سواليف:
2025-05-25@18:47:22 GMT

الحقيقة عارية

تاريخ النشر: 10th, September 2024 GMT

#الحقيقة_عارية

د. #هاشم_غرايبه

تمكن أحد البخلاء من صرف أبنائه عن طلب المصروف منه بحيلة خبيثة كان يمارسها مع طفله في بداية وعيه، إذ كان يلجأ الى إحماء (الشلن) على النار ثم يعرضه على ابنه، وعندما يلتقطه ويلسع يده يرميه صارخا من الألم، فيقول له أبوه: هذاهو الشلن ان أردته خذه، فكان الطفل يرفض أخذه ولا يطلبه، طبعا كان ذلك ينفع الى حين، فبعد أن يكبر يدرك اللعبة.


لا زال البعض يجادل أن “داعش” هي دولة إسلامية جهادية، بالرغم من نشر اعترافات لضباط الإستخبارات الغربية بعد انتهاء الحرب على (الإرهاب)، يبين حقيقة اختراقها من قبل الغرب وأعوانه المحليين، منهم “جان كلود” الذي عاد الى فرنسا بعد انتهاء مهمته كشيخ إسلامي في داعش، وآخرين غربيين كثر غيره.
ظهرت “داعش” أصلا في ظروف مريبة، حيث كانت المقاومة للمحتل الأمريكي في العراق مكلفة للمحتل، رغم كل وسائل التفوق التقني، ومعونة النظام الطائفي الذي أقامه على أنقاض النظام اللاديني، الذي ظل قائما منذ سقوط الدولة العثمانية.
لم يكن ممكنا للأمريكان اختراق الحاضنة الرئيسة للمقاومة (المثلث السُنّي) بغير هذه الوسيلة، حيث تم الإيقاع بين المقاومين وحاضنتهم، لتتشكل قوات “الصحوة”، وبالتالي اصبحوا هدفا مكشوفاً، فتم القضاء عليهم.
بعد اشتعال الثورات العربية، كانت مطالب الشعوب في كل الأقطار متوحدة على ضرورة اسقاط انظمة سايكس بيكو العلمانية، التي خذلت آمال شعوبها رغم أنها صبرت عليها قرنا كاملا، ومن الطبيعي أن تختار الشعوب نقيض المنهج الفاشل السابق، لذا كان طابع كل الثورات إسلاميا.
الغرب يعرف ماذا يعني أن يكون المنهاج إسلاميا، وجربه فعلا، فكتيبة واحدة تحت قيادة المجاهد الحلبي “عزالدين القسام” أقضت مضاجع الإنتداب الإنجليزي، وآذته بأضعاف ما قامت به جحافل جيش الإنقاذ العربي، وفي القطاع الأبي، ورغم الحصارالمحكم من العرب والغرب واليهود، فلم تستطع كل القوى العسكرية والتقنية المتطورة من كسر شوكة المقاومة، لا شك أن صمودها معجزة بالمعايير المادية، لكن تفسيره الوحيد هو ..التمسك بالمنهاج الإسلامي.
وهذه تركيا وماليزيا عندما تسلم الحكم فيها مسلمون، تمكنتا وبفترة وجيزة من التحرر من قبضة البنك الدولي وبناء إقتصادها المستقل، فخسر الغرب فيها اتباعا تربوا على الفساد والتبعية.
فهل يجازف الغرب باحتمال حدوث مثل ذلك في هذه المنطقة التي ظل يحلم بالسيطرة عليها منذ القدم، وفشلت كل حملاته العسكرية، وما وجد خيرا من منظومة سايكس بيكو حفظا لمصالحه ومن غير احتلالها عسكريا؟.
كان واضحا له من تسارع الأحداث منذ انطلاقة أول ثورة في تونس، وعندما وصلت الشرارة مصر تبين له أنه لا توجد أي قوة قادرة على وقف الغضب المتقد منذ عقود، فلجأ الغرب الى مكر الثعالب، واستخدم عملاءه من العسكر الذين كان ادخرهم لمثل هذه الأيام، وبدعم من الأنظمة العميلة له والمرتعبة من الطوفان القادم، استطاع القضاء على أول خيار إسلامي عربي.
في سوريا كان النظام علمانيا مريحا للغرب، لكنه كان يفضل أن لا تتكون فيها قوة تشكل أية خطورة على الكيان اللقيط، ففرح بالثورة على النظام واعتقد أنه بمساعدة الأنظمة العميلة له قادرون على ركوب الثورة وتحويلها، لاستبدال نظام فاسد بأفسد منه، على غرار استبدال نظام مبارك بالسيسي، لكنهم وجدوا أن الثوار متمسكون بعقيدتهم الإسلامية ولم يتمكن عملاؤه العرب من فرض العلمانيين على قيادتهم.
عندها جاءوا بالتنظيم الذي اخترقوا به المقاومة العراقية عن طريق “الزرقاوي” الذي كانوا سموه بداية الدولة الإسلامية في العراق، وبعد أن قاموا بتصفية الزرقاوي، أخلوا الجو لضباط المخابرات الغربية بأسماء عربية لقيادة التنظيم، ووسعوا صلاحياته لتشمل الشام فصار مسماها “داعش”.
كانت المهمة المباشرة تبرير شن (الحرب على الإرهاب)، لاستئصال شأفة المطالبين بإقامة حكم إسلامي، وبالتالي تثبيت الأنظمة القائمة.
أما الهدف الأكبر فكان إثارة كراهية الناس لمسمى الدولة الإسلامية من أجل فضّهم عن حلمهم في إقامة هكذا دولة، ووصم كل من يطالب بها بالإرهاب لأجل هدر دمه.
كانت الدولة الإسلامية المزعومة، بمثابة إحماء الشلن عل النار، لكي يلسع من يحمله.
لقد مرت هذه الحيلة الساذجة على االبسطاء بداية، فانفضوا عن الثورات خوفا من اللسعة..لكن الواعين يعرفون أنها حيلة، ولن ينخدعوا، وسيعودون من جديد للمطالبة بحقهم.

مقالات ذات صلة اضطرابات جوية واسعة النطاق (أمطار رعدية وتساقط للبَرَد) تشمل دولاً عدة من إقليم البحر المتوسط 2024/09/03

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: الحقيقة عارية هاشم غرايبه

إقرأ أيضاً:

هزيمة الغرب من داخله

كتب د. بدر الشيدي قبل أسبوعين مقالا في جريدة عمان بعنوان «في هزيمة المنتصر» ناقش فيه التمزق والانحدار الأخلاقي الذي يتوارى خلف أقنعة القوة الغربية مؤكدا أن الغرب الذي يعتقد أنه منتصر هو في حقيقته مهزوم، وقد هزمته معاييره المزدوجة وانتهاكه للقوانين الإنسانية، وهو مهزوم كذلك بسبب صعود الأحزاب الشعبوية التي تقوض كل قيمه ومبادئه التي أكسبته شرعيته خلال القرن الماضي.

طرح الدكتور بدر مهم لأنه يقرأ ما يحدث في الغرب بدقة، وفيه تشخيص لا ينطلق من موقف ثقافي أو وجداني نتيجة موقف الغرب مما يحدث في غزة ولكنه تحليل يمكن أن نرصد صداه اليوم في الغرب نفسه، وهو صدى يتجاوز حتى حراك طلاب الجامعات، رغم أهميته، لنجده فيما يطرحه بعض المفكرين الغرب أمثال نعوم تشومسكي ومؤخرا المفكر الفرنسي إيمانويل تود في كتابه الجديد «هزيمة الغرب».

لا يطرح إيمانويل تود رؤية نقدية للسياسات الغربية ونتائجها ولكن يروي تاريخا من الانهيار الداخلي الطويل الذي يتمثل في فقدان الغرب لرسالته الحضارية، وتحوّله من مشروع فلسفي وإنساني إلى مشروع مادي صرف، فقد البوصلة الأخلاقية التي جعلت من «الحداثة الغربية» مرجعية كونية في فترات طويلة سابقة. من وجهة نظر تود، لم تعد الهزيمة حدثا عسكريا أو أزمة سياسية، بل أصبحت عملية تراكمية من التفسخ القيمي والانحدار المعنوي، تخاض دون معارك، وتُحسم من الداخل.

لم يهزم الغرب لأن أحدا هزمه بل لأنه انهار من تلقاء نفسه. لم ينتصر عليه خصم بقدر ما هزم ذاته حين اعتبر أن انتصاره هو قدر نهائي مغلق. وهذه هي المفارقة الفلسفية الكبرى: أن تُهزم لا حين تخسر معركة، بل حين تفقد قدرتك على طرح معنى جديد للعالم.

يتتبع تود في كتابه خيوط هذا الانحدار انطلاقا من الولايات المتحدة، التي تحولت إلى قوة عسكرية واقتصادية عاجزة عن إدارة العالم، ثم إلى أوروبا التي تحولت من مشروع تكامل إنساني إلى مكان للقلق والانغلاق والتفكك الديموغرافي والثقافي. وفي الحالتين، لم تكن الهزيمة في العتاد أو في الفعل، بل في الفكرة، في تآكل النماذج التي جعلت من الغرب ذات يوم قوة ملهمة.

من هذا المنظور، فإن ما نراه اليوم في صراع «طوفان الأقصى» ـ الذي جعله الدكتور بدر الشيدي في مقاله معيارا ومحكا يقيس عليه حجم الانهيار الغربي ـ ليست مواجهة بين آلة استعمارية وشعب محاصر، بل لحظة اختبار قيمي تكشف لنا بجلاء ما هو الغرب الذي وصفه تود بشكل واضح في قوله: «لم يعد الغرب يفتن أحدا، لم يعد يُلهم. لقد صار يفرض إرادته من خلال القوة والسيطرة»، بعد أن فقد قدرته على الإقناع الأخلاقي والثقافي.

لقد سقط القناع الغربي في «طوفان الأقصى» ليس بفعل العدو ولكن من فرط الهشاشة الأخلاقية للذات الغربية نفسها. وهو ما يؤكده تود حين يرى أن الغرب بات يستهلك شرعيته الرمزية من رصيد أخلاقي لم يعد موجودا، وأنه يسير بخطى ثابتة نحو عزلة قيمية خانقة، بعدما انفصل عن العالم وبدأ ينظر إليه بوصفه تهديدا وجوديا.

لا يمكن، هنا، فصل الهزيمة الغربية عن جذرها الفلسفي؛ فالمشروع الغربي الذي تأسس منذ عصر الأنوار على مفاهيم التقدم، والعقل، والحرية، والكرامة الإنسانية، تآكل من الداخل حين تحوّل إلى منظومة نفعية، تسحق القيم باسم السوق، وتُدير العلاقات الإنسانية والسياسية بمنطق الهيمنة لا بمنطق الشراكة. ولم تهزم الرأسمالية الغربية خصومها الاقتصاديين فقط، بل هزمت الإنسان، أيضا، بوصفه غاية، وأخضعت كل شيء لمعيار الربح والسلطة. وهنا تكمن «هزيمة المنتصر»، التي تحدث عنها الدكتور بدر الشيدي.

لا يبدو تود في كتابه شامتا بهزيمة الغرب ولكن يطلق في كتابه إنذارا مسموعا للجميع لأن انهيار الغرب، من وجهة نظره، لا يعني مجرد نهاية مرحلة تاريخية بقدر ما هو بداية لفوضى معنوية كونية في ظل غياب المركز الذي كان يضبط إيقاع الخطاب الأخلاقي حسب ما يذهب في كتابه، حتى لو كان الخطاب الأخلاقي للمركز متحيزا. ولكن الخطر الأكبر يكمن في غياب البدائل، حيث أن المطروح لم يستطع بلورة خطاب عالمي مقنع حتى الآن.

حتى الحضارة العربية المبنية على الفلسفة الأخلاقية لا يبدو أن لديها البديل الذي يستطيع إقناع العالم، فهي علاوة على أنها منهكة في مواجهة آثار الهيمنة الغربية، فإنها، أيضا، مصابة بالتشظي الداخلي والبنيوي في عمقها في ظل غياب أي مشروع ثقافي أو أي اتفاق داخلي يمكن أن يُفهم منه تماسك الأمة وقوتها وقدرتها على المراجعة. وإذا كان الجابري كما طرح الدكتور بدر الشيدي قد تحدّث عن «أخلاق الهزيمة» التي تطبع العقل العربي، فإن الغرب ذاته، كما يُظهره تود في كتابه قد أُصيب بنسخة مقلوبة من هذه الأخلاق: أخلاق منتصر لا يجرؤ على الاعتراف بهزيمته؛ ولذلك هو ينغمس في الإنكار، ويزداد تطرفا وعنجهية مع كل أزمة رغم حقيقة هزيمته الداخلية!

والحقيقة التي يفقدها الجميع، بما في ذلك العرب أنفسهم، تتجلى في فقدان القدرة على الإصغاء للنقد، نقد الذات أو نقد الآخر. وتود، وهو القادم من داخل المؤسسة الغربية، ينذر بثمن الغطرسة الثقافية التي تمنع الحضارة الغربية من مراجعة نفسها. وهذا النوع من الهزائم لا يترك جراحا واضحة، لكنه يفكك الروح الجماعية، ويترك النخب السياسية والثقافية في حالة تيه في قوقعة القوة العسكرية أو خطاب التفوق الأخلاقي الزائف.

لا شيء أكثر خطورة على الغرب من نفسه. هذه الخلاصة التي يصل لها تود في كتابه، وهذه في الحقيقة خلاصة عصرنا الذي نعيشه، حين تنتصر الآلة وتنهزم القيم، وحين يصبح المنتصر أكثر هشاشة من المهزوم نفسه، لأن الهزيمة في هذا السياق ليست فشلا في الميدان بقدر ما هي خسارة في المعنى الذي ننطلق منه ونبني وفقه قيمنا.

هذه اللحظة، كما أراها، ليست لحظة سقوط الغرب فقط، ولكن لحظة سقوط الثقة في المستقبل الذي بشّر به الغرب ورسمه للعالم أجمع. لكن في هذه اللحظة ما يمكن أن يكون أملا/ فرصة من أجل أن يعيد العالم كتابة القيم الإنسانية الكبرى من جديد، ليس بهدف هزيمة الغرب ولكن لإنقاذ ما تبقى من إنسانية هذا العالم التائه.

عاصم الشيدي رئيس تحرير جريدة «عمان»

مقالات مشابهة

  • عبد الله: الناجح الأكبر في الإنتخابات كانت الدولة
  • «وزير الصحة»: 150 سيارة إسعاف كانت تنقل الجرحى من معبر رفح إلى المستشفيات
  • هزيمة الغرب من داخله
  • عاجل.. حجز محاكمة متهم وزوجته في قضية الانضمام لـ "داعش" للنطق بالحكم
  • العقوبات الاقتصادية الأميركية على السودان: شلّ الاقتصاد أم كبح آلة الحرب؟
  • الاستثناء السوري عربيا
  • في الطريق إلى غزة يطهر الغرب نفسه
  • كيف يخطط الغرب؟!
  • معهد واشنطن: داعش زاد من هجماته ضد الحكومة السورية الجديدة
  • محمد موسى: الدولة كانت شريكًا في صناعة دراما هادفة.. واليوم تعود للمشهد