سيكون على المرشح عبد اللطيف المكي الذي أعاده حكم نهائي من المحكمة الإدارية التونسية، أول أمس الثلاثاء، إلى السباق الرئاسي في تونس بعد رفض ترشحه من قبل الهيئة المشرفة على الانتخابات، أن يتعامل مع إجراء قضائي يمنعه من السفر ومن الظهور على وسائل الإعلام.

ويخضع عبد اللطيف المكي، وزير الصحة الأسبق والقيادي سابقا بحزب النهضة قبل أن يؤسس حزب العمل والإنجاز، لمتابعة قضائية في ملف وفاة رجل الأعمال الجيلاني الدبوسي جراء مضاعفات صحية سنة 2014 مباشرة بعد خروجه من السجن.

وقد أصدر قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية بتونس، قرارا في يوليوز الماضي بمتابعة وزير الصحة الأسبق في حالة سراح مع منعه من السفر وتحديد مجال تنقله ومنعه من الظهور الإعلامي.

وحول كيفية تعامل المرشح العائد للسباق الرئاسي مع الإجراء القضائي بمنع الظهور في الأماكن العامة ووسائل الإعلام وهو مقبل على حملة انتخابية، اكتفى أحمد النفاتي مدير حملة عبد اللطيف المكي بالقول في تصريحات صحافية، إن الفريق القانوني للمرشح سيجتمع وسينظر في هذه المسألة وفي تبعات القرار.

وتوفي الجيلاني الدبوسي الذي كان عضوا بمجلس النواب واللجنة المركزية لحزب التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل بعد الثورة، سنة 2014 بعد أن قضى 31 شهرا في الاعتقال الاحتياطي على ذمة قضية فساد. وقرر وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس في يناير 2022 فتح بحث في الملف حول تهم محاولة القتل العمد مع سابقية القصد (سبق الإصرار) والتعذيب وسوء المعاملة الصادرة من موظف عمومي أثناء أدائه لوظيفته والامتناع عن الإنجاد القانوني (الإغاثة).

وبالإضافة إلى هذه القضية صدر حكم ابتدائي بالسجن لـ 8 أشهر والحرمان من الترشح مدى الحياة ضد عبد اللطيف المكي في قضية تتعلق بصحة تزكيات خاصة بالانتخابات الرئاسية 2024. يذكر أن المحكمة الإدارية في تونس قضت أول أمس الثلاثاء بقبول الطعن المقدم من قبل عبد اللطيف المكي في قرار الهيئة العليا المستقلة للانتخابات برفض ملف ترشيحه للانتخابات الرئاسية المزمع تنظيمها في سادس أكتوبر المقبل، وبرفض طعن آخر تقدم به السياسي ناجي جلول، فيما ينتظر أن تصدر المحكمة قراراتها اليوم الخميس في أربع قضايا أخرى مماثلة.

وكانت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس قد قبلت ملفات ثلاثة مرشحين فقط للرئاسيات هم بالإضافة إلى الرئيس قيس سعيد الذي يسعى لولاية ثانية، رئيس « حركة الشعب » زهير المغزاوي، ورجل الأعمال العياشي زمال، فيما رفضت 14 ملفا بعضها لشخصيات سياسية معارضة.

كلمات دلالية thumbs_b_c_1c30bef87f3ece9dc5f3020ffc7a571f

المصدر: اليوم 24

إقرأ أيضاً:

أصل الأنواع.. إنسان أحمد عبد اللطيف!

برغم إدراكنا من السطر الأول لرواية الكاتب المصري أحمد عبد اللطيف الأخيرة "أصل الأنواع" أننا إزاء أجواء فانتازية، إلا أننا نعرف موضع أقدامنا جيداً، فالقاهرة هي مسرح روايته الكبير، وهي كذلك منبع الحكاية.

كل شيء يبدأ من اللحظة التي يتقرر فيها هدم الجبَّانات، وإقلاق أرواح الأموات، فيهيمون على وجوههم في الشوارع، يضايقون الأحياء، أو يبحثون عن ملاذ، ولا يكون أمامهم سوى "رام" أحد أبطال الرواية الثلاثة، فهو المهندس المشرف على مشروع تطوير القاهرة القديمة، أو هدم الجبَّانات، رغم أنه حاول التملُّص والهروب من تلك المهمة الثقيلة. وقد كانوا يأتون إلى بيته فرادى، إلا أن التعجيل بهدم الجبَّانات جعلهم يأتون إليه أفواجاً! لم يكن رام مجرد مهندس عادي، فوجئ ذات يوم بسقوط شعر رأسه، ثم شعر صدره، ثم كل شعرة أخرى في جسده، وإنما المختار ليوم معلوم، يختلط فيه السكان الأحياء بالأسلاف، لا تستطيع تمييزهم إلا من خلال الملابس والأكفان. إنه أيضاً ليس مجرد مشرف على تطوير القاهرة القديمة، وإنما هو كذلك كان زوجاً عاشقاً لامرأة رائعة اسمها نيفين، ماتت فجأة وتركته لهواجسه، وللأموات الذين يقلقون راحته بالليل، فيضطر لترك أنوار البيت مضاءة. ظل رام فترة مطمئناً إلى أن مشروع التطوير لن يمسَّ قبرها، إلا أن زيارة أخيرة إلى الجبَّانات كشفت له الحقيقة المُرَّة، وهي أن الجرافات هدمته، وبددت عظام حبيبته، بدون أن يكترث المسؤولون له وبدون حتى أن ينبهوه، ليأتي وينقل رفاتها إلى أي مكان آخر. صارت نيفين عذابه الأبدي، وصورة المرأة المثال والمرجع، وإن كان ارتبط بعدها بأخريات فلا لشيء إلا ليؤنسوا وحدته وقد صار بيته مرتعاً للأشباح، ولو دققت ستجد في كل امرأة تفصيلة من نيفين، حتى أن مريم تبدو نسخة كاملة منها، إن لم تكن هي بشحهمها ولحمها! بالتوازي مع حكاية رام، نقرأ حكاية يحيى الحافي، كابتن المنتخب الوطني لكرة القدم، الذي زاره مارادونا في الحلم وأورثه موهبته العظيمة، ومن الاسم يمكن تخمين أين جاءته الضربة. نعم في قدميه، فقد اختفت أصابعهما، ولم يعد بالإمكان أن يجري بسرعته القصوى. وكما يفكر رام في جسده بعد أن تحول لجسد صبي أمرد، يحاول الحافي أن يتذكَّر آخر مرة رأى فيها أصابع قدميه فيعجز، أما سيد بتشان الرجل الشعبي البسيط والوسيم فإنه يفقد أصابع يديه، وتحاصره الأسئلة الغريبة، فكيف يمسك بالفاكهة، وكيف يكتب التقارير إلى سيده، وكيف يهش الذباب عن وجهه، وكيف يتناول طعامه، وكيف يسلم على الناس، لكن يحيى الحافي على وجه التحديد ينفرد بين الثلاثة بردِّ فعلٍ إيجابي، فهو لا يقضي بقية حياته يبحث عن الجزء الناقص من جسده، أو يهرول خلف أمل كاذب وأطباء مزيفين ووصفات شعبية مثل سيد بتشان منتظراً أن تنبت أصابعه مرة أخرى، وإنما يفتتح محل أحذية، للناس أصحاب القدم الممسوحة، وينجح المشروع، ويدرك الحافي من الزحام على محله أنه ليس المصاب الوحيد في المدينة، وأن هناك ما يشبه الوباء قد أصاب الناس فيها.

تلك هي الحكايات الإطارية الثلاث التي يدور حولها العمل، وإذا كانت القاهرة هي المسرح الكبير له، فإن حي المنيل هو مسرحه الصغير، حيث يقطن أو يعمل الثلاثة، وحيث تنمو قصص حبهم، وتتشابك، وتجمعهم تقاطعات ضخمة خاصة ما يتعلق بنسائهن، إذ إن فاتن على سبيل المثال (حاوية أسرار رام وشبيهته) هي أخت سيد بتتشان، وناريمان زوجة سيد بتشان حبيبة عابرة لرام.

لا تهتم الرواية بقص الحكاية كاملة، وتكتفي بإطلاعنا على أجزاء من التحولات، لنكتشف أن ما يجري أكبر من ثلاثة أشخاص، والمدينة كلها باتت تعيش حالة من الفوضى الكاملة، سببها أن الناس يعرجون، ويتكدسون في إشارات المرور ويعبرون الشوارع ببطء شديد، وإذا كانت اللعنة أصابت الجميع إلا أنها لم تصب الأسياد، وقد تفنن الكاتب في إظهار قدراتهم الجسدية المهولة، وأصابعهم الطويلة، وعدم تصديقهم لما يحاول أن ينقله إليهم سيد بتشان، وهو أن شيئاً كبيراً يجري في المدينة. قبلوا استقالته ببساطة لأنه بدأ يخرف، أو يهذي، ولم يكلفوا أنفسهم مجرد نظرة إلى يده الصماء، أو إلى صدر ناريمان الممسوح، بعد أن فقدت هي ونساء المدينة كذلك أثداءهن، ليتأكدوا إن كان صادقاً أم يحاول خداعهم.

والسؤال: لماذا أحاق الوباء بالناس العاديين ولم يحق بالمسؤولين، هل اختارهم القدر بسبب خنوعهم؟ هل لأنه اعتبرهم أمواتاً يعيشون حياة رتيبة وبائسة، وأنه لا فارق بينهم وبين أموات المدينة التاريخية؟ صنع الكاتب مشهداً أسطورياً للأموات في أكفانهم، والأحياء في سرحانهم وغفلتهم وذهولهم، يسيرون جنباً إلى جنب في شوارع المدينة، إذا رأيتهم تشعر بأنهم مجرد نماذج للإنسان البدائي في رحلة تطور الأنواع، وقد وصل إلى العصر الحديث، وارتدى ملابس لا تناسب خفة عقله وعدم اكتراثه واستسلامه وضعفه وهوانه، سواء أمام القدر، أو في مواجهة الأسياد. إنهم يسيطرون على حياته، ويحولونه إلى روبوت، في حشود لا معنى لها.

تستعد المدينة لحدث أكبر، هو صلب رام، وندرك جميعاً أنه تحرَّر. تحرَّر من الأموات والهواجس والخوف، كما تحرر سيد بتشان من سيده بالاستقالة، وكذلك تحرر يحيى الحافي من ماضيه، بشراء محل أحذية كان أبوه عاملاً بسيطاً فيه، لكن بماذا يفيد التحرر وقد أصاب الوباء كل سكان المدينة؟! عليك أن تتخيل حكايتك وأنت تعيش بمفردك في مدينة كاملة من الأموات! كتب أحمد عبد اللطيف هذه الرواية بلغة تشبه الطوفان، تنهمر عليك، فلا تملك أن تتوقف، فالتداعي يجرفك من كلمة إلى كلمة، ومن جملة إلى جملة، ومن شلال إلى شلال، ومن منعطف إلى منعطف، لا تجد علامة ترقيم واحدة بطول الرواية يمكنك أن تتشبث بها كفرع شجرة مائل على نهر، وقد بدأ تلك التجربة في مجموعته القصصية السابقة "مملكة مارك زوكربيرج وطيوره الخرافية" ونجح فيها ببراعة، والقارئ لا يحتاج إلا لعدة فقرات ليدرك أبعاد اللعبة، إذ إن أحمد يدفعه في ظهره منذ الكلمة الأولى، والسطر الأول، دفعة خفيفة، ليجد نفسه يجري بلا إرادة منه على جبل منحدر، محاذراً السقوط، وسرعان ما يكتشف أنه في قلب عالم شديد الغرائبية، وإذا أراد أن يكمل رحلته الممتعة فلا مجال لخفض السرعة، أو التأمل.

مقالات مشابهة

  • ألمانيا تؤكد دعمها الكامل للمجلس الرئاسي في جهود تحقيق الاستقرار
  • التجول بالسلاح ممنوع.. مخيمات لبنان أمام مرحلة جديدة!
  • «الموت في لانجارون ممنوع».. قصة قرية يُمنع الدفن بها لسبب غريب
  • الحكومة البريطانية تعين صحفيا من ذا صن رئيسا للاتصالات
  • الاستعلامات: 86 مؤسسة إعلامية عالمية تشارك في تغطية انتخابات الشيوخ 2025
  • بن ناصر مرشح للالتحاق بجوفنتوس !
  • هيئة الاستعلامات: 86 مؤسسة إعلامية عربية وعالمية تشارك في تغطية انتخابات الشيوخ
  • ترامب يرد على استفزازات روسية بأمر لنشر غواصتين نوويتين
  • أصل الأنواع.. إنسان أحمد عبد اللطيف!
  • ترامب يُعين نجم المصارعة السابق تريبل إتش بالمجلس الرياضي الرئاسي