الكِتَاب.. صديق المبدع وبيت الأفكار المُلهمة
تاريخ النشر: 12th, August 2024 GMT
هزاع أبوالريش (أبوظبي)
«قل لي ماذا تقرأ أقل لك من أنت»، هذا القول الحكيم ينطبق على الجميع، لكنه في حالة الكاتب تتضاعف أهميته وتصبح القراءة ضرورة لازمة، إذ إنها تجعله متميّزاً بفكره، وطرحه، وكل ما يقدمه من إنتاج في مختلف الأجناس الأدبية، فلا نستطيع أن نتميز ونبدع دون قراءة وإطلاع دائم ومستمر. هكذا يظل الكتاب أيقونة للإبداع، ومصدر الأفكار الجديدة، والمفردات اللغوية المتنوعة التي تؤهل الكاتب لأن يتناول موضوعه بكل رشاقة وحيوية متنقلاً في بساتين المعرفة، محلقاً في فضاءات المعلومات التي ينهلها من ذلك الزخم الهائل، عبر أفكار الآخرين وكتاباتهم الملهمة.
يقول حسن بن شرفا: للكتب أهميّتها ومكانتها، وقيمتها الفكرية، وتعمل على إنارة العقل والأفكار، وإزاحة الغبار المتراكم في زوايا التفكير، فلا نستطيع أن ننتج ونبدع ونستمر في العطاء الفكري دون قراءة وإطلاع دائم ومستمر. فوجود الكتاب في حياة الفرد يحفز لديه طاقة الجذب للأفكار، والتنوع القرائي حصيلة فكرية معرفية ثقافية تثري الشخص وتجعله أكثر عطاء، ومن ثم يكون لديه كم هائل من المفردات وثراء لغوي كبير، ما يؤهله لأن ينتج ويبدع ويتميز.
ويتابع ابن شرفا: وما يميّز الكتاب أنه هو الصديق الذي إن لم ينفعك فلن يضرك، وهو دائماً يمثل الإضافة الحقيقية للقارئ، ووجوده يعزز من نشاط خلايا العقل والطاقة الإيجابية التي تجعلك أمام حالة من العطاء الفكري، والنشاط الحيوي الذي يشجعك على الكتابة في شتى الفنون الأدبية، ولكن الغريب في الأمر حين نشاهد بعض الكتّاب الذين لا يقتنون الإصدارات والمؤلفات ولا توجد لديهم مكتبة خاصة تحتوي على أمهات الكتب، فكيف يمكن أن يستمر في التألق الإبداعي وهو لا يقرأ أفكار الآخرين ولا يطلع على إبداعاتهم كي يستلهم الأفكار التي قد تميّز كتاباته، فالكتابات الأخرى تحفز قريحة المبدع وتستفز مشاعره لأن ينتج وتكوّن له حصيلة من الأفكار والمفردات والمعاني التي تثري إبداعه وتسهم في صقالة مهاراته اللغوية والفكرية.
عملية تكاملية
من جانبها، تقول الشاعرة والكاتبة برديس فرسان خليفة: وجود الكتاب في حياة المبدع يحفزه لأن يقدم ما هو متميز ومنفرد، حيث يطلع على إبداعات الآخرين ويكون ملماً بمجريات الأفكار المختلفة والمتنوعة التي تجعله يقدم عملاً مختلفاً بعد اطلاعه على الأعمال الأخرى المتنوعة. فلا يستطيع المبدع أن ينتج عملاً ملهماً للآخرين دون الرجوع للأفكار السابقة وما طرح ضمن سياق الفكرة حتى يتمكن من تقديم عمل يعد إضافة حقيقية للقارئ، ملامساً الواقع بتجلياته وفصوله، متناولاً ما يثري مخيلة القارئ، مروراً بأفكار الآخرين، وصولاً إلى الأفكار الجديدة التي يمكنها أن تكوّن أفكاراً تثري الإبداع، وتكون ملهمة للآخرين، فالمسألة تكاملية، والجميع معني باستكمال المسيرة الإبداعية، ولا يأتي هذا التكامل إلا بالقراءة والاطلاع، وأن يكون للكتاب دور مهم في حياة المبدع. وتضيف برديس فرسان خليفة: يجب علينا أن ندرك أهمية الكتاب، ووجوده بيننا، وأن يكون أمامنا دائماً، سواء في مكتبتنا الخاصة أو منزلنا، أو في جهة عملنا، فبمجرد وجودة يعطينا الدافع لأن نستمر ويجعل مشاعرنا دائماً يقظة، وأفكارنا مستنيرة بما هو جديد يلهمنا لأعمال قادمة أكثر تألقاً وإبداعاً وتميزاً.
تنمية المهارات
الكتابة عائشة عبدالجواد الجسمي، توضح أهمية الكتاب العظمى في حياة الفرد بشكل عام، والمبدع بشكلٍ خاص، كونه يعد مصدراً رئيساً في تنمية مهارات الكاتب الإبداعية، سواء كانت لغوية أو فكرية، وفي ظل وجوده في أرفف المكتبات الخاصة وفي منازلنا، فهو يغذي حواسنا، ويجعل بصرنا متشبعاً بجمالية الأغلفة، وتنوع العناوين التي نمر عليها بشكل يومي، مما يعزز في داخلنا جملاً ومفردات وعناوين ترتسم في أذهاننا لأن تشكل في يوم ما عملاً إبداعياً، سواء كان تعقيباً على أفكار الآخرين أو استلهاماً منها، أو عملاً جديداً من خلال هذا الثراء المعرفي. فالفكرة لا تأتي إلا بحافز من فكرة أخرى، فجميع تلك الكتب عبارة عن مجموعة من الأفكار المتناثرة بيننا، ووجودها في الأساس اقتناص لفكرة ما، وقد تتشكل بطبيعة الحال لفكرة جديدة تواكب مرحلة وزمناً معيناً، وموقف قد يترك أثراً في نفسك لأن يكون الكتاب هو المرجع لاستفزازك على إنتاجية عمل جديد في مسيرة حياتك الإبداعية.
المصدر: صحيفة الاتحاد
إقرأ أيضاً:
“موت الإنترنت” قد يكون قريباً
في عام 2022م، أصدرت الشرطة الأوروبية تقريراً بعنوان “مواجهة الحقيقة؟ تطبيق القانون وتحدي التزييف العميق”، واقتبس منه لاحقاً موقع عبارة مفادها “الخبراء يقدرون أن نحو 90 % من المحتوى الرقمي سيكون مولداً اصطناعياً في غضون عام 2026م”. المفارقة الأولى أن هذا الاقتباس لم نجده في التقرير، وربما هذا ما قربنا خطوة نحو نظرية “الإنترنت الميت” التي تُصنف على أنها نظرية مؤامرة، بدأت في النصف الثاني من مطلع الألفية.
النظرية تفترض أنه بسبب تطور الذكاء الاصطناعي والمحتوى المزيف، سيفقد الإنترنت مصداقيته بوصفه مصدر معلومات، وسينتهي الأمر بهجرانه كلياً منهلاً للمعرفة، لأننا سنكون أمام محتوى لانهائي يولده الذكاء الاصطناعيّ، محتوى المفترض أن يهيمن العام المقبل، لكن المؤشرات تقول إن “موت الإنترنت” قد يكون أقرب.
يبدو أن أول منصة قد تدخل “الموت” هي Pinterest، تطبيق الصور الشهير الذي عانى مستخدموه بكثرة انتشار المحتوى المزيف الذي هيمن عليه، ما دفع المنصة إلى محاولة مواجهة المشكلة تحت اسم “الشفافية” عبر إطلاق تاغ أو تصنيف للصور المصنوعة بالذكاء الاصطناعي، ما يتيح تفاديها أو عدم رؤيتها. لكن، قبل ذلك، عانت المنصة نفسها مشكلة طرد المستخدمين وحجبهم. والسبب، خطأ في الذكاء الاصطناعي المسؤول عن تصنيف الصور.
يتزامن هذا التفسير مع كم البروباغاندا والصور والأخبار المزيفة التي بدأت منذ الحرب على أوكرانيا وتضاعفت مع حرب الإبادة التي يشنها العدو الصهيوني على غزة، الأمر الذي وصفه جان كلود غولدستاين، المدير التنفيذي لشركة CREOpoint المختصة بتقييم المصداقية الرقمية بأنه “سيصبح أسوأ، قبل أن يتحسن”. هذا التصريح كان في عام 2023م، ويبدو أن غولدستاين، لم يتوقع أن يشارك دونالد ترامب فيديو مولّداً بالذكاء الاصطناعي عن تحويل غزة إلى منتج سياحيّ كبير.
تنامت الظاهرة في الآونة الأخيرة مع انتشار الـBrain rot، والـAI Slop. ملايين الفيديوهات عن كائنات غريبة ومحادثات هاتف مزورة بهدف الضحك. وفيديوهات للمشاهير تتغير فيها أشكالهم. نحن أمام محتوى مولّد عبر الذكاء الاصطناعي، ازداد بعد ظهور “تشات جي بي تي”. محتوى وصف بأنه “يخنق الإنترنت”، وأصبح تفاديه أصعب منذ قرّرت “ميتا” التخفيف من شروط الرقابة على المحتوى.
الحروب والأحداث التي تشهدها المنطقة وما ترافق معها من صور وفيديوهات مزيفة وأخرى مولّدة عبر الذكاء الاصطناعي، ربما تسرع في هذه موت الإنترنت، خصوصاً أن عمليات التحقق من الزائف والمولّد بالذكاء الاصطناعي ونتائج هذا التحقق، لا تنال الانتشار نفسه ولا الشهرة نفسها التي تنالها الصورة المزيفة. والمثال الأبرز هو صورة البابا فرانسيس وهو يرتدي معطفاً لافتاً للانتباه، وتم تداولها لفترة قبل نفي صحتها. اللافت أن من ولّد الصورة لم يكن رجل دعاية، أو منظمة سياسية أو دينية، بل بابلو إكزافييه، عامل بناء من شيكاغو، كان يتسلى من دون أي هدف.
الملاحظ إذن أن مصدر الفيديوهات المزيفة لا يهدد انتشارها ولا كميتها، بل يهدد علاقتنا بـ “الإنترنت” نفسه، بل يمكن القول إن منصات التواصل الاجتماعي بأنواعها، تحولت إلى ساحات حروب حقيقية، تخوضها دول وحكومات ومشاهير، ضمن ما يمكن تسميته بالـHypnocracy، أو الحكم عبر التنويم المغناطيسي، عبر بث عدد لانهائي من العلامات والصور التي تصل قدرتها التأثيرية حد تنويمنا مغناطيسياً. أحد أعراض هذا الشكل من “الحكم” هو ما يسمى الـDoom scrolling، أي إمضاء ساعات طويلة في تصفح الريلات، الآلاف منها الحقيقية والمزيفة والمصممة بدقة، كي “تستعمر” انتباهنا.
ويبدو أن أول خطوة أبعد نحو “موت الإنترنت” بدأت مع “غوغل”، الذي بدأ باستخدام الذكاء الاصطناعي لنشر ملخصات عن نتائج البحث في كل صفحة، ما يعني أن المستخدم لن يضغط على الرابط ليقرأ، وسيكتفي بالملخص، ما يشير إلى أن الانتباه الآن محط صراع حتى قبل “استعماره”. منذ لحظة البحث الأولى، تختصر عملية التصفح إلى قراءة ملخّص سريع عما نريد، عملية تدفع الإنترنت أكثر نحو “المقبرة”، ولعلّها تعيد إلينا السيادة على انتباهنا.