عبيدلي العبيدلي **

 

الذكاء الاصطناعي

لكي يتسنى لنا الإحاطة بتأثير الذكاء الاصطناعي على وسائل الإعلام التقليدي، يجب أن نفهم الإطار العام لمفهوم الذكاء الاصطناعي.

بخلاف ما يتوقع البعض، فإن تحديد مفهوم الذكاء الاصطناعي أمر صعب. إذ لا يوجد تعريف محدد عام، ومقبول لهذا المفهوم. واليوم يتم استخدام العديد من أدوات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، وعلى نطاق واسع في مختلف أنواع ى وسائل الإعلام.

وهو أمر غالبًا ما يولد شيئًا من الإرباك. فمع استخدام الذكاء الاصطناعي، في بعض البرامج والأنشطة المرافقة لها على نطاق واسع في المؤسسات الإعلامية التقليدية، تنامت الحاجة للوصول إلى تعريف عام يحصر السمات الرئيسة، المفصلية لمفهوم الذكاء الاصطناعي، ومدى تأثيره على واقع الإعلام التقليدي، والبرامج والمواد التي يعدها، ويرسلها للأسواق.

فبينما يقصر صندوق النقد الدولي تعريف الذكاء الاصطناعي على أنه “أحد مجالات علوم الحاسب الذي يركز على بناء النظم لمحاكاة السلوك البشري والكشف عن ذكاء الآلات".

نجد موقع شركة أمازون (AWS) يعتبر الذكاء الاصطناعي (AI) أنه “مجال علوم الكمبيوتر المخصص لحل المشكلات المعرفية المرتبطة عادةً بالذكاء البشري، مثل التعلم والإبداع والتعرف على الصور...ويُمكن للذكاء الاصطناعي تطبيق تلك المعرفة لحل المشكلات الجديدة بطرق تشبه الإنسان".

وعلى نحو مواز للتعريفين السابقين يعتبر موقع شركة غوغل للذكاء الاصطناعي Gimini)) أنه " تطوير الخوارزميات وبرامج الحاسوب التي يمكنها إظهار السلوك الذي نربطه بالذكاء البشري، مثل التعلم وحل المشكلات والإدراك وفهم اللغة واتخاذ القرار".  

لكن ما يتفق عليه الجميع أن للذكاء الاصطناعي تأثيرات عميقة على الأنشطة البشرية، بما فيها الأنشطة الإعلامية. ويمكن حصر أهم تلك التأثيرات على أداء المؤسسات الإعلامية في المجالات الرئيسية التالية:

1. إنشاء المحتوى الآلي

يتم استخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء مقالات إخبارية وملخصات وتقارير. على سبيل المثال، تستخدم شركات مثل أسوشيتد برس ورويترز الذكاء الاصطناعي لإنتاج تقارير إخبارية قصيرة، لا سيما في مجال التمويل والرياضة. يمكن للمنصات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي تحليل مجموعات البيانات الكبيرة وصياغة محتوى قابل للقراءة، بشكل أسرع من الصحفيين البشريين.

ويؤدي ذلك إلى زيادة الكفاءة في إنتاج محتوٍ كبير الحجم وحساس للوقت، ولكنه يثير مخاوف بشأن الدقة والإبداع واستبدال الصحفيين البشريين.

2. إضفاء الطابع الشخصي على المحتوى

تقوم خوارزميات الذكاء الاصطناعي بتحليل بيانات المستخدم لتقديم محتوٍ مخصص للمستهلكين. تستخدم منصات مثل Netflix وYouTube وحتى مواقع الويب الإخبارية الذكاء الاصطناعي للتوصية بالمقالات ومقاطع الفيديو والمحتويات الأخرى بناء على السلوكيات والتفضيلات السابقة.

ويزيد التخصيص من تفاعل المستخدمين من خلال تقديم محتوٍ مستهدف. وقد يسهم أيضا في ظاهرة "فقاعة التصفية"، حيث لا يتعرض المستخدمون إلا لوجهات النظر التي يتفقون معها بالفعل، مما يحد من وجهات النظر المتنوعة.

3. الإعلان المُحسَّن

يسمح الذكاء الاصطناعي بإعلانات أكثر استهدافا من خلال تحليل بيانات المستهلك والتنبؤ بالسلوكيات؛ يمكن للمعلنين عرض إعلانات مُصمَّمة بعناية فائقة، مُخصَّصة وموجهة لجمهور معين. ومن المرجح أن يكون لها صدى لدى جماهير محددة مسبقًا بشكل علمي من خلال مراكمة منظمة لمعلومات تخص ذلك الجمهور.

ويعزز هذا من ربحية الوسائط الرقمية، ولكنه يثير مخاوف وتحديات تتعلق بالخصوصية لمنصات الوسائط التقليدية التي تعتمد على إعلانات واسعة الجمهور.

4. تحسين تحليلات توجهات الجمهور

من خلال تحليلات البيانات المتقدمة، يمكن الذكاء الاصطناعي شركات الإعلام من اكتساب رؤى أعمق حول سلوك الجمهور. تساعد هذه الرؤى المؤسسات الإعلامية على اتخاذ قرارات أفضل بشأن استراتيجيات إنتاج المحتوى، وتوزيعه، وتحقيق الدخل الأعلى، وأكثر انتظامًا، ومصداقية لمن يتولى إرسال الإعلان.

ويسمح هذا النمط من بناء الإعلان لشركات الإعلام التقليدية بالتنافس مع المنصات الرقمية الأصلية، ولكنه يتطلب منها اعتماد تقنيات جديدة، ونهج مختلف يعتمد ساسَا تعتمد على البيانات، والتي يمكن أن تكون كثيفة الاستخدام للموارد.

5. التزييف العميق

يمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي، خاصة على المدى الطويل المنتظم، إنشاء ما يطلق عليه "التزييف العميق". ويشمل ذلك مقاطع الفيديو أو الصوت أو الصور التي تم تغييرها أو تلفيقها بالكامل. وهذا يشكل تحديًا لوسائل الإعلام التقليدية، حيث يصبح التمييز بين المحتوى الحقيقي والمزيف أمرًا صعبًا للغية، وبشكل متزايد.

ومن الطبيعي أن يقوض مثل هذا السلوك والنتائج الرافقة له، الثقة في مصادر وسائل الإعلام التقليدية، مما يتطلب استثمارات كبيرة في أدوات التحقق القائمة على الذكاء الاصطناعي وعمليات التأكد من الحقائق التي تتولد.

6. الواقع المعزز (Augmented Reality) والواقع الافتراضي (Virtual Reality)

يطور الذكاء الاصطناعي تجارب الواقع المعزز والواقع الافتراضي في الوسائط للمتعددة، مما يوفر طرقًا إعلامية جديدة، غير مسبوقة في الإعلام التقليدي، للجمهور للتفاعل مع المحتوى. ومن الطبيعي أن يكون في وسع مثل هذه التقنيات أن توفر رواية قصص غامرة، مثل تجارب الفيديو بزاوية 360 درجة في الصحافة أو الأفلام الوثائقية للواقع الافتراضي.

وتفتح مثل هذه التقنيات وما ينتج عنها من مواد إعلامية إمكانيات إبداعية واسعة، وغير مسبوقة لدى وسائل الإعلام التقليدية، ولكنه يتطلب خبرة واستثمارات تكنولوجية ضخمة، خاصة لدى المؤسسات الإعلامية الصغيرة، وحتى المتوسطة منها.

** خبير إعلامي

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

د. أمل فوزي: المحتوى العربي على الإنترنت 3% فقط.. وتطالب بتحرك على 3 مستويات

كشفت الدكتورة أمل فوزي، خبيرة الإعلام الرقمي، عن أرقام صادمة تعكس حجم التهميش الرقمي للعرب، حيث أوضحت أن نسبة المحتوى العربي على الإنترنت لا تتجاوز 3% فقط، بينما تحتل اللغة العربية المرتبة التاسعة عشرة بين لغات العالم في الفضاء الرقمي.

جاء ذلك خلال ردها على سؤال الإعلامي  الليبي محمد حديد حول كيفية الحفاظ على الهوية العربية في ظل التدفق الرقمي العالمي، ضمن جلسات منتدى الحوار الإعلامي العربي الدولي في طرابلس.

وأضافت فوزي: "هذا يعني أن المعلومات والأفكار والهوية العربية غائبة عملياً عن الفضاء الرقمي العالمي"، مشيرة إلى أن 348 مليون مواطن عربي من إجمالي 450 مليوناً يستخدمون الإنترنت، فيما المحتوى الذي يمثلهم شبه معدوم.

وحذرت الخبيرة الإعلامية من تأثير متسارع للذكاء الاصطناعي، قائلة: "هل سيحمي الذكاء الاصطناعي الهوية أم سيُضعفها؟"، خاصة مع اعتماد ملايين العرب على تطبيقات وبرامج لا تمثل هويتهم.

وطالبت فوزي بتحرك عاجل على ثلاثة مستويات:

1. مستوى الحكومات: لدعم المحتوى الإعلامي العربي وتشجيعه على المنصات المختلفة.
2. مستوى الشباب والمؤسسين: لتحمل مسؤولية استخدام لغة عربية مرنة ومعاصرة تعبر عن الهوية ولا تتنكر لها.
3. مستوى المحتوى والمؤثرين: لضمان أن يعبر المحتوى عن "الهوية الحقيقية" وليس عن "هوية هجينة" مفروضة من الخارج.

وشددت على الدور المحوري للشباب كجسر بين الهوية والحداثة، وقدرتهم على صياغة محتوى مرن وجذاب، معربة عن ثقتهم بأنهم قادرون على تحقيق إنجازات كبيرة في هذا المجال إذا ما توفر لهم الدعم المؤسسي والمساحات المناسبة للإبداع.

وشهدت هذه الدورة مشاركة لأول مرة منظمة الإيسيسكو والأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري بصفة مراقب.

 وتناول المنتدى محاور رئيسية هي: الهوية العربية وصناعة المحتوى، التدريب المهني وتطوير المحتوى الرقمي، وتوظيف الذكاء الاصطناعي في الإعلام.

على هامش المنتدى، شهدت "أيام طرابلس الإعلامية 2025" ورش عمل متخصصة ومعارض، وتوجت بافتتاح "المتحف الوطني الليبي" في "قصر السرايا الحمراء" بعد تطويره بتقنيات تفاعلية حديثة.

جاءت هذه النقاشات ضمن فعاليات "أيا طرابلس الإعلامية" ، تحت رعاية رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة، ومشاركة قطاع الاتصال والإعلام بجامعة الدول العربية برئاسة السفير أحمد رشيد خطابي الأمين العام المساعد ، وحضور وفد رفيع المستوي من وزراء وسفراء  من بينهم السفير السعودي خالد المنزلاوي والسفير الكويتي طلال المطيري والسفير الفلسطيني مهند العكلوك والسفير الموريتاني الحسين ولد سيدي عبدالله ولد الديه، والوزير مفوض حيدر الجبوري مدير الأمانة الفنية لوزراء الإعلام العرب، والدكتور علاء الزود المستشار الإعلامي للمندوبية الأردنية، والمستشار بليغ المخلافي من مندوبية اليمن، وزير الاعلام الجزائري زهير بو عمامة وزير الإعلام السوري حمزة المصطفى، ووزير الاعلام اللبناني السابق زياد مكاري ،والدكتور علاء الزود المستشار الإعلامي للمندوبية الأردنية، والمستشار بليغ المخلافي من مندوبية اليمن .

كما حضر عدد كبير من  الأكاديميين والإعلاميين والفنانين المصريين من بينهم منى الشاذلي، وسمير عمر، وباسم يوسف، وأحمد فايق، وريهام عياد ، وأحمد طارق ، ومحمد سلامة
 

مقالات مشابهة

  • د. أمل فوزي: المحتوى العربي على الإنترنت 3% فقط.. وتطالب بتحرك على 3 مستويات
  • كيف تحمي نفسك من أدوات الذكاء الاصطناعي التي تجمع بياناتك الشخصية (فيديو)
  • مقارنة بين نماذج الذكاء الاصطناعي والبرامج الإحصائية التقليدية.. ورشة عمل بجامعة العاصمة
  • أهلًا بكم في المسرحية الإعلامية الكبرى
  • نماذج الذكاء الاصطناعي وإعادة صياغة الظهور الرقمي
  • السفير خطابي : لا حوار مع المتعصبين ..ويستعرض الاستراتيجية الإعلامية الجديدة
  • «قمة بريدج» تؤسس لعهد جديد لصناعة الإعلام والمحتوى والترفيه عالمياً
  • تعاون مصري - إماراتي لمواجهة التحديات الإعلامية والثورة التكنولوجية
  • الذكاء الاصطناعي يكتب أكثر في 2026 لكن الصحافة البشرية لا تفقد قيمتها
  • “السينما.. تأثير في كل المنصات”.. عروض إثرائية في مهرجان البحر الأحمر السينمائي ضمن “حديث إمباك”