سودانايل:
2025-08-13@09:28:25 GMT

قراءة في عوالم مزارات

تاريخ النشر: 1st, September 2024 GMT

محمد عبد المنعم صالح

في تقديري ما أن يضع المؤلف مؤلفه ويقرر طباعته حتي يصبح السفر ليس ملكا له بل للقارئ بدون شك .. لكن تحت إلحاح الكثير من الأصدقاء بمطالبتي ان أقوم ببعض الإضاءات حول مؤلفي "مزارات" الذي طبع أخيرا بالقاهرة فيمكنني القول بأن هذا السفر هو عبارة لنتاج مجموعة تساؤلات كانت بداخلي حول الحركة الصوفية في السودان ('الصيرورة ) وما آلت اليه في سياقنا السوداني ومن ثم محاولة للمقاربة بينها وبين الحركة الصوفية في العالم .

. والتي في تقديري كان لابد ان تطرح المدرسة الصوفية في السودان في سياقنا كامرحلة بالضرورة وذلك لخصوصية مجتمعاتنا ، فكان لابد من محاولات للتبيئة، فكانت المساهمة الضخمة في تقديري من الحركة الصوفية في تبيئة الإسلام نفسه في سياقنا (الأفروشرق أوسطي) ..
إجتهدت في أن أطور هذه التساؤلات مستعينا بصديقي العزيز جدا برير محي الدين موسي (الصائغ الماهر) المتخصص في الأحجار الكريمة ، صاحب القراءات المدهشة في التصوف وحركة تاريخه ، المتفرغ تماما كذلك للتبشير بحركة صوفية أكثر حداثة ولاذال برغم رغبته أن يكون مغمورا ، يوفر وجوده الإجتماعي بوعي إجتماعي مدروس ومحكم معللا ذلك بأن مواعين ماحولنا لم تعد بعد تسع طاقة الفكر الذي يبشر به والذي أوافقه فيه الرأي تماما ..
كانت هنلك مجالسات متعمدة لساعات طوال نناقش فيها بحضور حاضر وعصف ذهني كبير هاته التساؤلات بشكل مسموع بيننا نحاول ما إستطعنا تفكيك الخطاب الصوفي في سياقنا السوداني مستعبنين بقراءات الأستاذ محمود محمد طه فيما يخص خطاب الديني كوني ظل يبشر به في كتاباته ، مستصطحبين في ذات الوقت كذلك كل من تجارب الحلاج وابن عربي وسهر وردي والرومي وغيره ..
ثم يأتي هذا المؤلف كثمرة لهذه السجالات التي دامت لذمن طويل بيني وبين صديقي برير محي الدين موسي لطرح تساؤلاتنا الثنائية فكانت "مزارات ".. إذا حري بي القول أن صديقي برير محي الدين موسي يناصفني الفكرة في كل مستوياتها والتي آامل أن تكون بداية لمشاريع آتية في ذات السياق ..
بإيجاز مزارات عبارة عن شخص يتعرض لتحولات ضخمة من المادية الي عالم الروحانيات .. يتخللها صراع داخلي قاسي ، مكابره، رفض مستبطن مابين قديم وجديد ..
القديم الذي في تقديره أصبح لايمنح معناً ولا يحمل في طياته كل الحقائق ، الجديد الذي يمنحه معناً كبير وكثير من الحقائق ..
تحت وطأة هذا الصراع الذي لم يحسم بشكل قطعي يحاول أن يسقط أدواته المادية علي التجربة الصوفية في سياقه ثم سياقات أخري كان قد إستلهما في فك شفرات كثير من التعاريف عن ماهية التصوف فتكون مفاجأته التي إستوقته لوقت ليس بقصير وهو أن الحركة الصوفية في السودان قد أصطكت صيرورتها باالمرحلة السنارية بل هي الي الان لازالت نتاج طموحات ما أْخطتة تلك المرحلة !!؟؟ .. والتي بدون شك قد خصم منها كثيرا مقارنة بالخطابات الصوفية حولنا وماظلت تنتجه من معرفة ذادت من طلاوتها ورغبت العالم في معرفتها لما تملكه من خطاب كوني إن جاز لي التعريف في ظل تراجع المادية التي أصبحت تحمل في طياتها كل أسباب إنهيارها بالكامل علي كل المستويات !؟ ..
فأدي ذلك قطع شك الي تحنيطها بكل اسف فظلت لردح من الذمن أسيرة جغرافيا محددة تتحرك في إطار حركة محدودة وضيقة مع المفارقة أنها ذات الجغرافية التي إستهدفتها الطريقة التجانية المجيدة والتي لها سبق الفعل في أن تعيد تبيئة الإسلام في الرواق الأفريقاني..
وهو مشروع لسفر يعمل عليه كاتب هذه السطور بذات العنوان (دور الطريقة التجانية في تبيئة الإسلام في الرواق الأفريقاني) شارف علي الإنتهاء برغم ظرف النزوح وكل الماثل ..
في محاولة لوضع النقاط فوق الحروف في مقدمة مزارات كان من الطبيعي التعريف عن ماهية التصوف من زاوية نظري وفق علمي ومعرفتي المحدودة لأن تعاريف مستويات التصوف في حقيقة الأمر متجاوزة كثيرا لحدود مقدراتي ومعرفتي بكل صدق . فالتصوف من وجهة نظري هي طرق وليست طريقة لكن الغاية بالضرورة واحدة . تبدأ من الذات " البشرية التي تقرر أن تحيا التجربة بالترسيخ للمحبة " بكامل خواص تفاعلها مع الأرض في مستوي بشريتها ثم تسافر إلى الله "الفناء"، ولذلك نسميه مجازا نحن المتصوفة ببداية الطريق "السير " من الكثيف الي اللطيف والعكس .. أي بين الفناء والبقاء، السماء والأرض، الروح والمادة، النفس والله .. من النفس إلى الله ، ومن الله إلى النفس .. في حركة ثنائية دائمة، ذهاب وعودة، غيبة وحضور، وفي ذات الوقت مع هذا السير من اللطيف الي الكثيف ومن اعلي الي العودة كما قال مولانا جلال الدين الرومي "المتصوف يعيش اللحظة بلحظتها ويعتبرها هي المكمن وهي كل ماكان وكفي ".. فتأمل هذا البهاء سير ثنائية مضبوط وحياة كاملة في اللحظة مع التسليم الكامل !!..

في سياق مختلف كاإستهلال لتراكم المعارف التي أنتجته الحركة الصوفية في العالم بالضرورة بلغات مختلفة" مع العلم أن اللغة هي ليست كل المعرفة بل هي فقط قوالب للتفريغ تتفاوت مع قدرة كل قالب لغة للإستيعاب بشكل متفاوت "اخذ الكثير يعتبر أنها أصبحت تمتلك خاصية الفلسفة وهنلك الكثير عند تناوله الصوفية خاصة في مستوي التجريد يعرفها بأعتبارها فلسفة صوفية .. في هذا السياق كمدخل يمكننا أيضا أن نقول بأن التصوف يعرف الروح بأنها كانت من نور قبل أن تهبط إلى الجسد، وهي تظل تنير بقدر تخليها من متعلقات هذا الجسد (البشرية) وتعلقه بها ، والاكتفاء بالضروي منه. لأن ظلامات النفس "البشرية " هي علي الدوام حجاب بين العبد وبين الله ..
غدا نواصل ..
محمد عبد المنعم صالح

 

[email protected]  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

دير البلح.. ذاكرة المدينة الصغيرة بين إرث الحضارة وتهديد الإبادة.. قراءة في كتاب

الكتاب: دير البلح دراسة في تاريخ وحضارة المكان والسكان.
الكاتبة: سلوى دياب المصري.
الناشر: دار الكلمة، غزة -فلسطين، 2023م
عدد الصفحات: 216 صفحة

مدينة باتت في مرمى الاستهداف الإسرائيلية هذه الأيام الصعبة من حرب الإبادة والتجويع الذي يتعرض له قطاع غزة، إنها مدينة دير البلح المدينة العريقة بتاريخها، التي احتضنت لأكثر من عام ونصف أبناء المدن الفلسطينية المجاورة لها بين زقاق مخيمها، وعلى ساحل شاطئها الذهبي، وتحت ظلال نخيلها المثمر، عاش الفلسطيني النازح والجائع، ينتظر ما تجود به من من خير.

تقع مدينة دير البلح في وسط قطاع غزة على طول الساحل شرق البحر الأبيض المتوسط وعلى مسافة عشر كيلو مترات شمال مدينة خانيونس، وعلى مسافة ستة عشر كيلو جنوب مدينة غزة، وتبلغ مساحة المدينة نحو 14.735 دونما، تراوحت المساحة المبنية منها 8000 دونم تقريباً، تبعد دير البلح عن مدينة القدس 92 كيلومتراً إلى الجنوب الغربي، يعود تاريخها إلى العصر البرونزي المتأخر حين كانت حصنا من حصون المملكة المصرية الحديثة.

استقبلت دير البلح كل من وطأة أرضها مسيحي ومسلم وأراد الإقامة بها، فكانت بحق مدينة السلام، ففي منتصف القرن الرابع الميلادي قام الراهب المسيحي هيلاريوس ببناء دير مسيحي هناك، ويعرف اليوم بمقام الخضر، نمت المدينة بمواقعها الجغرافي المتميزة على طريق البريد لدولة المماليك بين القرنين الثالث عشر والخامس عشر، وباتت المدينة بمثابة أبرشية لكنيسة الروم الأرثوذكس في القدس في عهد العثمانيين حتى أواخر القرن التاسع عشر.

مدينة باتت في مرمى الاستهداف الإسرائيلية هذه الأيام الصعبة من حرب الإبادة والتجويع الذي يتعرض له قطاع غزة، إنها مدينة دير البلح المدينة العريقة بتاريخها، التي احتضنت لأكثر من عام ونصف أبناء المدن الفلسطينية المجاورة لها بين زقاق مخيمها، وعلى ساحل شاطئها الذهبي، وتحت ظلال نخيلها المثمر، عاش الفلسطيني النازح والجائع، ينتظر ما تجود به من من خير.مر بالمدينة خط السكة الحديد الذي كان يمتد من القنطرة في مصر إلى مدينة حيفا، ومنها إلى بيروت، ومن فروعه خدمت يافا، القدس، عكا، مرج بن عامر، كانت موجودة أصلاً في فلسطين منذ العهد العثماني، وازدهرت تلك الخطوط المدن والقرى الفلسطينية بأكملها ومنها دير البلح.

تأتي أهمية هذه الدراسة باستمرار السياسة الإسرائيلية المستهدفة للمخيمات الفلسطينية الشاهد الرئيس على بقاء وديمومة قضية اللاجئين الفلسطينيين، والمحاولات الإسرائيلية الحثيثة لاقتلاع الفلسطيني من أرضه، وهدم ما تبقى من حجارة المخيمات في قطاع غزة التي تعرضت لإبادة للمكان بعد إبادة الإنسان، حيث جرى تدمير التراث المادي للقرى والمدن الفلسطينية، بشن حرب إسرائيلية متواصلة على التاريخ والتراث والحضارة الفلسطينية، تمثل هذه الدراسة وثيقة تاريخية حضارية تفند المزاعم الإسرائيلية بكل ما يتعلق بفلسطين، بين ثنايا صفحاته شهادات حية عن المستوى العمراني والاجتماعي لريف ومخيم دير البلح، لتسهم الكاتبة في إبراز التاريخ الثقافي الإنساني الذي حاول الاحتلال سحقه منذ سنوات النكبة، وحتى حرب الإبادة الجماعية .

أصول التسمية:

أول الأسماء التي أطلقت على مدينة دير البلح اسم الداروم ثم الدارون، وهما في الكنعانية والآرامية يعنيان الجنوب، أقام فيها القديس هيلاريون 278-372م أول دير في فلسطين سمي بالدارم فسميت دير البلح نسبة لهذا الدير، وقد دفن القديس في الحي الشرقي للمدينة، هذا وقد فتحها المسلمون دير البلح 13 هـ على يد عمرو بن العاص، وفي زمن الحروب الصليبية ذكرت دير البلح باسم الداروم، وكانت احدى المدن الرئيسية في مملكة القدس الصليبية، وقام فيها عموري قلعة لها أربعة أبراج للدفاع عنها، وسميت دير البلح بهذا الاسم منذ أواخر القرن التاسع نسبة إلى بستان النخيل الواقع غرب المدينة، وكانت تعرف محلياً بدير مار جرجس أو دير الخضر، وكذلك دير داروم في السجلات العثمانية(ص19).

شارك أهالي دير البلح في حرب عام 1948م عبر الهجوم على مستوطنة كفار داروم جنوب شرق دير البلح، ونزح إليها أعداد كبيرة من لواء غزة جنوب فلسطين، والقليل من لواء اللد ويافا، واستقروا على ساحل دير البلح، وعددهم 24 ألفاً، ومن أشهر المعارك جرت على أراضي دير البلح معركة التبة 86، بتاريخ 22/12/1948م، جنوب دير البلح، تمكن الاحتلال من السيطرة على التبة، وعزل حامية غزة، وفصل مدينة غزة عن المنطقة الساحلية الجنوبية.

يوم الثلاثاء الأحمر في دير البلح:

عند محاصرة جمال عبد الناصر ومحمد نجيب ومن معهم من المقاومين المصريين في منطقة الفالوجا، حتى تدخل الصليب الأحمر وأشرف على فك حصارهم واعادتهم لمصر سالمين، فمن هنا جاءت مجموعة من المقاومين المصريين وقامت بمهاجمة مغتصبة كفار داروم وأثناء زحفهم نحو المغتصبة بين سنابل القمح الطويلة، رأتهم احدى المجندات الإسرائيلية، وأطلقت النار عليهم حتى سقطوا جميعهم شهداء، فهب الأهالي لنجدة المقاومين المصريين بعد أن غادرت المجندة، فقام الأهالي بانتشال الجثث وسحبها من المكان إلى أقرب بيت هناك، فاستشهد أكثر من عشرين شهيداً، وفي الخامس من عشر من مايو عام 1948م، ألقت الطائرات البراميل المتفجرة فوق بيوت الأهالي لتفريق جموع اللاجئين، فقتلت العشرات من المواطنين ودوابهم في سوق دير البلح " سالت الدماء في الشارع التجاري ودفن الكثير من الشهداء في الحفر التي أحدثتها تلك البراميل، كما اختلطت الخضروات والفواكه، وقد استشهد في تلك المجزرة ما يزيد على المائتي شهيد فضلا عن الجرحى خلال القصف"

كما قاوم أهالي دير البلح الاحتلال في حرب عام 1967م، ولكن الاحتلال استولى عليها وعلى خيراتها، وعلى ينابيع المياه التي تشكل مصدر ري فائق الأهمية، مما أدى إلى الأضرار بزراعة الحمضيات المحلية، وفرضت سلطات الاحتلال قيود على البناء مما أغلق التوسع المنظم لأهالي دير البلح (ص30).
الاستيطان في دير البلح:

بلغ عدد المستوطنون في غزة 6آلاف مستوطن أقاموا في تسعة عشر مستوطنة داخل القطاع تركز معظمها في تجمعين أساسيين:

ـ التجمع الاستيطاني الشمالي، يضم ثلاث مستوطنات تقع على طول حدود غزة الشمالية ( دوجيت، نسنايت، إيلي سيناي)، وهي الأسماء المتداولة لإعادة بناءها على حساب ضم أراضي بيت حانون، بيت لاهيا، جباليا.

ـ التجمع الاستيطاني الجنوبي، يضم 11 مستوطنة ويسمى تجمع غوش قطيف ويقع على الثلث الجنوبي لساحل غزة في المنطقة الغنية بالمياه العذبة.

زخرت دير البلح بالعديد من المعالم التاريخية والأثرية التي تدل على أهمية هذه المدينة وحضارتها، وقد وجدت أعمدة من الرخام الأبيض في جدران بعض المنازل القديمة، وتشبه هذه الأعمدة تلك الموجودة في منطقة الحرم القدسي الشريف في القدس.أما على أراضي دير البلح، فأقيمت مستوطنة كفار داروم على حدود المدينة، التي فصلت المنطقة الوسطى عن جنوب القطاع عام 1971م، إلى جانب مستوطنة كيسوفيم الواقعة بين خانيونس ودير البلح، ومازالت دير البلح محط أطماع الجمعيات الاستيطانية كجمعية نحلاً التي طالبت منذ بداية الحرب إعادة بناء المستوطنات التي تم تفكيكها في اطار خطة إعادة الانتشار التي نفذها رئيس الوزراء الإٍسرائيلي أرئيل شارون عام 2005م.

مخيم دير البلح:

يعد أصغر مخيمات اللاجئين في قطاع غزة، يقع على شاطئ البحر الأبيض المتوسط شمال غرب مدينة دير البلح، بلغت مساحته حوالي 156 دونماً لكنها تقلصت إلى 132 دونما، ضم حوالي 9000 نسمة، وتعود جذور معظم أولئك اللاجئين للقرى الواقعة وسط فلسطين وجنوبها الذين هجروا من مدنهم وقراهم قسرا، وأجبروا على تركها، ويوجد حاليا أكثر من 20000 لاجئ يعيشون في ظروف معيشية غاية في المعاناة، من الحرمان في بيئة تعيسة، صيفهم خانق، شتاؤهم قاس، بيوتهم صغيرة، متلاصقة ومنخفضة، لازمهم الفقر طيلة حياتهم، اعتشوا على ما تقدمه لهم الأونروا من مواد تموينية رديئة، اكتسوا من عتيق ملابس المانحين، وتعلموا في مدارس بائسة كبؤس بيوتهم، وأكثر فقراً، ولكنهم كانوا أكثر ترابطا وأقوى عزماً، فهم أبناء جيل النكبة الذين انتزعوا حقهم في الحياة بإرادة صعبة وعزيمة قوية، كان جيلاً خارقا لم يعرف للهزيمة طريقاً، لم يسمح لقسوة اللجوء أن تحول بينه وبين طموحاته.

المعالم الأثرية والتاريخية:

زخرت دير البلح بالعديد من المعالم التاريخية والأثرية التي تدل على أهمية هذه المدينة وحضارتها، وقد وجدت أعمدة من الرخام الأبيض في جدران بعض المنازل القديمة، وتشبه هذه الأعمدة تلك الموجودة في منطقة الحرم القدسي الشريف في القدس.

تلة أم عامر: سميت بذلك نسبة إلى أنثى الضبع، ومن كثرة الضباع التي كانت تعيش في تلك المنطقة، وتبلغ مساحة موقع تلة أم عامر أكثر من خمسين دونماً، وفيها أهم المعالم المعمارية والأثرية، ويحتوي كنيستين، ومدافن، وقاعة المعمودية، وغرف للطعام، وصهاريج، وأفران طينية، وقنوات توصيل وصرف المياه، بالإضافة إلى لوحات فسيفسائية ومخطوطات اغريقية مزخرفة برسوم هندسية.

قلعة دير البلح:

أنشأها عموري ملك القدس الصليبي 1173م، بدأ الاهتمام الصليبي في التوجه جنوباً لأقصى حد ليقفوا عند الداروم دير البلح ليتخذوا منها رأس حربة، وقاعدة متقدمة تواجه القوى الإسلامية فأقام بها الملك عموري، اتخذ عموري من الداروم مقراً لقيادته العسكرية والإدارية ليلتقي بالسفراء العرب مثل بدران بها عندما يريد عقد أو إبرام معاهدات معهم، ودمرها صلاح الدين الأيوبي عام 1177م، أهمية القلعة تكمن أنها قريبة من شاطئ البحر في منطقة البركة، تستكشف كل من هو قادم إليها من شاطئ البحر، وتطل على شمال قطاع غزة(ص89).

كما أجريت العديد من الحفريات الأثرية على شاطئ دير البلح كشفت عن أعظم مقبرة تاريخها يرجع إلى العصر البرونزي 1200-1550ق.م والمنسوب إلى الملوك الفلسطينيين، وهي عبارة عن توابيت مصنوعة على شكل إنسان، محفورة من حجر الكركار أو الطين الأحمر، اكتشف كميات كبيرة من الأواني المصنوعة من الألباستر، وتماثيل فرعونية صغيرة وأختام وحلى ذهبية وغيرها من الأشياء التي سرقتها إسرائيل مع كل اجتياح تتعرض له مدينة دير البلح.

بدأ التنقيب في مقبرة دير البلح بين عامي 1972 -1982م، لمصلحة دائرة الآثار في الجامعة العبرية بالقدس، وجمعية استشكاف إسرائيل، وقامت بسرقة معظم المكتشفات الأثرية، وهي معروضة اليوم في متحف الروكفلر ومتحف إسرائيل في القدس، تقدم رواية إسرائيلية لتاريخ مزعوم لها في دير البلح أشبه بالأساطير اليونانية.

نظم موشيه دايان عام 1971م، حملة تنقيب غير شرعية من الآثار في المنطقة قبل الانتفاضة الأولى، وأقدمت فيه إسرائيل على سرقة معظم القطع الأثرية التي وجدت على شواطئ قطاع غزة، وقد ضم كل المكتشفات التي وجدها إلى مقتنياته الشخصية التي احتفظ بها حتى وفاته، ومنها مجموعة كبيرة من آثار دير البلح جميع تلك المقتنيات بيعت من قبل ورثته لمتحف إسرائيل.

موقع المدفع:

اكتشف عام 2020 م على سواحل البحر المتوسط المقابلة لساحل المدينة سفينتين حربيتين بريطانيتين مليئتين بالقذائف سفينة من نوعHMS M15   والمدمرةHMS Staunch,     أغرقتها غواصةy.c 38  الألمانية في الحرب العالمية الأولى يوم 11 نوفمبر 1917م قبالة سواحل دير البلح، وبقيت السفينة والمدمرة مختفيتان في مياه بحر قطاع غزة، دون أن يشاهدها أحد، إلى أن تم العثور عليها، ليجدوا فيها مدفع حربي كبير الحجم يزن حوالي 8250 كيلو جرام، فيما يبلغ طوله سبعة أمتار، وقذيفة 76ملم، تم نقله ونصبه وسط مدينة دير البلح؛ ليكون رمزاً للنضال الفلسطيني على مر السنيين.

متحف دير البلح:

يعد هذا المتحف من أهم المتاحف الفلسطينية الذي أسس عام 1993م، للحفاظ على الإرث المادي الفلسطيني والموروث الشعبي، الذي يعزز الهوية الفلسطيني ويربط الأجيال بعضها ببعض، احتوى المتحف على مجموعة من المقتنيات والقطع الأثرية الضخمة التي تعود للعصر البيزنطي والعصر الروماني، ومجموعة كبيرة من الأواني والمعدات الفخارية، كما احتوى على حجرات زجاجية وجدت في مواقع متعددة، ولكن المتحف تعرض للقصف والتدمير خلال الحرب الإسرائيلية التي مازالت مشتعلة حتى اليوم(ص97).

اقتصاد المدينة:

يقوم اقتصاد مدينة دير البلح على الزراعة بصفة رئيسية، فقد اشتهرت بزراعة حبوب القمح والشعير كمصدر غذائي، وساعدت خصوبة التربة على زراعة الحمضيات والكروم التي كانت بمثابة عناصر البقاء والصمود للإنسان الفلسطيني، ومصدر لمنافسة تجارية بين القوى الصليبية على المدن الساحلية، لتصبح المدن الساحلية ذات وظيفة مزدوجة تجارية وعسكرية، وحلقة وصل بين النشاط التجاري لدول المشرق العربي وأوروبا فوصلت فواكه فلسطين وخمور الداروم إليها.

زراعة النخيل:

تشتهر دير البلح بزراعة النخيل، بلغ عددها عشرون ألف نخلة تقريبا في جنوب وغرب المدينة، ولكن الجيش عمل على اقتلاع حوالي 3.550 نخلة خلال الانتفاضة الثانية عام 2000م، وتشكل زراعة النخيل أحد مصادر الدخل المحلي ومصدر دخل رئيسي للعديد من سكان دير البلح، نظرا لأهمية أنواع التمور المزروعة حياتي، الذي يتميز باللون الأحمر القاني وهو من أهم المنتجات الزراعية إلى جانب بلح البرجي الذي يتميز بحلاوة الطعم وغزارة الإنتاج وهي من الأنواع ذوات الجدوى الاقتصادية العالية.

تقف المدينة الاستثنائية" دير البلح" على أعتاب فصل جديد من فصول الحرب الإسرائيلية؛ كونها أخر مدينة في قطاع غزة وصل إليها الجيش الإسرائيلي ضمن عملية محدودة، لكنها اليوم على أعتاب مرحلة جديدة من فصول الإبادة الجماعية؛ لتنتقل المدينة من بيئة إنسانية أمنة ووجهة للنازحين الفلسطينيين إلى منطقة إخلاء ونزوح، وخوف من استهداف مباشر، واحتلال، وتدمير ممنهج لأخر بيئة زراعية تطعم ما يقارب من 2 مليون فلسطيني، ينتظرون فيه مجهول المستقبل الذي يحاك ضدهم ما بين تهجير قسري أو إبادة جماعية للمدينة الأصغر حجم والأقل سكاناً قبل عام 2023م."يعتبر قطاع التمور في فلسطين أحد ركائز الاقتصاد الزراعي... فيوجد في فلسطين 571 مزرعة نخيل تحتوي على 311 ألف شجر نخيل، يعمل بها أكثر من 5000 عامل، يبلغ قيمة صادراتها نحو 35 إلى 40 مليون دولار سنوياً، وقدر انتاجها بنحو 13 ألف طن ونصف يستهلك السوق المحلية ما كميته 6000 طن من التمور في الضفة الغربية وقطاع غزة سنوياً، أي أن نسبة 60% من الإنتاج الفلسطيني تذهب للسوق المحلي، 40% من الإنتاج يتم تصديره من صنف تمر المجول ـ المجهول ـ الفلسطيني".

تحتوي ثمرة البلح على معظم المركبات الأساسية اللازمة لبناء جسم الإنسان، فالتمر يعد منجماً مليئاً بالفيتامينات، ويسمى التمر بالمنجم لكثرة ما يحتويه من العناصر المعدنية مثل الفسفور، الكالسيوم، الحديد، المغنيسيوم، الصوديوم، الكبريت، والكلور، كما يحتوي التمر على فيتامينات أ، ب 1، ب2، 2 فضلا عن السكريات السهلة البسيطة في تركيبها(ص101).

أبرز المشاكل التي تواجهها زراعة النخيل في دير البلح:

1 ـ قلة المياه بسبب الإجراءات الإسرائيلية التي تمنع حفر آبار ارتوازية، ما يعد أكبر عائق أمام التوسع في زراعة النخيل، في الوقت الذي يستطيع المستوطن التوسع في زراعته، وسلب منابع المياه، والعيون بأسعار رخيصة في الوقت الذي يحرم منها المزارع الفلسطيني.

2 ـ الاجتياحات الصهيونية وعمليات القصف المستمرة للأراضي الزراعية وعمليات إطلاق القذائف على قطاع غزة ألحق دماراً واضحاً بمزارع النخيل في بيت لاهيا، بيت حانون، دير البلح، رفح.

3 ـ تحكم الاحتلال بلقاح الأشجار والمبيدات والأسمدة، وعدم توفر حبوب اللقاح لأشجار النخيل بشكل دائم، وصعوبة الحصول على بعض الأسمدة والمبيدات الحشرية لمواجهة الأمراض والآفات التي تصيب أشجار النخيل.

4 ـ ارتفاع تكاليف الإنتاج: من عمال ذوي خبرة ورافعات وصعوبة الحصول على الفسائل ذوات النوعية الجيدة واستيرادها؛ بسبب الإجراءات والعراقيل الصهيونية، بالإضافة لارتفاع تكاليف الشحن والنقل بشكل عام للصادرات والواردات السلعية الفلسطينية، مع ضعف السوق المحلي في النقل والتخزين.

تقف المدينة الاستثنائية" دير البلح" على أعتاب فصل جديد من فصول الحرب الإسرائيلية؛ كونها أخر مدينة في قطاع غزة وصل إليها الجيش الإسرائيلي ضمن عملية محدودة، لكنها اليوم على أعتاب مرحلة جديدة من فصول الإبادة الجماعية؛ لتنتقل المدينة من بيئة إنسانية أمنة ووجهة للنازحين الفلسطينيين إلى منطقة إخلاء ونزوح، وخوف من استهداف مباشر، واحتلال، وتدمير ممنهج لأخر بيئة زراعية تطعم ما يقارب من 2 مليون فلسطيني، ينتظرون فيه مجهول المستقبل الذي يحاك ضدهم ما بين تهجير قسري أو إبادة جماعية للمدينة الأصغر حجم والأقل سكاناً قبل عام 2023م.

مقالات مشابهة

  • حماس: وفد الحركة برئاسة الحية وصل القاهرة لبحث تطورات حرب الإبادة بغزة
  • شهداء الحركة الرياضية .. الحلقة 286 (نصر الله المقاطعة)
  • علي جمعة يرد على الخلط بين التصوف وتصرفات أتباعه
  • شهداء الحركة الرياضية .. الحلقة 285 (عودة الهذالين)
  • هل يجب قضاء الصلوات الفائتة خلال الحيض؟.. عضو الأزهر للفتوى تجيب
  • طرق دبي تطلق منصة ذكية لمراقبة الحركة المرورية
  • دير البلح.. ذاكرة المدينة الصغيرة بين إرث الحضارة وتهديد الإبادة.. قراءة في كتاب
  • علي جمعة: التصوف في عصرنا الحاضر تاه بين الأعداء والأدعياء
  • شهداء الحركة الرياضية .. الحلقة 284 (إسلام مطر)
  • رحيل شيخ التصوف المغربي.. جمال الدين بودشيش يترك أمانة الطريقة لابنه منير