عندما يرتكب غير مسلم جريمة في أوروبا
تاريخ النشر: 7th, September 2024 GMT
قالت الشرطة الألمانية مساء الجمعة 30 أغسطس/آب الماضي، إن ستة أشخاص على الأقل أصيبوا، ثلاثة منهم في حالة خطيرة، في حادثة طعن على متن حافلة في مدينة زيغن الواقعة غرب ألمانيا.
ونقلت وكالة الأنباء الألمانية عن الشرطة قولها إنها ألقت القبض على امرأة مشتبه بها تبلغ من العمر 32 عامًا، والتي ارتكبت جريمتها بينما كان 40 شخصًا على الأقل يستقلون الحافلة إلى مهرجان في مدينة زيغن، الواقعة على بعد حوالي 75 كيلومترًا شرق كولونيا، عندما وقع الهجوم حوالي الساعة الثامنة مساءً، وفقًا لبيان الشرطة.
وأبلغ العديد من الركاب الشرطة، التي قامت باعتقال المرأة، وهي مواطنة ألمانية. ولم يتضح الدافع وراء الجريمة، وقالت الشرطة إنه لا توجد معلومات تشير إلى أن الهجوم كان إرهابيًا. وذكرت صحيفة "بيلد" الألمانية أن المرأة التي نفذت الهجوم ربما كانت تعاني من مشكلات تتعلق بالصحة العقلية.
تأتي هذه الحادثة بعد أسبوع واحد تمامًا من عملية الطعن المميتة في مدينة زولينغن الواقعة غرب ألمانيا، حيث قتل مهاجم يحمل سكينًا ثلاثة أشخاص وأصاب ثمانية آخرين خلال مهرجان في شوارع المدينة. وتم القبض على المشتبه به، وهو مواطن سوري يبلغ من العمر 26 عامًا. وكان هندريك فوست، رئيس حكومة ولاية شمال الراين – ويستفاليا الألمانية، قد أكد أن هذه الهجمة تدخل ضمن خانة "العمل الإرهابي".
وأعلن تنظيم "الدولة الإسلامية" مسؤوليته عن الجريمة، حيث نشر التنظيم على وكالة "أعماق" التابعة له على تليغرام تبنيه الهجوم، في حين لا تزال السلطات الألمانية تحقق في صحة هذا الادعاء، رغم وضعها الحادثة في إطار الإرهاب.
وفقًا لخبراء في مجال الإرهاب، يعد هذا أول تبنٍّ من التنظيم للمسؤولية عن هجوم في ألمانيا منذ عام 2016، عندما شن التونسي أنيس العمري هجومًا باستخدام شاحنة لدهس حشد من الأشخاص في سوق عيد الميلاد بساحة برايتشايد بلاتس في برلين في ديسمبر/كانون الأول من ذلك العام، ما أسفر عن مقتل 13 شخصًا وإصابة العشرات.
رغم تشابه الحادثَتين في طريقة تنفيذ الجريمة وفي المنطقة التي تشهد حركة احتفالات، فإن التقارير الأمنية جاءت مختلفة. والمثير للاستغراب هو كيفية متابعة الإعلام لسير التحقيقات والسرعة في توجيه الاتهامات بين الحادثتين. إذ غالبًا ما تصنف التقارير الأمنية الجرائم التي ينفذها المواطنون الأصليون في البلاد، سواء من ألمانيا أو أي بلد أوروبي آخر، على أنها حوادث فردية ناتجة عن دوافع نفسية أو عصبية، وذلك لتبرير الفعل أو على الأقل لعدم تعميمه، إذ يرتبط الأمر بحرب الثقافات التي تشهدها الساحة الدولية، لا سيما بعد إعلان التحالف الصيني- الروسي ومحاربتهما القيم الغربية اللتين تعتبرانها منافية للأخلاق ولا يمكن تطبيقها في دولهما.
صراع القيم هو جزء من الصراع القائم بين الدول، ويأخذ أشكالًا متعددة، منها العسكرية ومنها القيمية، مثلما هو الحال في الغرب عندما يتعامل مع منفذي الجرائم، سواء كانوا غربيين أم مهاجرين، حتى وإن كانوا يحملون جنسية البلاد. لهذا، لا يتجرأ الإعلام أو التقارير الإعلامية على نعتهم بالإرهابيين، فهذه صفة تقتصر على المسلمين؛ بسبب حالة "الإسلاموفوبيا" التي بدأت الحكومات الغربية، سواء اليسارية أم اليمينية، في نشرها. إذ بمجرد أن يرتكب أي عربي (مسلم) جريمة، يكون الإعلام قد عممها معتبرًا أن الدافع إرهابي.
إطلاق صفة "الإرهاب" لا يرتبط فقط بالأعمال الإجرامية التي يرتكبها غير الأوروبي، بل دخلت هذه الكلمة في قاموس الحضارة الغربية وباتت ملاصقة لكل من يرفض تطبيق القيم التي تسعى الدول الأوروبية إلى فرضها تحت مسمى "القيم الغربية"، وعلى رأسها "زواج المثليين" و"الجندر". هذا ما دفع ببعض الحكومات الغربية، وعلى رأسها بريطانيا، لوضع خطط لترحيل المهاجرين إلى رواندا.
يحتاج الغرب إلى تبني تنظيم الدولة الإسلامية هذه العمليات، لاسيما أنه لم يتبنَّ أي هجوم في أوروبا منذ 2016. وهذا يعتبر دليلًا على تسييس الجرائم واستغلالها بحسب الحاجة. فجريمة زولينغن لا تقل إجرامًا عن جريمة زيغن، لكن أضيف إليها تبني التنظيم العمليةَ، التي تزامنت مع كشف واشنطن وبغداد عن غارة مشتركة على مواقع لمسلحي التنظيم في الصحراء الغربية بالأنبار، وإصابة جنود أميركيين. وأكدت مصادر أن المنطقة كانت تحت المراقبة منذ أشهر.
وأفادت القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم)، التي يشمل نطاق عملياتها الشرق الأوسط، بأنها نفذت وقوات عراقية "غارة في غرب العراق في الساعات الأولى من يوم 29 أغسطس/آب الماضي، ما أسفر عن مقتل 15 عنصرًا من تنظيم الدولة الإسلامية".
"غب الطلب"، هذا ما ينطبق اليوم على تبني تنظيم الدولة الإسلامية الأعمالَ الإجرامية التي تحدث في دول أوروبا. فالموضوع مرتبط بإعطاء صفة "الشرعي" و"الضروري" لبقاء القوات الأميركية والغربية في كل من سوريا والعراق.
وأكد إيثان غولدريتش، مساعد نائب وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى والمسؤول عن الملف السوري في الخارجية الأميركية، أن القوات الأميركية لن تنسحب من سوريا والعراق، نافيًا أي خطط لدى إدارة الرئيس جو بايدن لسحبها.
تحتاج الولايات المتحدة إلى إبقاء جنودها في المنطقة، لاسيما بعدما دخل الكيان الإسرائيلي في حرب كبرى في المنطقة. وكان التحالف الغربي قد أخذ ذريعة التدخل في المنطقة لنهب خيراتها وفرض سيطرته، وحماية إسرائيل منذ عام 2014.
"صراع الحضارات"، تلك الرؤية التي وضعها المفكر الأميركي صمويل هنتنغتون عام 1993، والذي اعتبر فيها أن سقوط الأيديولوجيات بعد انهيار الاتحاد السوفياتي سيخلق مساحة أوسع لصعود صراع القيم التي تتشكل منها الحضارات، والتي صنفها إلى غربية وشرقية وصينية، وغيرها.
لم يعد الأمر مرتبطًا بنوع الجريمة أو الدافع وراءها بقدر ما يتعلق بتحقيق سياسات أوروبا الخارجية، منها تشويه حقيقة المسلمين وإلصاق تهمة "الإرهاب" بكل من يقوم بأي عمل مخالف للقانون. في حين أنهم حتى الآن لم يتجرأ أحد من قادتهم على إدانة إسرائيل على كل ما تفعله بحق الشعب الفلسطيني.
أصبح الإرهاب "وجهة نظر" بالنسبة إلى الغرب، وهو الأمر الذي استغلته الأحزاب اليمينية المتطرفة وبدأت تستثمره في تحقيق مكاسب انتخابية. فكما شكل التحالف اليميني في فرنسا وإيطاليا والسويد وغيرها من الدول الأوروبية حالة من التغيير في نتائج الانتخابات، وصلت العدوى أيضًا إلى ألمانيا.
وقد أظهرت استطلاعات الرأي في الانتخابات التشريعية يوم الأحد 1 سبتمبر/أيلول الجاري، تقدم حزب البديل من أجل ألمانيا (أقصى اليمين) في المركز الأول في تورينغن. إن صعود اليمين المتطرف في أوروبا بشكل عام سيؤدي حتمًا إلى إحداث تغيير في هوية القارة، التي تعمل على تحقيق الانفصال عن الولايات المتحدة، لإحداث حالة مستقلة في النظام العالمي الجديد. ولهذا السبب تعمل أميركا على توريط أوروبا أكثر في حربها مع روسيا؛ بهدف تطويق اليمين المتطرف الصاعد.
لا يمكن ربط الإرهاب بالأعمال التي يقوم بها المسلم والمهاجر بشكل عام، بل يجب الوقوف عند المضايقات العنصرية التي ترتفع وتيرتها ومعالجتها قبل أن تصبح أوروبا ساحة للصراعات. كما أن توقف الغرب عن دعم إسرائيل، التي ترتكب جرائم إبادة في المنطقة، يساعد على التقارب بين القيم، وهذا هو المطلوب.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الدولة الإسلامیة فی المنطقة
إقرأ أيضاً:
أين أمة المليار مسلم من تجويع غزة؟
25 يوليو، 2025
بغداد/المسلة: وليد الطائي
في زمنٍ يتبجح فيه العالم بحقوق الإنسان، ويصدّع رؤوسنا بالمواثيق الدولية، تُذبح غزة خنقاً وتجويعاً أمام مرأى ومسمع الجميع، ولا أحد يحرّك ساكناً. شعبٌ يُحاصر ويُحرم من الغذاء والدواء والماء، وتُستهدف مستشفياته ومدارسه ومخيمات نازحيه، في أبشع صور الإبادة الجماعية التي لم يسبق لها مثيل، ومع ذلك تصمت أمة المليار مسلم صمت المقابر، وكأن شيئاً لا يحدث!
أين أنتم أيها الحكام؟ أين بياناتكم النارية التي كنا نسمعها أيام المحافل والمؤتمرات؟ أين قراراتكم “العاجلة” و”الطارئة” التي لا تتعدى سقف الإدانة والقلق العميق؟! هل أصبح دم الفلسطيني أرخص من النفط؟! هل باتت عواصمكم مشغولة بموائد التطبيع والرقص على جثث الأطفال في رفح وجباليا وخان يونس؟!
لقد بلغ الأمر حدّ الكارثة الإنسانية الكاملة. فغزة تُقصف ليلاً ونهاراً، وتُقطع عنها الكهرباء والماء والطحين وحليب الأطفال، وتُستهدف أفران الخبز والمخازن والمستشفيات وسيارات الإسعاف، فيما الإعلام العربي الرسمي في سبات، وكأن ما يجري ليس في قلب الأمة، بل في كوكب آخر!
أي عار هذا الذي نعيشه؟! هل ستحاسبنا الأجيال القادمة على هذا التخاذل؟ بل هل سنجرؤ على النظر في عيون أمهات غزة وأيتامها، ونحن نكتفي بالمشاهدة أو نبحث عن مسوّغات السكوت؟!
أما آن الأوان أن تتحرك الضمائر قبل أن تتحرك الجيوش؟ أما آن للعالم الإسلامي أن ينتصر للحق ولو مرة؟! أما آن للأحرار أن يقولوا: كفى؟!
لن يغفر التاريخ هذا الصمت، ولن ترحمنا أرواح الشهداء، ولن تسامحنا جراح الأطفال. غزة ليست قضية إنسانية فقط، إنها ميزان الشرف والرجولة، ومقياس الانتماء إلى هذه الأمة. ومن يخذلها اليوم، فهو ساقط من سجلّ العزّة مهما علا صوته أو علت مناصبه.
غزة تُجَوَّع، فهل ماتت نخوتكم؟!
غزة تُباد، فهل أصبحتم أنتم القاتل الصامت؟!
غزة تستغيث، فهل بقي فيكم من يردّ النداء؟!
وإن كان صوت الأمة قد خفت، فإن صوت المقاومة ما زال يدوّي، والحق لا يموت، ولو خذلته العروش وتواطأت عليه المؤتمرات.
فلسطين لا تنكسر… لكنها تسأل:
أين أنتم يا مليار مسلم؟!
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author moh mohSee author's posts