تُعاني المواقع الأثرية في سوريا، خصوصًا مدينة تدمر، من نهبٍ واسع النطاق منذ سقوط النظام السابق، حيث يعمد أفراد وشبكات إجرامية إلى سرقة الآثار وبيعها عبر منصات التواصل، خاصة فيسبوك، ما يهدد الإرث التاريخي للبشرية. اعلان

مع انهيار جهاز الأمن السوري وتفشي الفقر بين 90% من السكان، شن مجهولون حملة نهب منهجية تستهدف المواقع الأثرية في سوريا، خصوصًا مدينة تدمر القديمة، حيث تحوَّلت المقابر التي عمرها ألفا عام إلى مواقع تنقيب عشوائي بحثًا عن ذهب الجنائز والقطع الأثرية ذات القيمة المالية العالية.

وتحوّلت مقابر المدينة إلى فجوات عميقة يصل عمقها إلى ثلاثة أمتار، تشوه المنظر البصري لمدينة كانت يومًا ما رمزًا للحضارة الرومانية في الشرق. والمقابر ليست فقط أماكن استراحة الأموات، بل مواقع أثرية ذات طبقات تاريخية متراكمة.

وقال عنها محمد الفارس، أحد سكان تدمر وناشط في منظمة غير حكومية تُدعى "التراث من أجل السلام": "هذه الطبقات المختلفة مهمة، عندما يخلط الناس بينها، سيصبح من المستحيل على علماء الآثار فهم ما ينظرون إليه".

وقبل سنوات، شهدت تدمر دمارًا كبيرًا خلال فترة سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، الذي فجر أجزاءً من الموقع الأثري في 2015، واعتبره أصنامًا مرتدَة. لكن الآن، ومع انهيار النظام الأمني بعد إسقاط الرئيس السابق بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي، تصاعدت عمليات النهب بشكل غير مسبوق.

ارتفاع غير مسبوق في النهب

وفقًا لمشروع البحث حول تهريب الآثار والأنثروبولوجيا (ATHAR)، فإن ما يقرب من ثلث الحالات البالغ عددها 1500 حالة والتي وثقتها منذ عام 2012 قد حدثت فقط منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي.

"عندما سقط النظام، رأينا زيادة هائلة على الأرض. لقد كان هناك انهيار كامل لكل القيود التي ربما كانت موجودة خلال فترة النظام والتي كانت تتحكم في عمليات النهب"، قال الدكتور عمرو العظم ، أستاذ تاريخ وثقافة الشرق الأوسط وعلم الإنسان في جامعة شواني الحكومية بأوهايو، وأحد المديرين المشاركين في مشروع ATHAR.

ويشير العظم إلى أن الانهيار الأمني، إلى جانب انتشار الفقر، ولّدا ما يشبه "حمى ذهب"، في بلد تقع في قلب الهلال الخصيب، حيث ظهرت أولى الحضارات المستقرة، وتضم كنوزًا من الفسيفساء والتماثيل والقطع الأثرية التي تباع بأعلى الأسعار لدى المُجمِّعين في الغرب.

تجارة الآثار عبر الإنترنت

وأصبحت منصات التواصل الاجتماعي، خاصة موقع فيسبوك، مركزًا رئيسيًا لبيع الآثار المسروقة. ويقول خبراء إن المجموعات العامة والخاصة على فيسبوك تعرض كل شيء من العملات القديمة والفسيفساء الكاملة والنُصب الحجرية الثقيلة.

وقالت كايتي بول ، المديرة المشاركة في مشروع ATHAR والمديرة التنفيذية لمشروع الشفافية التكنولوجية: "إن آخر ثلاث إلى أربع أشهر كانت أكبر فيض من تهريب الآثار رأيته في حياتي، من أي دولة على الإطلاق".

وأضافت بول أن فريق المشروع يتتبع طريق الآثار المسروقة من الشرق الأوسط عبر الإنترنت، وقد أنشأ قاعدة بيانات تضم أكثر من 26,000 لقطة شاشة وفيديو وصور تسجل المتاجرة بالآثار المسروقة منذ عام 2012. مؤكدة أن "هذا هو أسرع وقت رأيناه فيه بيع القطع الأثرية. مثلاً، استغرق بيع فسيفساء من الرقة العام الماضي عامًا كاملًا، أما الآن فيتم بيع فسيفساء خلال أسبوعين فقط".

مشاهد من السلمية

في مستوطنة تعود إلى العصر البرونزي في تل الشيخ علي بمنطقة السلمية وسط سوريا، صوّرت مجموعة محلية لمراقبة الآثار مشاهد لفتحات بعمق خمسة أمتار تم حفرها بواسطة معدات ثقيلة، على بعد خطوات واحدة فقط.

وقال باحث في هذه المجموعة المحلية، مفضلاً عدم الكشف عن هويته خوفًا من الانتقام: "إنهم يقومون بذلك نهارًا وليلًا. أنا خائف على سلامتي، لذلك لا أقترب منهم".

وتشير بعض الحالات إلى وجود عمليات محترفة لإزالة فسيفساء بكاملها من مواقعها بطريقة دقيقة، وهو عمل يدل على خبرة عالية.

Relatedدُمرت محالّهم وطُلب منهم دفع الجزية.. مسيحيو سوريا ضحايا انتهاكات الفصائل المتطرفةمن ساحات القتال إلى أسواق إدلب: "الجهاديون الأجانب" يبحثون عن وطن في سورياالمبعوث الأمريكي: فتوى تحريم القتل في سوريا "خطوة عظيمة" نحو دولة القانون

بعد استخراج الآثار، تبدأ رحلتها عبر الإنترنت، ثم إلى الدول المجاورة مثل تركيا والأردن، ومنها إلى دول العالم، مع إنشاء فواتير مزيفة وشهادات مصدر، لتغسل وتظهر لاحقًا في دور المزادات القانونية، حيث يشتريها جامعو تحف ومتاحف، معظمها موجودة في الولايات المتحدة وأوروبا.

وقد قدم مشروع ATHAR صحيفة الغارديان بعشرات اللقطات والفيديوهات لآثار سورية، بما في ذلك فسيفساء ونُصب من تدمر، يتم بيعها داخل مجموعات على فيسبوك.

وقد أعطت عملية بحث واحدة على فيسبوك بكلمة "آثار للبيع سوريا" باللغة العربية أكثر من عشر مجموعات مخصصة لتجارة القطع الأثرية، والعديد منها مفتوح للجميع.

في مقطع فيديو نُشر في مارس/آذار على إحدى مجموعات فيسبوك، عرض رجل يحمل لهجة سورية فسيفساء يصور زيوس جالسًا على العرش، واستخدم هاتفه المحمول كمقياس للحجم. وكان الفسيفساء لا يزال في الأرض في الفيديو، لكنه ظهر لاحقًا في صورة أخرى بعد استخراجه من الموقع. وقال الرجل مفاخرًا: "هذا مجرد واحد من أربعة فسيفساء لدينا".

حظر بلا تنفيذ

في عام 2020، حظر فيسبوك بيع الآثار التاريخية على منصته، وقال إنه سيزيل أي محتوى مرتبط بها. ولكن وفقًا لكايتي بول، فإن هذا الحظر نادرًا ما يُنفذ رغم استمرار البيع بشكل موثق. وأشارت إلى إن "تهريب الممتلكات الثقافية أثناء النزاعات المسلحة هو جريمة، وهنا نجد أن فيسبوك يعمل كوسيلة لهذه الجريمة. ويعلم فيسبوك أن هذا موضوع مهم".

وأضافت بول أنها تراقب عدة مجموعات على فيسبوك متخصصة في تجارة الآثار وتضم كل مجموعة أكثر من 100,000 عضو، والأكبر منها يضم حوالي 900,000 عضو.

مع وجود 90% من سكان سوريا يعيشون تحت خط الفقر، فإن منع الأفراد اليائسين من نهب المواقع الأثرية أمر شاق للغاية. وبدلاً من ذلك، قال الخبراء إن مسؤولية التنظيم يجب أن تقع على الغرب، وهو المشتري الرئيسي للآثار الثقافية من الشرق الأوسط.

"كيف نوقف هذا؟ نوقف الطلب من الغرب. حتى تتحسن الأمور الأمنية، لن ترى تحسنًا. نحن نركز على الجانب العرضي لتجنب المسؤولية التي تقع على الغرب"، قال الدكتور عمرو العظم.

في تدمر، لا يزال محمد الفارس يحاول تقبل مدى تغير مدينته منذ عودته إليها في ديسمبر/كانون الأول الماضي بعد سنوات من النزوح. تتناثر الحجارة المكسورة عند قاعدة قوس النصر الروماني، ووجوه منحوتة على توابيت في "مقبرة الإخوة الثلاثة" قد تم حفرها وتشويهها – كلها نتيجة للتدمير الذي فعله تنظيم الدولة.

في الليل، يقف فارس وسكان آخرون حراسة في المدينة القديمة، عازمين على عدم السماح للصوص بسرقة ما تبقى من مكانٍ قد نُهب بالفعل على مدى 15 عامًا من الحرب.

انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة

المصدر: euronews

كلمات دلالية: إسرائيل دونالد ترامب روسيا حركة حماس إيران أوكرانيا إسرائيل دونالد ترامب روسيا حركة حماس إيران أوكرانيا سوريا سرقة تركيا تنقيب علم الآثار الأردن إسرائيل دونالد ترامب روسيا حركة حماس إيران أوكرانيا غزة البرنامج الايراني النووي الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لوس أنجلس استفتاء إسبانيا على فیسبوک فی سوریا

إقرأ أيضاً:

تأجيل محاكمة المتهمين بسرقة الأسورة الأثرية من المتحف المصري | تفاصيل

أجلت المحكمة المختصة، محاكمة المتهمين بسرقة الأسورة الأثرية من داخل المتحف المصري، لجلسة 14 ديسمبر الجاري.

ونجحتِ الأجهزة الأمنية بوزارة الداخلية في كشف ملابسات ما تبلغ لوزارة الداخلية بتاريخ 13 الجاري من كلٍ من وكيل المتحف المصري، وأخصائي ترميم بالمتحف، لاكتشافهما اختفاء أسورة ذهبية، تعود للعصر المتأخر، من داخل خزينة حديدية بمعمل الترميم داخل المتحف.

وأسفرتِ التحريات عن أن مرتكبة الواقعة، أخصائية ترميم بالمتحف المصري، وأنها تمكنت من سرقة الأسورة بتاريخ 9 الجاري أثناء وجودها بعملها بالمتحف بأسلوب المغافلة، وتواصلها مع أحد التجار من معارفها، صاحب محل فضيات بالسيدة زينب بالقاهرة، والذي قام ببيعها لـ مالك ورشة ذهب بالصاغة، مقابل مبلغ 180 ألف جنيه، وقيام الأخير ببيع الأسورة لـ عامل بمسبك ذهب، مقابل مبلغ 194 ألف جنيه، حيث قيام بصهرها ضمن مصوغات أخرى لإعادة تشكيلها.

كما كشف المتهم الثالث في واقعة بيع الأسورة الذهبية المسروقة من داخل المتحف المصري، أنه تلقى عرضًا من شخص يُدعى «فهيم» أحد معارفه بمنطقة السيدة زينب، لشراء الأسورة التي لم تكن مدموغة وقتها.

وقال المتهم «محمود.إ.ع»، أمام جهات التحقيق في واقعة بيع الأسورة الأثرية، إنه حدد سعر الأسورة بـ 177 ألف جنيه وفقًا لوزنها الذي بلغ 37 جرامًا وربع، وبسعر الجرام وقت البيع 4800 جنيه.. مشيرًا إلى أنه توجه بعد ذلك إلى محل وائل وإبراهيم المختصين بدمغ الذهب، حيث قام القائمون هناك بخدش الأسورة ووضعها على جهاز لتحديد درجة نقاء المعدن، واتضح أنها عيار 23، ليتم دمغها رسميًّا وإعطاؤه شهادة بذلك مقابل 30 جنيهًا.

وأشار المتهم إلى أن المختص بالدمغ يستفيد من الأجزاء المخدوشة، حيث يجمعها حتى تصل إلى نصف كيلو ويقوم بصهرها لاحقًا، موضحًا أنه عقب حصوله على شهادة الدمغ، توجّه إلى محل شراء الذهب الكسر المملوك لشخص يُدعى أيمن، والذي قام بدوره بالوزن والشراء بمبلغ 194 ألف جنيه، ثم سلَّم الأسورة للعامل المختص بالمعاينة داخل المحل ويدعى محمد جمال، وهو المتهم الرابع في القضية.

كما أوضح المتهم أنه بعد استلام المبلغ قام بتحويل 3000 جنيه للمتهم الثاني فهيم، عبر تطبيق «إنستا» كنوع من المجاملة، مؤكدًا في الوقت نفسه أنه لم يكن يعلم أن الأسورة أثرية، ولا تربطه أي علاقة بالمتهمة الأولى نهائيًّا.

وتابع المتهم: «أنا جالي واحد اسمه فهيم وهو من منطقتي بالسيدة زينب وأعرفه من زمان وجالي الصاغة وعرض عليا شراء الأسورة، والأسورة مكنتش مدموغة وحددت سعرها بمبلغ 177 ألف جنيه على أساس إنها تعادل وزن 37 جرامًا وربع بواقع سعر الجرام وقت البيع 4800».

اقرأ أيضاًضبط سائق استعرض القوة ببندقية خرطوش في الغربية.. والتحريات: «فيديو قديم»

«تسول أطفال الشوارع».. القبض على أفراد عصابات «الكتعة» بالقاهرة والجيزة

مقالات مشابهة

  • سوريا: خارجون عن القانون يستهدفون الأمن في ريف السويداء
  • سوريا.. إصابة جنود أميركيين وسوريين بإطلاق نار قرب تدمر
  • إصابة 3 أشخاص فى حادث تصادم وانتشار فرق الطب العلاجي بمستشفيات سوهاج
  • مصرع 3 شباب فى انهيار حفرة أثناء التنقيب عن الآثار فى الفيوم
  • أوهام الازدهار العالمي.. تفكيك أسباب الفقر في عالمٍ يزداد غنى .. كتاب جديد
  • وزارة الدفاع: روسيا تدمر 90 مُسيرة أوكرانية ليلا
  • بوتين يحدد هدفا جديدا: خفض معدل الفقر في روسيا إلى أقل من 5% بحلول 2036
  • تأجيل محاكمة المتهمين بسرقة الأسورة الأثرية من المتحف المصري | تفاصيل
  • الشاعر جمال بخيت يُعلق على أزمة محمد صلاح عبر فيسبوك
  • إخلاء سبيل موظفي الصحة المتهمين بالتنقيب عن الآثار بمكتب صحة دشنا بقنا