بعد 12 عامًا من توقيع جنوب السودان على اتفاقية التعاون الإطاري لدول حوض النيل "عنتيبي"، وافق برلمان جوبا بالإجماع على التصديق على الاتفاقية، لتصبح الدولة السادسة التي تصادق عليها بعد إثيوبيا، رواندا، تنزانيا، أوغندا، بوروندي. وبذلك تدخل الاتفاقية حيز النفاذ بموجب المادة 43 منها التي تنص على تفعيلها بعد 60 يومًا من إيداع سادسة دولة تصديقها لدى الاتحاد الأفريقي.

تعد اتفاقية الإطار التعاوني Cooperative Framework Agreement (CFA) المعروفة اختصارًا بـ"عنتيبي"، أول محاولة لوضع إطار قانوني مؤسسي لدول حوض النيل مجتمعة، اتساقًا مع اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لاستخدام المجاري المائية الدولية في غير أغراض الملاحة لعام 1997، التي طالبت الدول المعنية في كل حوض بوضع إطار قانوني ملزم يحدد تفاصيل استخدام الموارد وآليات فضّ النزاعات بينها. وستحل الاتفاقية الجديدة بديلًا لمبادرة دول حوض النيل التي تم التوقيع عليها عام 1999، وكانت بمثابة منتدى غير ملزم للدول الأعضاء.

دوافع التصديق وآثاره

هذا التصديق يثير تساؤلين أساسيين ينبثق عنهما العديد من الأسئلة الفرعية:

دوافع جنوب السودان للتصديق، الآن، بعد 12 عامًا؟ هل ترتبط بمصالح جنوب السودان، أم بحوافز من دول أخرى مثل إثيوبيا، باعتبارها الفائز الأكبر من دخول الاتفاقية حيز التنفيذ؟ أم أن هناك دولًا إقليمية ودولية أخرى وراء ذلك؟ وهل تأخر هذا التصديق؟ ما الآثار المترتبة على دخول الاتفاقية حيز التنفيذ على مصر والسودان، وإثيوبيا وباقي دول حوض النيل؟ تصديق مفاجئ ومتأخر

يمكن القول إن هذا التصديق اتسم بكونه مفاجئًا ومتأخرًا في الوقت ذاته. فهو مفاجئ؛ لأن المتوقع هو تصديق كينيا التي كانت سابقة لجنوب السودان في التوقيع على الاتفاقية، كما أنه جاء متأخرًا 12 عامًا، وكان يُفترض أن يصادق عليه البرلمان منتصف العام الماضي. لكن يبدو أن الضغوط الدبلوماسية المصرية والإثيوبية والتي تدفع كل واحدة منهما في اتجاه، ساهمت في عدم حسم الأمر حينها.

هذه الضغوط استمرت حتى قبل أيام من التصديق، فوزير الري المصري زار جنوب السودان نهاية الشهر الماضي؛ لافتتاح عدد من المشروعات، قبل أسابيع قليلة من هذه الخطوة. وقبل يومين فقط من موافقة البرلمان على الاتفاقية، وقعت جنوب السودان وإثيوبيا اتفاقيات؛ لإقامة طرق برية على الحدود بينهما، فضلًا عن إقامة خط أنابيب لنقل نفط جنوب السودان عبر إثيوبيا إلى ميناء جيبوتي، أو ميناء بربرة في أرض الصومال، ومنهما إلى العالم الخارجي.

وجاء مشروع خط الأنابيب بعد الاضطرابات الأخيرة في السودان التي منعت نقل النفط عبر ميناء بورتسودان على البحر الأحمر. وقد تعهدت أديس أبابا بتحمل تكلفة المشروع المقدرة بـ 738 مليون دولار، على أن تقوم جنوب السودان بالسداد من خلال توريد النفط الخام إليها.

انحياز لإثيوبيا

تصديق جنوب السودان الذي انحاز للموقف الإثيوبي الداعم لدخول الاتفاقية حيز التنفيذ، يرجع لعدة أسباب:

رغبتها في الاستفادة من المشاريع المشتركة التي ستترتب على الاتفاقية: بعض هذه الجوانب عبرت عنها لجنة الموارد المائية والري بالبرلمان قبل عملية التصديق، ومنها تعزيز إمكانات الطاقة الكهرومائية، والتغلب على النقص المزمن في الكهرباء وانقطاعاتها المستمرة في البلاد، ومعالجة مخاوف الأمن المائي مثل الجفاف والفيضانات وتأثيرات تغير المناخ.
جنوب السودان تعد من الدول ذات الوفرة المائية، إذ يبلغ إجمالي موارد المياه المتجددة السنوية للشخص الواحد هناك 3936 مترًا مكعبًا، وهو من أعلى المعدلات وفق مقياس Falkenmark Water Stress Index  للإجهاد المائي. مشاكل توزيع المياه والبنية التحتية: تكمن المشكلة في جنوب السودان في توزيع المياه وتوفير البنية التحتية لنقلها لجميع أنحاء البلاد، وبالتالي باتت الحاجة للبحث عن مشاريع مشتركة لضمان عملية التوزيع، خاصة في ظل وجود أماكن تتعرض للجفاف في أقصى الشمال والجنوب. مواجهة التداعيات السلبية للأزمة الإنسانية: تمر جنوب السودان بأسوأ أزمة إنسانية في العالم بعد تفاقم عمليات النزوح؛ بسبب الحرب في السودان المجاورة العام الماضي، فضلًا عن الجفاف الذي ضرب مناطق عدة في البلاد، ونجم عنه معاناة قرابة ثمانية ملايين نسمة "ثلثي السكان"، من انعدام أمن غذائي شديد، وواجهت البلاد أسوأ أزمة جوع في تاريخها. تقوية موقفها التفاوضي: تسعى جنوب السودان لتقوية موقفها التفاوضي عند بحث ملف تقاسم المياه مع السودان. رغم أن جنوب السودان لا تعترف باتفاقية 1959 لتقسيم مياه النيل بين مصر والسودان، إلا أنها تظل إحدى القضايا العالقة بين الجانبين منذ استقلال جنوب السودان في 2011. رغبة النظام في إحراز أي إنجاز قبل الانتخابات المقررة نهاية هذا العام: خاصة في ظل استمرار العنف والاضطرابات الأمنية في البلاد منذ أوائل هذا العام، واضطرار الأمم المتحدة لنشر قوات حفظ سلام إضافية، مع تمديدها العقوبات المفروضة على البلاد؛ بسبب استمرار انتهاكات حقوق الإنسان، فضلًا عن استمرار التمرد المسلح جنوب البلاد بقيادة توماس سيريلو وجبهته الوطنية للخلاص. الضغوط الإقليمية الإثيوبية

ويمكن القول إن تصديق جوبا على اتفاقية عنتيبي يعد ثمرة الجهود الإثيوبية الدؤوبة لإقناع كل من جنوب السودان وكينيا بالتصديق على الاتفاقية لتدخل حيز التنفيذ. إثيوبيا تسعى لإثبات هيمنتها في حوض النيل، وإجبار مصر على الانصياع للاتفاقية بشكلها الحالي بعد رفضها الشديد للتحفظات المصرية. وقد وصف رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد هذا التصديق بأنه لحظة تاريخية لبلاده.

لقد حاولت إثيوبيا تقديم نفسها لدول المنطقة على أساس تحقيق المصلحة المشتركة للجميع، واستخدمت في ذلك مجموعة من الأدوات الاقتصادية والدبلوماسية. فعلى سبيل المثال، لديها مصالح اقتصادية في سوق جنوب السودان الناشئة وفي ثروتها النفطية، ووقع البلدان اتفاقية بشأن التجارة والتنمية الاقتصادية والكهرباء والنقل؛ فضلًا عن مشروع الطريق البري وأنبوب النفط.

فيما يتعلق بالجانب السياسي والأمني، لعبت إثيوبيا دورًا هامًا في انفصال واستقلال جنوب السودان عن السودان عبر دعمها للجيش الشعبي لتحرير السودان. كما أنها شاركت بدور هام في عملية صنع وحفظ السلام بين السودان وجنوب السودان خاصة في منطقة أبيي المتنازع عليها. هذا هو الفارق بين الجهود الإثيوبية والمصرية، حيث تركز إثيوبيا على الجوانب التنموية والدفاعية والاستخباراتية.

تداعيات التصديق على عنتيبي

وسيكون لدخول هذه الاتفاقية حيز التنفيذ، تداعيات عديدة:

الانتقال من مبادرة حوض النيل إلى مفوضية حوض النيل: الانتقال من مبادرة حوض النيل، وهي ترتيب انتقالي، إلى مفوضية حوض النيل، وهي مفوضية دائمة تشرف على تنفيذ الاتفاقية. إنهاء فكرة الحقوق التاريخية المكتسبة لمصر: وسيكون الحديث بدلًا من ذلك عن مبدأ الاستخدام العادل "المنصف" والمعقول. تطوير إجراءات الإخطارات التفصيلية: إنشاء مبادئ توجيهية لتبادل البيانات، وتقييمات الأثر البيئي، وحل النزاعات. إمكانية تصديق دول أخرى: تلعب إثيوبيا دورًا في ذلك عبر عدد من المشاريع الإقليمية. إمكانية انضمام السودان للاتفاقية: السودان مستفيد أيضًا من سد النهضة، والتقارب الأخير بين إثيوبيا والبرهان قد يؤدي إلى إمكانية انضمام السودان لهذه الاتفاقية مستقبلًا. تأكيد الهيمنة الإثيوبية في منطقة حوض النيل على حساب مصر: استمرار اتباعها سياسة الأمر الواقع، وعدم التشاور في استكمال عملية الملء والتشغيل الخاصة بسد النهضة. حصول المفوضية الجديدة على المشروعية القانونية الدولية: إمكانية الحصول على التمويل الدولي للمشاريع المشتركة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الاتفاقیة حیز التنفیذ على الاتفاقیة دول حوض النیل جنوب السودان فضل ا عن

إقرأ أيضاً:

خبير مصري يحذر من خطر داهم يهدد مصر والسودان بعد تأخير إثيوبيا فتح بوابات سد النهضة

#سواليف

كشف أستاذ الموارد المائية المصري #عباس_شراقي عن تأخير #إثيوبيا في #فتح# بوابات مفيض #سد_النهضة على الرغم من التحديات الفنية التي تواجه تشغيل التوربينات ونقص شبكة نقل الكهرباء.
وأثار هذا التأخير مخاوف مصرية وسودانية من تداعيات إدارة المياه في ظل اقتراب موسم الأمطار، مما قد يؤدي إلى هدر كميات هائلة من المياه دون استفادة فعلية، في وقت تعتمد فيه مصر على نهر النيل لتأمين 95% من احتياجاتها المائية.

وأكد الخبير الجيولوجي المصري أنه تُظهر الصور الفضائية انخفاضًا طفيفًا في مخزون سد النهضة بمقدار 4 مليارات متر مكعب منذ 5 سبتمبر 2024، حيث هبط منسوب البحيرة بحوالي 2 متر ليصل إلى 636 مترًا فوق سطح البحر، بإجمالي تخزين 56 مليار متر مكعب.

وأرجع الخبير المصري في منشور له عبر حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” سبب التأخير إلى مشاكل فنية في تركيب أو تشغيل التوربينات، إلى جانب عدم جاهزية شبكة نقل الكهرباء، مما يعيق استغلال الطاقة الكهرومائية المخطط لها.

مقالات ذات صلة حادثة غريبة على حدود مصر.. سائح كوري يحاول السباحة إلى إيلات 2025/05/19

وأضاف: “إثيوبيا تأمل أن تتمكن من تشغيل التوربينات، لكنها تتجاهل ضرورة التصريف الإجباري مع اقتراب موسم الأمطار، مما يهدر المياه التي خاضت من أجل تخزينها نزاعات دبلوماسية مع مصر والسودان على مدى خمس سنوات.”

وأشار شراقي إلى بدء هطول أمطار خفيفة في حوض النيل الأزرق منذ بداية مايو الجاري، بمعدل إيراد يومي يتجاوز 20 مليون متر مكعب عند سد النهضة، متوقعا زيادة هذا المعدل إلى 60 مليون متر مكعب يوميًا خلال أسبوعين، مع توقعات أولية تشير إلى أن هطول الأمطار سيكون حول المتوسط أو أعلى قليلًا.

وحذر من أن استمرار التأخير قد يؤدي إلى تصريف مفاجئ لكميات ضخمة تصل إلى 20 مليار متر مكعب قبل موسم الفيضان في يونيو، مما يتطلب تنسيقًا دقيقًا مع السودان ومصر لتجنب الفيضانات أو الإضرار بالبنية التحتية.

سد النهضة الإثيوبي

ويعد سد النهضة الإثيوبي الذي بدأت إثيوبيا بناءه عام 2011 على النيل الأزرق أكبر مشروع كهرومائي في إفريقيا بطاقة إنتاجية تصل إلى 6,450 ميغاواط عند اكتماله، يهدف إلى توفير الكهرباء لنحو 60% من سكان إثيوبيا الذين يفتقرون إليها، إلى جانب تصدير الطاقة إلى دول الجوار مثل السودان وجيبوتي.

ومع ذلك أثار السد نزاعًا مستمرًا مع مصر والسودان بسبب مخاوف من تقليص حصتهما من مياه النيل، حيث تعتمد مصر على النيل لتلبية 97% من احتياجاتها المائية، بينما تعاني بالفعل من فقر مائي بمتوسط استهلاك يبلغ 556 مترًا مكعبًا للفرد سنويًا بحلول 2025، وفقًا لوزارة الموارد المائية والري.

من جانبها، تؤكد إثيوبيا أن السد لن يقلل من تدفقات المياه إلى الدول المتأثرة، بل سيزيد من استقرار التدفقات عبر تقليل التبخر مقارنة ببحيرة ناصر، ومع ذلك، فإن غياب اتفاق ملزم حول تشغيل السد يبقي التوتر قائمًا.

وفي 2015 وقّعت الدول الثلاث إعلان مبادئ يدعو إلى التعاون، لكنه لم يتضمن آليات ملزمة، وفي 2023، أعلنت إثيوبيا اكتمال الملء النهائي للسد، مما أثار احتجاجات مصرية وصفت الخطوة بـ”غير القانونية”، وسط تقديرات تشير إلى أن السد قد يقلل تدفقات النيل إلى مصر بنسبة 2% في الظروف العادية، لكن في حالات الجفاف، قد يؤدي إلى خسائر أكبر، تهدد 200,000 فدان من الأراضي الزراعية.

مقالات مشابهة

  • واشنطن ترحل 8 مدانين بارتكاب جرائم إلى وجهة غير معلومة وتقارير تتحدث عن جنوب السودان
  • بادي يدشن برنامج توزيع السلة الغذائية للعائدين من دولة جنوب السودان
  • توقعات بانخفاض طفيف لدرجات الحرارة في معظم أنحاء السودان
  • بعد الخرطوم.. السودان يعلن خلو ولاية النيل الأبيض من (الدعم السريع)
  • قاضٍ فيدرالي أمريكي يمنع الإفراج عن مهاجرين تم ترحيلهم بشكل مفاجئ إلى جنوب السودان
  • محامون يتهمون إدارة ترامب بـانتهاك أمر قضائي لترحيلها مهاجرين إلى دولة إفريقية
  • الجيش السوداني يعلن السيطرة على ولاية الخرطوم بشكل كامل
  • خبير مصري يحذر من خطر داهم يهدد مصر والسودان بعد تأخير إثيوبيا فتح بوابات سد النهضة
  • الجيش السوداني يعلن السيطرة على أجزاء واسعة من منطقة صالحة جنوب أم درمان
  • السودان: انخفاض طفيف في درجات الحرارة وتحذيرات من طقس حار جداً شمال وغرب البلاد