الدكتور عباس شومان: القوامة مسؤولية وتكليف للرجال تجاه زوجاتهم
تاريخ النشر: 9th, September 2024 GMT
قال الدكتور عباس شومان، أمين عام هيئة كبار العلماء، رئيس المنظمة العالمية لخريجي الأزهر، إنه لا يخفى على مسلم ولا مسلمة الاهتمام البالغ من قِبَلِ شرعنا بالأسرة؛ حيث يبدأ هذا الاهتمام من بداية تفكير الشاب والفتاة في الزواج وبناء أسرة جديدة، فقد وجه الشباب لاختيار المرأة الملتزمة بتعاليم دينها سلوكيًّا، كما وجه أولياء المرأة لقبول الشاب الملتزم بدينه زوجا لابنتهم، ثم إن شرعنا مع المخطوبين خطوة بخطوة من الخِطبة إلى العقد إلى الحياة الزوجيَّة، بما فيها من تجاذبات تجلب السعادة أحيانا والتوتر أحيانا أخرى، يحدوهما للتغلب على المشكلات وتحقيق المودة المنشودة من الزواج، ولقد كانت الوصية بالنساء من آخر وصايا رسولنا الأكرم.
وأوضح رئيس المنظمة العالمية لخريجي الأزهر، خلال المائدة المستديرة التي نظمها مكتب صندوق الأمم المتحدة للسكان بأوزبكستان بعنوان (حقوق المرأة في الإسلام) بورشة عمل تحت عنوان (تعزيز حقوق المرأة في أوزبكستان)، أنه إذا كنا اليوم في هذه المائدة وما يتلوها من فعاليات نعمل في إطار تعزيز حقوق المرأة في المجتمعات كافة، وليس في أوزبكستان فقط، فإن أفضل إنصاف للمرأة هو العمل على إبراز حقوقها التي أَكْسَبَتْهَا إيَّاها شريعتُنا الغراءُ دون نقص أو زيادة، فكثير من الناس يهضمون حقوق المرأة في المعايشة الأسريَّة، حيث ينظرون إلى المرأة كأن وظيفتها تنحصر في خدمة الزوج وأولادها، وكأنها لا حظَّ لها في التمتع بما يتمتع به الرجال من حقوق! وهذا من الظلم البيِّن للمرأة ترفضه شريعتنا الغراء، فشريعتنا تنظر إلى المرأة على أنها شقيقة الرجل وشريكته في الأعباء، وتتمتع بجميع الحقوق التي يتمتع بها في مقابل الواجبات التي تلزمها.
وشدد أمين عام هيئة كبار العلماء بالأزهر، أنه يجب علينا أن نصحح بعض المفاهيم المغلوطة حول منزلة المرأة الاجتماعية، فكثير من الناس يفهمون القوامة فهمًا مغلوطًا؛ حيث يفهون أن هذا يعني تفضيل الرجال على النساء؛ ليكون الزوج في المرتبة الأولى ثم تكون الزوجة في المرتبة الأدنى، وهذا خطأ، فالقوامة مسؤولية وتكليف للرجال تجاه زوجاتهم، ولا علاقة لها بالتفضيل على الإطلاق، فالرجل قوَّام على المرأة؛ أي: مسؤول عن نفقتها وحمايتها وصيانة كرامتها، ونظرة عابرة إلى المعاجم اللغوية تظهر هذا المعنى بجلاء، فالقيِّم على الشيء: الحافظ له والقائم على شأنه، وليس الزوج فقط هو المكلف بالقيام على شأن المرأة، فمن تكريم المرأة في الإسلام أنها منذ أن تولد إلى آخر حياتها في عناية الرجال، فقبل الزواج في مسؤولية وعناية أسرتها، وبعد الزواج في مسؤولية الزوج، فإن طلقت أو مات زوجها، عادت إلى مسؤولية والدها أو من ينوب عنه.
وبين الدكتور شومان أنه إذا أردنا إنصاف المرأة حقا، فعلينا أن نعتدل في معالجة قضاياها، فإذا كان بَخْسُ حقوقِها مرفوضٌ من قبل شرعنا، فإن المبالغة في البحث عن مكتسبات للمرأة قد يضر بها من حيث لا يدري الباحث عن إنصافها، فليس في مصلحة المرأة تلك المطالبات بتخليها عن حشمتها وسترها، وذلك بالتشكيك في فرض الحجاب الذي هو من تكريم المرأة وصيانتها عن الابتذال، كجوهرة ثمينة تحفظ عن أعين المستهترين، وليس من التضييق عليها كما يظن بعض النساء والرجال على السواء، وهو ثابت بالنصوص القطعيَّة وفي مقدمتها كتاب الله.
وتابع أمين عام هيئة كبار العلماء بالأزهر، أنه ليس من مصلحة المرأة ما ينادي به البعض من إباحة زواجها بأنثى مثلها، ولا في إباحة ما يسمونه بالمساكنة قبل الزواج، وغير ذلك مما ثبت تحريمه قطعا في شريعتنا، وكذلك ليس في مصلحتها المطالبة بتسويتها مع الرجل في الميراث، بل إن هذا يفقدها الكثير من حقوقها الماليَّة المستحقة في الميراث، حيث تتفوق على الرجل نصيبا في كثير من حالات الميراث، وتتساوي معه في حالات أخرى، فالإنصاف الحقيقي يكون في تأكيد حقوقها التي جاءت بها شريعتنا دون اجتهاد لا تقبله النصوص القطعية في كتاب ربنا.
وأضاف رئيس المنظمة العالمية لخريجي الأزهر، أنه أيضا ليس في مصلحة المرأة المسلمة المطالبة بتمكينها من الزواج ممن خالفها في دينها؛ حيث إن الحياة الأسريَّة لا تستقيم لزوجة مسلمة زوجها غير مسلم، حيث لم يأمره دينه بتمكينها من أداء عبادتها كما تعتقدها، وهنا يقع التنازع والشقاق بينهما، بخلاف غير المسلمة إذا تزوجت من مسلم؛ حيث يؤمن زوجها المسلم برسولها سيدنا موسى أو عيسى بالضرورة، وهو مأمور بتركها تتعبد على شريعة دينها، ومنهي عن الإساءة لدينها أو حتى عن الإكثار من مدح الإسلام أمامها، حتى لا يكون من الاستدراج لها لدخولها في دينه الإسلام عن دون رغبة صحيحة، وهنا فلا مجال للنزاع والشقاق بينهما، فتستقيم حياتهما الزوجيَّة، والدعوة بالمساواة بين المسلمة وغير المسلمة في التزوج تعني زيادة التوتر في العلاقات الأسريَّة وهذا مالا يريده شرعنا.
وأكمل أمين عام هيئة كبار العلماء بالأزهر حديثه عن الأضرار التي قد تلحق المرأة بسبب مطالبات مخالفة لشرع الله، مبينا أنه ليس من مصلحة المرأة ما ينادي به البعض من تمكين الأنثى كاملة الأنوثة من التحول الجنسي لتكون ذكرا، لما فيه من تبديل خلق الله، وليس في مصلحتها أيضا القول بإباحة الإجهاض من دون قيد أو شرط، فهو يغري الفتيات على التخلي عن الضوابط الأخلاقية، والوقوع في الخطيئة لسهولة التخلص من الحمل إن وجد، ولذا يجب أن يبقى أي حديث عن الإجهاض مقترنا بضوابطه الشرعيَّة، وكذا في سائر الحقوق المتعلقة بالمرأة فليس هناك حقوقٌ مُطْلَقَة، والقول بذلك مفسدة مُطْلَقَة أول من تستضر بها هي المرأة.
شومان: الأزهر يؤمن بحقوق المرأة كما حملتها شريعتنا الغراءوأكد الدكتور شومان أن الأزهر يؤمن بحقوق المرأة كما حملتها شريعتنا الغراء، ولذا فهو يمكِّن للمرأة تمكينًا لا يخطئه منصف، حيث تشارك الرجال في جميع مواقع العمل في الجهات التابعة للأزهر، فلدينا العديد من عميدات الكليات الأزهريَّة، وبعض القيادات العليا وصلت إلى اختيار إحداهن مستشارة لشيخ الأزهر الشريف، كما يؤكد الأزهر حقوق المرأة المتنوعة، في مؤتمراته وندواته وأنشطته المتعددة، ومنها: حقها في التعلم والعمل، وتولي الوظائف العليا في الدولة، وحقها في اختيار شريك حياتها دون ضغط أو رفض من ولي أمرها، وحقها في السفر من دون محرم متى أَمِنَتِ الطريق، وحقها في طلب الخلع إن كرهت الزوج دون أن يكون به عيب، وحقها في طلب التطليق للضرر إن كان الزوج يسيء معاملاتها، كما يؤكد الأزهر على تحريم تطليقها من دون سبب تستحيل معه عشرتها، فليس التطليق من الحقوق المطلقة للرجال يفعلونه متى أرادوا، وكيف يتصور أن شرعنا يقر طلاق رجل لزوجته بعد أن أفنت معه زهرة شبابها عقودا؛ لتجد نفسها وحيدة بينما يتمتع هو بزوجات غيرها؟!.
واختتم أمين عام هيئة كبار العلماء بالأزهر كلمته بأن الأزهر يُشدد على وجوب إيصال حق المرأة المستحق في تركة من مات من قرابتها أو زوجها، وحقها في الحصول على تعويض عن مشاركتها في تنمية ثروة زوجها، يكافئ جهودها التي بذلتها، وإذا لم تأخذه في حياة زوجها أخذته من تركته أولًا ثم تأخذ نصيبها من التركة ميراثا وغير ذلك من الحقوق كثير، وما علينا إلا تأكيد هذه الحقوق ومطالبة الناس بإعطائها إياها، إضافة إلى احترامها وتقديرها وتكريمها إن أردنا فعلا إنصافها.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: شومان عباس شومان هيئة كبار العلماء المنظمة العالمية لخريجي الأزهر حقوق المرأة حقوق المرأة فی مصلحة المرأة وحقها فی لیس فی
إقرأ أيضاً:
الأوطان مسؤولية من؟
د. إبراهيم بن سالم السيابي
سؤال كبير يُثير الذهن، ليس فقط لارتباطه بمفهوم الوطن الذي نعيش فيه، بل لأنه يطرح لنا تحديًا فكريًا عن ماهية هذه المسؤولية، ومن يتحمل عبئها في النهاية، ففي خضم التفكير فيه، نجد أن الأوطان لا تُبنى على كتف واحد في الواقع، بناء الوطن لا يتوقف على القادة أو السياسيين أو الحكومات فقط، بل هو مسؤولية جماعية تتشارك فيها جميع الأطراف. فالمسؤولية تجاه الوطن هي مسؤولية شاملة، تتناثر خيوطها في كل زاوية من زوايا حياتنا اليومية.
فلماذا نعتقد أحيانًا أن المسؤولية تقتصر على السلطة؟ وهل يمكن حقًا للأوطان أن تُبنى إذا حملت القيادة وحدها عبء حمايتها وصونها؟
من المؤكد أن أي نقاش حول الوطن يتطلب التطرق إلى دور القيادة السياسية، فهي من تحدد سياساتنا، ترسم حدودنا الاقتصادية، وتحفظ أمننا الوطني، لكن هل تكمن المسؤولية في هذا فقط؟ هل هي حقًا بهذه البساطة؟ أن نُحمّل القادة وحدهم مسؤولية تصريف شؤون الوطن؟ الواقع يؤكد أن الأوطان تحتاج إلى أكثر من ذلك، فهي لا تُصنع فقط بالقرارات السياسية، ولا تُحفظ بالقوانين والتشريعات، فالأوطان تُبنى بالمشاركة الحية من الجميع، في كل لحظة، في كل قرار، في كل موقف، المسؤولية لا تنحصر في القمة، بل تتوزع على الجميع.
ومع ذلك، ومن باب الإنصاف، فإننا لا نستطيع إعفاء القادة السياسيين من مسؤولياتهم الجوهرية، فالقادة يتحملون أمانة اختيار القيادات القادرة والكفؤة، ومتابعة أدائها، ومدى التزامها بتحقيق الأهداف الوطنية والبرامج التي تصبّ في مصلحة المواطنين، كما تقع عليهم مسؤولية صون القيم الوطنية، وحماية مصالح الوطن، والحفاظ على استقلاله وحريته، فبوصلة القيادة هي التي ترسم المسار العام، وإذا اختلت هذه البوصلة، تاهت الخطوات، مهما كانت الجهود الفردية مخلصة.
ولكن ماذا عن المواطن؟ هل هو مجرد متلقٍ لقرارات تُفرض عليه؟ بالتأكيد لا، فالمواطن هو شريك في بناء الوطن، وشريك في صيانة تماسكه واستقراره، فعندما نتحدث عن المسؤولية تجاه الوطن، نتحدث عن المشاركة الحقيقية، فالمشاركة لا تقتصر على التصويت في الانتخابات أو دعم المبادرات الوطنية، بل تتجاوز ذلك إلى الحياة اليومية. فالمواطن الذي يحترم القوانين، ويُعزز من قيم العدالة والمساواة، هو حجر الزاوية في هذا البناء الاجتماعي، والمواطن الذي يلتزم بدوره في المجتمع، يُدرك أنه جزء من هذا الكائن الحي الذي نسميه وطنًا، ومن خلال هذه الأدوار الصغيرة والتفاصيل الدقيقة، ولكن المؤثرة، يظل الوطن قويًا ومتحدًا.
فحينما نفكر في الأوطان، نجد أن مسؤوليتها ليست شيئًا يمكن تحميله بالكامل على عاتق مجموعة معينة، فالأوطان تُبنى من خلال تفاعل مستمر بين القيادة والشعب، حيث لكل طرفٍ دوره، غير أن الركيزة الأهم تظل في الشراكة والتكامل، وإذا غاب دور أحدهما، بدأ البناء يتصدع. فالقيادة تُرشد، لكن الشعب يبني، والوطن يُصان بحماية القيم الإنسانية والتعاون الجماعي، ولا شيء يمكن أن يكون أهم من ذلك، ومثلما تتحمل القيادة السياسية المسؤولية في رسم الخطوط الكبرى، فإن المواطن يُسهم في رسم التفاصيل اليومية، تلك التي تُحدد شكل المجتمع في النهاية.
وقد يتساءل البعض: هل بإمكان الأوطان الاستمرار في النمو إذا لم تتضافر جهود الجميع؟ هل يمكن لمجتمع أن ينهض إذا كانت السلطة السياسية فقط من تتحمل تبعات هذا البناء؟ الإجابة هي: لا، بالطبع، فالأوطان لا تُبنى إلا بتكامل الجهود بين جميع الأطراف، فالقائد الذي يتحمل المسؤولية في مواقع اتخاذ القرار يحتاج إلى شعب يدعمه، يتعاون معه، ويُشارك في تحقيق أهدافه، والأمة التي لا تتعاون هي أمة مهددة، وكلما فشل الفرد في أداء دوره، وكلما تراجع المواطن عن التزامه، بدأ الوطن في التراجع معه.
إن السؤال "الأوطان مسؤولية من؟" ليس مجرد تساؤل فلسفي أو نظري، بل هو اختبار حقيقي لنا جميعًا، يتطلب منا إعادة النظر في مفهوم المواطنة: هل نحن مجرد متفرجين على ما يحدث في وطننا؟ أم أننا مشاركون فعليًا في صناعة هذا الوطن وصونه؟ هل ننظر إلى وطننا ككيان منفصل عنّا، أم أننا نعتبره جزءًا منا، نعمل من أجله، نتحمل مسؤولياته، ونُشارك في تحمّل تبعاته؟
فالأوطان مسؤولية من؟ فالمسؤولية ليست حكرًا على القادة، بل هي مسؤولية جماعية. هي مسؤولية تقاس بمقدار مشاركة كل فرد في بناء هذه الأرض، وهي مسؤولية لا تنتهي بحجم ما يُقدّم، بل تظل مستمرة طالما أن هناك روحًا ترفض العيش في الفراغ أو الانسحاب، فالأوطان هي، بلا شك، ملك للجميع، ونجاحها ليس مرهونًا بمن يتصدر المشهد فحسب، بل بمن يتناغم مع المشهد ويعمل بجد في صمت.
في الختام، من يحمل عبء المسؤولية تجاه الوطن؟ الجميع من يتحمل هذه المسؤولية، ونحن جميعًا شركاء في هذه المسيرة.
فالأوطان تبنى بالتكافل، وتُصان باليقظة، وتنهض حينما يدرك كل فرد أن عليه دورًا لا يقل أهمية عن الآخر.
رابط مختصر