واحدة من أشهر الادعاءات انتشارا في العالم حاليا هي الزَّعم بأن القارة القطبية الجنوبية (أنتاركتيكا) هي المكان المحرم والذي لا يمكن لأي أحد دخوله أو حتى المرور أعلاه بالطائرات.

وفي هذه الحالة تشترك خرافة "الأرض المسطحة" مع خرافة "الأرض المجوفة"، فيفترض مروجو الأولى أن القارة القطبية الجنوبية تحتوي على سور الأرض المسطحه، ويفترض مروجو الثانية أنها تحتوي على الثقب أو الباب الذي يمكن من خلاله أن تسافر إلى داخل الأرض، حيث توجد عوالم أخرى، وفي هذا السياق تظهر نظريات مؤامرة تقول إن هناك مجموعة خاصة من البشر تحاول التحكم في كل الكوكب.

أنتاركتيكا والطائرات

وفي هذا السياق عادة ما يسأل البعض: ولم إذن لا تمر الطائرات التجارية أعلى القارة القطبية الجنوبية؟ والإجابة ببساطة أن هناك أسبابا عدة تجعل غالبية خطوط الطيران تتجنب القارة القطبية الجنوبية، تأتي على رأسها الأحوال الجوية، حيث تتمتع القارة بمناخ متطرف سواء في درجات الحرارة أو العواصف الثلجية.

هذه الظروف تجعل من الصعب والمكلف إزالة الجليد وتسخين الطائرات وبشكل خاص الوقود، وكذلك الحفاظ على الرؤية المستمرة والاتصالات، والنقطة الأخيرة مهمة حيث إنه من الخطير للغاية أن تسافر الطائرات أثناء تساقط الثلوج، ليس فقط بسبب ضعف الرؤية ولكن لأن هذا الطقس البارد يمكن أن يعطل الاتصالات.

القارة نفسها مكان شاسع حيث تمثل خامس أكبر قارات العالم في المساحة، وهي أكبر من قارة أوروبا بالكامل، وعلى كل هذه المساحة فإنها غير مضيافة وليس من السهل بناء عدد كاف من مطارات الطوارئ (بيكساباي)

وبشكل عام يعد التنقل جوا في المناطق القطبية (شمالا أو جنوبا) معقدًا بشكل خاص بسبب المخاوف من المجالات المغناطيسية التي تكون مضطربة أعلى القطبين، بحيث يمكن أن تتداخل الأقطاب المغناطيسية مع البوصلات وأنظمة تحديد المواقع العالمية  الخاصة بالطائرات، مما يجعل من الصعب تحديد الموقع الدقيق واتجاه الرحلة.

أضف إلى ذلك أن القارة نفسها مكان شاسع، حيث تمثل خامس أكبر قارات العالم في المساحة، وهي أكبر من قارة أوروبا بالكامل، وعلى كل هذه المساحة فإنها غير مضيافة وليس من السهل بناء عدد كاف من مطارات الطوارئ.

الأمر ذاته يجري على أماكن عدة حول العالم وليس القارة القطبية الجنوبية فقط، فمثلا لا تمر الطائرات التجارية أعلى التبت، لأن ارتفاع هضبة التبت كبير، يصل إلى 4500 متر فوق سطح البحر وهذا يجعل من الصعب على الطائرات النزول إلى ارتفاع آمن في حالات الطوارئ.

أضف لذلك أن التبت منطقة جبلية يمكن أن تسبب اضطرابًا بحركة التيارات الهوائية وهو ما قد يشكل خطرا على الطائرات، خاصة وأن هذه الاضطرابات يمكن أن تؤثر على أنظمة الاتصالات والملاحة للطائرات، مما يجعل من الصعب على الطيارين التحكم في الرحلة. لكن هل سمعت أحدهم من قبل يسأل: لم لا تمر الطائرات أعلى هضبة التبت؟ ربما حينما تظهر لها نظرية مؤامرة جديدة تقول إن هناك من يتحكم في العالم ولا يريدنا أن نصل إلى السور الكبير.

خطوط الطيران ليست ممنوعة تماما من المرور أعلى القارة القطبية الجنوبية (ويكيبيديا) لكنها تطير

لكن كل ما سبق لا يعني أن خطوط الطيران ممنوعة تماما من المرور أعلى القارة القطبية الجنوبية، فبعض شركات الطيران بالفعل تتخذ مسارات تمر أعلى الحواف الخارجية للقارة، لكن ذلك غير شائع.

أضف لذلك أن بعض الشركات تقدم رحلات سياحية للقارة، وتنطلق تلك الرحلات في المقام الأول من أستراليا ونيوزيلندا، ولا تهبط  على القارة ولكنها توفر للركاب مشاهدةً جوية للمناظر الطبيعية الجليدية.

كما تحلق الطائرات التابعة لمهام البحث العلمي فوق القارة القطبية الجنوبية، وفي بعض الأحيان قد تحلق الطائرات العسكرية فوق القارة للدعم اللوجستي أو للمساعدة في مهام البحث.

ليست مكانًا مغلقًا

من جانب آخر، فالقارة ليست خالية تماما من البشر، بل مسكونة بالكثير من العلماء.

كانت أنتاركتيكا بالفعل موطئًا لأقدام البشر منذ اكتشافها سنة 1820، وبحلول سنة 1959 كانت هناك 7 مطالبات من دول عدة بملكية أنتاركتيكا، ولكن مع تطور الحرب الباردة وانشغال العالم بالصراع بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة، تم توقيع "معاهدة أنتاركتيكا" لأول مرة من قبل 12 دولة، لإنهاء الخلافات حول حكم القارة.

وأقرت المعاهدة أن القارة لا تنتمي لأحد. في هذه الأثناء استغلت فرق من العلماء حول العالم هذا الموقف المحايد للحصول على دعم واسع للبرامج العلمية في القارة، وبالفعل نجح الأمر ونشأت مؤسسات دولية رسمية مختصة بتنسيق الأبحاث العلمية في القطب الجنوبي، فأصبحت القارة القطبية الجنوبية مركزا علميا عالميا.

تستهدف تجربة آيس كيوب في القارة القطبية الجنوبية رصد جسيمات النيوترينو عالي الطاقة (ويكيبيديا) قارة العلوم

بل إن إحدى أكبر التجارب العلمية في العالم توجد الآن في قارة أنتاركتيكا، وهي تجربة مكعب الثلج "آيس كيوب"، ومن الاسم يبدو شكل التجربة فهي مكعب ثلج عملاق بطول وعرض كيلومتر كامل، مع أقصى عمق عند 2.5 كيلومتر تحت سطح القارة القطبية الجنوبية، وهي ببساطة محاولة لاستغلال طبيعة القارة الثلجية لخدمة العلم. حيث تستهدف التجربة دراسة أحد أكثر أنواع الجسيمات مراوغة في عالم الفيزياء وهو النيوترينو عالي الطاقة، والذي يأتي إلى الأرض من مصادر مجرية عميقة جدا مثل بقايا المستعرات الأعظمية أو النوى المجرية النشطة وانفجارات أشعة غاما.

وقد التقطت أول اشارات النيوترينو عالي الطاقة في عام 2017 واكتشف العلماء أن المصدر هو مركز متوهج لمجرة ضخمة اسمها "تي إكس إس 0506+056" تقع على مسافة حوالي 5.7 مليارات سنة ضوئية، وتوالت الاكتشافات منذ ذلك الحين.

ويعد آيس كيوب مجرد مثال واحد. في الواقع، فإن التجارب البحثية في القارة القطبية الجنوبية كثيرة بحيث لا توجد إجابة محددة لعدد التجارب العلمية هناك، لأن العدد يتغير كل شهر. لكن في المتوسط، يتراوح عدد الأشخاص الذين يقومون بالبحث العلمي في القارة والجزر القريبة من حوالي 4800 شخص خلال موسم الصيف إلى 1200 شخص خلال الشتاء.

ولذلك توصف القارة القطبية الجنوبية أحيانًا بأنها "قارة العلوم"، وهناك عدد من الأسباب التي تدفع العلماء من نطاقات أخرى غير الفلك والكونيات إلى الذهاب إلى القارة القطبية الجنوبية لدراسة جوانب مختلفة من العلوم، مثل نظامها البيئي الفريد وسجل بياناتها المناخية.

في هذا السياق فإن القارة القطبية الجنوبية مهمة لفهم كيفية عمل الأرض كنظام، وكيف تتكيف الحياة مع البيئات القاسية، وكيف يؤثر البشر على البيئة، وكيف يؤثر تغير المناخ على الكوكب. ووفقًا للمسح البريطاني للقارة القطبية الجنوبية، يلعب مجتمع أبحاث القطب الجنوبي النابض بالحياة دورًا رائدًا في الجهود الدولية للتحقيق في التغير البيئي ومراقبته في المناطق القطبية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات فی القارة أن القارة من الصعب یمکن أن

إقرأ أيضاً:

اليمن.. خطوات عاجلة لضمان الأمن الاقتصادي بالمحافظات الجنوبية

أكد عضو هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي اليمني علي الكثيري في تصريح حاسم، أن الإجراءات التي يتخذها المجلس تأتي ضمن مسؤولياته لحماية الأمن القومي للجنوب واستقرار محافظاته، معرباً عن رفضه المطلق لما أشار إليه رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي بشأن تجاوزات مفترضة.

وقال الكثيري إن ما صدر عن الدكتور رشاد العليمي مردود عليه بالكامل، مشدداً على أن الجنوب لم يتخذ أي خطوات تمس المحافظات الشمالية، بل ركز على ضمان الأمن والاستقرار الداخلي.

وأضاف أن كل تحرك أمني واستراتيجي للمجلس الانتقالي الجنوبي يندرج ضمن مسؤولياته في مجلس القيادة والحكومة، وأن أي جهة لا يمكنها تعطيل هذه الإجراءات.

وأكد الكثيري أن حماية الأمن القومي للجنوب أولوية لا يمكن التفريط فيها، وأن أي خلل في الشراكة داخل مجلس القيادة الرئاسي يدفع المجلس لاتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية مصالح شعب الجنوب وتحقيق الاستقرار في المحافظات.

وأشار إلى أن الإجراءات الحالية ليست جديدة، بل جاءت لمعالجة اختلالات قائمة منذ توقيع اتفاق الرياض عام 2020، مشدداً على أن وجود المنطقة العسكرية الأولى في وادي حضرموت كان يمثل خطراً أمنياً يغذيه الحوثيون وأنشطة التهريب، بينما القوات الجنوبية تقاتل الحوثي على الجبهات، ما يهدد الأمن الاقتصادي والاجتماعي ويستدعي خطوات عاجلة لحماية البنى الاقتصادية المحلية.

وأوضح الكثيري أن المجلس الانتقالي يتخذ خطواته ضمن منظومات مجلس القيادة والحكومة بعيداً عن أي صدام سياسي أو عسكري، مشدداً على أن القوات المسلحة الجنوبية تمتد على كامل الجبهات في الجنوب، وأن الترحيب الشعبي بهذه القوات في محافظات حضرموت والمهرة يؤكد أن الإجراءات تهدف إلى تأمين الأرض وحماية الاقتصاد المحلي.

وأكد الكثيري أن الهدف النهائي للمجلس الانتقالي ليس الانفصال، بل استرداد الحقوق المسلوبة منذ عام 1994، بما يشمل السيادة والقدرة على إدارة الموارد المحلية واستقرار الاقتصاد، وأن هذه الإجراءات تستند إلى التفاهم والحوار وليست فرضاً، لضمان حماية الاقتصاد المحلي وترسيخ الأمن والاستقرار وتهيئة بيئة مناسبة للاستثمار والتنمية في الجنوب.

وتأتي هذه التصريحات في ظل استمرار التوترات بين المجلس الانتقالي الجنوبي ومجلس القيادة الرئاسي، وسط جهود المجلس لضمان الأمن والاستقرار في الجنوب ومواجهة الحوثيين، مع الحفاظ على استقرار الاقتصاد المحلي وتأمين الموارد، في خطوة تهدف إلى تعزيز الحكم المحلي وتحقيق التوازن بين الشراكة السياسية والأمنية في البلاد.

والمجلس الانتقالي الجنوبي تأسس عقب اندلاع الاحتجاجات في الجنوب عام 2017، ويعمل على استرداد الحقوق المسلوبة منذ عام 1994، بما يشمل إدارة المحافظات الجنوبية وضمان استقرارها الأمني والاقتصادي، كما خاض معارك مستمرة ضد الحوثيين بهدف حماية الأراضي الجنوبية من النفوذ العسكري والتهريب وتأمين الموارد المحلية.

يونسكو تدين احتجاز “أنصار الله” تعسفيًا لموظفي المنظمة في اليمن

أعرب خالد العناني، المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، عن غضبه الشديد إزاء استمرار جماعة “أنصار الله” في اليمن باحتجاز أربعة من موظفي المنظمة بشكل تعسفي، فيما يُحتجز أيضًا 59 من زملائهم في الأمم المتحدة، إضافة إلى عشرات الموظفين في المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية.

ووصف العناني هذه الانتهاكات بأنها غير مقبولة تمامًا، مطالبًا بإطلاق سراح جميع المحتجزين دون تأخير أو شروط، ومؤكدًا وقوف المنظمة إلى جانبهم والضغط الدبلوماسي لضمان سلامتهم.

وأشار البيان إلى أن موظفي اليونسكو المعتقلين كانوا يؤديون مهامهم في دعم التعليم وتمكين الشباب، وأن اثنين منهم حُوّلوا إلى ما يسمى بالمحكمة الجنائية الخاصة بتهم ملفقة تتعلق بالتجسس المرتبط بأنشطتهم الرسمية.

وأوضح العناني أن هذه الاعتقالات التعسفية، التي تتم دون أي إجراءات قانونية، تمثل انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان والقانون الدولي، مؤكدًا تضامنه العميق مع المحتجزين وعائلاتهم.

مقالات مشابهة

  • لماذا أثارت أسعار تذاكر كأس العالم المقبل غضب المشجعين؟
  • خيوط المؤامرة من «حانات» الرياض إلى تهجير غزة.. هندسة المنطقة على وقع الخراب والانسلاخ!!
  • قصة البحيرة الزرقاء.. لماذا لا يدخلها السياح إلا بعد مسح أحذيتهم؟
  • كوريا الجنوبية تسجل انخفاضًا قياسيًا في الزواج 
  • تشكيلات كثبان وحقول نجمية وسبخات.. لماذا «الربع الخالي» من أكبر الصحاري الرملية في العالم؟
  • بالصور... حريق في الضاحية الجنوبية
  • لماذا يُطلب من السيّاح مسح أحذيتهم قبل زيارة أنقى بحيرة في العالم؟
  • روسيا تسجّل أكبر ليلة لإسقاط الطائرات المسيّرة الأوكرانية
  • اختبارات نظرية وعملية لـ 60 مٌحَكمة في ورشة عمل بمركز المنتخبات
  • اليمن.. خطوات عاجلة لضمان الأمن الاقتصادي بالمحافظات الجنوبية