بدأ العام الدراسي في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية يوم الاثنين التاسع من سبتمبر  باستثناء قطاع غزة، حيث لا تزال الحرب مستمرة منذ أحد عشر شهراً، في ظل تضاؤل فرص التوصل لوقف لإطلاق نار.

ومع انهيار البنية التحتية في قطاع غزة بسبب الحرب التي طمست جميع ملامح الحياة، أرسلت السيدة حكمت المصري ابنها الوحيد، عبود، البالغ من العمر 11 عاماً، بصحبة أبناء عمومته إلى إحدى الخيام المدرسية التي تحاكي المدارس، لتلقي تعليمه مقابل دفع مبلغ شهري، قيمته حوالي خمسة دولارات.

وتقول حكمت لبي بي سي : “أنا أعيش في مخيم فيه عدد كبير من خيام النازحين وقد تفاجأت في شهر أغسطس الماضي، أن مجموعة من الأشخاص أسسوا مدرسة داخل الخيام، تحاكي المدرسة التعليمية ولكن تختلف هذه الخيام المدرسية عن المدارس التعليمية التي يتوفر فيها كوادر تعليمية متكاملة”.

الناطق باسم وزارة التربية والتعليم الفلسطينية صادق الخضور قال، لبي بي سي: “حُرم 630 ألف طالب من حقهم في التعليم في المدارس على مدار عام دراسي، بالإضافة إلى 78 ألف طالب في الجامعات. كما حُرم 39 ألف طالب من أداء امتحان الثانوية العامة”.

ليس هذا فحسب، بل دُمرت الكثير من مباني المدارس بفعل الغارات على غزة.

إذ قال عمار عمار، المدير الإقليمي للإعلام والمناصرة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في اليونيسيف، لبي بي سي إن التقديرات تشير إلى أن “حوالي 93 في المئة من المباني المدرسية قد تعرضت لبعض الأضرار وأن 84 في المئة منها، تتطلب إعادة بناء بشكل كامل أو ترميماً كبيراً”.

“فُسحة أمل”

شعر عبود في اليوم الأول له كطالب في الخيمة التي تحولت إلى مدرسة بالضيق، فهو لم يرتدِ حذاءه الرياضي الذي اعتاد أن يشتريه كل عام قبل العام الدراسي، وهو أيضاً لم يرتدِ الزي المدرسي ولم يشترِ القرطاسية.

وبدأ بعض الطلبة في غزة الدراسة قبل الموعد الوطني المحدد، وذلك لأنهم يدرسون بشكل غير رسمي في خيمة ضمن مبادرة أطلقها مجموعة من الأفراد.

وتشكل هذه الخيمة الدراسية، التي تحاكي المدرسة، لوالدة عبود السيدة حكمت، فُسحة أمل، فهي تقول إنه “منذ بداية الحرب على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، توقف التعليم النظامي وتغيب الأطفال خلال هذه العام عن الدراسة”.

وتضيف: “فرحة الأطفال بذهابهم إلى المدرسة في الخيام، ليست كفرحة الأطفال عندما كنا نستقبل العام الدراسي الجديد قبل الحرب. لقد فرضنا عليهم الذهب إلى الدراسة في الخيام، حتى لا ينسوا ما تعلموه”.

وتحاول والدة عبود، أثناء وجودها في الخيمة التي تعيش فيها، استرجاع بعض المعلومات والدروس التعليمية مع ابنها لمواد الرياضيات والعلوم واللغة العربية فضلاً عن الحروف الأبجدية “حتى يظل متذكراً ما درسه خلال السنوات الماضية”.

“نحتاج إلى وقف إطلاق نار فوري”

وفي حال لم يتم التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار، سيكون عبود متغيباً عن الدراسة لمدة عامين، لا سيما مع بداية دخول العام الدراسي الجديد.

فعلى الرغم من ذهابه إلى الخيمة الدراسية لتلقي ولو قسط صغير من التعليم، تخشى والدته من أن يتعرض ابنها للقصف خلال ذهابه أو رجوعه من الخيام الدراسية، أو حتى خلال الحصص الدراسية، في ظل عدم التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار.

وفي هذا السياق، حذّر عمار عمار من اليونيسف لبي بي سي قائلاً: “ما يحتاجه أطفال قطاع غزة حالياً وبشكل عاجل هو وقف إطلاق نار فوري، للبدء في بناء حياتهم من جديد، وأيضاً للعودة للانتظام في الدراسة”.

 

دمج عامين دراسيين

كمال قال الناطق باسم وزارة التربية والتعليم الفلسطينية صادق الخضور إن “الوزارة مضطرة لدمج عامين دراسيين”، مضيفاً: “لقد فقد الطلاب 150 يوماً من الدراسة ولن نستطيع تعويضها كلها، وسنركز على المواد الأساسية فقط”.

وأكمل عمار عمار من منظمة اليونيسف بالقول إن المنظمة وشركاءها أقاموا 12 مساحة تعليمية لتوفير فرص التعليم لأكثر من 17 ألف طفل في المنطقة الوسطى لقطاع غزة.

كما دشّنت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية مبادرات لاستئناف المسيرة التعليمية في غزة، إذ قال الخضور إن جامعات ومدارس الضفة الغربية دشّنت روابط عبر شبكة الإنترنت، سيسجل عبرها الطلاب داخل غزة، للدراسة عن بعد.

وقد تطوّع أساتذة ومدرسون فلسطينيون في الضفة الغربية لتعليم طلاب قطاع غزة عن بعد.

غير أن صعوبة التواصل عبر شبكة الإنترنت في ظل الحرب، قد يشكل عائقاً لحصول طلاب القطاع على التعليم عن بعد، ولذا فستوفر الوزارة منصة إلكترونية ستُتاح من خلالها تلك الحصص المدرسية والمحاضرات الجامعية المُسجلة.

وفي حديثه لبي بي سي، قال الناطق باسم وزارة التربية والتعليم إن طلاب غزة التحقوا ببعض الجامعات في الضفة الغربية عبر الدراسة عن بعد بصفة “طالب زائر”.

وأضاف: “لا نريد أن تكون إحدى نتائج هذه الحرب هي تفريغ جامعات غزة، فنحن نتعامل مع الظرف الحالي كوضع مؤقت، وفقاً لخطة طوارئ”.

الأطفال المصابون بالتوحد

وفي ظل الحروب والصراعات تتضاعف مأساة الأطفال، الذين لديهم ظروف خاصة، من أجل الحصول على التعليم المناسب.

لذا أطلقت آمنة الدحدوح، أخصائية تعليم النطق، مبادرة لتعليم الأطفال الذين لديهم مشاكل في النطق والتحدث وكذلك للأطفال المصابين بالتوحد.

تعطي آمنة دروساً مجانية لهؤلاء الأطفال داخل إحدى الخيام، وتقول إن كثيراً من الأهالي استجابوا لمبادراتها، كما أن الأطفال متعطشون للتعلم ولديهم استجابة عالية للغاية.

وتوضح آمنة الدحدوح في حديثها، قائلة: “المخيم الذي أعيش فيه يطل على البحر، لكنه أصبح مكتظاً للغاية بالنازحين. عندما بدأت مبادرتي كنت أدرّس 50 طفلاً فقط داخل الخيمة، لكنني الآن أدرّس 160 طفلاً. كما أن هناك 200 طفل على قائمة الانتظار”.

نقص في الإمكانيات

وتدرّس آمنة الدحدوح هذا العدد الكبير من الأطفال المصابين بالتوحد والذين يواجهون مشاكل في النطق، في ظل افتقارها للإمكانيات اللازمة والأدوات.

وقد قامت الدحدوح بشراء “حصيرة” فرشتها على أرض الخيمة حيث تعطي دروساً للأطفال، حتى لا تجلس هي والأطفال على الرمال.

كما أنها اشترت على حسابها الخاص بعض الأدوات البسيطة كمرآة زجاجية وخافض لسان (أداة خشبية تُستخدم لتعريف الأطفال مخارج نطق الحروف)، وبطاقات تعليمية.

لكن آمنة لا تتلقى أي دعم من المنظمات الإنسانية وتقول إن تلك المنظمات، “توفر فقط الأدوات للأطفال الطبيعيين وليس لأولئك المصابين بالتوحد والذين يعانون من مشاكل في النطق. وأنا الآن لست قادرة على شراء أي شيء بسبب الغلاء الفاحش إثر الحرب”.

وفي هذا السياق، يقول عمار عمار إن “برامج اليونيسف التعليمية في الأراضي الفلسطينية، تواجه فجوة تمويلية بنسبة 88 في المئة”، موضحاً أنه يجب أن يتم إيجاد طرق لاستئناف التعليم وإعادة بناء المدارس لتوفير الاستقرار الذي يحتاجه الجيل القادم في غزة.

لدى آمنة الدحدوح خبرة مدتها عشر سنوات في مجال تعليم الأطفال النطق، مكّنتها من وضع خطط تعليمية صغيرة، كما أنها لديها دفتر صغير، توثق فيه تقييمها لحالة كل طفل.

تنهي آمنة حديثها معنا، متمنية أن تنتهي الحرب سريعاً.

المصدر: جريدة الحقيقة

كلمات دلالية: وزارة التربیة والتعلیم العام الدراسی عمار عمار قطاع غزة کما أن عن بعد فی غزة

إقرأ أيضاً:

مشعل: استكمال المرحلة الأولى من اتفاق وقف النار بغزة ضرورة قبل الانتقال إلى الثانية

الدوحة - صفا

أكد رئيس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في الخارج، خالد مشعل، أن القضية الفلسطينية استعادت حضورًا غير مسبوق على الساحة الدولية والإقليمية، بعد سنوات من التراجع، مشيرًا إلى أن “روح القضية عادت وفرضت نفسها على الجميع”.

وقال مشعل، في برنامج "موازين" على قناة الجزيرة مساء الأربعاء، إن القضية الفلسطينية اكتسبت حضورًا واسعًا في أوساط الشباب الأميركي والأوروبي، موضحًا أن “51% من الشباب الأميركيين باتوا يؤيدون القضية الفلسطينية والمقاومة”، واعتبر ذلك تحولًا مهمًا في الرأي العام العالمي.

وأشار إلى أن "الطوفان" أعاد الروح للأمة وللمنطقة بعد فترة مظلمة من مسار التطبيع ومحاولات التعاون مع "إسرائيل"، مؤكدًا أن الحاضنة الشعبية في غزة قدمت بطولة وصمودًا وإبداعًا على مدار عامين، رغم الثمن الإنساني الكبير الذي تجاوز 70 ألف شهيد و200 ألف جريح.

وأوضح مشعل أن التطبيع بات أبعد مما كان قبل السابع من أكتوبر، مشيرًا إلى أن الإدارة الأميركية تحاول عبر مبادراتها تقديم صورة محدودة من الاستقرار في غزة لإنقاذ إسرائيل من نفسها ومن تدهور صورتها الدولية، في ظل ضغوط شعبية داخل الولايات المتحدة وأوروبا لوقف الحرب.

وأضاف أن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو وطغمته الإرهابية، لا يزالون يتبجحون باستمرار الحرب بدافع الانتقام، رغم فشل نتنياهو في استعادة صورته بعد هجوم 7 أكتوبر.

وقال مشعل إن الحرب آن لها أن تقف، مشيدًا بمواقف الدول العربية والإسلامية الرافضة لاستمرارها، خصوصًا خلال لقاء قادة ثماني دول عربية وإسلامية بالرئيس الأميركي دونالد ترامب في نيويورك.

وشدد على أن المرحلة الأولى من خطة ترامب لم تُستكمل بسبب العراقيل الإسرائيلية، ما خلق معاناة إنسانية كبيرة في غزة، خاصة مع تضرر الخيام، ونقص الإيواء، وتأخر الإعمار.

وأشار إلى أن ما يدخل من الشاحنات لا يلبي احتياجات الناس، رغم زيادة عددها إلى نحو 500 يوميًا، مشيرًا إلى أن ثلثها فقط مساعدات والباقي تجارة لا يقدر السكان على تحمل كلفتها.

وشدد مشعل على أن الاحتلال يرتكب انتهاكات واسعة، منها تمديد الخط الأصفر ليشمل نحو 60% من مساحة القطاع، وإخفاء مصير الأسرى الفلسطينيين، في ظل وجود نحو 10 آلاف مفقود لم يجرِ التعرف على مصيرهم.

وأكد أن استكمال متطلبات المرحلة الأولى ضرورة قبل الانتقال إلى المرحلة الثانية، داعيًا إلى تطبيب جراح غزة وإغاثتها، وتنشيط الدور العربي والإسلامي والدولي للضغط على الاحتلال.

وتابع "حماس والمقاومة تعاملتا بمسؤولية ومرونة لوقف الحرب منذ إطلاق خطة ترامب وترجمتها إلى قرار أممي"، مشيرًا إلى أن أهل غزة قادرون على التعافي واستعادة المبادرة بسرعة.

وأوضح مشعل أن هناك جهات تحاول فرض رؤيتها لنزع السلاح، وهو أمر مرفوض ثقافيًا ووطنياً"، مؤكدًا أن المقاومة قدّمت مقاربات عملية تضمن عدم التصعيد دون المساس بالسلاح، بما في ذلك الهدنة طويلة المدى، ونشر قوات استقرار دولية على الحدود.

وبيّن أن دولًا مثل قطر ومصر وتركيا قادرة على ضمان عدم صدور أي تصعيد من غزة، مشددًا على أن المشكلة الحقيقية “تكمن في العدوان الإسرائيلي المستمر”. وأضاف أن غزة بعد هذه المرحلة ستنشغل بالتعافي وإعادة الحياة من جديد.

وأكد مشعل أن تجارب الشعب الفلسطيني مع الاحتلال تثبت أن نزع السلاح يفتح الباب للمجازر، داعيًا الوسطاء إلى صياغة رؤية قابلة للتوافق مع الإدارة الأميركية، تكون ملزمة للاحتلال، حفاظًا على حقوق الفلسطينيين وضمانًا لعدم عودة الحرب.

مقالات مشابهة

  • القافلة التنموية الشاملة لجامعة عين شمس تصل قنا للعام السادس على التوالي
  • الاقتصاد البريطاني يتراجع للشهر الثاني على التوالي
  • للعام الـ11 على التوالي.. أوروبا تجدد حظر الطائرات العراقية في سمائها
  • للعام الثاني.. محمد رمضان يستعد لتصوير الأغنية الرسمية لـ«كأس الأمم الإفريقية»
  • اليوم الثاني على التوالي.. السيدات تتصدر المشهد الانتخابي بدائرة المنتزة في الإسكندرية
  • مصر تحافظ على خلوها الكامل من الحصبة والحصبة الألمانية للعام الثالث على التوالي
  • الصحة العالمية: مصر خالية بالكامل من الحصبة للعام الثالث على التوالي
  • الصحة: للعام الثالث على التوالي مصر تحافظ على خلوها الكامل من الحصبة والحصبة الألمانية
  • مشعل: استكمال المرحلة الأولى من اتفاق وقف النار بغزة ضرورة قبل الانتقال إلى الثانية
  • بحضور سمو نائبه.. أمير نجران يرأس اجتماع المُحافظين الثاني للعام المالي الجاري