جريدة الرؤية العمانية:
2025-07-29@01:21:06 GMT

بين العمل التطوعي والمنظم "3- 3"

تاريخ النشر: 25th, August 2024 GMT

بين العمل التطوعي والمنظم '3- 3'

 

عبيدلي العبيدلي **

 

قضية في غاية الأهمية ينبغي التوقف عندها عند مناقشة دور العمل التطوعي ونظيره المنظم في المنظمات التي لا تتوخي الربح. فهناك من يقف مدافعا عن الأول ورافضا الثاني، وبالقدر ذاته هناك من يحارب الأول ويدعو للاكتفاء بالثاني فقط.

في مجال المنظمات غير الربحية، فإن التعبئة الاستراتيجية للعمل التطوعي ليست مجرد ضرورة لوجستية، ولكنها حجر الزاوية في النجاح التشغيلي.

تقليديا، شهد الميدان وجهة نظر مستقطبة في استراتيجيات إدارة المتطوعين. فمن ناحية، يؤكد المدافعون عن العمل التطوعي المنظم على الحاجة إلى النظام، والقدرة على التنبؤ، والاتساق، بحجة أنَّ هذه العناصر ضرورية لضمان الاستدامة على المدى الطويل، والإدارة الفعَّالة للموارد، والامتثال للمتطلبات القانونية والتمويلية. يرتكز هذا النهج على الإجراءات المعمول بها والتخطيط التفصيلي والتنفيذ المنهجي، والتي تعتبر ضرورية للمشاريع التي تتطلب درجات عالية من الدقة والموثوقية.

وعلى العكس من ذلك، يسلط مؤيدو التطوع التلقائي الضوء على الحاجة الماسة إلى المرونة والاستجابة السريعة والمشاركة الشعبية. ويجادل هؤلاء،  بأنه في عالم يمكن أن تظهر فيه الأزمات الاجتماعية والبيئية فجأة، فإن قدرة المنظمات غير الربحية على التصرف بسرعة وبشكل تكيفي يمكن أن تحدث فرقا بين تخفيف المصاعب الفورية والاستجابة بعد فوات الأوان. يسمح التطوع التلقائي للمؤسسات بالاستفادة من الفرص غير المتوقعة، والانخراط مع المجتمعات بطريقة شخصية ومباشرة أكثر، وابتكار حلول سريعة.

ومع ذلك، فإنَّ الالتزام الصارم بنهج واحد غالبًا ما يعني إهمال نقاط القوة في النهج الآخر. تفترض هذه المقالة أن الإستراتيجية الأكثر فعالية للمنظمات غير الربحية ليست الاختيار بين التطوع المنظم أو العفوي، ولكن دمج كليهما. من خلال الجمع بين موثوقية الأنظمة المهيكلة والقدرة على التكيف مع المبادرات التلقائية، يمكن للمنظمات غير الربحية الوفاء بمهمتها بقوة أكبر، وتلبية احتياجات المجتمع، والاستجابة للأزمات بفعالية. يعد هذا النهج المتكامل بتعظيم التأثير، وتعزيز مشاركة المتطوعين، وتوسيع نطاق جهودهم عبر مجموعة أوسع من السيناريوهات.

 

دحض نموذج النهج الواحد:

غالبا ما يجادل منتقدو النهج المزدوج بأن وجود الكثير من البنية يمكن أن يخنق الإبداع والاستجابة السريعة، وهما أمران حاسمان في حالات الأزمات أو عند اغتنام الفرص العابرة. على العكس من ذلك، قد يؤكد مؤيدو التنظيم الصارم أن الكثير من العفوية يؤدي إلى الفوضى وعدم الكفاءة والتخفيف المحتمل لأهداف المنظمة غير الربحية. ومع ذلك، فإن هذه المنظورات تتجاهل الطبيعة التكاملية لكلا النهجين.

يوفر العمل التطوعي المنظم العمود الفقري للموثوقية والكفاءة، وهو أمر بالغ الأهمية للمشاريع طويلة الأجل والامتثال للمتطلبات التنظيمية والتمويلية.

من ناحية أخرى، يسمح التطوع التلقائي للمنظمات بالاستجابة بسرعة للتحديات أو الفرص غير المتوقعة، مما يعزز القدرة على التكيف والمشاركة المجتمعية.

الدعوة إلى نهج مختلط:

الحجة الأكثر إقناعا لدمج العمل التطوعي المنظم والعفوي داخل المنظمات غير الربحية هي اتساع نطاق الفعالية الذي يسمح به. يمكن هذا التآزر المؤسسات من الحفاظ على تقدم مطرد نحو أهدافها مع الاحتفاظ بالمرونة لتلبية الاحتياجات الفورية أو الابتكار عند ظهور الفرص.

1.  المرونة داخل الأطر: يمكن للمنظمات غير الربحية تصميم برامج تطوعية تتضمن أنشطة أساسية ومنظمة مع فرص مدمجة للمشاركة التلقائية. على سبيل المثال، قد يقوم الصليب الأحمر بتدريب المتطوعين على أدوار محددة مع الحفاظ أيضا على فريق الاستجابة السريعة للكوارث غير المتوقعة.

2.  التخطيط والاستجابة المتوازنة: من خلال إنشاء أدوار وعمليات واضحة إلى جانب القنوات المفتوحة للعمل الفوري، يمكن للمنظمات غير الربحية ضمان أن تكون الجهود التلقائية فعالة ومتوافقة مع مهمة المنظمة. وقد تجلى هذا النهج بشكل فعال خلال الاستجابة العالمية لوباء كوفيد-19، حيث استكملت الخدمات الصحية المنظمة بدعم مجتمعي عفوي ومجموعات مساعدة متبادلة.

3.  التكامل الثقافي: يمكن للمنظمات غير الربحية تعزيز ثقافة تقدر الموثوقية والاستجابة. وهذا ينطوي على تدريب القادة على التعرف على متى يجب دعم الهيكل ومتى يسمحون بالمرونة، وتشجيع العقلية التي تحتضن التخطيط والقدرة على التكيف بنفس القيمة.

 

خاتمة

يمثل دمج العمل التطوعي المنظم والعفوي داخل المنظمات غير الربحية تطورا حاسما في فلسفة وممارسة إدارة المتطوعين. يتجاوز هذا النهج الهجين الانقسامات التقليدية من خلال دمج موثوقية الأنظمة المهيكلة مع مرونة الإجراءات التلقائية، وبالتالي إنشاء نموذج تطوعي أكثر مرونة وتكيفا. لا يعزز هذا النموذج قدرة المنظمات غير الربحية على التنقل في تعقيدات بيئاتها التشغيلية فحسب، بل يضمن أيضًا أن تظل ذات صلة وتستجيب لاحتياجات المجتمع المزمنة والناشئة.

تتمتع المنظمات التي تمزج بنجاح أساليب التطوع هذه بميزة استراتيجية فريدة. فهي تحافظ على الزخم في المشاريع الطويلة الأجل من خلال خطط جيدة التنظيم، وفي الوقت نفسه، تحتفظ بالقدرة على التعبئة بسرعة استجابة للتحديات أو الفرص غير المتوقعة. علاوة على ذلك، يلهم هذا التآزر تجربة تطوعية أكثر ثراء، ويعزز المشاركة والالتزام الأعمق من خلال استيعاب تفضيلات ومهارات المتطوعين المتنوعة.

في نهاية المطاف، فإن الدعوة إلى اتباع نهج متوازن لإدارة المتطوعين في المنظمات غير الربحية تدور حول إدراك أن أقوى الأنظمة هي تلك المرنة بما يكفي للتكيف مع التحديات الجديدة بينما تكون مستقرة بما يكفي للبناء على النجاحات السابقة. من خلال الدفاع عن نموذج يقدر كلا من القدرة على التنبؤ والعفوية، يمكن للمنظمات غير الربحية أن تخدم مجتمعاتها بشكل أفضل، وتحقق مهامها، وتمهد الطريق لمستقبل لا يكون فيه العمل التطوعي مؤثرا فحسب، بل يتماشى أيضا بشكل ديناميكي مع المناظر الطبيعية المتطورة للحاجة والدعم. وبالتالي، فإن هذا التوليف الاستراتيجي ليس مجرد مثال نظري، ولكنه ضرورة عملية للقطاع غير الربحي المزدهر في العالم المعاصر.

** خبير إعلامي

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

ملاك

لم تأتِ أمريكا لتحريرنا، بل استبدلت ظلامًا بظلام آخر، ودمّرت ما تبقّى من كرامة لنا- ملالا جويا، كاتبة أفغانية.

حين شنّت الولايات المتحدة حربها على أفغانستان عام 2001، رفعت شعار «إنقاذ المرأة الأفغانية» كأحد مبررات الغزو الرئيسية لكسب التأييد الشعبي. انتشرت حينها صور نمطية محفورة في الذاكرة: نساء منقّبات محرومات من أبسط الحقوق، يعشن تحت وطأة نظام طالبان القمعي، في حاجة ماسة لـ»منقذ» من وراء البحار.

غير أن الواقع كان مختلفًا تمامًا، كما أكدت شهادات المنظمات النسائية الدولية. لم تطلب النساء الأفغانيات تدخلاً عسكريًا، بل كانت احتياجاتهن أساسية واضحة: الأمان، لقمة عيش تُطعم أطفالهن، خدمات صحية أولية، ومأوى آمن. احتياجات إنسانية بسيطة سُلبت منهن باسم «التحرير» المزعوم.

تتبع الدولة المارقة النهج الأمريكي ذاته؛ فحين شنّت عدوانها على إيران، ادعت الدفاع عن النساء المضطهدات، وأعادت اللحن نفسه بشأن سوريا. ويسارع الإعلام الغربي المتحيز -بمؤازرة منظمات نسوية انتهازية- إلى نشر تقارير مُضللة عن «معاناة النساء» في غزة قبل طوفان الأقصى، ليخرج علينا قادة الكيان الصهيوني بتصريحات صادمة، زاعمين أن الإبادة الجارية في غزة تستهدف... «تحرير المرأة».

لكن تأتي قصة ملاك لتفضح زيف هذه الادعاءات وتعرّي حقيقتها المؤلمة.
في العشرين من عمرها، حملت ملاك مصلح حلمًا يزن أوطانًا: أن تقف في حلبات الملاكمة العالمية، حاملةً اسم فلسطين عاليًا. تمرّنت بجسدٍ نحيلٍ وإرادةٍ من حديد، وخاضت عشرات المعارك المحلية، لكنها لم تكن تعلم أن معركتها الحقيقية ستكون ضد صاروخٍ مُصنَّع في الغرب ثمنه مليون دولار، أُطلق عليها وهي جالسةً في مقهًى على شاطئ غزة، ليفتك بفتاةٍ لم يكفِها عمرٌ من التدريب لتفادي ضربة الموت.  

في لقطاتٍ على اليوتيوب، تظهر ملاك وهي تتدرّب مع رفيقاتها على الشاطئ ذاته. قفازات بالية، أكياس ملاكمة مُرتجلة، وأجسادٌ تتحدّى الجوع والقصف والتهجير. خلفهنّ، مشهدٌ يُلخّص غزة: أنقاضٌ تعلوها سماءٌ مفتوحة على جراح العالم. لم يكن تدريبهنّ رياضةً عادية، بل كان رقصًا على حافة الموت، ورفعًا لقبضة الحياة في وجه آلة الإبادة.  

مشهدهن وهن يتدربن بأبسط الإمكانيات، يحملن أكياس الملاكمة لبعضهن البعض، يفوق في صدقه وقوة تأثيره كل ما تنتجه صناعة السينما الهوليوودية من أعمال درامية وبطولات مصطنعة. فما تجسده هؤلاء الفتيات من إرادة صلبة وكرامة إنسانية يتجاوز بمراحل كل قصص البطولة الخيالية المُنتجة في استوديوهات الأفلام.

قبل أن تتحوّل غزة إلى ساحة إبادة، كانت ملاك ورفيقاتها الأربعين يتدربن في نادي «المشتل»، أول صالة ملاكمة نسوية فلسطينية. جدرانٌ بسيطةٌ تزينها صور أبطال عالميين، وحلبةٌ صغيرةٌ كانت تُنبِت أحلامًا أكبر من مساحتها. حتى جاء الاحتلال فدمّرها، كما يدمّر كلّ ما يرمز للحياة هنا. لكنّ الأكياس المُعلّقة على أشلاء الجدران لم تسقط، بل نُقلت إلى الشاطئ، حيث تواصل الفتيات تدريبهنّ تحت القصف، وكأنهنّ يقلن للعالم: «حتى لو حوّلتمونا رمادًا، سنظلّ جذورًا تنبت من جديد».  
رحلت ملاك إلى بارئها، وبقي صمت المنظمات الدولية المخزي، وتواطؤ المجتمع الدولي الفاضح
لكن آلة الحرب الصهيونية فشلت في كسر عزيمة هؤلاء الشابات حتى بعد تدمير ناديهن الرياضي؛ فواصلن تدريباتهن على شاطئ البحر المفتوح، فوق الرمال الناعمة، تحت أشعة شمس حارقة تلفح وجوههن، يسرقن لحظات من الأمل والفرح وسط محيط من الأهوال والمآسي التي لا تنتهي. وحتى بعد استشهاد بطلتهن ملاك، لا تزال رفيقاتها يتدربن في المكان ذاته على الشاطئ، ويواصلن تحديهن الشجاع في وجه آلة الحرب الصهيوأمريكية المدمرة.

تُلقّننا المسيرة القصيرة والمشرقة للبطلة الراحلة ملاك دروسًا إنسانية عميقة؛ أولها أن نساء العالم الإسلامي يعشن حياة كريمة وحرة، خلافًا لما تروج له الآلة الإعلامية الغربية المضللة. كما فضحت بهدوءٍ صمتَ المنظمات «النسوية» التي تهلّل لو قُتلت فتاةٌ غربيةٌ في حادثٍ تافه. وتعلمنا أيضًا أنه رغم الفقر المدقع، والحرمان القاسي، والجوع المستمر، لا يزال في غزة شعب عاشق للحياة، يحمل في قلبه آمالًا وتطلعات وأحلامًا مشروعة... تمامًا مثل كل شعوب الأرض الحرة.

برحيل ملاك المبكر، لم تُدفن أحلام فتاة واعدة فحسب، بل وُجّهت ضربة قاصمة لكل القيم الإنسانية النبيلة التي يتشدق بها هذا العالم المنافق. رحلت ملاك إلى بارئها، وبقي صمت المنظمات الدولية المخزي، وتواطؤ المجتمع الدولي الفاضح، وعار المتفرجين الذين اكتفوا بدور المشاهد السلبي.

اليوم، بينما تُختزل فلسطين في أرقام الضحايا، تذكّرنا ملاك بأن تحت كلّ رقمٍ قصة حبٍ للحياة، وحلمٌ لم يُقتل لأنه صار وقودًا لأحلامٍ أخرى. ففي كلّ صباح، تعود رفيقاتها إلى الشاطئ، يلكمن الهواءَ كما يلكمن وجعَ العالم، ويُجدّدن القسم: أن تُروى أرض غزة إما بدموع الناجيات، أو بدماء الشهيدات.  
أما ذلك الصاروخ المليوني؟ فلم يُدرك أنه بقتلها، حوّل قبضتها الصغيرة إلى أسطورةٍ تُربك حساباته: كيف لسلاحٍ فائق التطور أن يهزمه إصرارُ فتاةٍ لم يَكتمل حلمها بعد؟

الدستور الأردنية

مقالات مشابهة

  • اللقاء الإنساني الموسع بصنعاء يطالب المنظمات الدولية والأممية بإعادة تمويل البرامج المستدامة والتنموية
  • “اغاثي الملك سلمان” يدشّن المشروع الطبي التطوعي لجراحة وقسطرة القلب في كينيا
  • “اغاثي الملك سلمان” يختتم المشروع الطبي التطوعي لجراحة وقسطرة القلب في عدن
  • لقاء يناقش تعزيز تنسيق جهود العمل الإنساني في اليمن
  • الرئيس السيسى: لا يمكن منع دخول المساعدات للأشقاء بغزة من خلال معبر رفح
  • اعتراف صادم.. جوجل أضاعت 35 ثانية كان يمكن أن تنقذ الأرواح
  • تدشين المشروع الطبي التطوعي للجراحات العامة بمستشفى الأمير محمد بن سلمان في عدن
  • المحرّمي وباذيب يرسمان خريطة التحول المؤسسي وعدن مركزاً للمنظمات الدولية
  • يونيسف: يمكن إنهاء سوء تغذية أطفال غزة خلال شهر إذا فتحت المعابر
  • ملاك