تواصل مليشيا الحوثي تكريس مناخ القمع السياسي في مناطق سيطرتها عبر تلفيق التهم واستخدام أجهزة القضاء والنيابة التابعة لها كغطاء لشرعنة الانتهاكات ضد معارضيها، في مسعى واضح لإضفاء مشروعية شكلية على ممارسات القمع والاختطاف والإقصاء.

وتعمل الجماعة على تسييس المنظومة القضائية بشكل كامل، من خلال تحويل المحاكم والنيابات إلى أدوات تنفيذية بيد قياداتها الأمنية، تُستخدم لتبرير الاعتقالات ومصادرة الممتلكات، بل وحتى لإصدار أحكام جاهزة ضد خصومها السياسيين دون أي سند قانوني أو ضمانات للتقاضي العادل.

وفي الوقت الذي تزعم فيه المليشيا أنها تقوم بإجراءات "احترازية" لحماية الأمن الداخلي، تتزايد التقارير الحقوقية التي تؤكد أن ما يجري ليس سوى مرحلة جديدة من التصفية السياسية المنظمة، تهدف إلى إلغاء أي وجود حزبي أو فكري مستقل خارج دائرة الولاء المطلق للجماعة. وتشير هذه التقارير إلى أن الحوثيين باتوا يتعاملون مع الأحزاب السياسية المتبقية في صنعاء كأطر شكلية فاقدة للقرار، فيما تُفرض على قياداتها رقابة صارمة وتُمنع من ممارسة أي نشاط تنظيمي أو سياسي إلا بما يخدم أجندة الجماعة وأيديولوجيتها.

اتهامات ملفقة

وتؤكد مصادر سياسية أن التهديد هذه المرة أكثر عمقًا واتساعًا، إذ لا يقتصر على خصوم الحوثيين التقليديين من القوى المعارضة، بل يطال حتى القيادات الحزبية التي كانت شريكًا شكليًا في إدارة صنعاء خلال السنوات الماضية. وتقول المصادر إن تلك القيادات أصبحت هدفًا مباشرًا لحملة ممنهجة من الاتهامات والتشهير الإعلامي، عقابًا لها على مواقف داخلية لم تنسجم كليًا مع سياسة الجماعة، أو لم تُظهر الولاء المطلق لسلطتها. 

ويصف مراقبون هذا السلوك بأنه تحول خطير من سياسة الإقصاء السياسي إلى سياسة الإلغاء الكامل، في محاولة لتفريغ الساحة العامة من أي صوت غير حوثي، وتهيئة المشهد لتكريس حكم الفرد والفكرة الواحدة.

وذكرت المصادر أن التهم استهدفت كلاً من غازي علي الأحول، الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي العام بصنعاء، ورامي عبدالوهاب محمود، عضو القيادة القطرية لحزب البعث – قُطر اليمن، وآخرين، وذلك في محاولة لتبرير استمرار احتجازهم غير القانوني منذ أسابيع.

المصادر أكدت أن هذه التهم تأتي في إطار ممارسات قمعية ممنهجة ضد الشخصيات السياسية الرافضة لسياسات المليشيا، وأن الهدف الحقيقي هو إسكات الأصوات المستقلة التي تحاول الحفاظ على هوية الأحزاب الوطنية في مناطق سيطرة الجماعة.

وكشفت مصادر حكومية يمنية عن تصاعد غير مسبوق في الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية بحق المدنيين والسياسيين في مناطق سيطرتها، وسط تحذيرات من أن موجة الاعتقالات الأخيرة تمثل مرحلة جديدة من القمع المنهجي لإلغاء أي وجود سياسي خارج دائرة الولاء للجماعة.

تصاعد للانتهاكات

وقال وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني إن مرور قرابة خمسين يوماً على اختطاف الجماعة الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي العام بصنعاء غازي الأحول وعدداً من مرافقيه ومدير مكتبه عادل ربيد، يؤكد أن الجماعة لا تؤمن بالشراكة ولا تحتكم إلى أي قوانين أو قيم إنسانية.

وأوضح الوزير في تصريحات رسمية أن استمرار احتجاز الأحول، رغم مرور ذكرى ثورة 26 سبتمبر (أيلول)، يبرهن على أن ما تمارسه الجماعة ليس إجراءً احترازياً كما تزعم، بل عمل مبرمج وممنهج يستهدف المؤتمر الشعبي العام ككيان وطني، ويأتي ضمن سياسة شاملة لتدمير البنية السياسية للدولة اليمنية وتجريف الحياة الحزبية لصالح حكم الفرد.

وأشار الإرياني إلى أن هذه الجريمة تمثل انتهاكاً صارخاً للحقوق والحريات السياسية، ورسالة ترهيب لكل القوى الوطنية التي تحاول الحفاظ على مساحة للعمل السياسي داخل مناطق سيطرة الحوثيين، لافتاً إلى أن الجماعة اعتادت اختطاف وتصفية من يخالفها الرأي، سواء من القيادات السياسية أو القبلية أو حتى من عناصرها أنفسهم، ما يؤكد رفضها لأي شكل من أشكال التعدد أو الحوار.

وأكد وزير الإعلام أن ما حدث مع الأحول يوجّه رسالة واضحة لكل من يراهن على إمكانية التعايش أو ممارسة العمل السياسي في مناطق الحوثيين، مؤكداً أن الجماعة لا ترى في بقية القوى سوى أدوات مؤقتة تُوظفها لخدمة مشروعها الانقلابي، ثم تنقلب عليها متى انتهى دورها.

ودعا الإرياني المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية إلى مراجعة مواقفها، والنظر بجدية إلى سجل الحوثيين الأسود من الجرائم والانتهاكات، مشدداً على أن الجماعة لا تؤمن بالسلام ولا تتورع عن ارتكاب أبشع الانتهاكات بحق اليمنيين.

وأكد الوزير أن اللحظة الوطنية الراهنة تتطلب اصطفافاً شاملاً لكل اليمنيين في مواجهة المشروع الحوثي الكهنوتي، مشيراً إلى أن استمرار الصمت على جرائم الجماعة يعني مزيداً من الفوضى والانتهاكات، وأن حماية الهوية الوطنية واستعادة الدولة أصبحتا مسؤولية جماعية لا تحتمل التأجيل.

حملة قمع جديدة

في السياق نفسه، وثّقت الهيئة اليمنية الوطنية للأسرى والمختطفين (حكومية) حملة اختطافات واسعة نفّذتها الجماعة الحوثية خلال الأيام الماضية، طالت أكثر من 230 شخصاً في عدد من المحافظات؛ على خلفية مشاركتهم في فعاليات احتفالية بذكرى ثورة السادس والعشرين من سبتمبر المجيدة.

وقالت الهيئة في بيان صادر عنها إنها رصدت 75 حالة اختطاف في محافظة ذمار، و38 في إب، و36 في المحويت، و29 في عمران، و24 في صنعاء، و22 في البيضاء، و7 في العاصمة المختطَفة صنعاء، إضافة إلى 7 في مأرب، مشيرة إلى أن الإحصاءات في بقية المحافظات لا تزال قيد التوثيق.

وأكد البيان أن الحملة القمعية جاءت لمجرد قيام المواطنين بمظاهر احتفالية سلمية مثل إطلاق الألعاب النارية أو رفع الأعلام أو إشعال النيران في المرتفعات أو نشر منشورات عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وحملت الهيئة الجماعة الحوثية المسؤولية الكاملة عن سلامة جميع المختطفين والمخفيين قسراً، داعية إلى الإفراج الفوري عنهم دون قيد أو شرط، كما ناشدت الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية إدانة هذه الانتهاكات الخطيرة والضغط لوقفها فوراً.

تمثل هذه التطورات تصعيداً خطيراً في نهج القمع الحوثي الذي يستهدف البنية السياسية والاجتماعية لليمن، ويؤكد أن الجماعة ماضية في تجريف المجال العام وتحويله إلى مساحة مغلقة تحت سطوتها الأمنية والفكرية. ومع استمرار الصمت الدولي، تزداد معاناة السياسيين والمواطنين على حد سواء، فيما تغيب العدالة ويُختزل الوطن في صوت واحد وسلطة واحدة.

المصدر: نيوزيمن

كلمات دلالية: أن الجماعة فی مناطق إلى أن

إقرأ أيضاً:

الأمين العام لجائزة الملك فيصل يروي “سيرتها التي لم تُرْوَ”

جواهر الدهيم – الرياض

برعاية وحضور صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، نظّم مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية ضمن البرامج الثقافي للمركز، وبالتعاون مع جائزة الملك فيصل، محاضرة بعنوان «جائزة الملك فيصل: سيرة لم تُرْوَ»، قدّمها الدكتور عبدالعزيز السبيل الأمين العام للجائزة، واستعرض فيها أبرز المحطات في مسيرتها، والدور الريادي لصاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل في تأسيسها ورعايتها، إلى جانب الإشارة إلى حضور المرأة فيها، وتطور فروعها العلمية ومشروعاتها العالمية، وما شهدته من توسّع في دوائرها المحلية والدولية خلال أكثر من أربعة عقود.

اقرأ أيضاًالمجتمعضمن جهود وزارة الثقافة للارتقاء بمقوماتها التراثية.. الأمير سعود بن عبدالله بن جلوي يطّلع على المشاريع الحالية والمستقبلية بـ”جدة التاريخية”

وأوضح المحاضر أن الأمير خالد الفيصل يُعدّ القلب النابض لجائزة الملك فيصل، مؤكدًا أن سموه واكبها منذ نشأتها وتابع كل تفاصيلها التنظيمية والفنية، إذ يحرص قبل كل حفل على زيارة موقع الاحتفال للتأكد من جاهزية كل التفاصيل، ويلقي بنفسه الكلمة السنوية في حفل التكريم.
وقد بلغ عدد كلماته (43 كلمة في 43 حفلًا) جُمعت مؤخرًا في كتاب بعنوان «سجل الكلمات» يوثّق مسيرته الخطابية في الجائزة. وذكر المحاضر أن سموه بدأ في السنوات الأخيرة يميل إلى الإيجاز المكثّف في كلماته التي قد لا تتجاوز الخمسين كلمة في بعض الأحيان، لكنها تعبّر بعمق عن روح الجائزة ومقاصدها، مبينًا أن هذا النهج في التعبير المختصر يوازي دقّة الجائزة في اختيار موضوعاتها ولجانها.
واستعرض الدكتور السبيل مواقف تعبّر عن شخصية الأمير خالد الفيصل في تعامله مع الجائزة، من أبرزها موقفه عام 2017 حين أعلن فوز خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز – حفظه الله – بجائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام، مؤكدًا أن ذلك العام شكّل لحظة استثنائية في تاريخ الجائزة. كما أشار إلى موقف آخر لسموه عام 2018 حين رفض قبل يوم واحد من حفل الجائزة عرض فيلم أُعدّ عن الجائزة لأنه كان يظهر فيه وحده دون فائزين. وقامت الجائزة بإنتاج فيلم جديد تم فيه ظهور عدد من الفائزين الموجودين في الرياض. وحين عرض على سموه قبل الحفل حاز على رضاه.
وأوضح المحاضر أن مثل هذه المواقف تجسد حرص الأمير خالد الفيصل على إبراز الجانب الجماعي والعلمي في الجائزة، وهو ما يعكس نهجه في كل ما يرتبط باسم الملك فيصل رحمه الله، وإرثه الفكري والإنساني.
وقد أشاد المحاضر بجهود الدكتور أحمد الضبيب الذي وضع الأسس التنظيمية للجائزة لكونه أول أمين عام لها. وبيّن الدكتور السبيل أن الجائزة تتميز بتركيزها على التخصصات الدقيقة داخل أفرعها الخمسة، إذ تتغيّر الموضوعات سنويًا في كل فرع من أفرع الجائزة لتواكب تطورات البحث العلمي.
ومنذ نشأتها عام 1977م، وبدء منحها لأول مرة عام 1979م، حرصت الجائزة على الالتزام بمعايير علمية صارمة، لا تُقبل فيها الترشيحات الفردية، بل تُقدّم من جامعات وهيئات ومراكز علمية مرموقة، وتُناقَش من لجان تحكيم دولية متخصصة تضم نخبة من العلماء من مختلف التخصصات والثقافات والأديان.
وقد منحت الجائزة لعدد من المستشرقين والمستعربين الغربيين تقديرًا لإسهامهم في خدمة العربية والثقافة الإسلامية، وهو ما يؤكد البعد الإنساني الذي يتجاوز الانتماء الجغرافي أو الديني. فالغاية من الجائزة – كما يقول الأمير خالد الفيصل – هي الاحتفاء بالعلم والعطاء لا بالهُوية.
وحول حذف وصف (العالمية) من اسم الجائزة، أوضح الدكتور السبيل أن طموح الجائزة منذ تأسيسها أن تكون عالمية، ولكن بعد أن أصبحت عالمية بالفعل، لم تعد بحاجة إلى ربط هذا الوصف باسمها، لتصبح (جائزة الملك فيصل) بدلا عن (جائزة الملك فيصل العالمية)، لأن تنوع جنسيات الفائزين، وتوسّع الشراكات العلمية التي حققتها الجائزة في مختلف أنحاء العالم يُعدّ من أبرز مؤشرات العالمية التي تميّز الجائزة. مضيفا أن المستوى الرفيع للترشيحات ونوعية الجهات المتقدمة إليها تمثل مقياسًا حقيقيًا لقيمتها، إذ ترتبط مباشرة بعلماء ومراكز بحثية مرموقة، ما يجعلها جائزة للعلماء الجادين لا للحضور الإعلامي.
وكما أن عددًا من الفائزين بجائزة الملك فيصل قد فازوا لاحقًا بجائزة نوبل، فإن عددًا من الفائزين بجائزة نوبل تقدموا لاحقًا للفوز بجائزة الملك فيصل، وهذا إدراك من هؤلاء العلماء لأهميتها وسمعتها الأكاديمية الرفيعة.

وخلال المحاضرة، عرض الدكتور السبيل عددًا من الإصدارات والمشروعات العلمية التي انبثقت عن الجائزة أو تناولت أعمال فائزين بها، مثل كتاب «الحملات الصليبية: منظور إسلامي» للمؤل…

مقالات مشابهة

  • هكذا يحكم الحوثيون اليمن.. الوجه الخفي لحرب الحوثيين على اليمنيين سجون وتقديس للزعيم ونهب للمساعدات
  • اجتماع لمناقشة مهام إدارة صحة البيئة بمحافظة صنعاء والصعوبات التي تواجهها
  • الأمين العام لجائزة الملك فيصل يروي “سيرتها التي لم تُرْوَ”
  • المشير “حفتر” يستقبل السفير البريطاني ويؤكد دعم العملية السياسية في ليبيا
  • تقارير بريطانية: اتهامات بالاستبداد داخل كاف.. والأمين العام في قلب العاصفة
  • شهادة من الخصوم.. بايدن وكلينتون وهاريس يشيدون بجهود ترامب لإنهاء حرب غزة
  • جمعت بين الثروة والتأثير السياسي.. من تكون ميريام أدلسون التي أشاد بها ترامب أمام الكنيست؟
  • وحدة الصف كلمة السر في تحقيق النصر.. .اتحاد العمال يجدد دعمه للقيادة السياسية في مواقفها الوطنية
  • بين الصمت والتواطؤ.. الأمم المتحدة في صنعاء غطاءٍ ناعم لانتهاكات الحوثيين