صفقة جذابة.. كيف أقنعت واشنطن قادة الاحتلال بعدم توجيه ضربة استراتيجية لحزب الله؟
تاريخ النشر: 31st, August 2024 GMT
زعم الخبير العسكري الأبرز في صحيفة "يديعوت أحرونوت" رون بن يشاي، أن جهاز الاستخبارات التابع لجيش الاحتلال وكبار مسؤولي الأمن كانوا على علم بخطة الرد التي وضعها حزب الله اللباني على اغتيال القيادي البارز فؤاد شكر في بيروت.
وقال بن يشاي إنه "كان من المعروف مسبقا أن موعد الانتقام سيأتي في يوم الأربعين، وهو اليوم الذي يحيي فيه الشيعة ذكرى وفاة الإمام الحسين بن علي في معركة كربلاء قبل أكثر من 1300 عام، ومن المحتمل أن نصرالله اختار هذا الموعد، الذي صادف هذا العام في 25 أغسطس، للتأكيد على الأهمية الدينية والتاريخية لفؤاد شكر، الذي كان القائد العسكري البارز في الحزب وصديقه ومستشاره الأهم".
وأضاف أنه "كان من الضروري أن يفرض حزب الله ردعا ضد إسرائيل، وإرسال إشارة واضحة بأن أي هجوم إسرائيلي في بيروت سيُقابل بإطلاق نار على تل أبيب، ومن المؤكد أن نصرالله ورعاته الإيرانيين كانوا يرغبون في تجنب تصعيد شامل، كانوا على الأرجح يقدرون، وبحق، أنه إذا أسفر الهجوم عن خسائر وأضرار كبيرة، بما في ذلك في الداخل الإسرائيلي، فإن الجيش الإسرائيلي سيرد بقوة".
واعتبر أنه "في هذه الحالة، من المرجح أن إيران ووكلاءها سيضطرون إلى التدخل لدعم حزب الله، ما سيؤدي إلى حرب إقليمية لا ترغب فيها إيران في الوقت الحالي، إذ يدرك القادة الإيرانيون جيدا ما قد يحدث لاقتصادهم، لمنشآتهم النووية، ولثبات نظامهم إذا اندلعت حرب كهذه".
وبين بن يشاي أن إيران ترى الاستعدادات الحالية للقوات البحرية والجوية الأمريكية وحلفائها في المنطقة، وفي نيسان/ أبريل الماضي شاهدوا ما يمكن أن يحدث لصواريخهم وطائراتهم بدون طيار نتيجة التعاون بين جيش الاحتلال والقيادة المركزية للولايات المتحدة "سنتكوم".
وقال بن يشاي: "طالما أن الولايات المتحدة موجودة بهذه القوة في المنطقة، ولحين امتلاك إيران سلاحا نوويا عمليا، فإن طهران لن تسمح لحزب الله أو لأي جهة أخرى بجرها إلى حرب إقليمية. وهذا هو السبب أيضًا في أن إيران، بعد مناقشات مكثفة، تجنبت توجيه ضربة انتقامية مشتركة أو حتى متزامنة مع حزب الله".
وأشار إلى أن المعلومات عن رد حزب الله المخطط له، والتي أصبحت أكثر تفصيلًا ودقة وموثوقية، "مكنت الجيش الإسرائيلي ليس فقط من التحضير للدفاع، بل أيضًا من إعداد عدة خطط لعمليات هجومية من نوعين، النوع الأول هو عمليات إحباط وإفشال هجوم الانتقام المخطط له من قبل حزب الله قبل أو أثناء تنفيذه، والمعروف في المصطلحات المهنية باسم الهجوم الوقائي أو الهجوم التمهيدي (وهو في الواقع هجوم يتم تنفيذه عندما يكون العدو قد أكمل استعداداته ويستعد للهجوم في الوقت القريب)، والنوع الثاني هو الهجمات الانتقامية والردع الإسرائيلي أثناء أو بعد هجوم حزب الله".
وأضاف: "كان من الواضح منذ البداية لصناع القرار في النظام الأمني والسياسي أنه في أي حال، لن تنتظر إسرائيل حتى يطلق حزب الله صواريخ الانتقام، بل ستستخدم المعلومات الاستخباراتية النوعية التي لديها لتوجيه ضربة تمهيدية تعطل خطط حزب الله، تمنع الخسائر والأضرار في شمال إسرائيل، وتمنع ضرب الأهداف النوعية في وسط البلاد وفي منطقة تل أبيب. سيتم اتخاذ قرار بشأن الرد، إذا كان مطلوبًا، لاحقًا وفقًا للظروف. ومع ذلك، فقد وضعت المعلومات الاستخباراتية النوعية صناع القرار أمام إغراء لتنفيذ خطوة استراتيجية من شأنها أن تؤدي إلى تغيير جوهري في الواقع الأمني على الجبهة الشمالية".
وأصر العديد من كبار المسؤولين في النظام الأمني (ولا يزالون يعتقدون) أن "عملية يوم الأربعين" كانت فرصة ذهبية لتنفيذ "ضربة استراتيجية" ضد حزب الله، لا يمكن التفصيل في الخطط التي اقترحها هؤلاء المسؤولون، لأن جيش الاحتلال قد يحتاج إلى تنفيذها في المستقبل، بحسب ما ذكر بن يشاي.
وأوضح أنه "يمكن تخيل سيناريو يتم فيه بعد أو حتى أثناء هجوم الانتقام من قبل حزب الله، أن يوجه الجيش الإسرائيلي ضربة نارية جوية، بحرية وبرية على جميع مواقع حزب الله وبنيته التحتية في جميع أنحاء لبنان، وفي الوقت نفسه يقوم بتدخل بري في جنوب لبنان؛ ذلك التدخل الذي يطالب به سكان الشمال الذين يعانون من أن يقوم به الجيش والحكومة دون تأخير، والذي ينتظر فقط أوامر التنفيذ من قيادة الشمال".
وفقًا لهذا السيناريو، قال بن يشاي: "يمنح الهجوم من حزب الله إسرائيل الشرعية لشن حملة لا تقضي فقط على التهديد الذي يشكله حزب الله على الداخل الإسرائيلي لسنوات، وتحرم إيران من ذراعها الطويلة الأكثر فاعلية، بل تبعد فعليًا مقاتلي الحزب وأسلحته الثقيلة عن نطاق الأمان الذي لا يقل عن 10 كيلومترات من قرى الجليل والجولان".
واختار رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، بالتشاور مع وزير الحرب يوآف غالانت، رئيس الأركان هرتسي هاليفي وقادة هيئة الأركان العامة، الخيار الأكثر تحفظًا الذي اقترحه سلاح الجو وهو: "الهجوم التمهيدي لإزالة التهديد الذي سيعطل استعدادات حزب الله لضربة الانتقام، ثم إدارة حملة دفاعية تحبط نية الحزب اللبناني بقلب الطاولة مجددًا باستخدام منصات الإطلاق والطائرات بدون طيار المتبقية له في جنوب لبنان"، بحسب المحلل الإسرائيلي.
وكانت هناك عدة اعتبارات هامة أدت إلى اتخاذ قرار بالتحرك بهذا الأسلوب المعتدل، وأهمها كان مطلب الولايات المتحدة وحلفائها من "إسرائيل" بعدم التصرف بطريقة قد تتصاعد إلى حرب إقليمية، والآن في خضم حملة الانتخابات الأمريكية والحرب التي تخوضها إسرائيل في غزة، ازداد حرص الإدارة الديمقراطية على منع الحرب الإقليمية إلى مستوى الهوس.
وإذا اضطرت الولايات المتحدة إلى الوفاء بالتزاماتها في "الدفاع عن إسرائيل" ضد إيران ووكلائها، فقد يتعرض الجنود الأمريكيون للأذى ويعودون في توابيت، وقد ترتفع أسعار البنزين وغاز الطهي.. هذا كابوس لكل مرشح رئاسي ولكل رئيس أمريكي.
لذلك، فإن واشنطن عرضت صفقة يصعب رفضها: "طُلب من إسرائيل الامتناع عن أي عمل قد يؤدي، بحسب تقدير الأمريكيين، إلى توريطنا وتوريطهم في حرب إقليمية؛ التعاون في جهود التوصل إلى صفقة لتحرير الرهائن التي ستنهي الحرب في غزة، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية دون قيود إلى القطاع".
وفي المقابل، التزمت إدارة بايدن-هاريس بتقديم كل ما تحتاجه "إسرائيل" لتحقيق أهداف الحرب: "بدءًا من المساعدة العسكرية، مرورًا بردع موثوق تجاه دول المحور الشيعي باستخدام القوات العسكرية الأمريكية، وصولاً إلى مظلة حماية دبلوماسية في الساحة الدولية".
وذكر بن يشاي أنه "لا يمكن القول إلا إنها حزمة جذابة من الحوافز التي تكاد لا توجد تهديدات بجانبها سوى بعض الانتقادات العلنية لنتنياهو عندما يصر على الضغط على بواعث القلق الأمريكي".
وختم بأنه "في النهاية، يمكن القول إن الاختيار بين الضربة الاستراتيجية أو الهجوم المحدود والعمليات الدفاعية كان مبنيًا على التقديرات الأمنية والسياسية الدقيقة، مع الأخذ بعين الاعتبار التدخل الأمريكي وضغوطه، وبالتالي فإنه يمكن اعتبار ما جرى بمثابة نصف انتقام من حزب الله وليس أكثر".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية حزب الله إسرائيل الإيرانيين حرب إقليمية إيران إسرائيل حزب الله حرب إقليمية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة حرب إقلیمیة حزب الله
إقرأ أيضاً:
اليمن في مواجهة إسرائيل .. استراتيجية الردع والتحرير
في سياق معركة الوعي والسيادة، تخوض اليمن اليوم واحدة من أعظم المعارك في تاريخ الأمة، مواجهةً الكيان الصهيوني في ميدان لم يتوقع يوماً أن يتعرض فيه للهزيمة (البحر، والجو، والاقتصاد) فمنذ انخراط صنعاء في هذه المعركة المقدسة، تبنت استراتيجية ضغط متصاعدة ضد العدو الإسرائيلي، لا تقتصر على العمل العسكري فقط، بل تمتد إلى مجالات التأثير الاقتصادي والسياسي، مُسجِّلة بذلك سابقة عربية غير معهودة.
البحر الأحمر، الذي لطالما اعتبرته إسرائيل ممراً آمناً لتجارتها وأمنها، تحوَّل بفعل العمليات اليمنية إلى فخٍ مفتوح يهدد سفن العدو وشركاته. فالهجمات الدقيقة على السفن المرتبطة بإسرائيل أجبرت كبريات شركات الشحن العالمية على تعليق عملياتها؛ هذا الانسحاب لم يكن وليد التهويل الإعلامي، بل نتيجة مباشرة لقوة الضربات اليمنية ودقتها، ما أدى إلى شلل في ميناء إيلات وانهيار في حركة السفن المرتبطة بالاقتصاد الإسرائيلي.
في أعقاب تصاعد العمليات اليمنية، خاصة بعد استهداف مطار اللد المسمى إسرائيليًا “بن غوريون” بصواريخ باليستية وفرط صوتية من اليمن، أعلنت العديد من شركات الطيران العالمية تعليق رحلاتها من وإلى الأراضي الفلسطينية المحتلة من قبل كيان إسرائيل. هذا القرار جاء نتيجة للمخاوف الأمنية المتزايدة وتأثير الهجمات على حركة الملاحة الجوية.
أبرز شركات الطيران التي علّقت رحلاتها:
مجموعة لوفتهانزا (تشمل الخطوط الجوية الألمانية، السويسرية، النمساوية، وخطوط بروكسل).
الخطوط الجوية الفرنسية (Air France).
الخطوط الجوية البريطانية (British Airways).
دلتا إيرلاينز (Delta Airlines).
يونايتد إيرلاينز (United Airlines).
إير إنديا (Air India).
إيتا إيروايز (ITA Airways).
رايان إير (Ryanair).
ويز إير (Wizz Air).
إير يوروبا (Air Europa).
إيجين إيرلاينز (Aegean Airlines).
إير بالتيك (Air Baltic).
إير فرانس-كيه إل إم (Air France-KLM).
فيرجن أتلانتيك (Virgin Atlantic).
الخطوط الجوية التركية (Turkish Airlines) وبيجاسوس (Pegasus).
هذا التعليق الجماعي يعكس تصاعد المخاوف الأمنية لدى شركات النقل الجوي العالمية، وسط تصاعد التوترات في المنطقة.
• تأثيرات كارثية على الداخل الصهيوني
العمليات اليمنية تدفع بملايين المستوطنين إلى الملاجئ بشكل شبه يومي، وتحدث خللاً كبيراً في منظومة الردع الإسرائيلية. فالخسائر الاقتصادية الناتجة عن تعطّل الموانئ والمطارات، إضافة إلى حالة الذعر الداخلي، أثبتت هشاشة الجبهة الداخلية للكيان. هذا الانكشاف جاء نتيجة عمل منظم وممنهج من صنعاء، يؤكد أن اليمن لم يعد رقماً هامشياً في معادلة الصراع، بل بات رأس حربة في مشروع التحرير.
هذه الاستراتيجية ليست مجرد رد فعل، بل مشروع وطني وإقليمي يعيد رسم معادلة المواجهة مع العدو الإسرائيلي. فالتحرك اليمني كسر حالة الصمت العربي، وأعاد تفعيل البوصلة نحو فلسطين، بعد عقود من التواطؤ أو الحياد.
ختاماً..ما تقوم به اليمن اليوم ليس فقط خدمة لفلسطين، بل إسهام في تحرير الوعي العربي من أوهام التفوق الصهيوني. فبإمكانيات متواضعة وإرادة صلبة، استطاعت صنعاء أن تُربك كياناً يمتلك أحدث منظومات التجسس والتسليح. هذه الحرب ليست تقليدية، بل معركة كرامة، واليمن يخوضها بثبات، نيابة عن أمة بأكملها.
ومن هنا، فإن كل صاروخ ينطلق من الأراضي اليمنية ليس مجرد سلاح، بل رسالة بأن الشعوب حين تقرر، فإن المستحيل ينهار.