لجريدة عمان:
2025-08-02@16:30:11 GMT

هل من مشروع سوفييتي لدى روسيا؟

تاريخ النشر: 9th, August 2023 GMT

قد يكون الرئيس الروسي بوتين - شأن كثيرين في القيادة الروسية - مسكونا بشعور حاد بالخيبة وبالحسرة على انهيار الاتحاد السوفييتي، بل نقـل عنه أنه عـد ذلك كارثة كبرى دفعت روسيا ثمنها كثيرا في العقود الثلاثة الأخيرة. وليس في مثل هذا الشعور ما يستغرب له متى تذكرنا أن بوتين انتمى إلى الحزب الشيوعي السوفييتي، في مطلع شبابه، وهو في الثالثة والعشرين وقضى فيه - وفي المسؤوليات التي تقلدها حزبيا - ست عشرة سنة (1975-1991) إلى حين حله بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.

في الأثناء، استمر يعمل موظفا في جهاز الأمن السوفييتي. وبعد انفراط الاتحاد تولى إدارة جهاز الكي جي بي، ثم رئاسة الوزراء، فرئيسا بالنيابة (بعد تنحي بوريس يلتسين)، فكان بهذا كله في الموقع الذي يسمح له بأن يضع في ميزان المقارنة أحوال روسيا التسعينيات وأحوال الاتحاد السوفييتي في السبعينيات والثمانينيات، ويدرك الفارق الخرافي بين الإمبراطورية العظمى والدولة المأزومة المنخورة بفساد القوى الطفيلية التي استولت على السلطة والثروة في البلاد بعد انهيار الاتحاد؛ وهي عينها القوى التي كانت الحامل الاجتماعي ليلتسين إلى السلطة، والتي تمتعت أنشطتها بغطاء سياسي في عهده.

بمثل هذه الخلفية الحزبية والسياسية التي تنهض عليها تجربة بوتين، لا يسع الرجل أن لا يتحسر على عهد سوفييتي كان جانب روسيا فيه يخشى، وهيبتها في العالم تفشو. ولعله يكون الشعور عينه الذي يخالج كل روسي عاش في العهدين، ووقف بالمعاينة على الفوارق بينهما. ولست أستثني من ذلك تلك النخب الليبرالية الروسية التي بدت موالية للغرب ومعادية للنظام السوفييتي؛ إذ هي نفسها صدمت - بعد زمن من زوال الاتحاد السوفييتي - بعداء الغرب الشديد لروسيا: العداء الذي فهمته (النخب) عداء لنظامها الشيوعي، فيما هو - على الحقيقة - عداء لروسيا والروس! لقد كان يكفي المرء في روسيا أن يكون وطنيا أو قوميا روسيا - أي من غير أن يكون شيوعيا بالضرورة - لكي يسكنه الحنين إلى العهد السوفييتي. وتتضاعف الحسرة عند الروس حين يتذكرون أن دولتهم العظمى انهارت من دون حرب، بل بفعل قيادات فاسدة وسياسات فاسدة ونخب بلا خبرة. حتى أن قطاعا عريضا من الشعب الروسي تمنى لو أن بوتين هو من خلف قسطنطين تشيرنينكو في قيادة الحزب والاتحاد السوفييتي، حين وفاة الأخير في عام 1985، بدلا من ميخائيل غورباتشوف الضعيف أمام الغرب؛ فلقد كان يسع بوتين - في اعتقاد الكثيرين - أن ينهض بأوضاع الاتحاد من جديد ويحصنه ضد خطر الانهيار.

مع ذلك، لن يكون سهلا أن يعتقد المرء أن مشروع بوتين السياسي، اليوم، هو تجديد للمشروع السوفييتي أو سعي في استنساخه ومحاكاته كما قد يخيل إلى البعض. نعم، أدرك بوتين، بعد التجربة الروسية المريرة، أن الذين فرطوا في الاتحاد السوفييتي من أجل حماية روسيا واستنقاذها نسوا أن درع حمايتها الوحيد كان الإطار السوفييتي، وأن مجالها الاستراتيجي السوفييتي - المؤلف من الجمهوريات السوفييتية السابقة الشريكة - إما أن يكون لها أو يكون عليها؛ وآي ذلك أنه مجال صار في جملة ساحات «حلف شمال الأطلسي»: قواعد متقدمة لتهديد الأمن القومي الروسي، وما افتعال أزمة أوكرانيا، اليوم، إلا التعبير الأجلي عن رغبة الغرب الأطلسي في إفقاد روسيا آخر موقع يعزل عنها زحف الأطلسي على حدودها! مع ذلك، لا يكفي مثل هذا الإدراك لتوليد مشروع كبير من قبيل إعادة إحياء مجد سوفييتي دَرَسَ وأصبح جزءا من ماض لا يعود، ولا أدل على ذلك من أن مشكلة روسيا الاتحادية مع دول الغرب الأطلسي لا تدور على مسائل افتراضية من قبيل تجدد الفكرة السوفييتية في سياسات روسيا بوتين، وإنما تدور- أساسا- على مسألة الأمن القومي الروسي الذي بات عرضة لتهديد استراتيجي منذ نجحت منظومة دول الأطلسي في أن تزحف إلى حدود روسيا.

ما أغنانا عن القول إن إعادة إنتاج المشروع السوفييتي في روسيا أفـق منسد، موضوعيا، على روسيا اليوم وفي المستقبل المنظور لجملة أسباب وعوامل لا يجوز إغضاء التحليل عنها. في قائمة تلك الأسباب أن القوة السياسية الحاملة للفكرة السوفييتية (أعني القوى الشيوعية) ضعـفت في روسيا وجوارها، بل اختفت في بعض دول الجوار، ناهيك بتهالك تلك القوى في العالم كله وانقراض سلطانها (ما خلا في الصين وكوبا وكوريا الشمالية). وقد يرد على هذا بالقول إن مثل هذه الفكرة مما يمكن أن تنهض بحمله قوى أخرى، غير شيوعية، ذات طموح سياسي بعيد المدى مثل تلك القوى التي يستند إليها بوتين والقيادة الروسية. وهذا قول غير ذي موضوع لأن الفكرة السوفييتية، بطبيعتها، عابرة للقوميات وليس يسع قومية - مهما عظم شأنها - أن تحملها باسمها واسم غيرها من القوميات. هذه واحدة؛ الثانية أن أوضاع روسيا، اليوم، ليست من القوة بحيث تـفرج عن مثل هذه الإمكانية، بالنظر أنها تكاد أن تكون محاصرة بدول منتسبة إلى منظومة الأطلسي، وبالتالي، ضاقت أمامها مساحات العلاقة بدول الجوار (السوفييتي السابق والأوروبي الحليف سابقا). وهي في أحسن أحوالها، معنية ببناء ذاتها كقـوة كبرى وبالتعاون مع غيرها من أجل إعادة صوغ علاقات النظام الدولي على مقتضى التوازن والشراكة.

ربما اختلط الأمر على القائلين بوجود مشروع روسي لإعادة إحياء الفكرة السوفييتية وبناء نسخة سياسية جديدة منها، بسبب معاينتهم كيف أصبحت روسيا بوتين تجهر، في السنوات الأخيرة، برغبتها في إعادة النظر في النظام الدولي القائم الذي أجحف في حقها وفي حق القوى الكبرى الجديدة (مجموعة البريكس مثلا)، كما بسبب خطابها الرسمي الذي يوحي بأن لعمليتها العسكرية في أوكرانيا اتصالا بمشروع لديها في تغيير النظام الدولي. هكذا تأول المتأولون مواقف روسيا الجديدة فحملوها على معنى واحد وحيد: إعادة إحياء المشروع السوفييتي! مع أن الفارق كبير بين نظام دولي قادم واتحاد سوفييتي متجدد.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

عاجل. بوتين: روسيا تريد سلاما دائما ومستقرا في أوكرانيا

بوتين: روسيا تريد سلاما دائما ومستقرا في أوكرانيا اعلان

أكد الرئيس فلاديمير بوتين الجمعة أن روسيا تريد سلاما دائما ومستقرا في أوكرانيا، قبل أن يضيف أن شروطها لتحقيق السلام لم تتغير.

وقال بوتين للصحافيين: "نحتاج إلى سلام دائم ومستقر قائم على أسس متينة، يرضي روسيا وأوكرانيا، ويضمن أمن البلدين، الشروط ما زالت كما هي بالتأكيد" من الجانب الروسي.

الصحفيون يعملون على تحرير هذه القصة، سيتم التحديث بأسرع وقت بالمزيد من المعلومات فور ورودها

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة أخبار اعلان اعلان اخترنا لك هيومن رايتس ووتش: إسرائيل حوّلت توزيع المساعدات في غزة إلى "مصيدة موت" بين تقشف واشنطن وتحرك أوروبا: هل تنتقل قيادة الأبحاث البيئية إلى القارة العجوز؟ زيلينسكي يدعو لتصعيد العقوبات.. 31 قتيلًا بينهم أطفال جراء ضربات روسية على كييف باحث إسرائيلي يؤكد وقوع إبادة جماعية في غزة: على أوروبا التدخل فورًا لوقفها مشروع "رايزوتوب": تقنية مشعة لمكافحة صيد وحيد القرن في جنوب أفريقيا اعلان اعلان الاكثر قراءة 1 بعد اتهامات غربية بالتحضير لمحاولة قتل واختطاف معارضين.. إيران ترد: اتهامات لا أساس لها 2 بلد عربي على رأس القائمة.. ترامب يفرض رسوماً جمركية جديدة على عشرات الدول 3 سرايا القدس تبثّ "رسالة أخيرة" لأسير إسرائيلي في غزة: "أموت جوعًا.. أدخلوا الطعام" 4 تزامناً مع لقاء نتنياهو وويتكوف.. أهالي الأسرى لدى حماس يتظاهرون في القدس للمطالبة باتفاق لإعادتهم 5 بلجيكا تحيل جنديين إسرائيليين إلى المحكمة الجنائية الدولية بتهم جرائم حرب اعلان اعلان

Loader Search

ابحث مفاتيح اليوم

غزة المساعدات الإنسانية ـ إغاثة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني قطاع غزة إسرائيل حركة حماس دونالد ترامب سوريا مجاعة فرنسا بنيامين نتنياهو أحمد الشرع الموضوعات أوروبا العالم الأعمال Green Next الصحة السفر الثقافة فيديو برامج خدمات مباشر نشرة الأخبار الطقس آخر الأخبار تابعونا تطبيقات تطبيقات التواصل الأدوات والخدمات Africanews عرض المزيد حول يورونيوز الخدمات التجارية الشروط والأحكام سياسة الكوكيز سياسة الخصوصية اتصل العمل في يورونيوز صحفيونا لولوجية الويب: غير متوافق تعديل خيارات ملفات الارتباط تابعونا النشرة الإخبارية حقوق الطبع والنشر © يورونيوز 2025

مقالات مشابهة

  • ترامب يصف بوتين بـ«الرجل الصلب».. ويهدد بعقوبات جديدة ضد روسيا
  • ماذا قال ترامب عن بوتين والعقوبات على روسيا بعد نشر الغواصتين النوويتين؟
  • بوتين: روسيا تريد سلاماً دائماً ومستقراً في أوكرانيا
  • بوتين: روسيا تريد سلامًا دائمًا في أوكرانيا.. ولكن
  • البرتغالي هيليو سوزا مدربا جديدا للمنتخب الكويتي.. من يكون؟
  • بوتين: ضمان أمن روسيا هو الهدف الرئيسي في القضية الأوكرانية
  • عاجل. بوتين: روسيا تريد سلاما دائما ومستقرا في أوكرانيا
  • «عمومية القوى» تستعرض تعديلات النظام الأساسي ولائحة الانتخابات
  • معسكر إسباني لألعاب القوى
  • هل تتأثر مصر بالزلازل التي تقع في روسيا؟.. البحوث الفلكية يجيب