ملاحقة الدعم السريع أمام القضاء الدولي.. من أجل العدالة أم التعويضات؟
تاريخ النشر: 26th, July 2024 GMT
الخرطوم- شرعت السلطات العدلية في السودان بإعداد ملفات قانونية بشأن جرائم وانتهاكات قوات الدعم السريع، المتعلقة بتدمير البنى التحتية والمؤسسات العامة ونهب ممتلكات المواطنين، وذلك بهدف ملاحقة قيادات وعناصر القوات من أجل توقيفهم ومحاكمتهم، وللحصول على تعويضات وجبر ضرر المتضررين.
ويعتقد خبراء قانونيون أن المهم للدولة والمواطنين هو الحصول على التعويض الذي يمكن أن يتحقق عبر اتفاق بإنشاء صندوق دولي، وهذا ما يختصر عامل الوقت وتعقيدات القضاء الدولي بشأن الوصول إلى أموال المتهمين.
وكان رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان قد أصدر قرارا في 11 أغسطس/آب 2023 بتولي النائب العام رئاسة لجنة لحصر "جرائم الحرب وانتهاكات وممارسات قوات الدعم السريع"، وتضم اللجنة ممثلين لوزارة العدل والجيش والشرطة وجهاز المخابرات والمفوضية القومية لحقوق الإنسان.
وشمل القرار تكليف اللجنة باتخاذ كافة الإجراءات القانونية لمواجهة قيادات وأفراد الدعم السريع داخليا وخارجيا، وكل من يثبت تورطه بالاشتراك أو التحريض أو المعاونة.
إحصاء الجرائموتكشف مصادر عدلية للجزيرة نت أن اللجنة المشكلة قبل نحو عام حصرت آلاف الجرائم والانتهاكات، وتلقت شكاوى من المواطنين الذين تضرروا من قوات الدعم السريع، سواء بالقتل أو بتدمير منازلهم أو بنهب ممتلكاتهم وأموالهم ومنشآتهم الاستثمارية.
وأوضحت المصادر -التي طلبت عدم الكشف عن هويتها- أن النيابة أصدرت لائحة اتهام بحق أكثر من 130 شخصا، من قيادات عليا وميدانية ومسؤولين في القوات، قالت إنهم ارتكبوا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ضد السودانيين، من بينهم قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي"، ونائبه و3 من أشقائه.
ويحفظ القانون الدولي الجنائي حق ضحايا الجرائم بالتقاضي، والمطالبة بمعاقبة من يرتكبون انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني، إلى جانب حقهم في التعويض عمّا أصابهم من أضرار، حيث يمكن أن يتحقق ذلك عبر المحاكم التي لديها اختصاص بالقانون، أو عبر اتفاقات دولية، أو من خلال المحكمة الجنائية الدولية، وفقا للمصادر العدلية.
وتبين المصادر ذاتها أن المجتمع الدولي يمكن أن ينشئ محاكم دولية بشأن جرائم الإبادة والحرب، كما حدث في يوغسلافيا أو رواندا، أو محاكم مختلطة بالتنسيق مع الدول المعنية كما حدث في لبنان وسيراليون، وذلك للتغلب على مشكلة التمويل.
وأعلن النائب العام بالوكالة رئيس "اللجنة الوطنية لجرائم الحرب وانتهاكات قوات الدعم السريع المتمردة" ياسر بشير البخاري عقب لقاء مع عضو مجلس السيادة إبراهيم جابر، الأربعاء، الاتفاق على تسريع إجراءات التحري وتقديم المتورطين بالجرائم للمحاكمة.
وذكر أن لجنته أطلعت عضو مجلس السيادة على نتائج مشاركتها في اجتماعات مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، وعرضها الجرائم التي ارتكبتها قوات الدعم السريع، كما أطلعته على سجل انتهاكاتها.
من جانبه ذكر وزير العدل معاوية عثمان، خلال زيارة إلى القضارف في شرق السودان، الأربعاء، أن اللجنة أكملت ملف رصد مخالفات وجرائم انتهاكات قوات الدعم السريع، ودونت بينات قوية تخص جرائم الحرب، "شملت القتل، والنهب، والاغتصاب، وتخريب ممتلكات الدولة"، توطئة لتقديمها للعدالة الدولية.
وشهدت مقرات النيابة العامة بالقضارف خلال الأسابيع الماضية ازدحاما كبيرا من المواطنين، وبصفة خاصة النازحين من ولايات الخرطوم والجزيرة وسنار، وذلك بغرض تدوين اتهامات تخص الجرائم التي تعرضوا لها في ولاياتهم، "تنوعت بين السرقة، والنهب، والاغتصاب، والقتل، والضرب، والترويع" حسب وزير العدل.
خيارات العدالةيرى المحامي السوداني والأمين العام المساعد لاتحاد المحامين العرب طارق عبد الفتاح أن أمام الحكومة السودانية طريقان للعدالة بشأن جرائم قوات الدعم السريع، وهي إما العدالة الانتقالية عن طريق "الحقيقة والمصالحة"، أو اللجوء للتقاضي الدولي لمعاقبة مرتكبي الجرائم والحصول على تعويضات وجبر ضرر المواطنين.
وفي حديثه للجزيرة نت يقول المحامي إن الحكومة أو أي مواطن سوداني يمكنه أن يلجأ للشكوى لدى أي محكمة لديها اختصاص بالقانون الدولي، في الولايات المتحدة أو في دول الاتحاد الأوروبي، كما حدث مع سوريين جرت محاكمتهم في ألمانيا بارتكاب جرائم في بلادهم، أو فلسطينيين دونوا اتهامات في بريطانيا ضد مسؤولين إسرائيليين.
ووفقا للمحامي فإن الحكومة يمكن أن تطالب بتعويضات عن تدمير البنيات التحتية والمؤسسات والمستشفيات والجامعات، أو جبر ضرر مواطنين وتعويضهم، كما فعلت الولايات المتحدة عندما اتهمت السودان بالتورط في تفجير السفارتين الأميركيتين في نيروبي ودار السلام عام 1998 حيث أدان القضاء الأميركي الخرطوم قبل أن تلغي محكمة الاستئناف القرار، ورغم ذلك سددت حكومة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك 335 مليون دولار لتعويض أسر الضحايا.
ويعتقد الخبير القانوني أن هناك طريقا آخر سيختصر الوقت ويتجاوز التعقيدات القضائية في الوصول إلى أموال المتهمين لتعويض الدولة والمواطن، وهو "الاتفاق الدولي" بعد وقف الحرب، بإنشاء صندوق دولي يساعد في إعادة إعمار بنية الدولة ومؤسساتها وجبر ضرر المواطنين.
من جهته، يقول المحامي الفاضل أحمد المهدي إن "تمرد الدعم السريع يعتبر جريمة، وحميدتي اعترف في خطاباته بانتهاك القانون وإثارة الفوضى والتخريب والنهب والاستباحة الشاملة، على الرغم من أن قواته نشأت بحسب قانونها لمعاونة القوات المسلحة".
ويعتقد المحامي في تصريح للجزيرة نت أن "إعلان الدعم السريع السيطرة على مدن أو مواقع كانت آمنة، والانفلات الأمني والنهب الممنهج، إلى جانب الحبس القسري والتعذيب، أمور أدت إلى وقوع جرائم وانتهاكات بحق المواطنين، ينبغي أن تكون عليها محاسبة قانونية أمام القضاء الوطني أو الدولي".
وتتحمل قيادات الدعم السريع المسؤولية عن كل الانتهاكات التي حدثت على يد قواتها والمرتزقة الأجانب الذين جلبوهم، ولكن حل القوات بمرسوم من رئيس مجلس السيادة يوجب أن تكون القضايا ضد أشخاص بعد انتهاء الوجود القانوني للقوات، وفقا للمحامي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات قوات الدعم السریع مجلس السیادة یمکن أن
إقرأ أيضاً:
ارتفاع معدل جرائم القتل المروعة في صنعاء خلال يوليو الماضي
تصاعدت وتيرة الجرائم الدموية في العاصمة صنعاء، الخاضعة لسيطرة ميليشيا الحوثي، في مشهد يعكس انهياراً غير مسبوق للمنظومة الأمنية والقانونية، وتفكك الضوابط المجتمعية، وسط توسع رقعة الفقر وانتشار عصابات الإجرام.
وخلال شهر يوليو الماضي فقط، شهدت صنعاء سلسلة من الجرائم الوحشية التي هزّت الشارع اليمني، في ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية وحرمان الموظفين من رواتبهم للعام العاشر على التوالي، ما أسهم في تفشي الفوضى والسطو المسلح والاتجار بالبشر.
أحدث الجرائم تمثلت في مقتل مسن سبعيني يدعى الحاج قاسم ملهي، مساء أول من أمس، في حي شيراتون، على يد طليق ابنته مراد أحمد يحيى الجلة، الذي تربص به عقب خروجه من مسجد الأمير الصنعاني بعد صلاة العشاء.
وبحسب مصادر محلية، فقد باغت الجاني الضحية داخل العمارة التي يقطنها، وطعنه في خاصرته، قبل أن ينهال عليه بطعنات متفرقة في جسده، بينها عينه ورقبته، ثم أقدم على ذبحه بطريقة وحشية على خلفية خلافات أسرية، ليغادر المكان والدماء تغطي ملابسه.
جريمة أخرى صادمة أودت بحياة الشاب أحمد منصور السلطان، الذي اختفى لأيام قبل أن تُكشف تفاصيل مقتله على يد عصابة مكوّنة من ستة أشخاص. الجناة وهم أصدقاؤه استدرجوه إلى منزل أحدهم، ثم أقدموا على قتله وفصل رأسه عن جسده، ودفن الرأس في حي "العشاش"، واليد في "البليلي"، فيما صبوا الخرسانة على بقية الجثمان داخل منزل أحد القتلة. وتشير التحقيقات الأولية إلى أن الجريمة ارتُكبت بدافع السرقة.
كما شهدت صنعاء مطلع يوليو الماضي جريمة مروعة أُعدم فيها الشاب أمجد جمال الهمداني (18 عاماً) غدراً برصاصة في صدره أطلقها صديقه المقرّب، على متن سيارته، والذي استدرجه بحجة تقديم "الفزعة"، قبل أن يتخلص من جثته برميها في مكب نفايات بمنطقة الأزرقين شمال صنعاء.
وفي الأسبوع الأول من يوليو، هزت العاصمة حادثتان تقشعر لهما الأبدان: الأولى حين عُثر في حي الفليحي على أشلاء فتاة مجهولة الهوية، بعد أن قطعها القاتل إبراهيم شريم، ووزع أوصالها بين مجاري الصرف وبيت مهجور، بعد استدراجها وقتلها بوحشية بذريعه تقديمه مبالغ مالية لزوجها السجين.
وقبل أن يفيق الناس من هول الصدمة، اكتُشفت جريمة ثانية في حي بيت الوشاح قرب المطار، حيث وُجدت طفلة تبلغ (12 عاماً) مقطعة الأوصال داخل كيس بلاستيكي، بعد أن حمل كلب إحدى قدميها في فمه، في مشهد صادم أعاد التذكير بمدى الانهيار الأمني الذي تعيشه صنعاء.
وتزايدت في الآونة الأخيرة معدلات الجريمة المروعة في صنعاء والمناطق الخاصعة بقوة السلاح تحت سيطرة ميليشيا الحوثي، في ظل انفلات أمني غير مسبوق وتراخي الحوثيين عن ضبط الجناة وإنفاذ القانون، الأمر الذي فاقم من حالة الرعب المجتمعي.