تلعب شبكة الأنفاق الأرضية، التى أنشأتها المقاومة الفلسطينية، دورًا مهمًّا فى المواجهات مع قوات الاحتلال منذ السابع من أكتوبر الماضي، خاصة فيما يتعلق بتخزين الأسلحة، تدريب المقاتلين، فى منشآت يصل عمقها لـ30 مترًا، وبطول 600 كيلو متر، فضلاً عن الدور المحورى للأنفاق في صمود المقاومة لمدة 11 شهرًا، رغم الحرب غير المتكافئة، بين القوات الإسرائيلية التي تستخدم أحدث الأسلحة والمعدات وأجهزة الاستخبارات، وبين عناصر المقاومة، التى تعتمد على أسلحة عادية، ومع ذلك، لم يحقق جيش الاحتلال هدفه المعلن (القضاء على المقاومة، استعادة الرهائن) بعدما مثلت الإنفاق الأرضية العامل الأساسى فى إدارة الحرب، حتى الآن.

هذه التداعيات، لفتت أنظار صناع قرارات الحرب، عالميًا، في التفكير لإيجاد طرق ووسائل للتعامل مع حروب المستقبل، التى تعتمد في جزء منها على ما يدار تحت الأرض، بحسب مقال نشره القائد الأعلى السابق لقوات حلف شمال الأطلسى (ناتو) جيمس ستافريديس، في موقع «بلومبيرج» الأمريكي: بعد مرور قرابة عام على قتال إسرائيل ضد حماس، أصبح من الواضح أن مركز الثقل العسكرى وهو العنصر الأكثر أهمية في الصراع، ليس الصواريخ أو عدد المقاتلين. وإنما كان الأكثر أهمية من كل ذلك هو الأنفاق المحفورة تحت الأرض فى قطاع غزة والتى تمتد لأكثر من 600 كم، حيث تمكنت حماس من تدريب وتجهيز وتنظيم وإطلاق الهجمات فى 7 أكتوبر باستخدام تلك الأنفاق.

الجيش الإسرائيلى حصل على كتيب تم الاستيلاء عليه من حماس في عام 2019 يوضح بالتفصيل كيف سعت الحركة إلى تعظيم قدراتها القتالية التي بنتها بشق الأنفس تحت الأرض وبعيدًا عن الأنظار، حيث قامت الجماعة بتدريب القوات على القتال في البيئة تحت الأرض، باستخدام غطاء الظلام، ونظارات الرؤية الليلية، وتوقيت الثوانى، وأجهزة تعقب نظام تحديد المواقع العالمى، والتمويه المعقد والأبواب الواقية من الانفجارات. حيث تمكنت قوات حماس من خلق ساحة معركة مختلفة تمامًا عن القتال التقليدى فوق الأرض.. هذا النمط من القتال قدم تحديات جديدة للمخططين العسكريين فى جميع أنحاء العالم، لمعرفة أماكن تواجد الأنفاق القاتلة الأخرى فى مناطق الصراع فى العالم، وماذا ينبغى على الولايات المتحدة وحلفائها للاستعداد لمواجهة حروب المستقبل التى سينطلق الكثير منها من باطن الأرض.

المهندسون الذين يعملون فى قطاع المتفجرات شيدوا مجمعات من الأنفاق على مر القرون، منذ الجيوش اليونانية والرومانية القديمة. كما استخدم الصينيون القدماء والأتراك العثمانيون مجمعات الأنفاق فى تقويض المدن المحاصرة.. الأنفاق لعبت دورًا هامًّا في الحربين العالميتين الأولى والثانية، ففى الحرب العالمية الأولى على سبيل المثال، زرعت قوات الحلفاء ألغامًا متفجرة قوية تحت الخطوط الألمانية. وفي الحرب العالمية الثانية، بنى الجيش الإمبراطورى اليابانى مجمعات أنفاق كثيفة على العديد من الجزر التي سعى إلى الاحتفاظ بها ضد القوات الأمريكية الغازية. ووجد اليابانيون أنهم قادرون على مضاعفة مستوى الخسائر التي يلحقها بالعدو من خلال الدفاع من داخل الأنفاق بدلاً من محاولة وقف الهجمات على الشواطئ. وفى جزيرة إيو جيما اليابانية، أسفر استخدام مجمعات الأنفاق عن سقوط 27 ألف ضحية أمربكية، بما في ذلك ما يقرب من 7 آلاف قتيل.

فى الوقت الراهن يوجد النظام الأكثر تعقيداً للأنفاق المخصصة للحرب في كوريا الشمالية، وهي مدفونة على عمق كبير، وربما لا تخترقها حتى أكبر الضربات التقليدية بالقنابل أو الصواريخ. ولذا تجرى القوات الأمربكية والكورية الجنوبية تدريبات مكثفة مصممة لدخول مثل هذه المجمعات وتدميرها في نهاية المطاف. والأنفاق في كوريا الشمالية أكبر كثيراً وأفضل دفاعاً ومليئة بالأسلحة الأكثر تقدماً من تلك الموجودة في غزة.

حلفاء الولايات المتحدة وحلف «الناتو» لديهم أيضًا مجمعات أنفاق خاصة بهم. وأبرزهم مجمع شايان ماونتن فى كولورادو، الذى تديره قوة الفضاء الأمريكية، وهو مخبأ دفاعي ضخم محصن ضد الضربات النووية في قلب قيادة الدفاع الجوى الفضائى لأمريكا الشمالية.. عندما كنت القائد الأعلى لقوات الحلف، كان لدينا نسخة أصغر من جبل شايان بالقرب من مقرى فى مونس، بلجيكا.. تلك المرافق تختلف اختلافاً جوهرياً عن مجمعات الأنفاق التي أنشأتها حماس وكوريا الشمالية وإيران وفي تورا بورا في أفغانستان، والتي كانت ذات يوم تستخدم كمخبأ لتنظيم القاعدة والآن تسيطر عليها حركة طالبان. وتزعم روسيا أنها استخدمت أنظمة الأنفاق للوصول إلى ما وراء الخطوط الأوكرانية لشن هجمات مفاجئة. كما توجد المجمعات التي تديرها الدول المارقة والجماعات المسلحة للسماح بالحصانة من الاستخبارات الغربية والضربات العسكرية التقليدية.

يخلص المقال إلى عدة دروس يجب أن يتعلمها مخططو الحرب من محاولات الجيش الإسرائيلى للسيطرة على متاهة المقاومة الفلسطينية، تحت الأرض: أولاً، يجب على أنظمة الاستخبارات التقليدية أن تركز بشكل أكبر على أنظمة الأنفاق في إيران، التي تخفي برنامجها النووي، وكوريا الشمالية، التي لا تخفي الأسلحة النووية فحسب، بل وأيضاً منصات الإطلاق لنشرها، كما يتعين على الوسائل التقنية- مراقبة الهواتف المحمولة، والمراقبة السيبرانية- والاستخبارات البشرية (العملاء الذين تم زرعهم فى وحدات العدو) أن تلقى المزيد من الضوء على ما يحدث في الظلام.

ثانيًا، تحتاج القوات الأمريكية وحلفاؤها إلى إعداد أفضل للعمليات القتالية تحت الأرض: التدريب على تدمير شبكات الأنفاق ذات الحجم الكبير، إن التكامل الهندسى مع الوحدات القتالية لا يشمل فقط الوسائل المتفجرة، بل يشمل أيضاً، على سبيل المثال، إغراق الأنفاق بالمياه، والتدريب على استخدام أجهزة الرؤية الليلية في الأماكن الضيقة للغاية، واستخدام القوات الخاصة كقوات صدمة تحت الأرض (على غرار فئران الأنفاق في فيتنام)، والاستعداد النفسي للحرب تحت الأرض بشكل مختلف تماماً عن العمليات فوق الأرض.

ثالثًا، الحاجة إلى تطبيق تقنيات جديدة، وتشمل هذه التقنيات أنظمة الاستخبارات القادرة على اكتشاف وقياس مجمعات الأنفاق من الفضاء أو استخدام طائرات بدون طيار طويلة المدى. وهذا من المحتمل أن يشمل تكنولوجيا الطيف الفائق- التصوير عالي الدقة القائم على المعلومات عبر الطيف الكهرومغناطيسي- لرؤية حركة الأرض مع توسع الأنفاق. ومن الضروري أيضاً وجود قدرات فوق الأرض غير مأهولة- الكشف الصوتي والأشعة تحت الحمراء والضوء- والتي يمكن أن تعمل قبل القوات البشرية للحد من الخسائر.

وسيكون من المفيد إيجاد طرق جديدة لجعل الحياة تحت الأرض غير مستساغة، مثل الحد من الهواء والماء على سبيل المثال، أو عن طريق خلق أبخرة غير جيدة تندفع عبر تلك الأنفاق. غير أن وجود العشرات من الرهائن الإسرائيليين في غزة يجعل استخدام كل هذه الوسائل أكثر صعوبة. لذا، علينا أن نعتمد على خصوم آخرين في الاستفادة من تجربة حماس وبدء الصراعات من خلال اختطاف عدد كبير من المدنيين أو العسكريين. إن بذل كل ما في وسعنا للاستعداد لعمليات القتل والخطف أمر بالغ الأهمية.

أوضح المقال أن حرب الأنفاق مرعبة، والاستعداد لمزيد منها سيكون للأسف عنصراً حاسماً في ساحة المعركة في القرن الحادى والعشرين. فقد أصبحت الغواصات لأول مرة مفترسات رفيعة المستوى فى الحرب العالمية الأولى بسبب قدرتها على الغوص تحت الأمواج والخروج إلى السطح لجمع المعلومات الاستخباراتية والقتل. وسوف يفكر (الإرهابيون) والدول المارقة بشكل متزايد في كيفية القيام بنفس الشىء من تحت سطح الأرض.

اقرأ أيضاً«الأسبوع» تخترق «جدار السرية» الإسرائيلي شمال غزة

جنود أمريكان في أنفاق غزة.. صديق «آرون بوشنل» يكشف أسرار عسكرية لأول مرة

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: القضية الفلسطينية حلف الناتو غزة أنفاق غزة تحت الأرض

إقرأ أيضاً:

إيران تتعهد بالرد.. ما هي المصالح الأمريكية التي يُمكن استهدافها؟

أعلنت إيران، السبت، أنها ستردّ بشكل "سريع وحاسم" على الضربات العسكرية التي استهدفت برنامجها النووي، والتي نفذتها القوات الأميركية مؤخراً، مهددة بجعل جميع الأميركيين — مدنيين وعسكريين — أهدافاً مشروعة في المنطقة. اعلان

وأفادت مصادر في الإعلام الرسمي الإيراني أن "كل مواطن أو عنصر عسكري أميركي في المنطقة بات هدفاً"، في تصعيد لافت أعقب تحذيرات متكررة من جانب طهران بأنها ستردّ على أي هجوم تتعرض له.

تهديد مباشر لقواعد واشنطن في الشرق الأوسط

في تصريحات سابقة، أكد وزير الدفاع الإيراني، عزيز نصير زاده، أن "جميع القواعد الأميركية تقع ضمن نطاق الاستهداف"، مضيفاً أن "إيران ستستهدفها بجرأة إذا لزم الأمر".

وتنتشر القوات الأميركية في المنطقة بعشرات الآلاف من الجنود، موزعين على قواعد متعددة في العراق وسوريا ودول الخليج.

وتعد قاعدة "عين الأسد" غرب بغداد أكبر هذه المواقع، حيث تضم آلاف الجنود الأميركيين وتُدار بالشراكة مع الجيش العراقي. وكانت هذه القاعدة قد تعرضت لهجوم إيراني بصواريخ باليستية عام 2020 عقب اغتيال قاسم سليماني، ما أسفر عن إصابة العشرات ووقوع أضرار كبيرة.

وفي الهجوم نفسه، استهدفت إيران أيضاً قاعدة عسكرية أميركية في أربيل شمالي العراق، ضمن إقليم كردستان.

الوجود الأميركي في سوريا والأردن تحت الضغط

كشفت وزارة الدفاع الأميركية مؤخراً عن نيتها تقليص عدد قواعدها في سوريا من ثماني قواعد إلى قاعدة واحدة فقط هي "التنف"، الواقعة جنوب البلاد قرب الحدود مع العراق والأردن.

ويأتي ذلك بعد هجوم بطائرة مسيّرة استهدف نقطة "البرج 22" في الأراضي الأردنية، وأسفر عن مقتل ثلاثة جنود أميركيين في يناير 2024، في أسوأ هجوم على الجيش الأميركي منذ سقوط كابل عام 2021.

انتشار واسع في الخليج: إيران تحذّر من الرد

تتوزع القوات الأميركية في الخليج ضمن قواعد رئيسية، أبرزها: قاعدة العديد الجوية في قطر، التي تُعد مركز القيادة المتقدم للقيادة المركزية الأميركية وتضم أكثر من 10 آلاف جندي.

القاعدة البحرية في البحرين، مقر الأسطول الخامس الأميركي، وتضم نحو 8,300 بحار.

قاعدة الظفرة الجوية في الإمارات، وقواعد في الكويت مثل "علي السالم" و"كامب بوهرينغ".

وبحسب مسؤول أوروبي مطّلع، وجهت إيران تحذيراً مباشراً للدوحة قبل تنفيذ الضربة الأميركية، مفاده أن أي قاعدة أميركية في الخليج ستكون هدفاً مشروعاً في حال تطور التصعيد.

إلى جانب المواقع العسكرية، حذّرت تقارير من أن البعثات الدبلوماسية الأميركية قد تكون ضمن بنك الأهداف الإيراني. وقد بدأت واشنطن بإجلاء بعض موظفيها وعائلاتهم من بعثاتها في العراق وإسرائيل كإجراء احترازي.

من جهته، حذر أبو علي العسكري، أحد كبار مسؤولي الأمن في ميليشيا "كتائب حزب الله" العراقية الموالية لطهران، من أن "القواعد الأميركية ستتحول إلى ميادين صيد"، ملوّحاً بـ"مفاجآت غير متوقعة" للطائرات الأميركية في الأجواء.

البنتاغون يعزز دفاعاته والرحلات الجوية تتأثر

وفي رد على التهديدات، أعلن وزير الدفاع الأميركي، بيت هيغسث، تعزيز القدرات الدفاعية في المنطقة ونشر قوات إضافية. وقال: "حماية القوات الأميركية هي أولويتنا القصوى، وهذه التحركات تهدف إلى تعزيز وضعنا الدفاعي".

وأكد المتحدث باسم البنتاغون، شون بارنيل، أن "القوات الأميركية لا تزال في وضعية دفاعية ولم يتغير ذلك".

وقد بدأ تأثير التوتر ينعكس على الملاحة الجوية، إذ ألغت شركتا "إير فرانس" و"KLM" رحلاتهما من وإلى مطار دبي الأربعاء الماضي، بسبب "الوضع الأمني في المنطقة"، من دون تحديد موعد لاستئناف الرحلات.

رغم تصاعد الخطاب الإيراني، يؤكد خبراء الدفاع أن ترسانة طهران من الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز — حتى تلك قيد التطوير — لا تمتلك مدى يتيح لها ضرب الأراضي الأميركية.

كما أن سلاح الجو الإيراني يفتقر إلى القدرة على الوصول إلى العمق الأميركي. وبذلك، يبقى الرد الإيراني محصوراً غالباً في استهداف القواعد والمصالح الأميركية المنتشرة في الشرق الأوسط.

انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة

مقالات مشابهة

  • الصديق المهدي يعدد تداعيات الحرب على السودان.. وينزع الشرعية عن كامل إدريس
  • صور أقمار صناعية لمجمع أصفهان النووي الإيراني بعد تعرضه لأضرار جسيمة
  • 19 محطة و65 كيلومترًا من الأنفاق والمسارات.. تحالفات دولية تتنافس على تنفيذ الخط السابع من مترو الرياض
  • مظاهرة في شوارع لاهاي ضد الناتو عشية انعقاد القمة الكبرى للحلف
  • ماذا قال الحوثيون عن ضرب أمريكا نووي إيران؟ قائد سابق يحذرهم: ''واشنطن ستدمركم''
  • إيران تتعهد بالرد.. ما هي المصالح الأمريكية التي يُمكن استهدافها؟
  • ما هي المنشآت النووية الثلاث التي استهدفتها الولايات المتحدة في إيران؟
  • على الخريطة.. مواقع الضربات الأمريكية التي دمرت تماما أبرز منشآت نووية
  • ما هي القاذفات الشبحية «بي-2» التي استخدمتها أمريكا في قصف إيران؟
  • إسرائيل تغتال قائدًا في “فيلق القدس” بقصف في قم الإيرانية