اغتيال فؤاد شكر الذراع الأيمن ل حسن نصر الله.. ومصادر تكشف الطريقة
تاريخ النشر: 18th, August 2024 GMT
عاش قائد حزب الله فؤاد شكر حياة سرية للغاية لدرجة أن قِلة من الناس عرفوا اسمه أو وجهه قبل أن تقتله غارة جوية إسرائيلية وتساعد في وضع الشرق الأوسط على شفا الحرب.
ظل القيادي في حزب الله فؤاد شكر مستعصيا على الولايات المتحدة، ومختفيا عنها، لمدة 4 عقود، منذ أن تفجير ثكنة تابعة لقوات المارينز الأميركية في بيروت، والذي قتل خلاله 241 جنديا أمريكيا، وتقول الولايات المتحدة إنه ساعد في التخطيط له.
في نهاية يوليو الماضي، قتل بغارة جوية إسرائيلية استهدفت شقة بالطابق السابع من مبنى سكني ليس بعيدا عن التفجير المشار إليه.
كان فؤاد شكر أحد مؤسسي جماعة حزب الله، التي صنفتها الولايات المتحدة إرهابية، كما كان من كبار قادتها وصديقا موثوقا به منذ فترة طويلة للزعيم حسن نصر الله الذي لعب دورا رئيسيا في تطوير ترسانة الصواريخ التي جعلت حزب الله أفضل ميليشيا غير حكومية مسلحة في العالم.
وبحسب صحيفة "وول ستريت جورنال، فإنه كان يقود، على مدى الأشهر العشرة الماضية، المناوشات الحدودية المتزايدة الشدة للجماعة مع إسرائيل. التقرير التالي حول اغتيال القيادي بحزب الله فؤاد شكر، أعدته صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، ويتضمن الكثير من التفاصيل حول شكر وانتقاله من العلن إلى الخفاء ثم اغتياله، وظهوره العلني الأخير.
الشبح ولكن على الرغم من كونه أحد أهم الشخصيات في تاريخ حزب الله، إلا أنه عاش حياة شبه غير مرئية، ولم يظهر إلا في تجمعات صغيرة من قدامى المحاربين الموثوق بهم في المجموعة. وقد ظهر علنا في وقت مبكر من هذا العام لحضور جنازة ابن أخيه الذي قُتل وهو يقاتل إسرائيل، ولكن لبضع دقائق فقط، كما قال أحد معارفه.
كان شكر "سريا" ورجلا غامضا للغاية لدرجة أن وسائل الإعلام اللبنانية التي كشفت عن مقتله نشرت صورا للرجل الخطأ.
قال مسؤول في حزب الله إن القائد الذي لا يعرفه سوى قِلة من الناس أمضى يومه الأخير، 30 يوليو، في مكتبه في الطابق الثاني من مبنى سكني في الضاحية الجنوبية لبيروت.
كان يعيش في الطابق السابع من نفس المبنى، مما يحد على الأرجح من الحاجة إلى التحرك بشكل مكشوف. قال نصر الله خلال تأبينه لشكر إنه كان على اتصال به حتى ساعات قليلة قبل وفاته.
في ذلك المساء، وفقا لمسؤول حزب الله، تلقى شكر مكالمة من شخص يطلب منه الذهاب إلى شقته في الطابق السابع، أي على بعد 5 طوابق فوق مكتبه.
وفي حوالي الساعة السابعة مساء، سقطت قذائف إسرائيلية على الشقة والطوابق الثلاثة تحتها، مما أسفر عن مقتل شكر وزوجته وامرأتين أخريين وطفلين. وأصيب أكثر من 70 شخصا، وفقا لوزارة الصحة اللبنانية.
وقال المسؤول إن دفع شكر للصعود إلى الطابق السابع، لأنه سيكون من الأسهل استهدافه وسط المباني المحيطة، وجاءت على الأرجح من شخص اخترق شبكة الاتصالات الداخلية لحزب الله.
وقال المسؤول إن حزب الله وإيران يواصلان التحقيق في الفشل الاستخباراتي لكنهما يعتقدان أن إسرائيل تغلبت على مراقبة المجموعة باستخدام تكنولوجيا أفضل واختراق.
كان الاغتيال بمثابة ضربة قوية لحزب الله، حيث أدى إلى مقتل أحد أفضل الاستراتيجيين في المجموعة وكشف عن الدرجة التي تم بها اختراق عملياتها. وبالإضافة إلى اغتيال الزعيم السياسي لحماس إسماعيل هنية بعد ساعات في هجوم إسرائيلي في طهران، فقد دفع الشرق الأوسط أيضا إلى شفا حرب إقليمية تسعى الولايات المتحدة جاهدة لمنعها.
وقالت كارميت فالنسي، الباحثة البارزة في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب والخبيرة في حزب الله "إن عمليات الاغتيال هذه لها تأثير تراكمي على القدرة العملياتية للمنظمة".
وقالت عن شكر: "كان مصدرا للمعرفة. كان يعرف كيف يعمل ويتواصل مع نصر الله. لقد تحدثوا نفس اللغة". هذه هي رسائل حسن نصرالله !! هذه هي رسائل حسن نصرالله !! شكر من العلن إلى الاختفاء عاش شكر طوال حياته تقريبا في قلب عمليات حزب الله وصنع القرار وكان حلقة وصل رئيسية بين المجموعة وراعيها الرئيسي، إيران.
في عام 1982، عندما كان لا يزال في أوائل العشرينات من عمره، ساعد في تنظيم مقاتلي حزب الله في بيروت لمعارضة غزو إسرائيل للبنان خلال الحرب الأهلية. بعد أن حاصرت إسرائيل بيروت في ذلك العام، تراجعت المقاومة إلى وادي البقاع في شرق لبنان، وكان شكر يعمل في ذلك الوقت لصالح المديرية العامة للأمن العام، وهي وكالة استخبارات حكومية لبنانية.
وقد طُلب منه مرافقة مجموعة من الدبلوماسيين الإيرانيين من الحدود السورية إلى السفارة في بيروت، وفقا لقاسم قصير، وهو محلل سياسي مطلع على حزب الله وكان يعرف شكر منذ أوائل الثمانينيات.
وقد اختطف الدبلوماسيون على طول الطريق - على يد القوات اللبنانية، وهي فصيل مسيحي مسلح - ولم يُشاهدوا مرة أخرى. وتم إطلاق سراح شكر، بصفته موظفا في أمن الدولة.
وقال قصير، الذي عمل في السفارة الإيرانية في بيروت في ذلك الوقت، إن شكر، المعروف باسمه الحركي، الحاج محسن، أصبح الرجل المحوري بين الإيرانيين والمعسكر الذي أنشأوه في البقاع لتدريب مقاتلي حزب الله.
وسافر شكر لاحقا إلى إيران للإشراف على تدريب قوات حزب الله النخبة. في وقت مبكر من صباح الثالث والعشرين من أكتوبر 1983، انفجرت شاحنة مفخخة تحتوي على ما يقدر بنحو 12 ألف رطل من مادة تي إن تي خارج ثكنة مشاة بحرية أميركية في بيروت. ولم يعلن حزب الله رسميا عن وجوده بعد، وأعلنت جماعة تدعى الجهاد الإسلامي مسؤوليتها عن الهجوم.
وقالت الولايات المتحدة في وقت لاحق إن شكر لعب دورا رئيسيا في التخطيط للهجوم وتنفيذه. أعلن حزب الله عن تأسيسه رسميا في عام 1985، وأصبح شكر أول قائد عسكري له. واستمر في شن حملة حرب عصابات في الجنوب حتى انسحبت القوات الإسرائيلية بالكامل من البلاد في عام 2000 واكتسب سمعة كمفكر استراتيجي لديه معرفة بالمنطقة بأكملها.
قال نصر الله في خطابه: "كنا نمزح معه في جلساتنا واجتماعاتنا، ونقول إن محرك دماغه يعمل بقوة رهيبة. كان لديه ثروة من الأفكار والاقتراحات، وكنا نقول له: سيدي، عليك أن تتحلى بالصبر معنا".
في 14 يونيو 1985، استولت مجموعة من الخاطفين على رحلة رقم 847 لشركة "خطوط عبر العالم الجوية" TWA بعد إقلاعها من أثينا، وطاروا بالطائرة ذهابا وإيابا بين بيروت والجزائر لمدة 3 أيام للمطالبة بالإفراج عن 700 سجين تحتجزهم إسرائيل.
وساعد شكر في التخطيط للعملية، وفقا لقصير، وبعد ذلك بوقت قصير اختفى تحت الأرض حيث انتشرت شهرته في جميع أنحاء بيروت. كان شكر يحظى باحترام ضباط حزب الله، وكان يظهر أحيانا وهو مختبئ.
وخلال الاحتجاجات في بيروت عام 1993 ضد اتفاق أوسلو للسلام بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، تدخل شخصيا لإقناع مجموعة من أعضاء حزب الله بالانسحاب من الاشتباك مع قوات الأمن ومنع إراقة الدماء، كما قال هذا المعارف. وفي عام 1996، بعد أن قتلت القوات الإسرائيلية قذائف المدفعية أكثر من 100 مدني كانوا يحتمون في مجمع للأمم المتحدة في جنوب لبنان، ذهب شكر في رحلة حج إلى مكة.
عندما اندلعت الحرب المدمرة التالية في لبنان، في عام 2006، كان شكر فعالا مرة أخرى، حيث ساعد في قيادة المقاتلين الذين تسللوا إلى شمال إسرائيل، وقتلوا 8 جنود واختطفوا 2 آخرين، مما أدى إلى غزو استمر شهرا دمر أجزاء من لبنان. بعد الحرب، أشرف شكر على تعزيز ترسانة حزب الله من حوالي 15000 صاروخ وقذيفة إلى حوالي 150.000، بما في ذلك الصواريخ المضادة للسفن والصواريخ الموجهة والطائرات بدون طيار والصواريخ.
من هو فؤاد شكر "الذراع اليمنى" لحسن نصر الله؟
بعد السابع من أكتوبر، عندما هاجمت حماس إسرائيل بدأ حزب الله إطلاق النار على إسرائيل في اليوم التالي، مما أدى إلى تبادل إطلاق النار حيث استهدفت إسرائيل وقتلت نحو 400 من عملاء المجموعة، بما في ذلك القادة الرئيسيون، ولكن ليس في بيروت.
وفي فبراير، أمر نصر الله، الذي كان قلقا بشأن الإخفاق الاستخباراتي الذي مكن من قتل عملائه، مقاتليه وأسرهم بعدم استخدام الهواتف الذكية: "اتركوا هواتفكم، وعطلوها، وادفنوها، واقفلوها في صندوق معدني"، كما قال. ولمنع التنصت الإسرائيلي، لجأ حزب الله إلى استخدام لغة مشفرة ليس فقط على القنوات المفتوحة ولكن أيضا على شبكة الاتصالات الداخلية، كما قال مسؤول حزب الله.
وقع شكر في مرمى نيران إسرائيل بعد سقوط صاروخ في ملعب لكرة القدم في مجدل شمس في هضبة الجولان المحتلة في أواخر يوليو، مما أسفر عن مقتل 10 شباب.
ونفى حزب الله تورطه في الهجوم، لكن إسرائيل ألقت اللوم على الجماعة، قائلة إن الصاروخ كان صاروخا أطلقه حزب الله وجاء من لبنان. وقال مسؤول حزب الله إن حزب الله أصدر أوامر، في وقت مبكر من اليوم الذي استهدف فيه شكر، للقادة رفيعي المستوى بالتفرق وسط مخاوف من تعرضهم للخطر. وبعد الضربة، لم يتضح على الفور ما إذا كان قد قُتل.
وقال المسؤول إن البعض في حزب الله اعتقدوا أنه ربما استجاب لأوامر الإخلاء وفر. استغرق الأمر بعض الوقت للعثور على جثته. لقد ألقيت في مبنى مجاور. الخروج العلني الأخير أخرج موت شكر أخيرا من الظل. في تأبينه، تم طباعة وجهه على لوحات إعلانية وتم عرض لقطات من حياته في ساحة المعركة على شاشة كبيرة بينما أشاد صوت بفضائله بصوت عال. تم دفنه في مقبرة عامة في بيروت إلى جانب شاب مات وهو يقاتل في سوريا، وفقا لوالدة المقاتل. قال أحد الجيران الشباب الذي جلس على الرصيف بالقرب من المبنى الذي قُتل فيه شكر: "سمعنا اسمه، لكننا لم نره أبدا. كان مثل الشبح
المصدر: مأرب برس
إقرأ أيضاً:
ندوة دولية في لندن تكشف جرائم إسرائيل في غزة وتحذر من عسكرة المساعدات
عقدت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا ندوة بعنوان "20 شهرًا من الإبادة: جرائم “مؤسسة غزة الإنسانية” ومصير نشطاء سفينة مادلين" لفضح استخدام الاحتلال الإسرائيلي للمساعدات الإنسانية، والتجويع المنهجي للفلسطينيين، بالإضافة إلى اختطاف ركاب قارب مادلين الإنساني بعد مهاجمته في المياه الدولية.
ضمت الندوة شريحة واسعة من الأصوات الدولية من مختلف المجالات، من الأمم المتحدة بيدرو أروجو أغودو ـ المقرر الخاص المعني بحق الإنسان في مياه الشرب الآمنة والصرف الصحي، والدكتور مايكل فخري ـالمقرر الخاص المعني بالحق في الغذاء، وكذلك شخصيات سياسية مثل البروفيسور ريتشارد فالك، وبول مورفي ـ عضو البرلمان الأيرلندي، وبينيديتا سكوديري ـ النائبة في البرلمان الأوروبي؛ وخبراء حقوق الإنسان والسياسة مثل الدكتور ليكس تاكينبيرج ـ مستشار منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية، وكلارا كنابر بوهمان - عالمة سياسية؛ وعدد من عائلات ركاب قارب مادلين مثل كاتيا فان رين، ولارا سوزا، وسوميرا أكدينيز أوردو.
في كلمته، قدّم بيدرو أروجو ـ أغودو، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في مياه الشرب الآمنة وخدمات الصرف الصحي، وصفًا مروعًا لأزمة المياه والصرف الصحي الكارثية المفروضة على سكان غزة بسبب الحرب المستمرة منذ أكثر من 20 شهرًا. ووصف الوضع بأنه لاإنساني، مؤكدًا أن إسرائيل أعلنت بوضوح في بداية الحرب عزمها على قطع المياه والغذاء والوقود عن المدنيين البالغ عددهم نحو 2 مليون مواطن. وسلط الضوء على حقيقة أن متوسط سكان غزة يعيشون الآن على خمسة لترات فقط من الماء يوميًا (لكل الاستخدامات) ـ وهو أقل بكثير من عتبة الطوارئ التي حددتها منظمة الصحة العالمية والبالغة 15 لترًا، مشيرًا إن الفرد الواحد في أماكن أخرى يستخدم أضعاف هذا المعدل. والأسوأ من ذلك، كما حذّر، أن المياه القليلة المتاحة غالبًا ما تكون ملوثة بالبراز والأملاح، مما يشكل تهديدًا صحيًا خطيرًا، وخاصةً للرضع والأطفال.
إسرائيل أعلنت بوضوح في بداية الحرب عزمها على قطع المياه والغذاء والوقود عن المدنيين البالغ عددهم نحو 2 مليون مواطن.وأوضح أروجو ـ أغودو أن المصدر الطبيعي الوحيد للمياه العذبة في غزة ـ وهو طبقة المياه الجوفية الساحلية ـ قد تعرض لاستغلال مفرط وتلوث شديد، ويعود ذلك أساسًا إلى الحصار الإسرائيلي المستمر منذ 17 عامًا، والذي منع دخول 70% من المواد اللازمة لبناء مرافق معالجة مياه الصرف الصحي المناسبة. وقد مُنعت هذه المواد، المصنفة على أنها "مزدوجة الاستخدام"، بشكل ممنهج، مما أدى إلى تلوث واسع النطاق للمياه الجوفية. وأشار إلى أنه حتى قبل الحرب، لم يكن سوى 40% من السكان يحصلون على المياه المحلاة أو على إمدادات محدودة تبيعها إسرائيل. ومع اندلاع الحرب، قطعت إسرائيل إمدادات المياه والكهرباء، مما أدى إلى انهيار محطات تحلية المياه وتفاقم الأزمة. ونتيجة لذلك، كشف عن تسجيل 1.7 مليون حالة إصابة بأمراض معدية، بما في ذلك التهاب الكبد الوبائي أ وشلل الأطفال والجدري، والتي تؤثر بشكل رئيسي على الأطفال، واصفًا هذه الأزمة بأنها "قنبلة صامتة لكنها قاتلة".
وفي ختام مداخلته، أدان أروجو ـ أغودو بشدة تصرفات إسرائيل باعتبارها انتهاكات منهجية للقانون الدولي، مستشهدًا باتفاقية جنيف الرابعة، ونظام روما الأساسي، والقانون الإنساني الدولي العرفي. وأكد مجددًا أن نظام روما الأساسي يُعرّف صراحةً قطع الموارد الأساسية مثل الغذاء والدواء ـ والأهم من ذلك، المياه ـ بأنه جريمة إبادة. وشدد على أن استخدام المياه كسلاح ليست حكرًا على غزة، بل هي أداة راسخة للفصل العنصري الإقليمي والمائي في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة. وقال إن الفلسطينيين محرومون من الوصول إلى نهر الأردن، وممنوعون من حفر الآبار، ويحصلون على كميات من المياه أقل بكثير من المستوطنين الإسرائيليين - الذين يتمتعون بما يصل إلى عشرين ضعفًا للزراعة وحتى حمامات السباحة. واختتم مداخلته قائلًا: "إننا نشهد إبادة جماعية للشعب الفلسطيني، ولا يمكننا أن نبقى مكتوفي الأيدي".
في مداخلته، وضع الدكتور مايكل فخري، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالحق في الغذاء، الوضع الحالي في غزة في سياق الحصار الذي تفرضه إسرائيل منذ 25 عامًا، مؤكدًا أن نصف السكان كانوا يعانون بالفعل من انعدام الأمن الغذائي قبل التصعيد الأخير. وتتبع حملة التجويع المتعمدة إلى 9 أكتوبر 2023، عندما أعلنت إسرائيل صراحةً، ردًا على ما حدث في 7 أكتوبر، عن نيتها استخدام التجويع كسلاح. ووصف فخري كيف منعت إسرائيل في الأسابيع التي تلت ذلك جميع المساعدات الغذائية إلى غزة، مستهدفةً الشمال بكثافة خاصة لتهجير الفلسطينيين قسرًا إلى الجنوب. وأوضح أن هذه الاستراتيجية كانت منهجية ومتعمدة، وهي جزء من خطة طويلة الأجل لإخلاء شمال غزة من السكان. وأكد أن العديد من المقررين الخاصين للأمم المتحدة، بمن فيهم هو نفسه، أشاروا منذ فترة طويلة إلى ما يحدث في غزة على أنه إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية. وأكد على الأهمية التاريخية لإصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت، مسجلاً بذلك أول مرة تُحاكم فيها جرائم التجويع كجريمة حرب.
كما تناول فخري إنشاء ما يُسمى "مؤسسة غزة الإنسانية"، كاشفاً كيف أن هذه الخطة الإسرائيلية، التي أُعلن عنها في مارس/آذار وأدانتها على الفور جميع وكالات الأمم المتحدة الإنسانية، بما في ذلك الأمين العام، ليست سوى أداة للسيطرة الكاملة العسكرية على الأرض. وأوضح أن إسرائيل والولايات المتحدة تستخدمان المساعدات الإنسانية كطُعم، حيث تُوجّهان الفلسطينيين اليائسين نحو مواقع التوزيع التي يديرها مرتزقة أمريكيون وتحرسها القوات الإسرائيلية، مما يُحوّل مناطق المساعدات المزعومة هذه إلى "فخاخ مُعسكرة"، تُستخدم ليس لتقديم المساعدات، بل لإذلال الفلسطينيين والسيطرة عليهم وتهجيرهم. وأكد أن هذه الحملة برمتها ليست مجرد عمل من أعمال التطهير العرقي، بل هي أيضاً خطوة مدروسة لتهميش الأمم المتحدة، التي تمتلك الشبكات والقوافل والجاهزية لتقديم المساعدات بفعالية من خلال وكالات مثل الأونروا ومنظمة الصحة العالمية وبرنامج الأغذية العالمي، وحذّر من أن جهود إسرائيل تهدف إلى تفكيك الهياكل الدولية لتسهيل الضم الكامل لغزة.
إسرائيل والولايات المتحدة تستخدمان المساعدات الإنسانية كطُعم، حيث تُوجّهان الفلسطينيين اليائسين نحو مواقع التوزيع التي يديرها مرتزقة أمريكيون وتحرسها القوات الإسرائيلية، مما يُحوّل مناطق المساعدات المزعومة هذه إلى "فخاخ مُعسكرة"، تُستخدم ليس لتقديم المساعدات، بل لإذلال الفلسطينيين والسيطرة عليهم وتهجيرهم.وبالتطرق إلى سفينة المساعدات "مادلين" ومبادرة أسطول الحرية الأوسع، أشاد فخري بجهود المدنيين الذين يخاطرون بحياتهم، في ظل تقاعس الحكومة، من أجل دعم القانون الدولي وكسر الحصار غير القانوني. ووصف كيف تعرّضت سفينة "مادلين"، التي كانت ترفع علم المملكة المتحدة وتحمل مساعدات إنسانية مُعلنة بوضوح، للهجوم والاستيلاء عليها من قِبل إسرائيل في المياه الإقليمية الفلسطينية، وهو عمل وصفه بأنه غير قانوني وغير مبرر. وأشار إلى أن هذا جاء في أعقاب قصف سابق لسفينة أخرى تابعة لأسطول الحرية بطائرات إسرائيلية مُسيّرة قبالة سواحل مالطا. ووصف فخري هذه المبادرات التي يقودها المدنيون ـ بما في ذلك المسيرات من تونس ومصر - بأنها استجابات مشروعة ودولية للإبادة الجماعية، ودعا الحكومات إلى دعمها بفعالية. وحثّ الجمعية العامة للأمم المتحدة على التدخل حيث فشل مجلس الأمن، وخاصة بعد الفيتو الأمريكي الأخير، وإرسال قوات حفظ سلام لمرافقة القوافل الإنسانية. "وتساءل قائلا: "لماذا نرسل قوات حفظ السلام، إلا إذا كان الهدف هو إنهاء الإبادة الجماعية وإنهاء المجاعة؟"
من جانبه، أكد البروفيسور ريتشارد أ. فالك، الأستاذ الفخري في القانون الدولي، على اتفاقه مع ما قاله المتحدثون السابقون، موجهًا انتقادات لاذعة لتواطؤ المجتمع الدولي في الفظائع الإسرائيلية المستمرة. وندد بسلوك إسرائيل في غزة المتحدي لكل القوانين والأعراف الدولية، مشيرًا إلى أن ممارساتها استمرت دون رادع بسبب العرقلة المنهجية لآليات التنفيذ في الأمم المتحدة - بقيادة الولايات المتحدة بشكل رئيسي وبدعم من الديمقراطيات الأوروبية الليبرالية. وأدان فالك ما وصفه بـ"حلقة مخزية" في تاريخ السلوك المعياري الدولي، مشيرًا إلى أن الدول التي تدّعي احترام حقوق الإنسان والقانون الدولي قد قوّضت في الواقع هذه المبادئ ذاتها منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي عام ١٩٦٧. وأكد بأن هذه الخيانة قد أضرّت بشدة بمصداقية وفعالية منظومة الأمم المتحدة، وكشفت عن "فجوة تطبيق" خطيرة تجعل القانون الدولي عاجزًا في مواجهة المصالح الجيوسياسية.
وأكد فالك أن هذا الفراغ أجبر المجتمع المدني على التحرّك حيث فشلت المؤسسات الدولية، مؤيدًا الدعوات المتزايدة للنشاط الشعبي، بما في ذلك الإضرابات العامة، وحظر الأسلحة، وتعليق عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة، وتشكيل محكمة غزة ـ وهي مبادرة شعبية يشارك فيها شخصيًا. وأوضح أن هذه الإجراءات ليست مجرد تعبيرات عن التضامن، بل خطوات ضرورية لاستعادة قدر من العدالة العالمية. واستشهد فالك بحركات نضالية سابقة، مثل حركة مناهضة الحرب في فيتنام والحملة العالمية ضد نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وكلاهما نجح بفضل ضغط شعبي عالمي متواصل. وأعلن فالك أن الإبادة الجماعية الحالية في غزة تمثل "التحدي الأخلاقي في عصرنا"، وأصر على أنها تتطلب إعادة تنشيط الخيال السياسي والمسؤولية الجماعية من شعوب العالم.
وفي الختام، كشف فالك عن النفاق الصارخ في كيفية تطبيق القانون الدولي بشكل انتقائي، وقارن بين معاملة إسرائيل ومعاملة روسيا في سياق أوكرانيا، مشيرًا إلى أن القانون الدولي لم يعد سوى سلاح سياسي يُستخدم ضد خصوم حلفاء الدول الغربية، وليس نظامًا محايدًا لتنظيم سلوك الدول. وأكد أن القانون يفقد شرعيته تمامًا عندما لا يُطبّق بالتساوي على الأقوياء والضعفاء. وأعرب فالك عن أمله في أن يتطور التضامن العالمي المتزايد مع القضية الفلسطينية إلى حركة سياسية قوية وفعّالة، تُجبر الحكومات، وخاصة في أوروبا وأمريكا الشمالية، على التحرك بحزم، لإنهاء الإبادة الجماعية، ودعم التحرير الكامل للشعب الفلسطيني.
بدأت كلارا كنابر بوهمان، وهي عالمة سياسية متخصصة في أبحاث الضفة الغربية، كلمتها بإدانة التجميد الدبلوماسي طويل الأمد للاتحاد الأوروبي تجاه غزة، والذي بدأ عام ٢٠٠٧، والذي قالت إنه فشل تمامًا في تعزيز أي شكل من أشكال بناء الدولة الفلسطينية، أو التحول الديمقراطي، أو التقدم السياسي البنّاء. وأكدت أن هذا النهج لم يُسفر عن أي نتائج مثمرة، مما يكشف عن فراغ استراتيجية الاتحاد الأوروبي تجاه القضية الفلسطينية. ثم انتقلت كلارا إلى موضوع مقاومة المجتمع المدني، مشيدةً بأسطول الحرية وغريتا ثونبرغ - متحدثةً أيضًا من منظورها كمواطنة سويدية. وحذرت من أن المجتمع المدني، وخاصة حركات التضامن مع فلسطين، يتعرض للهجوم ليس فقط في إسرائيل ولكن في جميع أنحاء أوروبا وخارجها، حيث يتم إسكات المعارضة بشكل منهجي ويتم قمع أصوات المعارضة بشكل متزايد.
وأعربت عن قلقها بشأن مصير نشطاء الإغاثة الذين حاولوا الوصول إلي غزة، بمن فيهم أولئك الذين وصلوا إلى فرنسا وغريتا ثونبرغ، التي ورد أنها كانت في طريقها إلى السويد. أكدت كلارا على ضرورة النظر إلى هؤلاء الأفراد ليس فقط كركاب على متن قارب، بل كجزء من نضال أوسع للدفاع عن المساحات المدنية المتقلصة في جميع أنحاء العالم. واستشهدت بتصريحات الصليب الأحمر السويدي، وأدانت مزاعم الحكومة الإسرائيلية بأن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش معادٍ للسامية كمبرر لمنع وصول الأمم المتحدة إلى غزة. ودعت تعزيز دولي عاجل لجهود المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة، التي ترى أن لديها هيكلًا واضحًا لتقديم المساعدات الإنسانية - وهي هياكل يتم تجاهلها حاليًا لصالح الفوضى، وعمليات الإغاثة العسكرية، والانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي، بما في ذلك استهداف المدنيين وإطلاق النار عليهم، واستخدام توزيع المساعدات الإنسانية كسلاح.
واختتمت كلارا كلمتها بالتأكيد على أن 70% من قتلى غزة هم من النساء والأطفال، مؤكدةً أن مثل هذه الهجمات على المدنيين تُعد انتهاكات صارخة للقانون الإنساني الدولي ويجب أن تتوقف فورًا. وانتقدت الاعتماد على جهات خاصة لإدارة توزيع المساعدات، واصفةً إياه بأنه نموذج غير عملي وخطير، وأكدت مجددًا على الحاجة الملحة للسماح لمؤسسات مثل الصليب الأحمر والأمم المتحدة بالوصول إلى السكان المحاصرين. وفي مقارنةٍ مُرعبة مع الإبادة الجماعية التاريخية، تحدثت عن استخدام الوزراء الإسرائيليين خطابًا مُهينًا للبشر، مُقارنين الفلسطينيين بالحيوانات، ومشددين على حرمانهم حتى من أبسط مأكل كالقمح. وحذّرت من أن هذا التجريد من الإنسانية قد بلغ الآن مرحلةً لا تُطاق، وقالت إن على المجتمع المدني أن يُبادر بالرد، وأشادت بأسطول الحرية لتجسيده معنى التضامن في العمل.
القانون الدولي لم يعد سوى سلاح سياسي يُستخدم ضد خصوم حلفاء الدول الغربية، وليس نظامًا محايدًا لتنظيم سلوك الدول.افتتح الدكتور ليكس تاكينبرغ، مستشار منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (ARDD) والخبير الإنساني المخضرم ذو الخبرة الطويلة في الأونروا، كلمته بتأييد الأفكار والمحاور التي طرحها المتحدثون السابقون، وخاصةً تحليل الدكتور مايكل فخري لما يُسمى بمؤسسة غزة الإنسانية، باعتبارها برنامج مساعدات مُستخدم كسلاح لخدمة سياسة إسرائيل الأوسع نطاقًا المتمثلة في التهجير القسري. وأكد أن المؤسسة ليست مبادرة إنسانية حقيقية، بل هي أداة سياسية استراتيجية مصممة لتعزيز حملة التجويع الإسرائيلية وتبرير التطهير العرقي المستمر للفلسطينيين من شمال غزة، مما قد يُمهد الطريق لمزيد من الطرد إلى مصر أو ما وراءها. كما وصف الدكتور تاكينبرغ المؤسسة بأنها أداة محسوبة لتخفيف الضغط السياسي من الولايات المتحدة، وخاصة من الرئيس السابق ترامب، الذي أفادت التقارير بأنه منزعج من الصور الدولية للأطفال الذين يتضورون جوعًا. وجادل بأن المؤسسة قد قُدّمت بسخرية كأداة تهدئة لكسب الوقت السياسي لإسرائيل وتشتيت المطالب بوقف إطلاق النار.
وحذر الدكتور تاكينبرغ من أن هذا المشروع جزء من حملة أوسع نطاقًا لتفكيك واستبدال النظام الإنساني الحالي الذي تقوده الأمم المتحدة. واستنادًا إلى معرفته العميقة بالقطاع، استذكر مبادرة فاشلة مماثلة تسمى - FOGBO، وهي هيكل إنساني زائف مدعوم من الولايات المتحدة وسويسرا – والذي انهار بسرعة، كما هو متوقع لمصير المؤسسة الحالية. وصرح بصراحة أن مؤسسة غزة الإنسانية تعاني من عيوب هيكلية وستفشل قريبًا، مما يؤدي فقط إلى تأخير المساءلة السياسية الحتمية. في غضون ذلك، دأبت إسرائيل على تفكيك عمليات الأمم المتحدة على الأرض بشكل منهجي. قُتل أكثر من 300 عامل إنساني، من بينهم أكثر من 220 من زملائه السابقين في الأونروا. وشرح بالتفصيل اتهامات إسرائيل الباطلة للأونروا، ومحاولات ربط الوكالة بحماس، وإقرار قانونين في الكنيست يهدفان إلى حظر الوكالة وشلها - لا سيما في القدس الشرقية وغزة. وأشار إلى أن هذه ليست خطوات معزولة، بل جزء من جهد طويل الأمد لمحو البنية التحتية الفلسطينية والرقابة الدولية.
وبالتطرق إلى الأزمة المالية التي تواجه الأونروا، أكد الدكتور تاكينبرغ أن الوضع يزداد سوءًا، إلى جانب عمليات القتل المستهدف وتدمير البنية التحتية، تواجه الأونروا عجزًا تمويليًا وجوديًا. وحذّر من أنه بحلول الشهر المقبل، قد تعجز الوكالة عن دفع رواتب موظفيها، مما يهدد خدماتها ليس فقط في غزة والضفة الغربية، بل أيضًا في الأردن وسوريا ولبنان. وذكّر الحضور بأن هذه ليست أزمة جديدة، بل هي جزء من نمط متصاعد من الإهمال والهجوم على وكالة الأمم المتحدة الوحيدة المخصصة للاجئين الفلسطينيين. وفي ختام كلمته، دعا ليس فقط إلى إنهاء الإبادة الجماعية ووقف إطلاق النار الفوري، بل أيضًا إلى حكومات العالم لتجديد التزامها العاجل ببقاء الأونروا. وحذر من أنه بدون ذلك، سيفقد ملايين الفلسطينيين إمكانية الحصول على الخدمات الأساسية في أحلك فترة في تاريخهم.
أدان بول مورفي، عضو البرلمان عن حزب "الشعب قبل الربح" في أيرلندا، بشدة استخدام إسرائيل للتجويع والمساعدات الإنسانية كسلاحين متعمدين في حربها الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني. وأكد بشكل قاطع أن ما يحدث في غزة ليس مجرد حملة تطهير عرقي وإبادة جماعية، بل إن المساعدات نفسها تحولت الآن إلى أداة لتلك الحملة. ووصف مورفي كيف سيطرت إسرائيل سيطرة كاملة على توزيع المساعدات، وحوّلتها إلى مساعدات "شحيحة بائسة وغير كافية على الإطلاق"، وتستخدمها لتهجير الفلسطينيين قسراً إلى مناطق مكتظة، ثم تهاجمهم وهم يصطفون في طوابير يائسة للحصول على الطعام. وسلط الضوء على الخسائر الفادحة، مشيراً إلى أن أكثر من 600 فلسطيني قُتلوا أو أصيبوا بجروح خطيرة في مراكز توزيع المساعدات المزعومة، والتي وصفها بأنها "مجازر" مصممة لزيادة إرهاب السكان ومعاقبتهم. قارن مورفي فظاعة هذه الأزمة الإنسانية المُدبّرة بشجاعة ومبادرة المواطنين العاديين حول العالم، لا سيما المشاركين في أسطول الحرية والمسيرة المُخطط لها إلى غزة. وأشاد بهذه التحركات الشعبية باعتبارها أمثلةً على التضامن الدولي الحقيقي، في معارضةٍ حادةٍ لاستمرار تواطؤ الحكومات الغربية. ووفقًا لمورفي، فإن الإبادة الجماعية في غزة "صُنعت في أمريكا" و"صُنعت في الاتحاد الأوروبي"، مدعومةً ومُستدامةً بالأسلحة والتمويل والغطاء السياسي الغربي. وبينما أصدر بعض القادة تصريحات إدانة "فاترة"، أكد مورفي أن الدعم المادي للحملة العسكرية الإسرائيلية لم يتوقف قط. وأشار إلى أن النفاق مُريع، وأن الفجوة بين الغضب الشعبي والسياسة الرسمية لم تكن يومًا أكثر وضوحًا.
وفي ختام كلمته، أطلق مورفي نداءً حاشدًا للشعوب في جميع أنحاء العالم لاتخاذ إجراءاتٍ مباشرة، وقال إن المسؤولية تقع على عاتق المواطنين العاديين "لكسر الحصار، كسر حصار غزة"، وضمان وصول المساعدات إلى الفلسطينيين دون أن يتم التلاعب بها أو تسليحها. ودعا إلى إنهاء دور حكومته في الأزمة، مطالبًا بالوقف الفوري لجميع أشكال الدعم لأفعال إسرائيل. وأكد أن التضامن الحقيقي مع فلسطين لا يعني الإدانة فحسب، بل مقاومة الإبادة الجماعية والتواطؤ على حد سواء.
قدمت بينيديتا سكوديري، النائبة في البرلمان الأوروبي من إيطاليا، نقدًا لاذعًا وعاطفيًا لتواطؤ الاتحاد الأوروبي في الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، واستهلت حديثها بالتعبير عن خيبة أملها وغضبها العميقين إزاء فشل كل من المفوضية الأوروبية والبرلمان الأوروبي في إدانة فظائع إسرائيل أو اتخاذ إجراءات ضدها. وأكدت سكوديري أنه بينما يتحدث مسؤولو الاتحاد الأوروبي بشكل مبهم عن ضرورة "حل الوضع"، إلا أنهم فشلوا بشكل قاطع في اتخاذ أي تدابير ملموسة لوقف حملة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي التي تشنها حكومة نتنياهو، وطالبت باتخاذ إجراءات فورية، بما في ذلك وقف اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، وفرض عقوبات على المسؤولين الإسرائيليين، بمن فيهم نتنياهو، وفرض حظر شامل على توريد الأسلحة إلى إسرائيل. وانتقدت الاتحاد الأوروبي لفشله في استخدام نفوذه السياسي والاقتصادي الكبير، واصفةً هذا التقاعس بأنه شكل من أشكال الخيانة وسابقة خطيرة.
إن المسؤولية تقع على عاتق المواطنين العاديين "لكسر الحصار، كسر حصار غزة"، وضمان وصول المساعدات إلى الفلسطينيين دون أن يتم التلاعب بها أو تسليحها.وفي معرض حديثها عن زيارتها الأخيرة لمعبر رفح، وصفت سكوديري ما شهدته من انهيار كامل في المنظومة الإنسانية، حيث قالت إن وكالات الأمم المتحدة وعمال الإغاثة يشعرون باليأس مع استمرار حصار القوافل الإنسانية على الحدود، وحذرت من أن ما يحدث في غزة ليس مجرد إبادة جماعية، بل تدميرٌ لأسس القانون الإنساني الدولي والتعاون متعدد الأطراف. وأكدت أنه إذا سمح المجتمع الدولي لإسرائيل بعسكرة المساعدات، وترحيل السكان تحت ستار الإغاثة الإنسانية، وتجريد الأمم المتحدة من سلطتها، فلن يكون الفلسطينيون وحدهم المعرضين للخطر، بل مصداقية النظام الإنساني العالمي بأكمله وفعاليته. وحذرت من أنه بمجرد نزع الشرعية عن هذا النظام، سيفقد المجتمع الدولي السلطة الأخلاقية والقانونية للتنديد بالفظائع المستقبلية في أماكن أخرى.
كما أدانت سكوديري استيلاء إسرائيل غير القانوني على سفينة المساعدات "مادلين" في المياه الدولية، واصفةً إياه بانتهاك صارخ للقانون البحري والقانون الدولي. وكشفت أن من بين الركاب عضو في البرلمان الأوروبي، وهو الآن محتجز بشكل غير قانوني من قبل إسرائيل لمجرد محاولته إيصال المساعدات إلى شعب يتضور جوعًا. ورغم ذلك، أشارت بغضب إلى أن رئيس المفوضية الأوروبية ورئيس البرلمان الأوروبي لم يصدرا بيانًا واحدًا يطالبان فيه بالإفراج عن النائب. وردًا على ذلك، وقّع أكثر من 40 عضوًا في البرلمان الأوروبي رسالةً إلى المفوضية في غضون ساعات، داعين إلى اتخاذ إجراء. كما صدرت بيانات من الاشتراكيين والديمقراطيين، والخضر، واليسار. ومع ذلك، قالت إن أوروبا لا تزال مشلولة. وانتقدت سكوديري حكومتها - الحكومة الإيطالية - لتواطؤها، مشيرةً إلى تصويتها ضد مراجعة اتفاقية الاتحاد الأوروبي وإسرائيل. واختتمت كلمتها بدعوة إلى تصعيد الضغط المؤسسي والشعبي، مشيرةً إلى مسيرة روما المؤيدة لفلسطين التي شارك فيها 300 ألف شخص، وتعهدت بمواصلة النضال داخل المؤسسات الأوروبية وخارجها حتى تحقيق العدالة وإنهاء الإبادة الجماعية.
استضافت الندوة كذلك أفراد عائلات بعض ركاب أسطول الحرية، الذين اختطفتهم القوات الإسرائيلية في المياه الدولية وما زالوا رهن الاحتجاز والذين تحدثوا عن تفاصيل عملية الاختطاف والوضع الحالي لذويهم تحت قبضة الاحتلال. تحدثت كاتيا فان رين، شقيقة الناشط الهولندي ماركو فان رين، عن حالة الارتباك والخوف والصمت التي سادت كل لحظة منذ اعتراض سفينة مادلين، ورغم اتصالها الهاتفي القصير وتأكيدها نقل شقيقها إلى السجن، انتقدت كاتيا التقاعس الصادم للحكومة الهولندية، التي لم تُصدر أي بيان علني بعد. ما أزعجها أكثر هو التصور العام - كيف حوّل البعض مجرد التضامن مع غزة إلى تهمة بدعم الإرهاب. وأضافت: "يرى الجميع أن هذا ليس مقبولًا"، لكن الخوف يمنع الناس من التعبير عن آرائهم.
من البرازيل، انضمت لارا سوزا، زوجة تياغو - وهو راكب آخر على متن سفينة مادلين - إلى الندوة، بدت عليها علامات التأثر، بعد أن تلقت للتو تحديثات من محامي زوجها. لم تتمكن من التحدث إليه مباشرة منذ الاعتراض، وروت كيف مُنعت حتى السفارة البرازيلية من التواصل معهما. وأكدت أن تياغو كان من بين الذين رفضوا توقيع أوراق الترحيل، واختار البقاء محتجزًا لكشف الحقيقة. وأكدت لارا بحزم أن ما حدث لم يكن مجرد انتهاك قانوني، بل جريمة سياسية: "لقد تعرضوا للهجوم في المياه الدولية، بالقرب من الأراضي الفلسطينية، مع تصريح قانوني كامل للإبحار، تحت أعلام المملكة المتحدة، حاملين مساعدات إنسانية. هذه ليست جريمة. هذا ما يجب على الحكومات فعله". ودعت إلى ضغط عالمي لإعادة المعتقلين إلى ديارهم، والاعتراف بسفينة مادلين كرمز للتحدي المدني في وجه الجبن السياسي.
قدمت سميرة أكدنيز أوردو، زوجة الناشط التركي شعيب، مساهمةً مؤثرة، وكان صوتها يرتجف وهي تصف صدمة اختطاف زوجها مباشرةً عبر كاميرا المراقبة على متن السفينة. وأوضحت أن شعيب هو من ركّب نظام الكاميرا بنفسه، ومن خلال هذه الكاميرا نفسها شاهدته وهو يُقتاد على يد جنود إسرائيليين مسلحين. ونقلت سُوميراء ما لا يخفيه أي حاجز لغوي - عذاب الانتظار، والقسوة المتعمدة للاحتجاز المطول، والترهيب المُصمم لإرهاق العائلات وإسكاتها. ووصفت الاحتجاز بأنه عمل مدروس من أعمال الحرب النفسية، لا يقتصر على المعتقلين فحسب، بل يمتد إلى عائلاتهم أيضًا. وقالت: "إنهم يريدون إطالة أمد العملية، حتى لا يتمكن الجميع من العودة إلى ديارهم"، مُرددةً بذلك الخوف الجماعي الذي يتشاركه جميع الأقارب: أن وراء التأخيرات القانونية والصمت استراتيجيةً لعرقلة جهودهم وطمس أصواتهم. معًا، أضفت هؤلاء النساء طابعًا إنسانيًا على ما تسعى إسرائيل إلى طمسه ـ جريمة دولية تُرتكب ليس سرًا، بل على مرأى ومسمع من العالم.