أمريكا العدو التاريخي والحضاري للأمة..؟!
تاريخ النشر: 22nd, August 2024 GMT
قلت دائما وأردد ما أقوله وهو أن (الكيان الصهيوني) ليس (دولة) بل (قاعدة عسكرية) متقدمة لحماية مصالح أمريكا والمنظومة الاستعمارية الغربية، إنه مجرد قاعدة لأمريكا مثله مثل قاعدة (عين الأسد في بغداد) أو قاعدة (العديد) في قطر، أو قواعدها في سوريا والأردن والسعودية ومصر والمغرب وبقية دول الخليج، وكما أن قواعدها في الدول العربية أخذت لها مساحة من جغرافية المدن، فإن قاعدتها (الكيان ) أخذ مساحة أكبر من جغرافية الوطن العربي هي فلسطين ومعها امتدت أياديه لانتزاع أجزاء من سوريا ولبنان.
هذه القاعدة العسكرية المقامة في فلسطين كانت مهمتها الدفاع عن مصالح أمريكا والتصدي لخصومها من الزعامات والتيارات الراديكالية العربية المناهضة للنفوذ الأمريكي _الصهيوني، وفي ذات الوقت إبقاء الوطن العربي ومكوناته في حالة صراع وضعف وتجاذب وخلافات وتمزق اجتماعي والحيلولة دون تمكين أي دولة عربية من امتلاك عوامل القوة والتقدم والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.. وترى واشنطن والغرب الاستعماري أن من الأهمية بمكان بقاء الدول العربية في حالة تخلف اجتماعي، وفي حالة ارتهان مطلق لأمريكا والدول الغربية الاستعمارية بذريعة حمايتها من بعضها وان يكون الكيان الصهيوني القاعدة الاستعمارية المتقدمة في الوطن العربي- هو الكيان المتفوق عسكريا واقتصاديا والأكثر تطورا وتنمية وبقدرات عسكرية تفوق ما لدى المكونات العربية مجتمعة، بما فيها حلفاء وأصدقاء أمريكا والمرتهنين لها وللمنظومة الاستعمارية الغربية، فأمريكا والدول الاستعمارية الغربية لا يثقون حتى بحلفائهم من العرب، وثقتهم تختزل فقط بالكيان أو القاعدة التي أوجدوها في فلسطين ..؟!
قد تكون أمريكا والغرب استطاعوا -لفترة طويلة – تغليف نفاقهم ووقاحتهم وانحيازهم للكيان الصهيوني طيلة عقود زمنية خلت، كان فيه الكيان الصهيوني ذا قدرة واقتدار على العربدة والغطرسة والتحرك على خارطة الوطن العربي بسلاسة ومن وراء ستار، أو جهرا دون خشية من ردع أو عقاب فيما أمريكا والغرب مهمتهم مطالبة العرب بضبط النفس وتسويق خطاب سفسطائي كاذب عن ( السلام المزعوم) أو (سلام الوهم) الذي تردده أمريكا والغرب منذ عملوا على إخراج مصر كبرى الدول العربية من معادلة الصراع، من خلال ابرام اتفاقية (كمب ديفيد) ومن ثم العمل على تدجين الوعي السياسي للنخب المصرية وجعلها تقدس (كمب ديفيد) التي أصبحت بمثابة ( عقد اجتماعي مقدس) وملزم للنخب المصرية المتتالية، وتجريد الجيش العربي في مصر من عقيدته العسكرية واستبدالها بعقيدة هلامية محصورة في النطاق الوطني المصري دون النظر لتداعيات الأقليم بما في ذلك فلسطين القضية والحقوق، والأمن القومي العربي بمفهومه الاستراتيجي..!
لم تقف أمريكا عند هذا النطاق من الفعل الذي رأت أنه كفيل بتوفير الحماية الاستراتيجية لكيانها اللقيط أو لقاعدتها العسكرية وديمومة تفوقها على كل دول المنطقة، بل راحت تستهدف كل نظام عربي يتبني استراتيجية تنمية وطنية وامتلاك عوامل القوة والاستقرار، بل استهداف أي نظام عربي يعمل على تجذير ثقافة العداء للصهاينة ويكرس في ذاكرة أجياله ووجدانهم هذا العداء، ويزرعون في ذاكرة الأجيال حقيقة أن فلسطين أرض عربية محتلة وأن تحريرها واجب كل عربي ومسلم. مجرد تكريس هذه المفاهيم في ذاكرة الأجيال العربية تعتبر- بنظر أمريكا والمنظومة الاستعمارية الغربية جريمة تستوجب العقاب وتعتبر عداء للسامية لا تقبل بها (دول العالم الحر والدول الديمقراطية بما فيها الكيان ألصهيوني) الذي يعد كيانا عنصريا فاشيا ينتهج سياسة رعاته وفي مقدمتهم واشنطن بطلة إبادة ( الهنود الحمر) واستعباد وامتهان الأفارقة والمتاجرة بهم، ومجرمة فيتنام، تليها بريطانيا التي امتهنت كرامة نصف سكان المعمورة، وتسببت فيما يجري في فلسطين للشعب الفلسطيني على يد العصابات الصهيونية.. وفرنسا التي تاريخها أسود في الجزائر وسوريا ولبنان، وفي دول القارة الأفريقية. بمعنى أن حماة القاعدة الصهيونية في فلسطين ليسوا أنظف منها بل هم قدوتها في الإجرام والتوحش وإبادة شعوب العالم في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.
لقد حرصت أمريكا وشركاؤها خلال العقود الماضية على ابتكار الأسباب التي تمكنها من تدمير أي قدرة عربية يحققها هذا النظام القطري العربي أو ذاك، كما أحكمت سيطرتها على( منابع النفط في الخليج) كما أحكمت سيطرتها- بمساعدة حليفتها بريطانيا على تشكيل وتطويع الأنظمة الخليجية وإحكام القبضة عليها، بذريعة حمايتها من تربص ( الفقراء العرب) الذين يرغبون في ( نهب ثرواتها) أو مشاركتها هذه الثروة، الأمر الذي دفع أنظمة الخليج إلى الارتباط بأمريكا وبريطانيا والدول الغربية، ولم يكن هذا الارتباط (نديا) بل كان ولا يزل يمثل ارتباط (العبد بسيده)، ولا يزال حكام وأنظمة الخليج بمثابة (عبيد) لأمريكا وبريطانيا، حالهم حال (أفارقة أمريكا) قبل قرار ( إبراهام لنكولين) بتحريرهم من العبودية وحياة الرق، ليدفع حياته ثمنا لقراره الإنساني هذا، فيما الشعوب الخليجية بدورها تعيش حياة العبودية لحكامها عبيد أمريكا وبريطانيا ..؟!
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
حين يُسجَن العربي لأنه ناصر فلسطين.. فهل الغرب حقّا أكثر وفاء؟
في ليلة الجمعة، 25 تموز/ يوليو 2025، هزّت مجموعة شبابية تُطلق على نفسها اسم "الحديد 17" المشهدَ السياسي المصري بإعلانها عن اقتحام غير مسبوق لقسم شرطة المعصرة في حيّ حلوان، حيث تمكّنت من احتجاز عدد من أفراد الأمن، مطالبة بفتح معبر رفح في وجه الجرحى والنازفين من غزة. لم تطلق الرصاص، لم تحمل سوى صرخة: "افتحوا المعبر!" فاختفوا.
لا يُعرف مصير الشبان حتى اليوم؛ لا محاكمة، لا بيان رسميا، لا ظهور، فقط اختفاءٌ قسريّ يُضاف إلى أرشيف طويل من العقاب العربي لمن ناصر فلسطين. في هذا الشرق المقموع، لا تحتاج إلى سلاح كي تُجرَّم، يكفي أن تذكر غزة.
وهنا تحديدا، يجب أن يُطرَح السؤال: من الأوفى لفلسطين؟ الذي يُهتف لها في ساحة محميّة؟ أم الذي يُقتاد إلى العدم لأنه أراد أن تُفتح لها بوابة نجاة؟
من الأوفى لفلسطين؟ الذي يُهتف لها في ساحة محميّة؟ أم الذي يُقتاد إلى العدم لأنه أراد أن تُفتح لها بوابة نجاة؟
هذا المقال ليس رثاء، بل تفنيد لأسطورة زائفة: أن الغرب أكثر فلسطينية منّا.
مصر: حين يصبح حبّ فلسطين تهمة
في حزيران/ يونيو 2024، وثّقت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية اعتقال 150 مواطنا مصريا بسبب تعبيرهم عن التضامن مع غزة، بينهم أطفال ومراهقون.
الاتهامات؟ "الانضمام إلى جماعة إرهابية"، "نشر أخبار كاذبة"، "التحريض على التجمهر". جميعها صيغ قانونية تُستخدم لإخراس أبسط أشكال التعبير.
هذه ليست حالة استثنائية، بل امتداد لخطّ طويل في التعامل مع فلسطين كملف حساس لا يجوز للمواطن العادي الاقتراب منه. وكل من يتجاوز تلك "الحدود" -حتى لو بكلمة أو وسم- يوضع في مرمى القمع.
ولا يمكن تجاهل السياق الأوسع: ففي عام 2012، حين انتُخب محمد مرسي رئيسا، كان أبرز وعوده العلنية: "غزة لن تكون وحدها". ذلك الوعد -قبل أي سياسة داخلية- شكّل تحديا للمعادلات الإقليمية، وربما كان من أوائل الأسباب التي عجّلت بإنهاء حكمه.
تونس: حين صرخ الشعب باسم فلسطين قبل أن يرتّب نفسه
في لحظة انهيار النظام التونسي يوم 14 كانون الثاني/ يناير 2011، وقبل أن تلتقط القوى السياسية أنفاسها، خرج الشارع العفوي يهتف: "الشعب يريد تحرير فلسطين".
كان ذلك الهتاف صادما لكثيرين، ففلسطين لم تكن على جدول أعمال النخب، ولا في قوائم المطالب، لكنه كان صادقا، نابعا من ذاكرة شعبية رسّختها الانتفاضات، والمدارس، والإذاعة، وتاريخ احتضان منظمة التحرير في تونس بعد خروجها من بيروت.
وحين عاد التضييق في السنوات الأخيرة، صار رفع العلم الفلسطيني في مظاهرة طلابية أو منشور على فيسبوك مدعاة للاستدعاء أو التحقيق. فالاستبداد يعرف أن فلسطين لا توحّد فقط، بل توقظ، وتربك، وتربّي على ما هو أعظم من الدولة البوليسية.
لبنان: البلد الذي لم يهتف فقط.. بل نزف
في عام 1982، حين اجتاحت إسرائيل بيروت، لم تكن مقاومة الاحتلال خطابا سياسيا، بل واقعا يوميا. وفي عام 2006، حين قُصف الجنوب والضاحية، لم تكن فلسطين مجرد لافتة، بل كانت البوصلة.
لبنان لم "يتضامن" مع فلسطين من بعيد، بل قاوم معها، ومن داخل نسيجه. فلسطين في لبنان لم تكن هوية طارئة، بل مكونا من المخيمات، من الذاكرة، من الرصاص، ومن أوجاع الناس.
وهناك، لم يكن القمع هو ما يمنع الموقف، بل الموت نفسه. ومع ذلك، اختار الناس أن يقاوموا، لا أن يصمتوا.
المغرب: حين يصبح التضامن محاصرا باتفاق التطبيع
وفي المغرب، لم يكن المشهد مختلفا. فخلال العدوان على غزة، خرجت تظاهرات ضخمة في الرباط والدار البيضاء، واجهتها قوات الأمن بقمع ممنهج. مُنعت التجمعات، فُضّت الوقفات، وتم استدعاء ناشطين للاستجواب بسبب منشورات.
ورغم أن المغرب دولة وقّعت اتفاق تطبيع مع إسرائيل، إلا أن الشارع ما زال يحمل لافتة واحدة: "فلسطين ليست للبيع". ولماذا لا تُقمع المظاهرات في الغرب أيضا؟
صحيح أن المتضامنين مع غزة في أوروبا وأمريكا يملكون هامشا واسعا للتعبير، لكن هذا الهامش ليس مطلقا. فقد تم فصل عشرات الطلاب والأساتذة في جامعات أمريكية وبريطانية بسبب مشاركتهم في حملات تدعو لمقاطعة إسرائيل أو تنتقد جرائمها. حركات مثل "طلاب من أجل العدالة في فلسطين" تعرضت للتهديد بالإغلاق، وبعض الصحفيين فقدوا وظائفهم بسبب كلمة واحدة في تغريدة.
لا يعني هذا تبرير القمع العربي، بل فضح النفاق العالمي. فالمنظومة السياسية الغربية التي تسمح بالمظاهرات، هي ذاتها التي تموّل آلة القتل في غزة، وتمنع أي مساءلة حقيقية في المحافل الدولية.
لذا، فإن المقارنة بين "الشارع الغربي" و"الشارع العربي" لا تصمد أخلاقيا أو سياسيا. الأول يتظاهر بإذن القانون، والثاني يتظاهر رغم القانون.. الأول يعود إلى بيته بعد الهتاف، والثاني لا يعود أبدا.
ليس تنافسا في الوفاء.. بل سؤال في منطق القمع
لا يهدف هذا المقال إلى نزع القيمة عن مظاهرات الغرب، ولا إلى التقليل من شجاعة الأصوات المتضامنة مع فلسطين، بل هو تذكير بأن المعيار الحقيقي للوفاء لا يُقاس بعدد اللافتات، بل بحرية رفعها.
المشكلة ليست في تضامن الآخرين، بل في أن تضامننا -كعرب- صار جريمة.
الشعوب المغيَّبة لا الغائبة
إنّ مقارنة العرب بالغرب في ميزان "الدعم لفلسطين" تغفل بُعدا جوهريا: السياق السياسي للقمع. الغربي يهتف وهو محمي بدستور، بينما العربي يُخضع لأيّ تهمة جاهزة.
خطاب "الغرب أكثر وفاء لفلسطين" ليس فقط مضللا، بل يُعيد إنتاج صورة العربي المتخاذل، المنكفئ، غير الجدير بقضاياه. إنه امتداد ناعم للاستشراق، لكنه بنسخة رقمية
من القاهرة إلى عمّان، ومن الرباط إلى الخرطوم، لا يحتاج القمع سوى ذريعة: منشور، وسم، وقفة صامتة، أو حتى تبرع مالي. ومع ذلك، تخرج الأصوات، رغم التضييق، وتبقى فلسطين حيّة في الشوارع العربية، كلما سنحت الفرصة.
هذه السردية ليست بريئة
خطاب "الغرب أكثر وفاء لفلسطين" ليس فقط مضللا، بل يُعيد إنتاج صورة العربي المتخاذل، المنكفئ، غير الجدير بقضاياه. إنه امتداد ناعم للاستشراق، لكنه بنسخة رقمية.
فالغربي عقلاني شجاع، والعربي خائف صامت.. الغربي يواجه الشرطة، والعربي يُكمَم من قبلها. لكن الواقع غير ذلك.
من الذي يصادر الإعلام؟ من يمنع المظاهرات؟ من يعتبر فلسطين ملفا أمنيا لا وجدانيا؟ ليست الشعوب من اختارت الصمت، بل فُرض عليها. ولم تسكت.. بل مُنعت.
خاتمة: حين يُمنع عنك الحلم، يصبح الحلم مقاومة
في هذا العالم المعكوس، يُكافأ من يرفع علم فلسطين في ساحة مرخّصة، ويُخفى قسرا من يهتف باسمها في عاصمة عربية، يُصفَّق للمتضامن حين يكون الهتاف بلا ثمن، ويُقطع الصوت حين يصبح الهتاف مشروعا للتحرر.
هذا المقال لا يسعى لانتزاع شهادة وفاء، بل فقط لتذكير العالم: أن العربي حين يحبّ يدفع كل شيء، حتى حقّ الظهور، حتى صوته، حتى اسمه.