الروس والأوكرانيون يساعدون في تدريب نفس الجانب في حرب السودان
تاريخ النشر: 19th, September 2024 GMT
لندن- فاينانشيال تايمز
يقول ضباط المخابرات إن طيارين متقاعدين من أوكرانيا وقناصة من روسيا يعملون مع القوات المسلحة السودانية
تقرير : أندريس شيباني في بورتسودان، وكريستوفر ميلر في كييف، وبولينا إيفانوفا في برلين، وكريس كوك في لندن
قال ضباط كبار في الاستخبارات العسكرية من السودان إن مقاتلين روس وأوكرانيين، الذين تخوض بلادهم حربا شاملة، ساعدوا في تدريب نفس الجانب في الصراع الأهلي في السودان.
ويعمل طيارون متقاعدون من أوكرانيا وقناصة من روسيا مع القوات المسلحة السودانية بقيادة الرئيس الفعلي الجنرال عبد الفتاح البرهان، مما يزيد من الشبكة المعقدة من الجهات الخارجية الفاعلة المتورطة في الحرب الوحشية المستمرة منذ 17 شهرًا.
في المقابل، اتُهِمت قوات الدعم السريع التابعة للجنرال محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي، منافستهم، بنشر “مرتزقة” من عدد من دول المنطقة مثل تشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى وليبيا. في حين تحاول روسيا منذ فترة طويلة ترسيخ وجود قوي لها في السودان، فإن مشاركة عسكريين سابقين مدربين من أوكرانيا تؤكد كيف اجتذب الصراع المستغلين والمرتزقة والقوى الأجنبية التي تتطلع جميعها إلى الاستفادة من الاضطرابات لتحقيق مكاسب مالية أو ميزة جيوسياسية.
ولكن على النقيض من الحرب في أوكرانيا، التي تعتبر صراعا استراتيجيا له تحالفات جيوسياسية واضحة، فإن سلسلة الوكلاء المتورطين في الصراع السوداني لا تصطف بشكل متسق.
وتتنافس الدول على إمدادات الموارد ــ السودان هو أحد أكبر منتجي الذهب في أفريقيا- والوصول إلى مساحة طويلة من ساحل البحر الأحمر، حيث تحرص دول مثل إيران وروسيا على ترسيخ موطئ قدم لها. وقال دبلوماسي غربي كبير مشارك في شؤون منطقة القرن الأفريقي: “كل شيء قابل للتفاوض في السودان. وسوف يصبح الوضع أكثر قبحاً وتعقيداً”.
وكان المتحدث باسم الجيش السوداني نبيل عبد الله قد نفى في وقت سابق “وجود أوكراني” رسمي في السودان. لكن متحدثا باسم وزارة الدفاع في كييف أكد أن “مدنيين” أوكرانيين “خدموا في وقت سابق في القوات الجوية” يعملون كـ “مدربين” للقوات الجوية السودانية.
وقال دبلوماسي أجنبي كبير مطلع على شؤون السودان إن القناصة الروس الذين يدعمون القوات المسلحة السودانية هم “جيش روسي حقيقي”.
لقد وسعت روسيا في السنوات الأخيرة من وجودها العسكري في أفريقيا. يتمتع فيلق أفريقيا- الكيان الذي تولى المسؤولية في القارة من مجموعة فاغنر العسكرية الخاصة التي أسسها الراحل يفغيني بريجوزين- بحضور قوي في جمهورية أفريقيا الوسطى، جارة السودان الجنوبية الغربية.
كانت ولاءات روسيا في السودان غير واضحة في البداية بسبب علاقاتها السابقة مع حميدتي، الذي زار موسكو عشية غزو روسيا لأوكرانيا وأجرى أعمالًا تجارية مع مرتزقة فاغنر. لكن يبدو أن موسكو متحالفة بشكل متزايد مع البرهان والجيش السوداني، فيما يقول دبلوماسيون غربيون كبار إنه علامة على أن روسيا ربما تراهن على من سيفوز في نهاية المطاف بالحرب.
تبادل كبار المسؤولين من موسكو وبورتسودان، حيث يتمركز كبار جنرالات الجيش السوداني الآن بعد مغادرتهم العاصمة الخرطوم العام الماضي، الزيارات منذ العام الماضي. وتحدث القادة العسكريون السودانيون عن إحياء خطط للسماح ببناء قاعدة بحرية روسية على البحر الأحمر. وفي سبتمبر/أيلول الماضي، التقى البرهان أيضًا بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وناقشا “أنشطة الجماعات المسلحة غير القانونية الممولة من روسيا”، في إشارة إلى مرتزقة فاغنر.
وقال الجنرالات السودانيون إن فاغنر لا تزال تساعد حميدتي، وهو ما نفاه . وقال أندرياس هاينمان جرودر، زميل بارز في مركز الدراسات الأمنية والاستراتيجية والتكاملية المتقدمة في جامعة بون: “لقد لعب الروس على الجانبين من قبل، بما في ذلك دعم فاغنر لقوات الدعم السريع… لكنهم يعتقدون الآن أن أفضل رهان للحصول على الميناء هو دعم القوات المسلحة السودانية”. وأضاف أن الجيش السوداني ربما “يلعب اللعبة الروسية الآن أيضًا – يلعبون على الجانبين، ويمكنهم أن يقولوا للروس: انظروا، نحن بحاجة إلى أسلحة ولدينا أيضًا الأوكرانيون هنا”.
وتشير تقارير حديثة صادرة عن منظمات حقوق الإنسان إلى أن الأسلحة التي تنتجها عدة دول، بما في ذلك إيران وروسيا والإمارات العربية المتحدة، تنتشر في السودان. وفي يوم الأربعاء، مدد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة العقوبات المفروضة على السودان ــ بما في ذلك حظر الأسلحة ــ لمدة عام آخر. تم رصد طائرة شحن من طراز إليوشن إيل-76 تي دي رباعية المحركات، لا تحمل أي علامة سوى العلم الروسي ورقم تسجيلها، على مدرج مطار بورتسودان. وقد تم التعرف على الطائرة التي يبلغ عمرها 34 عامًا بأنها قامت بثلاث رحلات في أغسطس إلى عاصمة مالي، باماكو، حيث يوجد لفيلق أفريقيا قاعدة. وتشير السجلات الأخيرة إلى أن مالك الطائرة هو شركة أفيكون زيتوترانس، وهي شركة شحن روسية خاضعة لعقوبات أمريكية، والتي تعاملت مع شحنات عسكرية في أفريقيا لصالح كيانات روسية خاضعة لعقوبات. ووفقًا لموقع الشركة على الإنترنت، أدرجت وزارة النقل في موسكو الشركة كشركة نقل لشحنات مرتبطة “بالتعاون العسكري التكنولوجي الدولي لروسيا”.
قال الفريق أول إبراهيم جابر، عضو مجلس السيادة الانتقالي السوداني والرجل الثالث في قيادة الجيش، إن “علاقاتنا جيدة” مع العديد من الدول، بما في ذلك إيران وروسيا، التي أكد أنها تدرب قواته، لكنه قال إن “المشكلة” تكمن في الإمارات العربية المتحدة. ويتهم ضباط الجيش السوداني الدولة الخليجية بدعم قوات الدعم السريع، وهي ادعاءات نفتها أبو ظبي مرارًا وتكرارًا.
حذر المبعوث الأمريكي الخاص إلى السودان توم بيرييلو من أن التدخل الخفي من جانب رعاة الحرب المختلفين في البلاد جعل حل الصراع أكثر صعوبة. وقال الشهر الماضي “لقد طالبنا جميع الأطراف الخارجية بالتوقف عن تأجيج هذه الحرب، والتوقف عن تسليح المشاركين فيها. إننا نشهد عددًا متزايدًا من الأطراف الخارجية، سواء الدول أو القوى السلبية، تصب الوقود على نار السودان”.
الوسومأوكرانيا الجيش الدعم السريع الروس السودان القناصة الروس بورتسودان جامعة بون حميدتي مرتزقة فاغنر موسكوالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: أوكرانيا الجيش الدعم السريع الروس السودان بورتسودان حميدتي مرتزقة فاغنر موسكو القوات المسلحة السودانیة الجیش السودانی الدعم السریع فی السودان بما فی ذلک
إقرأ أيضاً:
كيف سيتجاوز رئيس الوزراء السوداني الجديد حقول الألغام المحيطة به؟
لو أنّ رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس، فتح نوافذ السيارة التي استقلها في طريقه من المطار الواقع جنوبي مدينة بورتسودان إلى وسطها، لسمع هدير مولدات الكهرباء، التي تنتشر في أنحاء هذه المدينة التي تمثّل العاصمة الإدارية المؤقتة للبلاد، وذلك لمواجهة مشكلة الانقطاع الحاد والمتكرر للتيار الكهربائي، التي يعاني منها السكان هناك.
ولو تمعّن إدريس، الذي وصل للتوّ إلى هذه المدينة لتولّي مهام منصبه، في المشهد، لرأى العديد من المدارس والجامعات الواقعة على جانبي الشارع الذي سلكه موكبُه، وقد تحولت إلى مراكز لإيواء النازحين الفارّين من ويلات الحرب.
كما كان سيتسنى له أن يلاحظ بوضوح خزانات الوقود الضخمة، المدمَّرة والمحترقة، على الجانب الأيمن من الطريق الرئيسي، والتي تعرضت للاستهداف من قبل قوات الدعم السريع، باستخدام الطيران المُسيّر قبل نحو أسبوعين.
وقد تشكل هذه المشاهد -إنْ كان قد رآها – مؤشراً لما ينتظره من تحديات جسيمة ومشكلات معقدة، منذ اللحظة التي قبِل فيها المنصب، الذي عيّنه فيه رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش، عبد الفتاح البرهان.
تصريحات إدريس -على الأقل- توحي بأنه على دراية بحجم التحديات التي سيتعين عليه مواجهتها؛ إذ قال عقب أدائه اليمين الدستورية أمام البرهان: “سأكرّس كل وقتي وجهدي من أجل أن ينعم المواطن السوداني بحياة كريمة”.
وفي مستهل أنشطته بعد أداء القسم، التقى إدريس المبعوث السويسري الخاص لمنطقة القرن الأفريقي سيلفان أستير.
ولد كامل إدريس، الذي يشارف الآن على الـ 70 من عمره، في قرية الزورات في أقصى شمالي السودان، حيث تعيش المجتمعات النوبية السودانية.
وحصل على بكالوريس الحقوق من جامعة القاهرة، وليسانس الفلسفة من جامعة الخرطوم، قبل أن ينال درجة الدكتوراه في القانون الدولي من جامعة جنيف في سويسرا.
وتقلّد إدريس العديد من المناصب المرموقة في منظمات تابعة للأمم المتحدة، مثل الأمين العام للملكية الفكرية ” الوايبو”، ورئيس الاتحاد الدولي لحماية المصنّفات النباتية، وعضو لجنة الأمم المتحدة للقانون الدولي.
لم يعرَف لهذا الرجل انتماء حزبي واضح، لكنه صاحِب طموح سياسي، إذ سبق أن ترشح لمنصب رئيس الجمهورية، في الانتخابات التي أُجريت عام 2010 ضد الرئيس السوداني وقتذاك عمر البشير، وذلك في اقتراع كانت قوى المعارضة الرئيسية قد قاطعته، وفاز فيه البشير باكتساح.
ولرئيس الوزراء السوداني الجديد، إسهامات سابقة في الحياة السياسية في بلاده، عندما نجح في التوسط في عام 1999، بين رئيس الوزراء السابق، الصادق المهدي، وزعيم المعارضة التاريخي، وقتها حسن الترابي، في مدينة جنيف السويسرية.
تعيين رئيس الوزراء الجديد في السودان، يأتي في وقت تشهد فيه البلاد حرباً دامية ومستمرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ أكثر من عامين، أسفرت عن مقتل الآلاف وتشريد ما يزيد على 14 مليون شخص من ديارهم، إلى جانب إلحاق دمار هائل وغير مسبوق بالبنية التحتية، بحسب تقديرات الأمم المتحدة.
ويرى رئيس تحرير صحيفة الشعب الإلكترونية، أسامة عبد الماجد، أن أمام رئيس الوزراء الجديد ثلاث مهام رئيسية: تأمين “معاش الناس” من خلال توفير الغذاء، والمياه الصالحة للشرب، والخدمات الصحية، بالإضافة إلى تحقيق الأمن والتنمية.
ويضيف: “الطريق أمام كامل إدريس ليس مفروشاً بالورود، فهناك حزمة من التحديات، سواء الاقتصادية أو الأمنية، إلى جانب الظروف الإقليمية والدولية المحيطة بالسودان. لكن تظل الأولويات الثلاث كما ذكرت هي معاش الناس، والأمن والتنمية”.
وظلّ منصب رئيس الوزراء شاغراً، منذ أن أطاح البرهان بالحكومة الانتقالية التي كان يرأسها عبد الله حمدوك، في أكتوبر/تشرين الأول عام 2021.
وقبيل وصول إدريس إلى بورتسودان، ألغى البرهان توجيهات سابقة، كانت تمنح أعضاء مجلس السيادة، صلاحية الإشراف على الوزارات والوحدات الحكومية، وهو ما يمنح رئيس الوزراء صلاحيات أوسع.
ويرى عبد الماجد، أن فرص نجاح إدريس في أداء مهامه تبدو كبيرة، نظراً لإلمامه باهتمامات السودانيين، قائلاً: “الفرصة أمامه أكبر، خاصةً أنه يدرك جيداً ما يريده الناس، وله خبرة سابقة حين ترشح للرئاسة في انتخابات 2010”.
وعلى النقيض من ذلك، ترى الكاتبة الصحفية شمائل النور، أن مهمة إدريس مليئة بـ”المطبّات”، وتعتبر أن فرص نجاحه ضعيفة للغاية، لكنها غير منعدمة.
وتوضح شمائل النور في حديثها لبي بي سي، بالقول “الوضع الحالي لا يسمح بقيام حكومة مدنية أو انتقال ديمقراطي، كما يُروّج، في ظل استمرار الحرب”.
وترى شمائل النور، أن التحدي الأكبر أمام إدريس يتمثل في غياب التوافق، قائلة إن رئيس الوزراء الجديد “لم يأتِ باتفاق أو إجماع، بل إن الحليف الرئيسي للجيش، وهي القوات المشتركة، تعارض تشكيل الحكومة في الوقت الراهن. وأبرز المعارضين هو رئيس حركة تحرير السودان، مني أركو مناوي، ما يعني أن رئيس الوزراء لن يعمل في أجواء سلِسة، بل سيواجه عراقيل كثيرة”.
ومع ذلك، تستدرك الصحفية بقولها: “قد ينجح إدريس فقط، إذا ركّز على الجانب التنفيذي، وأحجم عن التدخل في الشأن السياسي، أو محاولة الضغط على الجيش للدخول في مفاوضات مع الدعم السريع”.
منذ أن نفذ قادة الجيش، بالاشتراك مع حليف الأمس -وعدوّ اليوم- قائد قوات الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو، الانقلاب على الحكومة المدنية في أكتوبر/تشرين الأول 2021، عاد السودان للعُزلة الدولية، بعد أن اعتبرت الأمم المتحدة أن ما حدث يمثل انقلاباً عسكرياً، كما علَّق الاتحاد الأفريقي عضوية السودان فيه.
وسعت الحكومة السودانية، التي لا تزال تخوض حرباً ضارية ضد قوات الدعم السريع، إلى إنهاء تجميد عضوية السودان، لأكثر من مرة، لكنْ دون جدوى.
ويعتبر رئيس تحرير صحيفة الشعب الإلكترونية، أن رئيس الوزراء الجديد يمكنه أن يُسهم، بحكم علاقاته الدولية، في إعادة السودان إلى وضعه الطبيعي، مع الوضع في الاعتبار أن منظمَتَي الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي رحبّتا بقرار تعيينه.
غير أن الكاتبة الصحفية شمائل النور ترى أن البرهان عيّن إدريس في منصب رئيس الوزراء، ليتمكن عبره من مخاطبة المجتمع الدولي وفَك العُزلة، قائلة “إذا أراد الجيش أن يعود لطاولة المفاوضات، فإن رئيس الوزراء هو الأنسب لمخاطبة المجتمع الدولي، لما له من ارتباطات دولية، وبالتالي، يمكن اعتبار تعيينه مؤشراً على رغبة الجيش في وقف الحرب عبر التفاوض”.
وفي كل الأحوال، يتعيّن على رئيس الوزراء الجديد في السودان، تشكيل حكومة منسجمة ورشيقة، لتضطلع بدورها في التعامل مع التحديات الهائلة التي تواجهها.
ولكن لا يبدو أن تحقيق هذا الهدف سيكون يسيراً، على ضوء أن الفصائل المسلحة والقوى السياسية التي ظلت مساندة للجيش في حربه ضد قوات الدعم السريع -ومن بينها كتائب البراء بن مالك، ذات التوجهات الإسلامية والمحسوبة على نظام الرئيس المعزول عمر البشير- تبحث عن موطئ قدم لها داخل التشكيل الوزاري، في ظل تأكيدات البرهان نفسه في أوقات سابقة أنه لن ينسى كل الفصائل التي قاتلت معه، وفي ظل إشارته إلى أن هذه الفصائل ستكون مُمثَّلة في أي حكومة مستقبلية يتمّ تشكيلها.
محمد محمد عثمان – بي بي سي نيوز عربي
إنضم لقناة النيلين على واتساب