سودانايل:
2025-12-13@04:31:26 GMT

غرفة نوم لجدتي

تاريخ النشر: 27th, August 2024 GMT

قصة

المغيرة التجاني علي

[email protected]

القليل فقط من أهل قريتنا من كان يعد من الميسورين . لم يكن الفقر يوما بعيب كما نسمع , لكنه يظل علي الدوام مؤلما و قاسيا . عشنا سنينا مرة من الحرمان و العوز . لم يعد والدي العجوز قادرا علي السعي و الكفاح . كنت أعيش بين أخواتي الست وأمي و أمها .تركت الدراسة بسبب عدم فلاحي فيها و لم يقم أحدا بسؤالي و لا اثنائي عن ذلك, كأنهم يشعرون أنني قد خلقت منذ البداية كي أعيش ساعيا بين اخواتي و أمي و جدتي .

سعدنا بقبول أختينا في المدرسة المتوسطة ذات الداخلية لعل ذلك يخفف علينا جزءاً من هذا الحمل الثقيل . أثنتان من أخواتي بلغن سن الزواج و العادة في قريتنا أن تتزوج البنت من أولاد الأسرة الكبيرة أو أي أحد من أبناء القرية. والتقليد السائد هو أن تقوم الفتاة البالغ بإعداد مستلزماتها و تجهيز نفسها لرحلة الزواج .أما الجهاز المتعارف عليه فيتكون في الغالب من أثاث بسيط – و من زادت فلنفسها و عريسها – كان عبارة عن سريرين من الحديد أو الخشب و ملحقاتهما من مراتب و مساند وملايات يؤتي بها من سوق المدينة - صارت البنات في قريتنا تسميها (غرفة النوم ), يتوجب علي البنت أيضا أن تجهز المطبخ بأواني و أدوات جري العرف أن تهدي لها من صديقاتها و نساء القرية القريبات ويلزم العريس بإحضار المستلزمات الأخرى كالملابس و الأحذية و العطور و تعرف عند الناس بالشيلة . و لكل أسرة عيون تراقب مدي استعداد البنت وتجهيزاتها حتي يتقدم لها أحد أبنائها , فتصبح هذه الغرفة ومستلزماتها من الضروريات المتعارف عليها في القرية و قد تأخذها معها أن قررا الرحيل الي مكان آخر أو تبقيها في مكانها حسب اتفاق الزوجين بعد بدء مشوار الزوجية .أما الأمور الأخرى كالحسب و الأخلاق و الجمال فتلك اعتبارات تخضع لتقييم العريس و أهله .و شباب قريتنا يعيشون أوضاعا متقاربة الي حد كبيرو لا يتعدى مدخولهم في الغالب ما ينفقونه علي بيوتهم من ضروريات الحياة ومساعدة إخوانهم وأخواتهم علي الدراسة والزواج . سار الناس علي هذا التقليد زمانا فأنصب تركيزي وأخواتي مع الظروف القاسية التي نعيش فيها علي تجهيز غرفة لأي من البنتين الكبيرتين لتتزوج و تخفف علينا بعضا من هذا الحمل الثقيل. حتي العلاج الذي نشتريه لأبي و لجدتي لعلاج الربو و السكري وضغط الدم كنا نحسه ترفا وكثيرا ما نستعيض عنه بالأدوية البلدية . و لعل المعروف الذي يجب أن نسديه لأختي الكبرى التي سعت و شقت في تربيتنا هو هذه الغرفة التي صارت هما نجتمع عليه . كنت وأخواتي نقوم بزراعة الجرف علي شاطيء النهر بإرشاد الوالد ليكفينا مؤنة الشهور العصيبة لنحصل علي القليل من المحاصيل مثل اللوبيا و الذرة الشامي و شيء من الفاصوليا و القرع . كنا نتساعد أيضا في جمع الحطب من الوادي البعيد و نربطه حزما ونبيعه لصبي كان ينزل به السوق مرة أو مرتين في الأسبوع _و كنت أخرج مع أخواتي لجمع سعف جريد الدوم – نسميه -الصور ,, فتقوم أخواتي بمساعدة الأم ليصنعن المقاطف و البروش و السلال نبيعها في دكان القرية لنشتري بها احتياجات البيت مثل السكر والشاي والملح و البهار و العدس و الزيت والشعيرية و الطحينية والصابون والكروسين وهي جميعها ضروريات لا استغناء عنها . لم يكن البيت يتعدى حدود الغرفتين وكان هنالك بيت قديم في الواجهة الأمامية مصنوع من حطب السنط وجريد النخل والبروش. أحتلت أخواتي غرفة و صرت أنا وأبي و أمي و جدتي في الغرفة الثانية بعد أن قرننا أن نهدم بيت البرش- كما كنا نسميه - ونبني مكانه أوده نجهزها كغرفة نوم للعريسين القادمين . ما أن تم بناء البيت بجهدي ومشاركة أخواتي مع مجموعة من البنائين, بغية تقليل التكاليف, حتي بدأنا في تأسيسها و تجهيزها لأحد أختي .حسب قسمتها و نصيبها – كما تقول أمي . قالت أخواتي الطالبات أن شراء الأشياء مجزأه غير مفيد و قلن كلاما في التناسق والذوق و الموضة ونحو ذلك من كلام بنات المدارس ,,وصرنا نحفظ الفلوس في صندوق لأمي ورثته من أمها التي ورثته هي الأخرى من جدتنا الأكبر , و كان ذلك هو كل ميراثنا في هذه الدنيا العريضة .صندوق خشبي متين ذو عروتين من جلد البقر المفتول وعلي جنبتيه خرزات مرصوصة بلا انتظام . اشتد المرض علي جدتي و صار لزاما علي أمي أن تقوم بخدمتها وتمريضها و نسبة لهذه الظروف فقد اضطررننا أن ننقلها مع أمي لغرفة النوم المفترضة و بقينا -أبي و أنا- في الغرفة الأخرى القديمة مع أدوات الزراعة من شواويل وبقايا محاصيل و تواريب و طواري و فؤوس ومناجل و سروج وشباك و كل مقتنياتنا القديمة المستخدمة وغير المستخدمة, فالناس في الريف غير مستعدون بطبيعة ظروفهم للاستغناء عن حاجياتهم – فلكل أداة أوان ولكل بذرة زمان. صرنا متنازعين بين بقاء الجدة و ملازمتها في الغرفة و تجهيزها كغرفة نوم لزوجين محتملين و الذي هو ضروري في أعين الناس وعرفهم , كما تعد الغرفة أيضاً شركاً لاغواءِ العرسان و اصطيادهم. شيئا فشيئا بدأت ملامح الغرفة تكتمل فها هي الجدار مطلية باللون الوردي اللامع والسراميك التفاحي المزركش يجمل الأرضية والستائر الجميلة المطرزة بالركاما والدانتيل تغطي معظم الجدار علي الجانبين و تخفي النوافذ الخشبية ذات المربعات الزجاجية الملونة في طرفها العلوي التي يتسرب منها ضوء الشمس الخافت فتضفي علي ألوان الغرفة بهرجا و جمالا . الدولاب البني المحروق يحتل مساحة من الجدار الخلفي المواجه للباب و سراير خشب التيك المحلاة بالمرايا و الزخارف علي جانبي الغرفة و طقم الترابيز الصغيرة المغطي بالمفارش الملونة و بعض البراويز والمزهريات في الأركان التي تفننت في وضعها بعناية و ذوق أختاي الطالبتان و صديقاتهما من بنات الداخلية .أحسست و أنا أرقب الغرفة من الداخل أننا قد انتقلنا بسبب هذه الغرفة الي حياة السعادة بعد الشقاء الطويل والي حياة الحداثة و البندر بعد البؤس المستدام و اننا نسير في تحقيق أمنياتنا الجميلة بفضل التكاتف و الحب الذي نكنه لبعضنا . انتابني شعور من الحسد المشوب بالطمع والغيرة و تمنيت لو أنني أنا العريس الذي أعدت له هذه الغرفة الأنيقة و طافت أمامي وجوه بنات القرية الجميلات و تسمرت صور بنات الداخلية المتحضرات في ازيائهن المختلفة علي الجداران الملونة و الستائر المزركشة و شممت للمرة الأولي رائحة العطور و البخور تعبق و تتسرب الي صدري الذي داعبته السعادة وزهو الشباب. دارت عجلة الأيام وظلت الغرفة علي هذه الحال سنينا عديدة ,,لا فارقتها الجدة المريضة ولا جاءها العريس المرتقب. صارت غرفة نوم أختي حديث الناس و امنيات الصبايا و العرسان ,, ترقد فيها الجدة مثل بقايا شجرة يابسه ملتوية . أطلقت عليها بنات الحلة , يمازحن أخواتي ((غرفة نوم حبوبة بت المحجوب ))  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: هذه الغرفة غرفة نوم

إقرأ أيضاً:

ماراثون مصر الخير بالأقصر.. احتفالات العيد القومي تتجمل بروح التطوع

شهدت مدينة الأقصر صباح أمس فعاليات رياضية تنموية مميزة، حيث أضاء ماراثون مؤسسة مصر الخير احتفالات المحافظة بعيدها القومي السادس عشر وبالتزامن مع يوم التطوع العالمي، في مشهد جسد روح الشباب والانتماء للمجتمع.

انطلق الماراثون، الذي هدف إلى ترسيخ مفهوم التطوع وأهمية المشاركة المجتمعية، من أمام معبد الأقصر وصولاً إلى معبد الكرنك، بمسافة قدرها 4 كيلومترات على كورنيش النيل التاريخي.

جرت الفعالية بمشاركة واسعة من الشباب من الجنسين، والمتطوعين، وطلاب الجامعات ضمن الفئة العمرية 16 إلى 35 عاماً، حيث بلغ العدد المستهدف حوالي 500 متسابق.

شهد الماراثون حضوراً قيادياً تمثل في اللواء عبد الله عاشور، سكرتير عام محافظة الأقصر، والدكتور محمد عبد الوهاب، مدير مديرية الشباب والرياضة، واللواء دكتور علي الشرابي، رئيس مدينة الأقصر، إلى جانب ممثلين عن مؤسسة مصر الخير.

أسفرت المنافسة الرياضية القوية عن تتويج الأبطال:

* المركز الأول (بنين): محمد خالد شمس.

* المركز الأول (بنات): رؤى أسامة.

* المركز الثاني: محمد مصطفى عبد الله (بنين) وسما أسامة (بنات).

* المركز الثالث: أحمد بدوي عبد الوهاب (بنين) وسارة أحمد نصر الدين (بنات).

أكدت المؤسسة أن تنظيم هذا الحدث يندرج ضمن جهودها لدعم وتشجيع العمل التطوعي وإبراز الدور الحيوي لشباب الأقصر في الأنشطة التنموية والرياضية التي تخدم مجتمعهم.

مقالات مشابهة

  • "دراسات إسلامية بنات الأزهر بالإسكندرية" تنظم معرضاً فنياً للرسم والتصوير
  • غرفة الصناعات الغذائية تؤكد التزامها بدعم رائدات الأعمال في التصنيع الغذائي
  • غرفة الإسكندرية تبحث مع قيادات الجمارك تطوير إجراءات التسجيل المسبق للشحن الجوي
  • ماراثون مصر الخير بالأقصر.. احتفالات العيد القومي تتجمل بروح التطوع
  • غرفة القليوبية تستضيف رئيس تنمية التجارة
  • رئيس تنمية التجارة يتفقد الخدمات المتكاملة في غرفة القليوبية قبل تدشين «السجل المميز»
  • "غرفة القليوبية" تستقبل رئيس "تنمية التجارة" وتتفقد استعدادات افتتاح مكتب السجل المميز
  • مجلس إدارة «غرفة عجمان» يناقش مشاريع 2026
  • العدو الإسرائيلي يحاصر منزلا في البلدة القديمة بنابلس.. ومستوطنون يخربون غرفة زراعية في كفر الديك غرب سلفيت
  • 22 ديسمبر.. حسم الصراع على رئاسة غرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات