هل هناك من تلازم بين الطبيعة الشعبوية لفضاءات وسائل التواصل الاجتماعي، وبين حيرة مخترعيها - مثل مارك زوكربيرغ صاحب منصة فيسبوك- حيال التوصيف الدقيق لماهيتها، على النحو الذي بدا معه مارك (حينما سئل عن هوية فيسبوك أمام الكونغرس الأمريكي) كما لو أنه لا يعرف ماهية ما اخترعه، حين أجاب بالقول: «من الواضح أننا لم نفعل ما يكفي لمنع استخدام هذه الأدوات ولم نتخذ رؤية كافية شاملة لمسؤوليتنا وكان ذلك خطأ كبيرا»
في تقديرنا أن فضاءات التواصل الاجتماعي هي مكان افتراضي لفضاء عام أكثر بكثير من أي فضاء مكاني اتفق الناس أن يجتمعوا فيه، فضلا عن أن تأثيراتها عبر الخصائص والسمات التي تمنحها للمستخدم من خلال الهوية التقنية التي تشعر ذلك المستخدم كما لو أنه يستخدم شيئا عصريا وذا قيمة مطلقة!
وإذا كانت قضية الحرية هي جزء أساسي من ذلك الغموض الذي حير - ظاهريا - زوكربيرغ «وإن كنا نظن أن مخترعي ومطوري فيسبوك يلعبون بخبث بالغ في تلك المساحة التي لا تزيح عنهم بالكلية المسؤولية عن بعض ما يتسبب فيه فيسبوك في المجتمعات المتخلفة دون أي محاسبة» فإن الطبيعة الشعبوية لذلك الفضاء يحكمها اليوم ما يحكم فضاءات الناس العامة كالأسواق والمقاهي، ولكن بطريقة معقدة ومذهلة في طرائق تأثيرها، على النحو الذي يمكننا معه أن نتساءل: هل سيبدو للناس أن ما يحكم ذلك الفضاء العام للبشر من عدم المسؤولية في إلقاء الكلام على عواهنه وحتى السباب في الأسواق هو ذاته الذي يتعين أن يحكم تصرفات الناس في فيسبوك مثلا؟
أمام هذه النقطة سنجد أن فيسبوك منصة افتراضية عملاقة تريد أن تقلد الواقع الحي للناس بكل ما فيه من تجاوزات الفضاءات العامة للبشر كالأسواق، وكأن نقل الحياة افتراضيا سيسحب على تلك المنصة طبيعة الفضاءات الواقعية كالأسواق التي يعفي فيها الناس بعضهم بعضا مما يبدر منهم من تجاوزات؛ أقله لعدم المعرفة.
وبموازاة ذلك يريد فيسبوك وبقية وسائل التواصل الاجتماعي الإيحاء أن ذلك التقليد الذي يحاكي حياة الناس ونثرها الفوضوي في الفضاءات العامة الواقعية كالأسواق جزء من واقع طبيعي ينبغي التعامل معه كما هو في فيسبوك أيضا!
لكن ما هو أخطر من ذلك، أنه إذا كان الفضاء العام الواقعي هو مكان ثابت يمكن عبوره دون أذى، بل ويمكن ضبط بعض تفلتاته بالقانون، فإن ذلك الفضاء الافتراضي للسوشيال ميديا متعدد اللغات والعابر لكل مستويات الناس مع إمكانية انتحال الشخصيات المستعارة وتمرير ما تشاء من تجاوزات سيكون مأزقا أخلاقيا كبيرا حال التهاون معه بتلك الطريقة التي لاتزال تمنح أمثال زوكربيرغ الإفلات عبر المساحات الغامضة لتكييف معنى الحرية في فيسبوك!
لكل هذا، وفيما يترسم فيسبوك وبقية منصات السوشيال ميديا استنساخ الفضاءات العامة للناس افتراضيا، سنجد أن التماثل بين الفضاءين بالغ الشبه.
فإذا ما عمدنا إلى استنساخ حياة الناس العامة افتراضيا، فإن قيمة المعنى الخاص للمعرفة والمحتوى ستكون نسبتها تماما كنسبة منتجي المعرفة والإبداع بين البشر إلى عامة البشر، وفي هذه النقطة سنجد أن تلك المساحة التي يراوغ فيها فيسبوك حيال مسألة ضبط وتكييف معنى الحرية في منصته هي الغاية المتوخاة في استلهامه حياة مطلقة للناس عبر الفضاء الاسفيري!
وبالرغم من أن الدعاوى العريضة لوسائل التواصل الاجتماعي في بداية ظهورها كانت ترفع شعار منح الحرية للجميع للتعبير عن آرائهم كمبدأ ظلت تتلظى وراءه لإطلاق كل التناقضات الافتراضية في حياة الناس، حين سمحت لهم - جريا وراء الربح - في فيسبوك بنشر محتويات تحمل أصداء سلبية مزعجة لحياة الناس وتتسبب أحيانا في تدميرها؛ فقد بقيت - مع الأسف - تلك المساحة الغامضة للتنصل من المعنى الدقيق لضبط وتكييف الحرية هي ذاتها وفي مكانها كقناع يخبئ ما لا يمكن إخفاؤه من عوار منصة فيسبوك.
فإذا عرفنا أن وسائل التواصل الاجتماعي تتجسس من خلال استخدام البيانات على معرفة ميول الناس وتسويقها وبيعها لجني أرباح مضاعفة من الشركات، على نحو يبدو للغافل أن تلك التوافقات الغريبة التي يتفاجأ بها متى ما نقر بحثا في جوجل عن منتج، كما لو أنها صدف مثيرة للعجب، فيما الحقيقة أنه ضحية للذكاء الاصطناعي الذي بدأ اليوم يرسم مستقبلا غامضا ومخيفا للبشر، وفق ما تبشر به منصات السوشيال ميديا.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: التواصل الاجتماعی حیاة الناس فی فیسبوک
إقرأ أيضاً:
ظهور الشيف منال العالم بدون حجاب يثير الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي
تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي خلال الساعات الماضية مقطع فيديو حديث للشيف الأردنية الشهيرة منال العالم، ظهرت فيه بدون غطاء الرأس، وهو ما أثار موجة من الجدل والانتقادات، إلى جانب حالة من الصدمة لدى بعض المتابعين الذين لم يعتادوا رؤيتها بهذه الإطلالة.
اقرأ ايضاًوانهالت التعليقات على الفيديو، حيث كتب أحدهم: “الله يصلحك، وربي إنك أجمل بالحجاب، وأحسن لك من صبغات الشعر اللي سببت تساقطه”. بينما جاء في تعليق آخر: “لما تشوف مواقف زي كده تتيقن إن الحجاب جمال وهيبة وأناقة. مع احترامي للحرية الشخصية، بس أحس إنها راحت هيبتها”.
ورغم الانتقادات، دافع بعض المتابعين عن قرار الشيف، معتبرين أن الأمر يعود إلى حريتها الشخصية ولا يُفترض أن يكون موضع هجوم أو تنمر.
منال العالم تظهر بدون حجاب في اخر ظهور ????! pic.twitter.com/2yazsbR7vi
— Gorgeous (@gorgeous4ew) June 7, 2025 من هي منال العالم؟منال العالم هي شيف أردنية بارزة، تُعرف على نطاق واسع في العالم العربي ببرامجها المتخصصة في فنون الطهي، كما أنها مؤلفة لعدد من الكتب التي تسلط الضوء على المطبخ العربي.
شاركت في عام 2007 كعضو في لجنة تحكيم برنامج “النجم الشيف” الذي عُرض على قناة MBC، كما شاركت في تحكيم العديد من مسابقات الطبخ والمهرجانات منذ عام 1983.
وفي عام 2000، أسست شركتها الخاصة Food Lines Advertising Company للدعاية والإعلان في دولة الكويت
وأقامت العديد من الدورات التدريبية في فنون الطبخ، خاصة للفتيات، سواء في الفنادق الكبرى أو في مقر شركتها، وذلك بين عامي 1995 و2007.
وتُعد منال من أوائل من أصدروا كتب طهي مصورة، حيث أطلقت أول كتاب من هذا النوع في عام 2007، وكان له صدى واسع بين المهتمين بالمطبخ العربي.
© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com)
محررة في قسم باز بالعربي
الأحدثترنداشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على تحديثات حصرية والمحتوى المحسن
اشترك الآن