لجريدة عمان:
2025-12-13@17:48:28 GMT

ماذا لو أن نجيب محفوظ بيننا اليوم؟

تاريخ النشر: 31st, August 2024 GMT

ماذا لو كان نجيب محفوظ يعيش بين ظهرانينا اليوم؟ هل كان سيبدي تأييده لعملية «طوفان الأقصى»؟ هل سيتراجع عن موقفه المؤيد للتفاوض مع إسرائيل؟ هل سيُعلي صوته بإدانة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة منذ نحو أحد عشر شهرا؟ هذه الأسئلة وغيرها راودتني في الذكرى الثامنة عشرة لرحيل أيقونة الأدب العربي، التي توافق الثلاثين من أغسطس من كل عام.

لا يخفى على الجميع تعرض محفوظ لاتهامات من بعض المثقفين العرب، وعلى رأسهم يوسف إدريس، بُعَيْد فوزه بجائزة نوبل للآداب عام 1988، بأن حصوله عليها لم يكن إلا مكافأة له من الصهيونية العالمية على موقفه المؤيد لمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل. فكيف ردّ الأديب الكبير على هذه الاتهامات؟ أظن أن أهم مرجع يُفنّد هذه التهم هو كتاب «صفحات من مذكرات نجيب محفوظ» لرجاء النقاش. في هذا الكتاب يتساءل محفوظ باستنكار: «ما معنى أن الصهيونية أرادت أن تكافئني على موقفي المؤيد لاتفاق السلام مع إسرائيل؟ إن الصهيونية لو أرادت أن تكافئ كاتبًا على موقف تشجعه هي، فقد تضع في يده، أو في حسابه بالبنك، مبلغًا من المال على سبيل الرشوة، لا أن تسعى إلى حصوله على جائزة أدبية هي الأولى في مجالها في العالم. ولو كانت جائزة نوبل جاءتني لموقفي من معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، فإن بالجائزة نوعًا آخر يناسب هذا الموقف، وهو جائزة نوبل للسلام وليس الأدب، بل إن أدونيس أو توفيق الحكيم يستحقانها، فهما مؤيدان للسلام مع إسرائيل أكثر من تأييدي أنا له عشرات المرات».‏

ورغم أنني أتفق شخصيًّا مع ما قاله الأديب الكبير حول إن «الصهيونية العالمية التي تحدث عنها إدريس وغيره، أعطيناها ـ كمثقفين عرب ـ أكبر من حجمها، وجعلنا منها إلهًا قادرًا على كل شيء، وذهبنا إلى أنها هي التي تصنع التاريخ والحاضر والمستقبل، وتدير عجلة الكون»، رغم أنني أتفق مع هذا الطرح إلا أنني أختلف مع قوله: «يخطئ من يتصور أن الصهيونية العالمية هي التي تحرك أمريكا وتدير سياستها، لأن المواقف الأمريكية نابعة أصلًا من تحقيق المصالح الأمريكية، وهي مصالح تتفق حاليًّا مع مصالح إسرائيل. وعندما تتغير تلك السياسة سوف تصبح إسرائيل مثل مدغشقر، بلا قوة أو نفوذ».

في الحقيقة إن كل ما تفعله إسرائيل اليوم هو ضد مصلحة الولايات المتحدة، فهي أولًا تُظهِرها ضعيفة سياسيًا في قيادة العالم، وغير قادرة على وقف حماقات رئيس وزراء إسرائيل رغم أنه يدرك أن ما يحركه هو مصالحه السياسية الضيقة لا مصلحة الكيان الإسرائيلي، ثم إنها تُظهرها ثانيًا بدعمها العسكري اللا محدود في صورة المعتدي المشارك في الإبادة الجماعية للفلسطينيين، كل هذا بفاتورة اقتصادية باهظة تصل إلى مليارات الدولارات تستنزفها إسرائيل من ميزانية دافع الضرائب الأمريكي! ورغم كل هذه الخسائر السياسية والعسكرية والاقتصادية، وقبلها الأخلاقية، لم تفكّر أمريكا مجرد التفكير في التخلي عن هذا الكيان الغاصب، ولم تصبح إسرائيل مثل مدغشقر!

في الكتاب نفسه يسرد نجيب محفوظ أن موقفه الداعي للتفاوض مع إسرائيل بدأ بعد هزيمة عام 1967 مباشرة في مؤتمر نظمه وزير الثقافة المصري ثروت عكاشة ضم قيادات وزارة الثقافة، وحضره محفوظ بصفته مديرًا لمؤسسة السينما. في ذلك المؤتمر دار حوار مفتوح حول ما سميت بـ«النكسة»، وما ينبغي عمله للخروج منها، والحلول المقترحة لذلك، فقال محفوظ: «إن الطريق الوحيد للخروج من هذه الأزمة هو العودة للديمقراطية والحوار وإطلاق حرية تعدد الأحزاب والآراء، وأن نرضى بالحزب الذي يصل إلى السلطة عن طريق انتخابات حرة نزيهة حتى ولو تفاوض مع إسرائيل». ثم كرر محفوظ هذا الرأي في عهد السادات أمام العقيد معمّر القذافي، رئيس الجماهيرية الليبية، عندما استُضيف هذا الأخير في مبنى جريدة «الأهرام» المصرية ونُظِّم له حوارٌ مع الأدباء والمفكرين والكتّاب المصريين، أداره الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل، يقول محفوظ إنه طَرح على الحاضرين سؤالاً: «هل في إمكاننا الآن أن نحارب إسرائيل؟» فأجاب أحد الحضور أنه ليس بوسع المصريين الحرب في تلك الظروف، وأن أي حركة سيقومون بها يمكن أن تستغلها إسرائيل في ضرب منشآت مصر الحيوية، فعقّب محفوظ على إجابته بالقول:‏ ‫«بما أننا لا نستطيع الحرب فلا بد أن نسلك الطريق الآخر، طريق التفاوض، أما الحالة التي نعيشها والمعروفة باللاسلم واللاحرب فإن التاريخ لم يعرف مثلها من قبل، كما أن نتائجها ضارة جدا لنا».‏‬

غير أن هذا الرأي لم ينتشر جماهيريًّا إلا بعد فترة من هذا اللقاء مع القذافي، حين أجرت صحيفة «القبس» الكويتية حوارًا مطوَّلا مع محفوظ، أثار ردود فعل هائلة، يصفها الأديب الكبير بالقول: «على مدى ستة أشهر كاملة تعرضت لسيل من الشتائم، كان بعضها يحتوي على ألفاظ جارحة واتهامات حادة، حتى إن بعضهم قال عني بالحرف الواحد: «أحسن لك تروح تبيع ترمس!» لم يقتصر الأمر على ما ينشر في «القبس»، بل كتب كثيرون في صحف مصرية يسفهون آرائي وينتقدونني بقسوة، ومع ذلك ظللت متمسكا برأيي لم أحد عنه».

خلاصة القول: لا يمكن لقارئ أدبٍ نزيه أن يعزو فوز نجيب محفوظ بنوبل لأسباب أخرى غير كونه أديبًا فذا استطاع أن يعبّر بصدق وفنية عالية عن خلجات الإنسان، منطلقا من حارته المصرية إلى العالم، ولذا فإن تهمة مكافأة الصهيونية العالمية له ليست إلا هراء. غير أن موقفه من القضية الفلسطينية مع ذلك يظلّ معقّدًا، فهو لم يكن مؤيدا بوضوح للمقاومة الفلسطينية، وفي الوقت نفسه لم تكن دعوته للتفاوض مع إسرائيل انبطاحًا كالذي نراه اليوم من بعض المتصهينين العرب. وقد نفى ذلك بشدة بقوله: «كان أكثر ما يضايقني ويثير أعصابي عندما نشـر حديثـي في «القبـس» هو اعتقـاد بعـض الناس بأنني أطالب بالسلام من أجل إسرائيل، ولو كان لـدى هـؤلاء ذرة من التفـكير المنطقي الموضوعي لفهموا أنني أنشد السلام من أجل هؤلاء البسطاء الذين طحنتهم الحروب».

شخصيا أصدّق هذا التبرير من أديبنا الكبير، ولا أزايد عليه، لكنني أصدّق أيضًا أن هؤلاء البسطاء الذين طحنتهم الحروب، لا يمكن أن يعود لهم السلام بمجرد التفاوض.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الصهیونیة العالمیة نجیب محفوظ مع إسرائیل

إقرأ أيضاً:

بالفيديو... من منطقة ترامب إلى اقتصاد السلام.. ماذا يُخطط للجنوب؟

في الجنوب اللبناني الذي أنهكته الحرب، تخرج إلى العلن فكرة أميركية جديدة: إنشاء "منطقة ترامب الاقتصادية" على طول الحدود بين لبنان وإسرائيل، تكون خالية من حزب الله والأسلحة الثقيلة، مقابل مشاريع إعمار وحوافز تنموية.

التفاصيل كاملة في التقرير المرفق: 


  View this post on Instagram  

A post shared by Lebanon 24 (@lebanon24.news)


مواضيع ذات صلة بالفيديو.. مُخطط لمخيمات جنوب لبنان Lebanon 24 بالفيديو.. مُخطط لمخيمات جنوب لبنان 10/12/2025 23:21:33 10/12/2025 23:21:33 Lebanon 24 Lebanon 24 سلام لبلومبرغ: الجيش اللبناني يوسع وجوده في الجنوب خاصة في المناطق القريبة من الحدود مع إسرائيل Lebanon 24 سلام لبلومبرغ: الجيش اللبناني يوسع وجوده في الجنوب خاصة في المناطق القريبة من الحدود مع إسرائيل 10/12/2025 23:21:33 10/12/2025 23:21:33 Lebanon 24 Lebanon 24 نمو اقتصاد منطقة اليورو Lebanon 24 نمو اقتصاد منطقة اليورو 10/12/2025 23:21:33 10/12/2025 23:21:33 Lebanon 24 Lebanon 24 سلام: اقتصاد البلاد يحتاج للسيولة ونعمل على إصلاح القطاع المصرفي Lebanon 24 سلام: اقتصاد البلاد يحتاج للسيولة ونعمل على إصلاح القطاع المصرفي 10/12/2025 23:21:33 10/12/2025 23:21:33 Lebanon 24 Lebanon 24 لبنان فيديو قد يعجبك أيضاً بالأسماء… هؤلاء هم اللبنانيون الذين أُخلي سبيلهم من سوريا Lebanon 24 بالأسماء… هؤلاء هم اللبنانيون الذين أُخلي سبيلهم من سوريا 15:56 | 2025-12-10 10/12/2025 03:56:55 Lebanon 24 Lebanon 24 فاجعة في عكار.. وفاة أم ورضيعها أثناء الولادة! Lebanon 24 فاجعة في عكار.. وفاة أم ورضيعها أثناء الولادة! 15:41 | 2025-12-10 10/12/2025 03:41:33 Lebanon 24 Lebanon 24 ستستمر لأيام.. دوريات ليلية لشرطة بلدية طرابلس (فيديو) Lebanon 24 ستستمر لأيام.. دوريات ليلية لشرطة بلدية طرابلس (فيديو) 15:10 | 2025-12-10 10/12/2025 03:10:38 Lebanon 24 Lebanon 24 صدور نتائج دورة تطويع ضباط في المدرسة الحربية Lebanon 24 صدور نتائج دورة تطويع ضباط في المدرسة الحربية 14:59 | 2025-12-10 10/12/2025 02:59:42 Lebanon 24 Lebanon 24 فتح تردّ على الحملات: لقاء عباس–الأونروا لحماية الوكالة لا لضربها Lebanon 24 فتح تردّ على الحملات: لقاء عباس–الأونروا لحماية الوكالة لا لضربها 14:58 | 2025-12-10 10/12/2025 02:58:46 Lebanon 24 Lebanon 24 الأكثر قراءة رحلة متّجهة إلى تل أبيب غيّرت مسارها... ما الذي جرى فوق بيروت؟ Lebanon 24 رحلة متّجهة إلى تل أبيب غيّرت مسارها... ما الذي جرى فوق بيروت؟ 06:09 | 2025-12-10 10/12/2025 06:09:50 Lebanon 24 Lebanon 24 المنخفض الجويّ يصل الليلة إلى لبنان... أمطارٌ طوفانيّة وثلوج كثيفة Lebanon 24 المنخفض الجويّ يصل الليلة إلى لبنان... أمطارٌ طوفانيّة وثلوج كثيفة 07:59 | 2025-12-10 10/12/2025 07:59:48 Lebanon 24 Lebanon 24 إحباط "هجوم دُبّر في ليل"والجيش تحرّك بعد استشعار توتر متعمد Lebanon 24 إحباط "هجوم دُبّر في ليل"والجيش تحرّك بعد استشعار توتر متعمد 22:53 | 2025-12-09 09/12/2025 10:53:04 Lebanon 24 Lebanon 24 تحذير عاجل من الأمن العام للبنانيين: هذا الموقع تابع للعدوّ الإسرائيليّ Lebanon 24 تحذير عاجل من الأمن العام للبنانيين: هذا الموقع تابع للعدوّ الإسرائيليّ 05:27 | 2025-12-10 10/12/2025 05:27:55 Lebanon 24 Lebanon 24 تقرير استرالي: مع اقتراب الموعد .. هل سينجو لبنان من حرب إسرائيلية جديدة؟ Lebanon 24 تقرير استرالي: مع اقتراب الموعد .. هل سينجو لبنان من حرب إسرائيلية جديدة؟ 10:30 | 2025-12-10 10/12/2025 10:30:00 Lebanon 24 Lebanon 24 أخبارنا عبر بريدك الالكتروني بريد إلكتروني غير صالح إشترك أيضاً في لبنان 15:56 | 2025-12-10 بالأسماء… هؤلاء هم اللبنانيون الذين أُخلي سبيلهم من سوريا 15:41 | 2025-12-10 فاجعة في عكار.. وفاة أم ورضيعها أثناء الولادة! 15:10 | 2025-12-10 ستستمر لأيام.. دوريات ليلية لشرطة بلدية طرابلس (فيديو) 14:59 | 2025-12-10 صدور نتائج دورة تطويع ضباط في المدرسة الحربية 14:58 | 2025-12-10 فتح تردّ على الحملات: لقاء عباس–الأونروا لحماية الوكالة لا لضربها 14:55 | 2025-12-10 أطلق النار في محيط سوق الخضار في الميناء.. وهذا ما حلّ به! فيديو محمد اسكندر يطلق " انسى وطنش ".. وملكة جمال تُشاركه الكليب ! Lebanon 24 محمد اسكندر يطلق " انسى وطنش ".. وملكة جمال تُشاركه الكليب ! 05:09 | 2025-12-06 10/12/2025 23:21:33 Lebanon 24 Lebanon 24 بسعر منافس جداً.. إطلاق هاتف جديد بقدرات تصوير مميزة (فيديو) Lebanon 24 بسعر منافس جداً.. إطلاق هاتف جديد بقدرات تصوير مميزة (فيديو) 04:00 | 2025-12-06 10/12/2025 23:21:33 Lebanon 24 Lebanon 24 بث مباشر.. البابا لاوون الرابع عشر في ساحة الشهداء Lebanon 24 بث مباشر.. البابا لاوون الرابع عشر في ساحة الشهداء 09:14 | 2025-12-01 10/12/2025 23:21:33 Lebanon 24 Lebanon 24 Download our application مباشر الأبرز لبنان فيديو خاص إقتصاد عربي-دولي متفرقات أخبار عاجلة Download our application Follow Us Download our application بريد إلكتروني غير صالح Softimpact Privacy policy من نحن لإعلاناتكم للاتصال بالموقع Privacy policy جميع الحقوق محفوظة © Lebanon24

مقالات مشابهة

  • ابنة نجيب محفوظ تتحدث عن أعمال والدها في ذكرى ميلاده
  • في ذكرى ميلاده.. أعمال درامية استلهمت أحداثها من روايات نجيب محفوظ
  • "دروب مصر ".. مبادرة جديدة لإعادة قراءة الجمالية في ذكرى ميلاد نجيب محفوظ
  • دروب مصر.. مبادرة جديدة لإعادة قراءة الجمالية في ذكرى ميلاد نجيب محفوظ
  • في ذكرى ميلاده.. «نجيب محفوظ» رجل صاغ القاهرة من طين الحكايات وصنع للروح العربية مرآتها الحقيقية
  • غدًا.. ورشة «دروب مصر» بمتحف نجيب محفوظ بمناسبة الذكرى الـ 114 لميلاده
  • عرض فيلم "محفوظ وهي" اليوم على شاشة الوثائقية العاشرة مساءً
  • من شوارع القاهرة إلى جائزة نوبل.. كيف صنع نجيب محفوظ مجده؟
  • يوسف القعيد: نجيب محفوظ كان منظمًا بشكل صارم وصاحب رسالة وتفانٍ في إيصالها
  • بالفيديو... من منطقة ترامب إلى اقتصاد السلام.. ماذا يُخطط للجنوب؟