لم تفصل سوى ساعات محدودة بين مغادرة رئيس مجلس السيادة الإنتقالي عبد الفتاح البرهان إلى العاصمة الرواندية كيغالي للمشاركة في مراسم تنصيب الرئيس الرواندي بول كاغامي، وبين إعلان رئيس الوفد الحكومي السوداني محمد بشير أبو نمو انتهاء المشاورات مع وفد أمريكي في مدينة جدة السعودية دون التوصل إلى اتفاق حول إرسال وفد سوداني إلى محادثات جنيف، المقررة بعد أيام، فهل هي مجرد صدفة لحدثين مبرمجين سلفاً أم أن هناك رابطاً بين الأمرين ؟

وهل يتعرض السودان بالفعل إلى ضغوط أمريكية يريد أصحالها أن يحققوا مكسباً انتخابياً في شهر نوفمبر القادم، أم أن هناك رغبة حقيقية، في إنهاء معاناة السودانيين أم أن الإدارة الأمريكية لا تهمها سوى مصلحتها وسط تخوف من توجه السودان إلى محور روسيا ؟

ومنذ منتصف أبريل من العام الماضي يشهد السودان حربا بين الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع في عدة ولايات، أدت إلى نزوح ولجوء ملايين السكان عقب انتهاكات واسعة مارستها المليشيا.


ووصل البرهان، وبرفقته مدير جهاز المخابرات العامة الفريق أول أحمد إبراهيم مفضل، إلى كيغالي والتقى بوزير الخارجيّة المصري بدر عبد العاطي.

وقال المتحدّث الرّسمي باسم وزارة الخارجية المصرية أحمد أبو زيد، إن ّ “الوزير أكّد استمرار دور مصر الدّاعم للسّودان ومؤسّساته ووحدة وسلامة أراضيه، وعدم التدخّل في شؤونه الدّاخليّة. كما حرص على التّأكيد على حرص مصر للاستجابة لأية احتياجات إنسانيّة وإغاثيّة من جانب ​السودان​ الشّقيق”.

وأوضح أبو زيد أنّ “اللّقاء قد تناول الجهود الرّامية لإحلال السّلام والاستقرار فى دولة السّودان الشّقيقة، حيث شدّد وزير الخارجيّة على استمرار اضطلاع مصر بدورها فى مساعدة الأشقّاء السّودانيّين على تجاوز الأزمة الرّاهنة، بما يصون للسّودان وحدته وسلامة أراضيه، ويدعم مؤسّسات الدّولة السّودانيّة وتلبية تطلّعات الشّعب السوداني الشّقيق”.

بول كاغامي.. من لاجئ إلى قائد للنهضة
ذكرت تقارير إعلامية بأن بول كاغامي قائد عسكري وسياسي رواندي من عرقية التوتسي، ولد عام 1957 في أسرة من سلالة السلاطين. قاد الجبهة الوطنية الرواندية إلى النصر على نظام الهوتو بعد المجازر العرقية التي شهدتها البلاد في ربيع عام 1994.

تولى رئاسة رواندا بتزكية من البرلمان في مارس 2000، ثم انتُخب في الأعوام 2003 و2010 و2017. وفي عام 2015 عدَّل الدستور ليتسنى له الترشح إلى الرئاسة 3 فترات أخرى تنتهي عام 2034، وأعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية بروندا في 15 يوليو الماضي.

ووافق ميلاده استعداد بلجيكا لمنح الاستقلال لرواندا بعد عقود طويلة من التمييز والفصل العنصري والعرقي بين الهوتو والتوتسي، ويوصف بأنه رجل البلاد القوي الذي كان زعيم المتمردين إبان حرب الإبادة قبل أن يتحول إلى رئيس للدولة وقائد زمن النهضة والبناء، وإلى مهندس مرحلة إعادة الإعمار.

وفي السابع من أبريل، قاد كاغامي مراسم إحياء ذكرى مرور 30 عاماً على الإبادة الجماعية التي وقعت عام 1994 وأودت بحياة أكثر من مليون شخص

السلام وأساسيات الاتحاد الافريقي
قال بول كاغامي في حفل تنصيبه رئيسا :” أشكر الروانديين بأنهم شرفوني أن أخدم كرئيس لفترة أخرى ، نحن ممتنون لكل رؤساء الدول والحكومات، الذين انضموا إلينا، أو أرسلوا مناديبهم، العديد منكم رافقوا دولتنا وشعبنا عبر هذه الرحلة الممتدة لثلاثين سنة من البناء”.

وتابع :” الحملة الانتخابية كانت فترة مرح وسعادة لنا جميعا، الملايين قد حضروا التجمع والمسيرات، والجميع ذهب إلى صندوق الاقتراع، ولكن الامر لم يتعلق بالأرقام فحسب، وانما هناك معانٍ أعمق حيث أننا رأينا الحقيقة التي لا ينبغي أن ننكرها، حاجة ينبع من روح الوحدة بين الروانديين وكذلك المصير المشترك لان نكون ولأن نمتلك مستقبلنا وهذا بالضبط ما ظللنا نشتغل عليه كل هذه السنوات”.

وزاد بالقول :” بدلاً من أن نترك وراءنا بعض القرارات، وعمليتنا السياسية مصممة لتجديد وتعميق وحدتنا، كل الثلاث عقود الماضية. أي ما تمكن الروانديون من إنجازه أكثر مما كنا نتوقعه، لا شك أن الأمر يتجاوز ما كنا نستطيع ان نعبر عنه بكلمات بالنظر الى حيث بدأنا، ماضينا المليء بالمأساة والذي اشعل هذا الروح وهذا الامل شعلة الأمل والمقاومة والعدالة”.

واستدرك :”السلام أولوية لكن مع ذلك السلام مفقود خاصة في شرق رواندا، السلام لا يمكن أن يتحقق من تلقاء نفسه، وجميعنا علينا أن نقوم بما يلينا ونقوم بما هو صحيح”.

وزاد بالقول :” ما يهمنا هو أن نرى شعوبنا يعيشون بسلام، وبأمان وبصحة ويعيشون حياتهم كريمة، هذه من الأساسيات منذ إنشاء الاتحاد الافريقي، نحن كأفارقة نضالنا كثيرا ضد الظلم وعلينا أن تعترف بضرورة مواكبة أنظمتنا السياسية لتطلعات شعوبنا”.

تغريدة بيرليو
وفي الجانب الاخر، وبعيداً عن حفل التنصيب، أكد المبعوث الأميركي الخاص للسودان توم بيريلو،، التزام الولايات المتحدة بإنهاء معاناة السودانيين.
وقال بيريلو على حسابه في منصة “إكس عقب وصوله جنيف”: “كمضيفين مشاركين، يسعدني الوصول إلى جنيف من جدة لإطلاق هذا الجهد الدولي العاجل في سويسرا لإنهاء الأزمة في السودان”.

وأوضح: “بالإضافة إلى المشاورات مع الأطراف، سمعنا من عشرات الآلاف من المدنيين داخل وخارج السودان، وكانت رسالتهم واضحة: إنهم يريدون إنهاء الرعب اليومي من القصف والمجاعة والحصار، والولايات المتحدة وشركاؤها ملتزمون بالاستجابة لهذا النداء”.

ويبقى السؤال، بين خطاب التنصيب، الذي استمع إليه البرهان، وقصة نجاح رواندا التي قادها كاغامي بنفسه لثلاثين عاماً، وبين عودة وفد المفاوضات السوداني من جدة دون أن يُحدث اختراقاً في العلاقة بين الدولتين، وتغريدات المبعوث الأمريكي الخاص للسودان، ترى بأي خلاصات سيعود الرئيس البرهان إلى بورتسودان ؟

كيغالي – المحقق – طلال إسماعيل

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: بول کاغامی

إقرأ أيضاً:

إنهم الآن يذوقون من الكأس ذاتها التي أرادوا أن يذيقوها للسودان

حول تلقي رئيس مجلس السيادة رسالة من رئيس جمهورية إفريقيا الوسطى، فوستين أرشانج تواديرا، نقلها له مدير جهاز المخابرات، مستشار الرئيس.

كلما تقدم جيش الدولة ومُسانديه، بقيادة متحرك “الشهيد الصيّاد”، نحو الغرب والجنوب لاستعادة الأراضي المحتلة وتحرير جغرافيا البلاد من مليشيات أبوظبي، وفكّ أسر ملايين الرهائن من السودانيين في مناطق الاحتلال الإماراتي، كلما ازداد شعور دول الجوار الغربي والجنوبي بالخوف والقلق على مستقبل استقرارها وأمنها الداخلي.

فالانعكاسات الجيوسياسية المتوقعة لهذا التقدم العسكري، ميدانياً وعلى جبهات متعددة، ستكون عميقة وذات آثار تمتد عبر جغرافيا السهل الإفريقي حتى شواطئ الأطلسي. دول الجوار السوداني المباشرة تواجه احتمال تحوّل أراضيها إلى وجهة عكسية لمرتزقة أبوظبي، وهذه المرة سيكونون مدججين بالسلاح الثقيل والطائرات المسيّرة المتطورة. وهو ما سيدفع غالبيتهم ممّن لن يتمكنوا من الانتقال للضفّة الشمالية للمتوسط من الالتحاق بالحركات المتمردة والمطلبية داخل تلك البلدان، مما يزيد من تعقيد مشهد عدم الاستقرار فيها، بل وستتحوّل تلك الدول إلى أسواق مرتزقة، ومناطق تنافس جيوسياسي سيفاقم تعقيداتها الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.

إنهم الآن يذوقون من الكأس ذاتها التي أرادوا أن يذيقوها للسودان، حين شاركوا في مؤامرة إغراق السودان في الفوضى، واستبدال شعبه، وإعادة هندسة ديمغرافيته وأمنه القومي، واستتباع مؤسساته السيادية. فتحوا حدودهم ومطاراتهم لتحويلها إلى مراكز استيراد للمرتزقة والعتاد، في محاولة للتخلص من عناصر عدم الاستقرار القادمة من بلادهم وعبرها، ولأجل مكاسب مادّية رخيصة لنخب فاسدة عابثة بأمن واستقرار الإقليم. واليوم، أعتقد أنهم يسارعون إلى السودان في محاولة للتنسيق واحتواء آثار تلك التداعيات.

وتبدو الدولة، في هذا السياق، تتعامل بعقل ومسؤولية وهدوء مع هذه الملفات، واضعةً على رأس أولوياتها إنهاء حرب الغزو والعدوان، واستكمال تحرير البلاد، وبسط السيادة، وتحقيق الاستقرار. وبعد ذلك، قد يأتي النظر في ما تحدث عنه الفريق أول ياسر العطا بشأن “ردّ الصاع صاعين”.

Ahmad Shomokh

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • وزير المالية السوداني: وقف الحرب أولا وشعبنا سيحكم نفسه بنفسه
  • مدير مخابراتها التقى البرهان ومفضل.. افريقيا الوسطى.. “اعادة ضبط المصنع”
  • إنهم الآن يذوقون من الكأس ذاتها التي أرادوا أن يذيقوها للسودان
  • البرهان يصدر قرار عاجل بشأن إتهامات أمريكية بإستخدام الجيش السوداني أسلحة كيميائية في الحرب
  • البرهان يُشكل لجنة للتحقيق بمزاعم استخدام السودان أسلحة كيميائية
  • السوداني يوجه بتسهيل عمل المقاولين ومعالجة المعوقات التي تواجههم
  • زيادة عدد!!
  • أحمد موسى: الصحة السودانية أعلنت أكثر من 170 وفاة خلال أسبوع بسبب تفشي الكوليرا
  • الصحة العالمية: نزوح أكثر من 14.5 مليون سودانى بسبب الأزمة الإقليمية
  • جذور الأزمة في ممارسة النشاط الحزبي في السودان