"تجربة حبيب الصايغ الشعرية" ليست عصية على الفهم
تاريخ النشر: 21st, September 2024 GMT
الشاعر الإماراتي الراحل حبيب الصايغ قامة وقيمة أدبية وفكرية، يستحق الوقوف طويلاً أمام تجربته الشعرية، من قبل النقاد والباحثين في الأدب العربي المعاصر.
وممن كتب عن تجربة الصايغ الشاعر والناقد محمد عبد الله نور الدين، في كتابه "تجربة حبيب الصايغ الشعرية"، الذي أهداه "إلى كل من لا يقرأ الشاعر الإماراتي القدير حبيب الصايغ"، حيث أن بعض الأصوات في زمن صدور الكتاب عام 2013، كانت تتهم قصائد الصايغ بأنها عصية على الفهم وغارقة في الغموض.
يشتمل الكتاب على 4 فصول، حملت العناوين التالية "المكان، الزمان، الموت، عوالم الشاعر"، قدَم للكتاب الناقد والإعلامي العراقي سلمان كاصد بكلمة عنونها بـ"تحية للنقد".
يقول فيها: "يقر محمد نور الدين أن أسلوبه في تناول هذا الديوان يقترب من التفسير والكشف الجمالي للنص الشعري، في محاولة منه لتأسيس طريقة تستوعب مستويات معرفية متعددة، لكونه يرى أنه يقرأ نصاً إنسانياً قدمه الصايغ، من دون أن تتعقّد فيه تلك اللغة الإنسانية، التي قد تغيب عن كثير من النصوص الشعرية، التي تتداخل عوالمها حتى على الناقد المتمرس، ولهذا يرى نور الدين أن استقبال النص الشعري الإنساني يحتاج إلى لغة نقدية إنسانية لتقديمه إلى المتلقي بمختلف مستوياته، لهذا ألزم محمد نور الدين نفسه بعدد من الشروط، أهمها عدم تضييع المتلقي في متاهة المصطلح النقدي والأدوات النقدية الصارمة التي أوجدتها المدارس والمناهج النقدية، وهو بذلك يبتغي القصيدة ذاتها، جمالياتها، عوالمها، في ظل فرشة تبسيطية للنص الشعري".
وفي تمهيده للكتاب يقول محمد نور الدين: "أننا في ضيافة شاعر شهد له كبار النقاد وكبار الشعراء منذ مجموعته الشعرية الأولى إلى يومنا هذا، ويكفي ذلك دليلاً على جودة هذه النصوص التي نتناولها وبراعة شاعرها، ولكني ألمس شخصياً عدم تذوق فئة كبيرة من المتلقين تجربة حبيب الصايغ لذا فإن هذه الدراسة تتوجه إلى تلك الفئة بالذات حيث تشرح جوانب مهمة من شعر الصايغ ابن الإمارات وتضع الخطوط العريضة التي توضح معالم مهمة في قصائده."
وفي فصل "المكان" يقول الكاتب: "في عالم الصايغ الشعري وحضور المكان في شعره فإن من الصعب جدا بقاءك في مكان واحد لأنه سرعان ما يأخذك الشاعر إلى أماكن أخرى في رحلة سفر دائمة، وهذا الذي ما زال يحسّ به الشاعر منذ لحظة ولادته حسب تعبيره الشعري في قصيدته (حماسية):
وُلدتُ، مرة، أذكر في بغداد
وُلدتُ، مرة، في قرية
وأهلها أكراد
وُلدتُ في بيروت
في شارع وكله بيوت
وُلدتُ في مدينة تحب أن تحب
لا تحب أن تموت.
وفي مقطع آخر يقول المؤلف أيضا، ولكن لابد من البوح والتعايش مع الوجع حين لا يجد مهرباً في جهاته التي أصبحت تحاصر الصايغ:
حاصرتني الجهات
وراحت تناولني دمها
قطرة قطرة
فأناولها وجعي
صرخة صرخة
ما انتهينا إلى الاخضرار الصديق.
وقد لا تكون الجهات إلا تعبيراً عن الوجهة التي يتردد الشاعر عليها أو يهرب منها فالجهات رموز تحرك الصورة التي نشأت من أحاسيس حرّكت المشاعر لتظهر في المعاني، فالقيم الشعورية هي أهم ما يطرب لها المتلقي لتكمل مثلث الإدهاش والتأمل والإطراب في القصائد الحديثة التي تتجرد من القافية والأوزان والمعاني بصورها التقليدية.
والصايغ شاعرٌ كلاسيكي يعي أهمية الوزن في تحريك الأحاسيس وإطراب المتلقي لذا وجدنا في المثال السابق وفي قصيدة (الرايات) نجده يستخدم جهة الشرق رمزاً للفقد بصورة غير مباشرة وكأن في الجهات الأخرى عالم يختلف عن جهة الشرق:
شرق بيتي أقاليم منسية
وحدائق آيلة للسقوط
شرق بيتي
شوارع آيلة للسقوط
شرق صوتي
مدارس قد سقطت
أين نكمل درس القراءة
وربما يعود سبب اهتمام الشاعر بالمكان كحيز يحوي جسمه وكفضاء قريب من جسمه وكجهات يتحرك منها جسمه إلى وأحسب أنه عبّر عن أكثر من ذلك في قصيدة (رسم بياني لأسراب الزرافات) حين رمز إلى موت الطبيعة، وهو المكان حول الشاعر بموت جميع أنواع الأشجار حتى وصل إلى أشجار النخيل في هذا المقطع ليبقى الشاعر وحيداً في نهاية القصيدة:
وتموت أشجار النخيل واقفة
كأنما هي تتهيأ لقبورها الواقفة
ويموت الهواء غالباً
من شدة الاختناق
وحين يموت الهواء
تصبح حياة الناس
مملة نوعاً ما
فيمضون إلى الأشجار الميتة بفؤوسهم
ويصنعون من أخشابها
ورق كتابة لإثارة الأحزان
وورق "كلينكس" لتجفيف الدموع.
والرائع في هذه القصيدة أن الأشجار تموت لوحدها والناس يأتون بعد ذلك بفؤوسهم ليقطعوا الأشجار الميتة ويكتبوا على أوراقها أحزانهم ويجففوا بها دموعهم وهنا يترك الشاعر مستمعيه حيارى في نهاية القصيدة مع الأسئلة المفتوحة وهذا أسلوب مبدع حين ينقل الصايغ حيرته إلى الآخرين بأسلوب غير مباشر وتزاوج فني مركّب بين التأمل والدهشة.
وفي فصل "الموت" يلفت محمد نور الدين إلى اقتران ذكر الموت بالمرأة في شعر الصايغ، كما في (قصيدة حب):
تمنيت لو كنت عطرك،
حتى أموت قليلا
تمنيت لو كنت شالك
حتى أعيش قتيلا
تمنيت لو كنت خط الحياة بكفك،
حتى أطولا.
وفي فصل "عوالم الشاعر" يقول المؤلف: "دأب الصايغ على تحويل نصه إلى عالم جديد مختلف، وهذا العالم ليس متاحاً إلا لمن يريد أن يولد من جديد، بلا تجربة سابقة ليتعرف على أبعاد عالمه أو لمن يريد أن يحلم بعالم جديد يستطيع استيعابه، مهما اختلفت فيه الثوابت التي لا يخطر بأذهان بعض المتلقين يوماً أن تتغير، ومن الصعب جداً أن نحوي كل عوالم الشعر في هذا الفصل المختصر كون كل قصيدة من قصائد الصايغ قد تحملك إلى عالم جديد، يختلف عن العوالم التي تطرق إليها سابقا، لذا أترك للقارئ الكريم لذة تذوق تجربة شاعرنا، من خلال أعماله الكاملة".
ويختم الكتاب، "إن هذه القراءة النقدية المختصرة ليست إلا دليلاً على بيان أهمية مرحلة مهمة من الشعر الإماراتي الحديث، ودليلاً على الإضافات المهمة التي قدمها حبيب الصايغ إلى الشعر العربي الحديث".
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: تفجيرات البيجر في لبنان رفح أحداث السودان الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية الإمارات
إقرأ أيضاً:
طلاب الثانوية العامة بالفيوم: امتحان الكيمياء صعب وفوق المستوى.. والجغرافيا سهلة
أبدى طلاب الثانوية العامة بمحافظة الفيوم آرائهم بشأن امتحانات اليوم، والتي أُجريت في مادتي الكيمياء لطلاب الشعبة العلمية، والجغرافيا لطلاب الشعبة الأدبية، واستمرت لمدة ثلاث ساعات في أجواء هادئة نسبيًا داخل اللجان.
وأكد عدد كبير من طلاب الشعبة العلمية أن امتحان مادة الكيمياء جاء فوق مستوى الطالب المتوسط، مشيرين إلى أنه تضمن العديد من الأسئلة التي تعتمد على الفهم العميق والتحليل، وليس الحفظ فقط، واشتكى بعض الطلاب من ضيق الوقت مقارنة بطبيعة الأسئلة، التي وصفوها بأنها "تعجيزية" وتحتاج إلى تركيز ودقة عالية، كما أشاروا إلى أن بعض الأسئلة غير مباشرة وتحتاج إلى التفكير العميق، ما سبب ارتباكًا لدى العديد منهم.
في المقابل، أعرب طلاب الشعبة الأدبية عن ارتياحهم النسبي عقب أداء امتحان مادة الجغرافيا، مشيرين إلى أن الورقة الامتحانية جاءت مباشرة وفي متناول الطالب المتوسط، مع تنوع في الأسئلة شمل جميع أجزاء المنهج بشكل متوازن.
أوضح الطلاب أن الامتحان جاء خاليًا من التعقيد، واعتمد بشكل أساسي على الفهم العام للمحتوى الدراسي، ما ساهم في رفع معنوياتهم.
وعلى صعيد آخر، أكد عدد من أولياء الأمور الذين تواجدوا أمام لجان الامتحان، أن أبناءهم واجهوا صعوبات كبيرة في امتحان الكيمياء، مطالبين بمراعاة ذلك في تصحيح الأوراق، فيما أعرب آخرون عن ارتياحهم لسلاسة امتحان الجغرافيا، متمنين أن تكون باقي الامتحانات في نفس المستوى.
يُذكر أن امتحانات الثانوية العامة لهذا العام تُجرى وسط إجراءات أمنية واحترازية مشددة داخل اللجان، حرصًا على سلامة الطلاب وتنظيم سير الامتحانات بسلاسة.