ضرباتُ فصائل محور المقاومة وجبهاتُ الإسناد تمزِّقُ أوصال العدوّ الصهيوني
تاريخ النشر: 28th, August 2024 GMT
الثورة نت../
يواجِهُ كيانُ العدوّ الصهيوني شبحَ تصاعد الهجرة العكسية التي تزداد كُـلّ يوم؛ جراء تحول الأراضي الفلسطينية المحتلّة إلى مناطقَ غيرِ آمنة؛ بفعل الضربات النوعية التي توجّـهها فصائل محور المقاومة في الداخل الفلسطيني وجبهات الإسناد في اليمن والعراق ولبنان، وفي المقابل شهدت الهجرة الوافدة إلى فلسطين المحتلّة شللاً شبه تام؛ وهو الأمر الذي يزيد من حصار كيان العدوّ اقتصاديًّا.
وأكّـدت وسائل إعلام صهيونية أن الهجرة العسكرية من داخل الأراضي الفلسطينية المحتلّة إلى خارجها ارتفعت بوتيرة عالية على وقع ترقب الرد اليمني الإيراني، وكذلك على وقع العمليات النوعية التي نفذها حزب الله رداً على اغتيال القائد فؤاد شكر.
وأكّـدت القناة الـ12 العبرية في تغطيتها أن الأدلة تشير إلى أن جُل من فروا من الأراضي الفلسطينية المحتلّة منذ نوفمبر الماضي لا يخططون للعودة مرة أُخرى، وأنهم بدأوا بالفعل الانتقال التام بحياتهم إلى خارج البلاد، وهذه معطيات تؤكّـد أن المشروع الإسرائيلي أخذ في الزوال، فضلاً عن تصدع ثقة المستوطنين في حكومة المجرم نتنياهو.
وفي هذا السياق كانت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” قد أكّـدت خلال الشهر الماضي أنه وبحلول يونيو الفائت، غادر نصف مليون يهودي “ولم يعودوا في الأشهر الستة الأولى من الحرب، ولا يُعلم ما إذَا ما كان ذلك قراراً مؤقتاً أم أنه سيتحول إلى هجرة دائمة”؛ وهو الأمر الذي يؤكّـد فعلاً دخول التكتل الصهيوني في مرحلة تلاشي.
وفي سياق متصل أكّـدت صحف عبرية أنه منذ تهديد اليمن وإيران ولبنان بتوجيه ضربة قوية، عاودت الهجرة من “إسرائيل” إلى الخارج للارتفاع مجدّدًا خلال العام الجاري.
وتشير وسائل إعلام صهيونية إلى أن صحيفة “ذا ماركر” الاقتصادية “الإسرائيلية” تقول: إن ما تسمى “دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية لا تكشف عن الأعداد الحقيقية للهجرة العكسية”.
وبحسب التقارير التي تنشرها وسائل إعلام صهيونية، فَــإنَّه ومع ارتفاع وتيرة الهجرة العكسية، فقد تراجعت عملية القدوم إلى “إسرائيل” بنسبة 70 % في الشهور الأولى للحرب؛ إذ وصل ألفا يهودي بين السابع من أُكتوبر 29 نوفمبر 2023، مقارنة بـ4500 كانوا يصلون شهريًّا في هذا التاريخ، حسب ما تسمى سلطة الهجرة الإسرائيلية، منوّهةً إلى أن نسبة تراجع الهجرة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلّة تراجعت بشكل أكبر خلال الشهرين الماضيين.
ولمواجهة ظاهرة النزوح الكبيرة من الأراضي الفلسطينية إلى خارجها، اضطرت حكومة العدوّ الصهيونية إلى تقديم إعفاءات ضريبية على مشتري المنازل والعقارات داخل المستوطنات.
ووفق ما نشرت صحيفة “غلوبس” الصهيونية، فَــإنَّ حكومة العدوّ وسعت امتيَاز الإعفاءات الضريبية على شراء المنازل للوافدين الجدد اعتباراً من الشهر الجاري، وذلك في مسعى إلى استقطاب المزيد من اليهود، لمواجهة خطر الهجرة العكسية،
ووفق الصحيفة، فَــإنَّ الترتيب الذي تم تصميمه لمساعدة المهاجرين الجدد في الماضي لم يكن مثاليًّا؛ إذ نصت اللائحة القديمة (اللائحة 12) على فرض 0.5 % ضريبة على شراء “حقوق في العقارات” حتى ما قيمتُه مليونَا شيكل (546 ألفًا و142 دولارًا)، وتزيد هذه الضريبة إلى 5 % إذَا فاقت قيمة العقار هذا المبلغ.
وأوضحت الصحيفة أن هذه المميزات تنطبق إذَا اشترى اليهودي الوافد المسكن خلال سنة واحدة قبل تاريخ الهجرة إلى فلطسين المحتلّة و7 سنوات بعد ذلك، وتنطبق هذه الميزة كذلك حتى لو لم يستخدم المنزل للسكن؛ مما يتيحُ له شراء عقار استثماري باستخدام النظام الجديد، وعقار إضافي للسكن فيه باستخدام النظام القديم.
وعلاوة على أزمة الهجرة العسكرية، فَــإنَّ هذه الامتيَازات أَيْـضاً تكبد خزينة العدوّ ملايين الدولارات، فضلاً عن الأموال الطائلة التي يخسرها الاقتصاد الصهيوني بفعل الهجرة العكسية، ما يجعل هذا الأمر يشكل عدةَ مآزِقَ للعدو.
ويهوي الاقتصاد الصهيوني بمرور الأيّام، حَيثُ يواجه عجزاً متصاعداً في الميزانية، فضلاً عن تكبده خسائر اقتصادية كبيرة جراء الضربات اليمنية وكذلك العمليات التي ينفذها حزب الله باتّجاه المستوطنات المغتصبة، حَيثُ وصل العجز إلى نحو 20 مليار دولار منذ بدء العام الجاري، في حين تعرضت معظم القطاعات الاقتصادية الحيوية داخل كيان العدوّ لشلل تام جراء تراجع الواردات والصادرات بفعل إغلاق ميناء أم الرشراش بأمر يمني، وملاحقة سفن العدوّ في مسرح بحري واسع.
– المسيرة
المصدر: الثورة نت
كلمات دلالية: الأراضی الفلسطینیة المحتل ة الهجرة العکسیة ف ــإن
إقرأ أيضاً:
المقاومة بين ضغط العدو وصمت القريب
أحمد الفقيه العجيلي
تبدو المفارقة في المشهد العربي اليوم لافتة: فبعض الأنظمة تبدو أكثر تشددًا تجاه حركات المقاومة مما هي عليه القوى الكبرى نفسها. ولا يرتبط الأمر بخلاف سياسي محدود؛ بل بتراكم تاريخي وتعقيدات تتداخل فيها هواجس الأمن الداخلي، وتحولات الإقليم، ومحاولات إعادة بناء الأولويات بعيدًا عن القضية الفلسطينية.
حركات المقاومة- وفي مقدمتها حماس- تمثل نموذجًا حساسًا لدى عدد من الأنظمة. فهي قوى شعبية تمتلك خطابًا مؤثرًا، وحضورًا ميدانيًا متماسكًا، وقدرة على الاستمرار رغم الظروف القاسية.
هذا النموذج يُثير مخاوف متوارثة من انتقال "عدوى القوة الشعبية" إلى الداخل، كما حدث حين ألهبت ثورات الخمسينيات مشاعر الشعوب العربية، أو عندما فجّرت انتفاضة 1987 موجة تعاطف وضغط شعبي هزّت المنطقة بأكملها. لذلك تصبح هذه الحركات هدفًا مزدوجًا: تُحارَب من الاحتلال لأنه يراها خصمًا مباشرًا، وتتحفظ عليها بعض الأنظمة لأنها تمثل نمطًا لا ترغب في رؤيته يتكرر.
الأحداث الأخيرة كشفت هذه المعادلة بوضوح؛ فبعد طرح "خطة ترامب"، التي تكشف عن ثغرة قاتلة: غياب الضمانات الحقيقية لوقف الخروقات الإسرائيلية. هذه الخطة لم تُبنَ على أساس موازين قوى متكافئة أو حقوق ثابتة؛ بل اعتمدت في جوهرها على أجندة أمريكية- إسرائيلية تهدف إلى تصفية المقاومة ونزع سلاحها أولًا، دون إلزام الاحتلال بضوابط ردع فعالة لوقف الاستيطان أو الاغتيالات أو التعدي على المقدسات.
وبالتالي تجعل تركيزها كله على مطالبة المقاومة بالتنازل، دون وضع آليات عقابية لإلزام الطرف الإسرائيلي.
والأدهى، أن دور الوسطاء العرب والدوليين يظل في الغالب ضعيفًا وغير فعّال عند وقوع الخروقات الإسرائيلية الكبرى؛ فبدلًا من ممارسة ضغط حقيقي لفرض عقوبة على العدو، تقتصر ردود فعلهم غالبًا على بيانات حذرة أو متابعة للمشهد، ما يضعهم في موقع "المراقب" بدلًا من "الضامن الفعّال". هذا الضعف في آليات الضمان يرسخ الانطباع بأن أي تسوية تُطرح، هي بالأساس إطار قابل للتلاعب من قبل الاحتلال، يتيح له استخدام الوقت لصالحه للمزيد من القضم والتمدد.
التاريخ القريب يدل على أن أي تسوية لا تنطلق من الإرادة الفلسطينية تتحول إلى إطار قابل للتلاعب. حدث ذلك في كامب ديفيد، وفي أوسلو، ويتكرر اليوم مع خطة ترامب. فالاحتلال يملك القدرة على إعادة تفسير البنود واستخدام الوقت لصالحه، بينما تكتفي الأطراف العربية المعنية بمتابعة المشهد أكثر مما تُسهم في تشكيله.
ويبقى السؤال: هل يمكن لمثل هذه الخطط أن تنجح؟ التجربة تشير إلى أن نجاحها يتطلب قبولًا فلسطينيًا واسعًا، وهو ما لم يتحقق، خصوصًا أن الخطة بُنيت على منطق أحادي يجعل "الحل" أقرب إلى إعادة ترتيب الاحتلال بلغة سياسية ناعمة. وهكذا تبقى المقاومة- رغم اختلاف تقييم أدائها- الطرف الوحيد الذي يتحرك على قاعدة الفعل لا البيانات.
بحسب ما أتابعه من قراءات وتحليلات، فإن فرص نجاح أي خطة لا تُلزم الاحتلال بقواعد واضحة وتضمن الحد الأدنى من الحقوق، ستظل ضعيفة. فالخطة التي تستند على الضغط على المقاومة دون ردع الاحتلال، تشبه محاولة بناء بيتٍ على أرض رخوة؛ أول هبّة ريح تكشف هشاشته.
ولعل العدو يدرك- قبل غيره- أن كسر حماس ليس سهلًا؛ فالمقاومة التي صمدت تحت الحصار، وتحت النار، وتحت كل حملات التشويه، ليست مجرد تنظيم؛ إنها حالة وعي تشكّلت عبر عقود من الجراح والأمل. وهذا ما يجعل بعض الأنظمة أكثر حذرًا… وربما أكثر عداءً.
في الجوهر، الموقف المتشدد تجاه المقاومة لا يرتبط بقيم سياسية بقدر ما يرتبط برغبة عدد من الأنظمة في طيّ صفحة الصراع، أو على الأقل تحييده عن حساباتها الجديدة. لكن وجود مقاومة فاعلة يعيد تذكير الجميع بأن الملف لم يُغلق، وأن أي ترتيب لا يأخذ حقوق الفلسطينيين بجدية لن يعيش طويلًا.
لهذا تبدو المفارقة مفهومة: تُنتقد المقاومة لأنها ترفض التكيف مع المعادلات الجديدة، ولأن استمرارها يربك خطاب “الاستقرار بأي ثمن”. أما الاحتلال، فاعتاد أن يجد من يخفف عنه عبء الانتقاد، حتى وهو يمضي في خروقاته يومًا بعد يوم.
ولذلك، كلما اشتد الهجوم على حماس… ازددتُ يقينًا أن ما يؤلم خصومها ليس فعلها، بل ثباتها.
وما يزعجهم ليس قوتها، بل قدرتها على النجاة. وما يخيفهم ليس خطابها؛ بل الأمل الذي تبقيه حيًا في قلوب الناس.
هذه الصورة ليست تحليلًا سياسيًا بقدر ما هي قراءة واقعية لمشهد يتكرر عبر العقود: حين يتراجع الصوت الرسمي، تظل القوى الشعبية- مهما اختلفت التقديرات حولها- هي الكف التي تمنع سقوط القضية بالكامل.
في النهاية.. يظل الثابت أن من يحمل البندقية ومن يرفض الانحناء هو الأكثر استهدافًا. أما من يفاوض بلا أوراق قوة، أو يساير الرياح حيثما هبّت، فلن يكون موضع قلق لأي أحد.