس الاحتياطى، وتنظيم المنع من السفر والمنع من التصرف، بنصوص محكمة تراعى كافة الضمانات الدستورية، التى تحقق الغاية منهما، دون أن تنال فى ذات الوقت من حق الأفراد فى حرية التنقل أو الإقامة أو حماية الملكية الخاصة، باعتبارها حقوقاً دستورية لا ينبغى تقييدها إلا فى إطار الضرورة، وبضوابط محددة

*وكيل لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب ورئيس اللجنة الفرعية لمراجعة قانون الإجراءات الجنائية، ومقرر لجنة الأحزاب السياسية بالحوار الوطنى

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: الحبس الاحتياطي الحوار الوطني البرلمان الحبس الاحتیاطى

إقرأ أيضاً:

من يحمى ضحايا مكافحة الفساد؟

أحد المعايير الحاكمة دوليا لقياس شرعية الحكومات، ومدى قوتها السياسية وكفاءتها الاقتصادية، هو قدرتها على تعقب الفساد ومكافحته، بما تمتلكه من تشريعات وطنية متماسكة، ومؤسسات رقابية حازمة، ترسخ مبدأ الشفافية فى إدارة الممتلكات العامة وتضمن بآليات المحاسبة، نزاهة الموظفين العموميين. ما حدث قبل أيام يقول لنا إن الفساد الإدارى عصى على الاقتلاع، ويمشى ملكا فى البلاد ضاربا عرض الحائط بالقانون وسيادته.
يوم الأربعاء الماضى قرأت تقريرا صحفيا فى الأهرام للصحفية اللامعة «هاجر صلاح» يبعث على الفرح والأمل بأن الفوضى التى باتت متوطنة دون رادع فى الشوارع والأحياء من باعة جائلين ومواقف لسيارات الميكروباص تتصدر مطالع الكبارى وواجهات العمارات السكنية، والمقاهى التى تعمل من المغرب حتى مطلع الفجر، وتحمل لسكان العمارات المحيطة بها، كما هائلا من الضجيج والتلوث البيئى والسمعى بمكبرات الصوت وأغانى المهرجانات الصاخبة، وتدخين المخدرات والمتاجرة فيها لا كل تلك الفوضى الخارجة على القانون، آن لها أن تنتهى.
التقرير يشرح بالصورة، كيف تخلصت الجمعية المصرية للدراسات التاريخية بحى مدينة نصر، من مظاهر عشوائية سمحت لكل أنواع الباعة الجائلين خلال 15 عاما، من محاصرة مقرها الجديد بعد نقله من وسط البلد، وعرقلة عمل القائم على إدارتها وأنشطتها اليومية والدورية. هذا على الرغم من أن الجمعية تعد الأقدم من نوعها فى الشرق الأوسط، حيث تأسست عام 1945، ويؤمها على مدار العام باحثون عرب وأجانب فضلا عن الدارسين المصريين. وكان وراء هذا الإنجاز الجهد الكبير والجسور لرئيس حى شرق مدينة نصر اللواء «طارق النبوى» بإرسال حملات شبه يومية لمنع محترفى العشوائية من العودة إلى ممارسة أعمالهم من جديد. وامتد جهده إلى معظم احياء وشوارع الحى الأخرى، سعيا منه لضبط الفوضى السارحة بلا ضوابط فى المكان. فى اليوم التالى لنشر هذا التقرير فوجئت وفوجئ معى سكان الحى بخير إقالته من موقعه، ولم يكن قد مضى على تقلده له سوى وقت قصير.
قبل عدة سنوات حين تولى الراحل دكتور أحمد جويلى وزارة التموين فى الفترة من 1994 وحتى 1999، أصدر قرارا ضمن اختصاصاته، بمنع المحال التجارية من إطلاق أسماء غير عربية على منشآتها التجارية، وإزالة ما هو قائم منها. ووقتئذ دار الحوار التالى بينى وبين صاحب أحد المحلات التى أقضى منها بعض احتياجاتى:
متى ستغير اسم المحل؟ نظر إلى بدهشة واستهجان بدا غريبا لمعرفته الطويلة بى، وقال:
وأغيره ليه ان شاء الله؟
أخذتنى الحماسة التى غالبا ما تأتينى فى غير موضعها، ورحت أشرح له قرار وزير التموين الذى يثق فيه الناس لنزاهته وكفاءته، وأهميته فى الحفاظ على اللغة العربية، وعواقب عدم تنفيذه التى قد تنتهى بإغلاق المحل، وحتى إخراجه من المنطقة. رد التاجر على كلامى بأداء جسدى ينم عن السخرية والاستهتار بالخطبة العصماء التى ألقيتها دفاعا من القرار، وقال بشكل حازم: بصى يا أستاذة لا المحل حيتقفل، ولا أنا حامشى من هنا، اللى حيمشى الوزير بتاعكم. وما قاله قد حدث. وبعد بضعة أشهر أقيل الوزير الجويلى من منصبه. انتصر كارهو اللغة العربية والخارجون على القانون. 
عنوان مقالى موجه إلى السيد محافظ القاهرة الدكتور إبراهيم صابر، المشهود له بالكفاءة والجدارة، والإنجاز، ما أهله للفوز قبل أيام بجائزة أفضل محافظ فى المنطقة العربية، لمصلحة من يا سيادة المحافظ تتم إقالة اللواء النبوى وقد نجح فى مهمته، وتجاوب معه مواطنو الحى وأحبوه؟ لا أحد يصدق داخل المنطقة وخارجها، سوى أن قوى البلطجة والفساد، التى تريد أن تقود المجتمع، إلى حيث تشاء مصالحها، هى من أطاحت به من موقعه. ولا يهمها طبعا أن يقوض الاستقرار الاجتماعى وتسقط الثقة فى المؤسسات التنفيذية، وتتحرك عوامل الصراع الاجتماعى لغيبة سلطة إنفاذ القانون؟

مقالات مشابهة

  • بيستهدفوني .. بلاغات الأكيل أمام جهات التحقيق
  • بائع تحــرش بأجنبيتين في الجمالية .. كيف يعاقبه القانون؟
  • من يحمى ضحايا مكافحة الفساد؟
  • تشغيل العمال عن طريق متعهد.. ضوابط جديدة يقرها القانون
  • قانون حماية الآثار في مصر يفرض عقوبات صارمة على المتعديين
  • الحبس والغرامة عقوبة اختراق المواقع والحسابات الإلكترونية دون إذن
  • مستقبل وطن : الجمهورية الجديدة تعزز حقوق الإنسان برؤية شاملة
  • الحبس وغرامة 200 جنيه عقوبة إثارة الرعب بين الناس طبقا للقانون
  • محمد دياب يكتب: غزة بين الإنهيار وتمرد الإحتلال
  • د.حماد عبدالله يكتب: " بلطجة " التعليم الخاص !!