شهر عسل نتنياهو تنهيه الاستطلاعات وتقلبه الاخفاقات
تاريخ النشر: 16th, September 2024 GMT
في ظلال #طوفان_الأقصى “118”
#شهر_عسل #نتنياهو تنهيه الاستطلاعات وتقلبه الاخفاقات
بقلم د. مصطفى يوسف #اللداوي
شعر نتنياهو بالكثير من النشوة والفرح، واستبشر واطمأن، وظن أن الدنيا قد ابتسمت له من جديد، وأن الفرصة قد عادت له وأن الحظ قد حالفه، بعد أن أشارت أغلب استطلاعات الرأي بعد نجاح الجيش الإسرائيلي باغتيال القيادي اللبناني في حزب الله فؤاد شكر، واغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الأستاذ إسماعيل هنية في العاصمة الإيرانية طهران.
وقبل ذلك زيارته التاريخية التي ظن أنها ناجحة إلى واشنطن، والحفاوة التي حظي بها خلال خطابه أمام مجلسي الشيوخ والنواب الأمريكيين، أنه الشخصية الأفضل لتولي رئاسة الحكومة الإسرائيلية، وأن حزبه سيكون الأكثر تمثيلاً في الكنيست في حال جرت الانتخابات الآن، وأنه تمكن وفق استطلاعات الرأي من تجاوز تحدي بني غانتس الذي كان الأوفر حظاً لتولي رئاسة الحكومة، وزعيم المعارضة يائير لابيد الذي ينافسه على المنصب، ويشتغل على تجريده منه وإقصائه عنه.
ظن نتنياهو أن شهر العسل سيطول، وأن أحداً لن ينغص عليه حياته أو يوقظه من منامه، وأن شهره لن ينتهي حتى ينتصر في الحرب، ويحقق الأهداف التي أعلن عنها، وأن سينجو من المساءلة والتحقيق والمحاكمة، وربما السجن والحرمان من ممارسة العمل السياسي، وهو الأمر الذي يرعبه ويخيفه، كونه يعلم أنه إن حدث وسقط فإنه سيموت في سجنه، وستنتهي حياته فيه متهماً مداناً، ولن يسعفه ما بقي من العمر لتعويض ما فاته، ولن يتمكن من إصلاح صورته واستعادة شخصيته.
لكن الحقيقة قد صدمته والواقع قد خذله، وعادت استطلاعات الرأي تخيفه والأرقام تقلقه، وأصابته الخيبة جراء الانقلاب في المؤشرات، الذي ظن أنه سيكون بعيداً، أو أنه قد نجا منه ولن يعود إليه، وبدأت نتائج استطلاعات الرأي تعود إلى طبيعتها، وتظهر حجمه الحقيقي في الشارع الإسرائيلي، وتتجاوز الإنجازات التي ظن أنه قد حققها، وأنها قد رفعته وحصنته.
إلا أن حادثة مقتل الأسرى الإسرائيليين الستة، في أحد أنفاق مدينة رفح، يوم الجمعة 30/8/2024، اعتبرت نقطة تحول وعلامة فارقة في المزاج الشعبي الإسرائيلي، الذي انفجر ضد نتنياهو يوم الجمعة 1/9/2024 في مظاهرات حاشدة ضد سياسته العامة وطريقة إدارته لملفي الحرب والأسرى، واحتجاجاتٍ صاخبة تطالبه بالاستقالة والتنحي، وحل الكنيست والدعوة إلى إجراء انتخاباتٍ برلمانية مبكرة.
واعتبرت هذه المظاهرات التي شارك فيها قرابة 700 ألف مستوطنٍ، والإضراب العام الذي رافقها، وشمل أغلب مرافق الكيان الحيوية، بما فيها المطار والموانئ ومحطات السكك الحديدية، بدعوةٍ من نقابة العمال “الهيستدروت”، أكبر استفتاء ضد نتنياهو، على الرغم من أن محكمة العمل أصدرت قراراً بوقفه والعدول عنه، ولكن بعد أن مضت ساعات على انطلاقه.
رغم أن نتنياهو يتحكم في الكثير من وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والصحف الورقية ومراكز الدراسات واستطلاعات الرأي الإسرائيلية المختلفة، إلا أن استطلاعاً أجرته صحيفة معاريف الإسرائيلية يوم 30/8/2024، أي بعد مقتل الأسرى الستة في أحد أنفاق مدينة رفح، وبعد شهر من اغتيال شكر وهنية في بيروت وطهران، وأكثر من شهرٍ على خطابه أمام المشرعيين الأمريكيين، أظهر تراجعه وخسارته للصدارة التي تمتع بها أياماً، وتقدم بني غانتس مجدداً عليه.
وفي استطلاعٍ للرأي آخر بعده بثلاثة أيامٍ، أجرته قناة “كان” الإسرائيلية، أظهرت النتائج أن 63% من المستطلعة آراؤهم لا يؤيدون بقاء نتنياهو في رئاسة الحكومة، ولا يثقون في طريقة إدارته للحرب، ولا يعتقدون أنه يقوم بما يجب لتحرير الأسرى “المخطوفين” وإعادتهم إلى بيوتهم، وأن أكثر من 54% منهم يؤيدون انسحاب جيشهم من محور فيلادلفيا، ويعتبرون بقاءه فيه عقبة أمام استعادة “المخطوفين”.
شكل هذان الاستطلاعان وهما الأحدث بعد سلسلة الانجازات الخلبية صفعة قوية لنتنياهو، وإنذاراً صريحاً له بأن شهره العسل قد انتهى، وأن الواقع على الأرض لا يحابيه ولا يجامله، حيث أظهرت الاستطلاعات بالأرقام والبيانات، أن المجتمع الإسرائيلي ليس معه ولا يؤيده، ولا يثق فيه ولا يؤمن بصوابية سياسته ولا حسن إدارته للحرب وكل الملفات الأخرى، ويرون أن تنحيه وإقصائه، أو استقالته واستبداله، سيغير الواقع، وسيحرر الأسرى، وسعيد المستوطنين، وسيخلق واقعاً أمنياً أفضل.
لكن أي استطلاعٍ للرأي بعد اليوم الأحد الخامس عشر من شهر أيلول، فإن نتائجه ستكون مختلفة كلياً، ولن تكون في صالح نتنياهو أبداً، المتبجح بتوسعة الحرب نحو الشمال، وهو العاجز عن حسمها جنوباً في غزة، فهذا اليوم سيبقى محفوراً في الذاكرة الإسرائيلية، بأنه يوم الصاروخ اليمني الفرط صوتي، الذي قطع أكثر من ألفي كيلو متراً من اليمن، ووصل بعد أقل من اثنتي عشر دقيقة إلى قلب الكيان الصهيوني، وأصاب هدفاً على بعد ستة كيلو مترات من مطار اللد، وأجبر مئات آلاف الإسرائيليين على النزول إلى الملاجئ والنجاة بأنفسهم من الصاروخ اليمني، ومن صواريخ القبة الفلاذية المضادة للصواريخ، والتي فشلت في التصدي للصاروخ اليمني، وعجزت عن إسقاطه، وإن ادعت بأنها أصابته في اللحظة الأخيرة إصابة جزئيةً.
لن يكون نتنياهو في حاجةٍ إلى استطلاعات رأيٍ أخرى، ولن يسعفه الوقت لإجرائها، ولن يصدقه شعبه بنتائجها، كما لن تساعده إنجازاته الوهمية على القيام بها، وسترغمه إخفاقاته المستمرة على العدول عنها، والاستسلام للواقع والاعتراف بالحقيقة، والكف عن التلاعب بالأرقام والبيانات، وانتظار الفرص والمعجزات، فالمقاومة لن تتيح له الفرصة لأن يستمتع بشهر عسلٍ مهما حاول، جاداً أو مخادعاً، صادقاً أو كاذباً.
بيروت في 16/9/2024
moustafa.leddawi@gmail.com
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: طوفان الأقصى نتنياهو استطلاعات الرأی
إقرأ أيضاً:
السنغال.. بلاد ليوبولد سنغور والإيقاع الذي لا ينام
يُعد التصوف الإسلامي الركيزة الدينية الأبرز في السنغال، حيث تبنّى المجتمع منذ قرون نسخة سلمية ومتجذّرة من الإسلام، دخلت البلاد في القرن الـ11 عبر المعلمين والتجار القادمين من المغرب العربي.
وبفضل هذا الانتشار السلمي، ترسّخت الطرق الصوفية في النسيج الاجتماعي، لتصبح أكثر الأنظمة الدينية تأثيرا في بلاد أكثر من 95% من السكان يعتنقون الإسلام.
دخل التصوف إلى "مملكة التكرور" عبر الجزائر وموريتانيا، وانتشرت الطريقة القادرية أولا، ثم التيجانية، فالمريدية واللايينية، وكان لها أثر كبير في الحياة السياسية والاجتماعية.
وبسبب الطبيعة القبلية والصوفية للمجتمع، لم تشهد السنغال مقاومة مسلحة واسعة ضد الاستعمار الفرنسي، باستثناء معركة لوغانديم عام 1859.
يقول أستاذ الفكر الإسلامي بجامعة دكار، محمد سعيد باه، إن التيار الصوفي السنغالي انخرط مبكرا في العمل السياسي، ولعبت بعض القيادات الصوفية دورا مهما في مقاومة الاحتلال، ثم شاركت لاحقا في الحياة السياسية بعد الاستقلال.
الشيخ أحمدو بمبا والمقاومة السلميةمن أبرز رموز المقاومة السلمية الشيخ أحمدو بمبا (1853–1927)، مؤسس الطريقة المريدية. واجه الاستعمار الفرنسي بأسلوب دعوي سلمي، مما أثار قلق السلطات التي نفته عدة مرات بتهم واهية. قضى أكثر من ثلاثين عاما تحت المراقبة، متنقلا بين السنغال والغابون وموريتانيا، وظل حتى وفاته يعيش تحت قيود فرضتها الإدارة الاستعمارية.
من الاستعمار إلى الاستقلالمنذ القرن الـ15، تنافست القوى الأوروبية على سواحل السنغال، بدءا بالبرتغاليين، ثم الفرنسيين والهولنديين والبريطانيين.
وفي عام 1677، سيطرت فرنسا على جزيرة غوريه، التي أصبحت مركزا لتجارة الرقيق.
قبل الاستعمار، كانت المنطقة تضم ممالك وإمبراطوريات سيطرت على طرق تجارة الذهب، وتبنى بعضها الإسلام لاحقا.
إعلانومع القرن الـ19، توسعت فرنسا في الداخل، وضمّت ممالك مثل الوالو وكايور وجولوف.
برزت حركات مقاومة وطنية قادها زعماء قبليون مثل لاتيور ديور، الذي خاض معركة لوغانديم دفاعا عن استقلال كايور، والشيخ عمر الفوتي الذي قاد مقاومة دينية مسلحة ضد الفرنسيين.
وفي عام 1958، صوتت السنغال لصالح الانضمام إلى المجتمع الفرنسي بقيادة شارل ديغول، مما منحها حكما ذاتيا محدودا.
ثم نالت استقلالها الكامل في 4 أبريل/ نيسان 1960، بفضل مفاوضات قادها ليوبولد سيدار سنغور ومامادو ديا.
الموسيقى السنغالية: تراث حي وهوية عالميةتُعد السنغال من أبرز الدول الأفريقية في مجال الموسيقى، حيث يستلهم الفنانون أعمالهم من الإيقاعات التقليدية. يقول الفنان بابا مال "أساس جميع الموسيقى في السنغال هو الموسيقى التقليدية".
ساهمت الموسيقى الشعبية السنغالية في تشكيل أنماط عالمية مثل البلوز، الريغي، والكاليبس. وتُعد "الييلا" من أبرز الإيقاعات التقليدية التي تغنيها النساء في المناسبات الكبرى، وتعكس تنوع المجموعات العرقية.
أما "المبالاكس"، فهو النمط الموسيقي والرقصة الوطنية، نشأ في الستينيات وبلغ ذروته بفضل يوسو ندور، الذي مزج بين طبول السابار والآلات الغربية ليخلق صوتا سنغاليا معاصرا.
وتُعد موسيقى "الغريوت" تراثا شفويا، حيث ينقل الرواة التاريخ والأساطير عبر آلة الكورا ذات الـ21 وترا، إلى جانب آلات مثل الريتي والهودو، التي تُثري المشهد الموسيقي المحلي.
بابا مال: صوت الفولاني الذي عبر القاراتولد بابا مال عام 1953 في مدينة بودور شمال السنغال، ونشأ في بيئة فولانية أثّرت بعمق في موسيقاه. كان من المفترض أن يصبح صيادا مثل والده، لكن صداقته مع عازف الغيتار الكفيف منصور سيك غيّرت مسار حياته. درس الموسيقى في داكار، وكرّس فنه للحفاظ على الهوية الفولانية، مغنيا بلغات محلية مثل البولار.
اختار بابا مال طريقا مختلفا عن نجوم المابلاكس، فمزج بين الإيقاعات الفولانية والعناصر الغربية ليبتكر أسلوب "أفرو فيشن". حملت أغانيه رسائل اجتماعية وإنسانية تناولت قضايا الهجرة والتعليم والبيئة، وشارك في مشاريع عالمية مثل موسيقى فيلم "بلاك بانثر"، وتعاون مع فنانين كبار مثل بيتر غابرييل وفرقة "يو تو".
داخل السنغال، يُنظر إليه كأب روحي للفنانين الشباب، وقد كرّس جهوده لدعم المبادرات الثقافية والتنموية، مؤمنا بأن الفن أداة للتغيير.
ليوبولد سنغور: الشاعر الرئيسيُعد ليوبولد سيدار سنغور أول رئيس للسنغال بعد الاستقلال، وأحد أبرز رموز النهضة الفكرية في إفريقيا. جمع بين السياسة والأدب، وقاد البلاد لعقدين قبل أن يتنحى طواعية ليتفرغ للفكر والشعر.
أسس حركة "الزنوجة" مع إيمي سيزار، التي دعت إلى الاعتزاز بالهوية السوداء والثقافة الأفريقية، واشتهر بعبارته "أنتِ سوداء، إذن أنتِ جميلة".
قاتل سنغور في صفوف الجيش الفرنسي خلال الحرب العالمية الثانية، وانتُخب لاحقا نائبا في البرلمان الفرنسي. وفي عام 1960، تولى رئاسة الجمهورية، وكتب بنفسه نشيد "الأسد الأحمر" الوطني.
إعلانورغم علمانيته، وُصف بأنه "كافر بقلب مسلم"، في إشارة إلى احترامه العميق للإسلام الذي يعتنقه غالبية شعبه. رحل سنغور تاركا إرثا يجمع بين القيادة السياسية والرهافة الشعرية، وبين الحكمة الأفريقية والروح الإنسانية الكونية.