لجريدة عمان:
2025-05-22@06:29:18 GMT

فيلم َِ«جَنين جِنين» لمحمد البكري

تاريخ النشر: 15th, August 2024 GMT

فيلم َِ«جَنين جِنين» لمحمد البكري

لو قدّر للمخرج الدخول إلى غزة الآن، فأي فيلم وثائقي سيبدعه محمد البكري؟

مسلسل من جرائم الحرب استلزمت أشكال التعبير كافة، كتابة ودراما وتوثيقا؛ فلم تتغير الصورة كثيرا هنا في فلسطين المحتلة من قرن، سوى في تغير البشر، أجداد وآباء وأحفاد، ولعل الجد نفسه قد ذاق ويلات النكبة والنكسة واجتياح جنين عام 2002، لكنه اليوم مضى تاركا الهم والاهتمام لنسله.

مرت 22 عاما على عملية اجتياح مخيم جنين، 22 عاما كافية لتكون عملية تحول في الحياة، فهل بقي الحال كما كان عليه؟

الأدب، والفن من الحياة، كانت 22 عاما كافية لتشكل تحولا في نص قصصي أو روائي، أو درامي، لكن البكري العظيم، اختار الفيلم الوثائقي فكان إبداعا خاصا، فكما حضر التوثيق فقد حضر الحضور الطازج نفسه، فعشنا مع الفيلم كأننا هناك، نعيش في المخيم نسمع ونرى ونتكلم أو نستخدم لغة الإشارة أو نتأمل ما مرّ من زمن وما يمكن أن يمرّ.

فيلم «جَنين جِنين» بفتح الجيم وكسرها، كأن ثمة إشارة واضحة جدا لوجود جنين (وليد) لأصل ما كان من فيلم جنين جنين للمخرج نفسه، الفيلم الذي منعه الاحتلال بعد مجزرة مخيم جنين، والذي ظل الاحتلال يحاكم مخرجه عشرين عاما.

أما الفيلم الأول، والذي صار الجزء الأول ربما، بما لم يخطط له المخرج، فكان كما نعرف فيلما توثيقيا للأحداث التي وقعت في مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين في أبريل 2002، حيث كانت هذه المجزرة ضمن عملية اجتياح شاملة للاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية، للقضاء على بؤر المقاومة للاحتلال، حيث شهدت جنين أشرس المعارك، واستشهد خلالها عشرات الشهداء ودُمرت بيوت كثيرة في المخيم.

في اجتياح عام 2023، لم ينتظر المخرج البكري طويلا، فذهب من فوره إلى هناك، ربما بدافع وجودي أيضا، ولسان حاله يقول، ترى أين الذين صورتهم في الاجتياح الأول عام 2022؟ فمن ولد في ذلك الزمن صار شابا أو شابة، ومن كان طفلا صار أبا أو أما لطفل.

وهذا ما كان في رحلة عبقرية، تتحدث عن عبقرية وجود أهل مخيم جنين الصامد أمام بطش الاحتلال. عاد محمد البكري ليرى فيلمه الأول، ليذهب ويسأل عنهم أين هم الآن؟ وهل ما زال بعضهم على قيد الحياة وقيد الأمل؟

صدمنا المخرج في كل أوقات الفيلم؛ فمن البداية يختار البكري لغة الإشارة، من باب وجودي وبلاغي، فالإشارة أعمق من الكلام. اختار ابن المخيم الأبكم ليتحدث ويسرد ما كان ويكون، في شيء من السخرية من المتفرجين في العالم لا على الفيلم طبعا، ولكن على بطش الاحتلال.

تتنقل الكاميرا برشاقة مصحوبة بتأثيرات موسيقية ناقلة سرد ابن المخيم بلغة الإشارة، والذي يتابع السرد ساخرا في نهاية الفيلم من العالم ومن المؤسسات الأممية.

ثمة بناء وهدم، كعملية الأيض البيولوجي، البناء الفلسطيني وهدم الاحتلال بكل ما أوتي من تكنولوجيا التدمير، حيث نجد الفنان أحمد الطوباسي يتحدث عن الجرافة الكبيرة كأنها وحش، فكان صوتها صيف عام 2023 يذكره بما كان في ربيع 2022 حين كان ابن 17 ربيعا.

طفلة سيدة، وأطفال صاروا كبارا، لعل العودة إلى عدة مشاهد قد تكون عشرة مشاهد في الفيلم الأول، ليقاربها بما يكون من صيف 2023، ليظهر لنا بذكاء إبداعي ذلك التحول الغريب والفريد، تتغير الأعمار، يتغير الكثير، لكن الثابت الذي لا يتغير هو الاحتلال، والذي لم تنفع في ردعه ثلاثة عقود من المفاوضات كما اختتم به إحدى شخصيات الفيلم.

استخدم المخرج قدراته الفنية السينمائية والمسرحية، فكما تم توظيف لغة الإشارة، يستخدم خشبة مسرح الحرية بمخيم جنين، حين تكون رواية الفنان والمخرج أحمد الطوباسي كمواطن من المخيم، رواية المسرح، فكأننا أمام مونودراما مسرحية، توزعت على زمن الفيلم، ما يعني وعي المخرج في اختيار الشكل السردي التوثيقي، والذي ندعي هنا أنه يشكل مدرسة جديدة في إخراج الأفلام الوثائقية.

لعل اللغة البصرية في الفيلم كانت أقوى كثيرا مما نتوقع، لا لأنها تثير مشاعر الغضب والحزن، بل لأنها تبشّر بفجر فلسطيني قادم لا محالة؛ فقد رصدت كاميرا فيلم «جَنين جِنين» واحدة من أهم الظواهر والمظاهر معا في نفس الفلسطينيين. إنها ظاهرة الصمود والتحدي وعدم الاستسلام، من الملامح الظاهرة؛ فلا يمكن تفسير سحنات المتحدثين والمتحدثات، الساردين والساردات لرواية مخيم جنين، إلا بشيء واحد وهو أن النصر قادم لا محالة، لأن هؤلاء البشر العاديين بمن فيهم المقاومون، يستحقون الحياة.

ملامح فيها الصرامة واكتناز ما أجرم الاحتلال فيهم، ليكون دينامو العمل بطاقة كبرى، فلكل فعل رد فعل، مواز له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه.

إنها الفيزياء الفلسطينية التي تجلت وتتجلى الآن في غزة العزة، وفي مختلف أراضي فلسطين المحتلة، حيث لا يخشى المقاومون الموت ولا هدم البيوت، ولا يجدون في أنفسهم الجانب الضعيف، بل هم ند قوي لمحتل قوي بالسلام فقط، لذلك كانت مقاومة شعب المخيم مقاومة ضد الاحتلال، الذي يقصد دوما إعادة الفلسطيني إلى الوراء، ليجعله سيزيف الذي يعيد انتشال الصخرة من الوادي إلى أعلى الجبل.

إنه جيل التحرير ببساطة لأنه لا يخاف الاحتلال، والذي يخافه الاحتلال.

في ظل رصد وتوثيق اجتياح صيف 2023، أي قبل عام، يلتقي في الفيلم-المخيم، مشاعر مختلفة، فمع الملامح الحادة لسحنات أبناء المخيم وبناته من أعمار مختلفة حين يكون الأمر متعلقا بالاحتلال، إلى مشاعر روحية سماوية حين يأتي ذكر الشهداء الراحلين، إلى ابتسامات أهل المخيم المرحبين لا بطاقم الفيلم فقط، بل بكل من سيراهم، ربما ليطمئنوا العالم بأنهم ما زالوا باقين هناك.

لربما نحتاج لمشاهدة الفيلم مرات، لنلتقط تلك المشاهد الحية التي عبّرت عنها موسيقى الفيلم التي كانت سيناريو بصريا شكّل حيوية لشد أجزاء الفيلم.

الفيلم الوثائقي الذي لم يعتمد على أية مشهد تمثيلي، فمن يعتمد يسمى دوكيو درامي، لكن هذا الفيلم غريب فعلا في التصنيف كغرابة وفرادة مخيم جنين. إن الخيط الناظم في مشاهد الفيلم، والإبداع المميز في المونتاج، جعلنا إزاء حكاية لها شخوص، ومآلات ومصير.

إنها الدرامية العجيبة التي تركت الناس يتحدثون، فكان الحديث بحد ذاته متفوقا على الفن التمثيلي، فأي فنان يستطيع التعبير عن الحال مثل ابن المخيم الأبكم الذي وصف وباح وسخر في وقت واحد والذي اختار البقاء.

هي رسالة الفيلم، الذي ارتقى بالظاهرة، بالمخيم، والذي تيسرت له روافع فنية في التصوير والصوت والمونتاج والموسيقى.

وبما بدأنا ننتهي، فكم من فيلم تنتظر غزة الآن حين تتوقف الحرب عليها؟

هي رسالة الأدب والفن في الانتصار لفلسطين المحتلة، فكما المقاومة المسلحة، فإن كل كلمة وصورة تصير سلاحا.

محمد البكري مخرج مقاوم من فلسطين، المبدع الذي اختار شعبه رغم ما واجهه من محاكم الاحتلال.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: مخیم جنین ما کان

إقرأ أيضاً:

جيش الاحتلال يطلق النار على وفد دولي يزور مخيم جنين

عواصم."وكالات": أطلق جنود الاحتلال الإسرائيلي النار على وفد من الدبلوماسيين الأجانب كانوا يقومون بزيارة الى مدينة جنين في الضفة الغربية المحتلة اليوم. ولقي إطلاق النارادانات من إيطاليا وإسبانيا وبلجيكا والاتحاد الأوروبي. وشجبت هذه الأطراف "تهديد" الدبلوماسيين، داعية إسرائيل الى توضيح ملابسات ما جرى.

وشارك في الزيارة وفق وكالة وفا الفلسطينية للانباء، دبلوماسيون من فرنسا وبريطانيا وكندا وإسبانيا وروسيا والاتحاد الأوروبي ومصر والأردن والمغرب والبرتغال والصين والنمسا والبرازيل وبلغاريا وتركيا وليتوانيا وبولندا واليابان ورومانيا والمكسيك وسريلانكا والهند وتشيلي.

وحثت كايا كالاس، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، إسرائيل على محاسبة المسؤولين عن إطلاق النار الذي جرى بالقرب من مدينة جنين ومخيمها.

ودانت وزارة الخارجية الفلسطينية "الجريمة النكراء التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، والمتمثلة في الاستهداف المباشر بإطلاق الرصاص الحي على وفد دبلوماسي معتمد لدى دولة فلسطين".

وزعم الجيش الإسرائيلي إن "الوفد انحرف عن المسار المُعتمد"، مما دفع قواته إلى إطلاق "طلقات تحذيرية" لإبعادهم عن "منطقة غير مُصرّح لهم بالتواجد فيها"..

جاءت هذه الحادثة في ظل تصاعد الضغوط الدولية على إسرائيل بسبب الحرب في قطاع غزة، حيث ينتظر الفلسطينيون الذين انهكهم الجوع والعطش تسلم الإمدادات الحيوية بعد سماح إسرائيل بدخول كميات محدودة من المساعدات التي حرمتهم منها أكثر من شهرين.

سارعت عدة دول أوروبية بالإضافة إلى مصر إلى إدانة إطلاق النار تجاه الدبلوماسيين في الضفة الغربية، وطالبت بلجيكا إسرائيل بتوضيحات مقنعة، فيما اعتبرت إيطاليا تهديد الدبلوماسيين أمرا "غير مقبول". وأعلنت كل من إيطاليا وفرنسا استدعاء سفيري إسرائيل بعد الحادثة.

وأكدت مصر "رفضها المطلق لتلك الواقعة التي تعد منافية لكافة الأعراف الدبلوماسية، وتطالب الجانب الإسرائيلي بتقديم التوضيحات اللازمة حول ملابساتها".

وقال أحمد الديك، المستشار السياسي للوزارة والذي كان يقود الوفد "أطلقوا النار علينا بجنون". وأضاف "ندين هذا الفعل المجنون من قبل الجيش الإسرائيلي الذي أعطى انطباعا حيا للوفد الدبلوماسي عن الحياة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، ونتمنى على أعضاء الوفد الدبلوماسي أن ينقلوا هذه الصورة وأن يتم التعبير عنها بمواقف واضحة".

وأعلنت وزارة الخارجية الايطالية استدعاء السفير الاسرائيلي في روما عقب إطلاق قوات الاحتلال، النار في اتجاه وفد دبلوماسي أثناء زيارته مدينة جنين في الضفة الغربية المحتلة اليوم.

وأفاد وزير الخارجية الايطالي أنتونيو تاياني على منصة إكس بأنه أصدر تعليماته "باستدعاء السفير الاسرائيلي في روما للحصول على توضيحات رسمية بشأن ما حدث في جنين".

وأقر جيش الاحتلال الإسرائيلي بأن جنوده أطلقوا طلقات على الدبلوماسيون بزعم انهم "انحرفوا" عن المسار المتفق عليه للجولة في شمال الضفة، وأشار إلى أنه لم يتم الإبلاغ عن وقوع إصابات.

وذكر تاياني في وقت سابق أنه تواصل مع نائب القنصل الايطالي اليساندرو توتينو و"هو بخير"، موضحا أن الأخير "كان بين الدبلوماسيين الذين تعرضوا لهجوم بإطلاق عيارات نارية قرب مخيم جنين للاجئين".

وقال "نطلب من الحكومة الإسرائيلية توضيحات فورية لما حصل. والتهديدات في حقّ الدبلوماسيين غير مقبولة".

كما طالب وزير الخارجية البلجيكي مكسيم بريفو اسرائيل اليوم بـ"توضيحات مقنعة" بعد عيارات نارية تحذيرية أطلقها جنود اسرائيليون واستهدفت بحسب قوله "عشرين دبلوماسيا" في الضفة الغربية المحتلة، بينهم بلجيكي.

وقال بريفو عبر منصة اكس إن الدبلوماسي البلجيكي "بخير لحسن الحظ"، مؤكدا أن "هؤلاء الدبلوماسيين كانوا يقومون بزيارة رسمية لجنين تم تنسيقها مع الجيش الاسرائيلي ضمن موكب يضم عشرين مركبة يمكن تحديد هويتها بوضوح".

ودانت القاهرة اليوم "بأشد العبارات" إطلاق الجيش الإسرائيلي "طلقات نارية.. خلال زيارة عدد من رؤساء البعثات الدبلوماسية من دول مختلفة لمدينة جنين، ومنهم السفير المصري".

وشددت الخارجية المصرية في بيان على رفضها المطلق لتلك الواقعة التي تعد منافية لكافة الأعراف الدبلوماسية، وتطالب الجانب الإسرائيلي بتقديم التوضيحات اللازمة حول ملابسات تلك الواقعة".

وأكد دبلوماسي أجنبي كان ضمن الوفد "إطلاق نار متكرر" من داخل مخيم. وأوضح "كنا نقوم بزيارة مع محافظ جنين إلى حدود المخيم لمعاينة الدمار" في المنطقة التي تشهد منذ أشهر عمليات عسكرية إسرائيلية تستهدف فصائل فلسطينية.

وأضافت "كان هذا آخر جزء من الزيارة وفجأة سمعنا طلقات نارية، كانت متكررة ليست واحدة أو اثنتين، وفي تلك اللحظة بدأنا جميعا بالركض عائدين إلى المركبات".

وانتشر مقطع مصور يظهر جنديين إسرائيليين بزيهما العسكري يصوبان بندقيتهما نحو مجموعة من الأشخاص قرب بوابة حديدية صفراء اللون كان الجيش نصبها أخير عند أحد مداخل مخيم جنين حيث تم سماع صوت الطلقات النارية.

الا أن لقطات لفرانس برس في المكان، أظهرت جمعا من الدبلوماسيين الأجانب والصحافيين وهم يهرعون للاحتماء من الطلقات النارية. وأشار صحافي في كان في المكان، إلى سماع صوت طلقات نارية عدة متتالية صادر من داخل مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين.

وتنظم الوزارة جولات ميدانية لدبلوماسيين أجانب، بهدف اطلاعهم على ما يجري في شمال الضفة الغربية.

وقال أحمد الديك، المستشار السياسي للوزارة والذي كان يقود الوفد خلال الزيارة "أطلقوا النار علينا بجنون".

وأضاف "ندين هذا الفعل المجنون من قبل الجيش الإسرائيلي الذي أعطى انطباعا حيا للوفد الدبلوماسي عن الحياة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، ونتمنى على أعضاء الوفد الدبلوماسي أن ينقلوا هذه الصورة وأن يتم التعبير عنها بمواقف واضحة".

مقالات مشابهة

  • الأزهر يُدين همجية الاحتلال وإطلاقه النار على وفد الدبلوماسيين في جنين
  • إدانات أوروبية لإطلاق الاحتلال أعيرة تجاه دبلوماسيين في جنين
  • المملكة تدين اعتداء الاحتلال على وفد دبلوماسي في جنين
  • المملكة تدين إطلاق قوات الاحتلال النار على وفد دبلوماسي بمخيم جنين
  • المملكة تدين إطلاق جيش الاحتلال النار على وفد دبلوماسي في جنين
  • جيش الاحتلال يطلق النار على وفد دولي يزور مخيم جنين
  • "الشيخ" يُعقّب على إطلاق الاحتلال النار على الدبلوماسيين في جنين
  • قوات الاحتلال تطلق النار على وفد دبلوماسي أوروبي في مخيم جنين
  • الاحتلال يواصل عدوانه على جنين ومخيمها
  • الوزير البكري يشهد حفل تكريم الفائزين في المسابقات الرياضية بـ الجامعة الألمانية"