من أرض الألغام إلى مدينة الأحلام
تاريخ النشر: 14th, August 2024 GMT
زرت العلمين عندما كانت عبارة عن مقابر لضحايا الحرب العالمية الثانية، وحقلا للألغام، على أرضها قتل الآلاف من قوات الحلفاء وقوات المحور، وحصدت القنابل المزروعة فى الأرض أرواح العديد من البشر، كانت العلمين عبارة عن حدائق للشيطان، يصرخ فيها الموت، على كل شبر من أرضها علامة تحذير من الألغام، كان تطهير الألغام حلماً، لم يتحول إلى واقع وبشكل نهائى إلا فى عهد الجمهورية الجديدة، حيث قامت ثورة وبليت مصر بحكم إرهابى، وقامت ثورة أخرى هى 30 يونيو رفع قائدها شعار البناء والتعمير، وتطهير الدولة من الإرهاب والألغام، وتحويل المناطق النائية، إلى مناطق نماء خضراء من حدائق شيطان إلى درر يأتيها الزوار من كل مكان.
فى عام 1942 كانت مصر مسرحا لواحدة من أهم معارك الحرب العالمية الثانية، عندما تواجهت قوات الحلفاء بقيادة بريطانيا وقوات المحور التى تقودها ألمانيا، وتواجه فيلق أفريقيا الألمانى بقيادة إريفين روميل مع الجيش الثامن البريطانى بقيادة برنارد مونتغمرى فى منطقة العلمين الواقعة شمال غربى مصر.
خلقت المعركة الشرسة آنذاك أكثر من 20 مليونا من الألغام الأرضية والقنابل المدفعية التى لم تنفجر، على امتداد مناطق المعارك الأساسية التى دار معظمها فى المنطقة بين منخفض القطارة ومدينة العلمين عند ساحل البحر المتوسط، بجانب مناطق أخرى حول مدينة مرسى مطروح والسلوم وبالقرب من الحدود الليبية.
على مدى سنوات، طالبت مصر مراراً الدول المسئولة عن زرع هذه الألغام، خاصة إنجلترا وألمانيا بتحمل المسئولية والمشاركة فى التخلص من حقول الموت التى زرعتها، ولكن هذه الدول تنصلت من المسئولية المباشرة. زعمت بريطانيا أنها وضعت الألغام لحماية مصر طبقاً لمعاهدة 1936، وبررت ألمانيا ومعها دول المحور تنصلها من المسئولية بأن مصر أعلنت الحرب عليها. وبالتالى فإنها وضعت الألغام لمجابهة «دولة عدو محاربة» وتحاشت هذه الدول إعلان مسئوليتها عن زرع الألغام خشية مطالبتها بتعويضات، وتكتفى بتقديم المساعدات والمشاركات الرمزية فى إزالة الألغام.
شكلت الألغام الأرضية فى العلمين خطرا إنسانياً وعقبة كبيرة أمام عمليات التنمية الاجتماعية والاقتصادية لساحل مصر، وأعاقت الألغام العمل فى مشروع منخفض القطارة بالصحراء الغربية كأحد المشروعات العملاقة لتوليد الطاقة، كما أعاقت الألغام أيضا عمليات التنمية الزراعية فى بعض مناطق سهل الطينة وبالوظة وشمال سيناء وعطلت عملية التنقيب عن البترول.
بذلت الحكومة المصرية ومجلس الشعب فى السابق جهوداً كبيرة لإزالة الألغام، وتدخلت منظمات دولية غير حكومية لمتابعة إزالة الألغام، وأنشأت مصر عام 2017 المركز الوطنى لمكافحة الألغام والتنمية المستدامة، وجاءت رواية القيادة السياسية المصرية بمخطط شامل لتنمية غرب مصر بمشروعات قومية عملاقة وإنشاء وتحديث شبكة طرق، بالتزامن مع إنشاء مدن حديثة، فى مقدمتها مدينة العلمين الجديدة، التى دشن العمل فيها الرئيس عبدالفتاح السيسى، عام 2018 لينطلق فيها العمل ليلاً ونهاراً حتى أصبحت بعد حوالى 5 سنوات واحدة من حاضرات المدن الفريدة ودرة البحر المتوسط.
وأصبحت مدينة العلمين بعد إزالة حدائق الشيطان وانتشار العمران تحتوى على أحدث المشروعات التكنولوجية والعمرانية، التى لا مثيل لها فى الشرق الأوسط وهى إحدى مدن الجيل الرابع، وموقعها المتميز سيجعلها بوابة مصر على أفريقيا، فهى تشهد نسبة مشروعات غير مسبوقة، وجذبت عدداً من الشركات العالمية للاستثمار بها.
وهكذا بفضل إصرار القيادة السياسية على التطوير والتحديث، تحولت مدينة العلمين من حقل ألغام وجحر للثعابين إلى مدينة عالمية، تسعى لاستقطاب ملايين الزائرين خاصة خلال فترة المهرجانات كما حدث فى مهرجان العلمين الذى أقيم مؤخراً، وحصل الزائر على كل ما يحتاجه من فنادق ومراكز تسوق وأماكن ترفيهية وخدمات على أعلى مستوى.
وتعتبر مدينة العلمين داخل حدود محافظة مطروح، تصل إلى وادى النطرون والضبعة وتم تسمية مدينة العلمين بهذا الاسم لأن هذه المدينة الرائعة يوجد بها جبلان، الأول هو جبل الملح، والثانى جبل الطير، والجبل فى اللغة العربية يعنى «العلم» ولذلك أطلق عليها اسم العلمين.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: محمود غلاب حكاية وطن الحرب العالمية الثانية قوات الحلفاء الجمهورية الجديدة مدینة العلمین
إقرأ أيضاً:
رحلة النغم والألم ( 2 )
يستمر "عبد الحليم حافظ" في الحديث معى فيعرض إلى سرد المعالم الرئيسية في مشواره الفني وتعامله مع الجمهور، فيقول لى بثقة الفنان الأصيل المترع بالذوق الرفيع والإحساس الصادق: "أنا أحمل على أكتافي مهمة تبسيط الأداء، وهذا ما دفع بالجيل الغنائى الجديد أن يتجه صوب هذا الطريق". عندما يعرج على بداية حياته يقول في أسى المكلوم: " تحملت الصدمات منذ البداية لا سيما عندما عزف الجمهور عن الاستماع إلىّ، وطالبنى بالنزول عن المسرح وصاح البعض: "إيه ده اللى انت بتعمله؟". بيد أنى لم أحبط وتمسكت بالبقاء على المسرح حتى أحقق الهدف الذي جئت من أجله. تعاملت يومها مع السهل الممتنع، وهي مسألة في غاية الصعوبة".
وأسأله: هل توقعت هذه البداية من الجمهور؟ وكيف رسم لنفسه طريق الخروج من أزمة الموقف؟ فقال: "كل وسيلتي يومها كانت الاستمرار في البقاء وعدم مغادرة المسرح". ويردف قائلا: " أنا لا أعيش في أفكار مسبقة قبل مواجهتي للجمهور باستثناء العمل الغنائي. عندما أتجه إلى المسرح أتصرف بالبساطة. ما يأتى وأنا على المسرح يكون رد فعل للحظة ذاتها. فما كان من الممكن أن أرسم صورة مسبقة لمواجهة الجمهور، لأنني لو فعلت ذلك سأفشل، وأنعزل عن أحاسيس الناس. وأنا في ذلك أسير وفق ما قاله " هيتشكوك" ذاته:" كل واحد منا في إمكانه أن يمثل شرط أن يعطى للدور ما هو مطلوب".
ويحدثني عما كان يشغله في تعامله مع الأحداث والتطورات، فيقول: "تشغلنى المشاكل الاجتماعية بكل أشكالها. ولقد أدركت أن ما نعانى منه من فقر ومرض سببه الأول والأخير هو الجهل، ولهذا كان يتعين على التعليم أن يسلك الطريق الصحيح. ومن الطبيعى أن التعليم لا يتم إلا عن طريق إنشاء الجامعات، والإسهام في بناء الكليات، ولا بد من تعاون الحكومة والشعب لمحو الجهل والأمية. أمر آخر يشغلنى هو مسألة الحروب، فهي إذا انتهت في مكان اندلعت في مكان آخر. والمثال واضح أمامنا، فالحرب قد تتوقف في فيتنام لتندلع في الشرق الأوسط. وهناك مشكلة عدم استقرار في العالم، مع مشكلة تضخم السكن وغلاء المعيشة، وهذا ليس في مصر فقط وإنما في كل مكان في العالم".
ويتحدث "عبد الحليم حافظ" عن المشاكل التى قد تعرض للشباب فيقول:" مشكلة الشباب ذاتها هى التى تدفعهم إلى تدمير أنفسهم كى يشعر العالم بوجودهم، وانسياقهم في تيارات اللامبالاة، ونبذهم لوجوه الحياة، وهو ما يؤدى بهم إلى العيش في قلق دائم وتوجس، ويزداد الأمر وطأة بأن يجابه الشباب الطرق المسدودة في مختلف المجالات".
ويحدثنى "عبد الحليم" عما يفعله في أوقات الفراغ فيقول:" أعيش مع الموسيقى معشوقتى، فأستمع إليها، وأشاهد الأفلام السينمائية بكل ألوانها، وأمارس رياضة "البنغ بونغ"، وأقرأ في الأدب والسياسة". أما الأمور التى تتكرر كثيرا معه فتتعلق بالمشاعر مع المعجبين، وكلمات التقدير التي يخطها لهم سواء على صورة من صوره، أو على ورقة في " الأوتوجراف" فيقول: " كل تمنياتى بالسعادة والحب"، ويردف " عبد الحليم" قائلا: لقد اكتشفت قبل عامين أنها كلماتى الدائمة التى أكتبها للناس في معرض تقديرى لمشاعرهم تجاه أعمالى الفنية".
لقد بدا لى "عبد الحليم حافظ" ــ الذى يحمل بين أضلاعه كميات مكثفة من المشاعر والألم ــ أنه لم يصب بردود فعل سلبية من جراء ذلك، بل على العكس فإن كل الألم الذى اختصه والتصق به زاد من رهافة حسه، وزاد من نظرته الصافية تجاه الناس والأشياء، ولهذا غدا المألوف منه هو العبارة التي يعلق بها على كل ما يكتبه المعجبون به والتي اختصرها في قوله: "كل تمنياتي لكم بالسعادة والحب".