ابن المقفع والعلاقة التكافلية بين البرهان وحميدتي التي أشعلت حرباً أهلية في السودان
تاريخ النشر: 24th, September 2024 GMT
د. عبد المنعم مختار
أستاذ جامعي متخصص في السياسات الصحية القائمة على الأدلة العلمية
"ومن كان إنما يصول على الناس بقوم لا يعرف منهم الموافقة في الرأي والقول والسيرة، فهو كراكب الأسد الذي يوجل من رآه، والراكب أشد وجلاً." – ابن المقفع في "رسالة الصحابة"
إن تمدد قوات الدعم السريع تحت قيادة البرهان لم يكن مجرد نتاج لزمالة السلاح بينه وبين حميدتي في ساحات القتال بدارفور واليمن، بل كان الأمر أعمق وأكثر تعقيدًا.
لكن حميدتي، الذي أظهر تمردًا مبكرًا على الجيش في عام 2007 إثر تهميشه بعد توقيع اتفاق أبوجا للسلام، لم يكن أداة طيعة في يد أي سلطة. فقد تمرد على البشير ثم ابن عوف خلال يومين متلاحقين في 2019، مما أدى إلى إقصائهما، وهو ما يعكس حقيقة أن ولاءه لم يكن سوى لمصالحه الخاصة ومصالح من يدينون له بالولاء القبلي والريعي، مما جعله يتحرك وفق منطق القوة والفرص المتاحة له.
هذا الواقع يعكس تمامًا ما وصفه ابن المقفع، إذ إن الاعتماد على قوة خارجية قد يمنح الحاكم شعورًا بالقوة المؤقتة، لكنه في الحقيقة يزيد من هشاشته. اعتقد البرهان أن قوات الدعم السريع ستكون سنده في مواجهة خصومه داخل الجيش من الإخوان المسلمين ومن غيرهم من المنافسين، إلا أن هذه العلاقة كانت دائمًا قابلة للانفجار، كونها قائمة على تحالفات مؤقتة ومصالح متغيرة.
اعتماد البرهان على قوات الدعم السريع لم يكن مجرد استغلال لزمالة سابقة في ميادين القتال، بل كان نتيجة لإدراكه أن حميدتي يمتلك قوات مدربة ذات خبرة ميدانية، خاصة من خلال صراعات دارفور واليمن، وهي قوات أثبتت كفاءتها في العمليات القتالية. هذا جعل البرهان يرى في حميدتي شريكًا استراتيجيًا يمكن الاعتماد عليه في تعزيز نفوذه. بالمقابل، قام البرهان بتوسيع مهام قوات الدعم السريع وتركيز سلطات إدارتها في يد حميدتي من خلال تعديل قانون قوات الدعم السريع بعد حوالي شهر من فض اعتصام القيادة العامة، وهو ما اعتبره البعض مكافأة لحميدتي على تعاونه. وتبع هذا التعديل تعديل آخر أكثر خطورة، حيث ألغى البرهان المادة 5 من القانون، مما ألغى الحالات التي تخضع فيها قوات الدعم السريع لقانون القوات المسلحة، وسحب من رئيس الجمهورية صلاحيات دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة السودانية حتى دون موافقتها. بهذا التعديل، وغيره من الإجراءات، أطلق البرهان عنان قوات الدعم السريع ونقل لجامها من رأس الدولة إلى رأس المليشيا.
ومع ذلك، كانت هذه العلاقة محكومة بالمصالح المؤقتة والمخاطر المتأصلة. فعندما شعر حميدتي بأن مصالحه الشخصية والقبلية والدارفورية قد تتعرض للخطر، لم يتردد في التمرد على القيادة المركزية، مما يؤكد أن الاعتماد على قوة خارجية وغير موالية تمامًا للجيش النظامي كان مغامرة خطيرة.
تمرد حميدتي في 2007 و2019 يظهر بوضوح استعداده للتخلي عن أي ولاء للنظام المركزي إذا ما شعر بأن ذلك يهدد مصالحه الشخصية أو القبلية أو الجهوية. هذا التمرد يعكس طموحه الذي يتجاوز كونه مجرد قائد تقليدي لمليشيا حكومية، بل يسعى لتعزيز نفوذه العسكري والسياسي على حساب السلطة المركزية.
قدم د. سلمان محمد أحمد سلمان في 20 سبتمبر 2024 عرضًا مفصلًا بعنوان "دور ومسؤولية البرهان في بروز وتمدّد حميدتي وقوات الدعم السريع"، ولا مزيد عليه. لكننا في مقالنا هذا رصدنا الدوافع الرئيسية والمسهلات الفرعية التي دفعت البرهان لإقامة علاقة تكافلية مؤقتة مع حميدتي، وهي الاستقواء بأسد حميدتي، رفيق الميدان في دارفور واليمن، ضد رفقاء السلاح في الجيش.
التاريخ لن ينسى كيف فرط البرهان في الأمن القومي السوداني، متمسكًا بسلطته على حساب سلامة أربعة عشر ولاية سودانية وأهلها الطيبين، بينما تستمر ألسنة الحرب في الاشتعال، مهددة بتوسيع رقعة الدمار.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: قوات الدعم السریع لم یکن
إقرأ أيضاً:
قتلى بقصف لقوات الدعم السريع وتحرك جديد للجنائية الدولية بشأن دارفور
سقط 12 شخصا بين قتيل وجريح إثر قصف لقوات الدعم السريع شرقي مدينة الأبيض في ولاية شمال كردفان وسط السودان، في حين عقدت المحكمة الجنائية الدولية اجتماعا في لاهاي مع النائب العام السوداني.
وقال مصدران عسكريان للجزيرة إن مسيّرة تابعة لما سمياها مليشيا الدعم السريع قصفت ظهر اليوم السبت ساحة قرب من مركز للشرطة في حي طيبة جنوب شرقي مدينة الأبيض.
وأكد المصدران أن القصف أدى إلى مقتل 3 أشخاص على الأقل وإصابة 9 آخرين وُصفت حالة بعضهم بالخطرة.
وفي وقت سابق، قال مصدر عسكري للجزيرة إن الجيش قصف مواقع للدعم السريع في بلدة أم عدارة جنوبي كردفان.
وأضاف المصدر أن قوات الدعم السريع قصفت مدينة أم روابة، مما أدى إلى إصابات بين المدنيين.
وأشار إلى أن طائرة مسيّرة لقوات الدعم السريع استهدفت مواقع للجيش في مدينة كوستي بولاية النيل الأبيض جنوبي البلاد، مشيرا إلى أن الاستهداف أدى إلى تدمير عربة قتالية للجيش وإصابة ركابها.
وتشهد ولايات إقليم كردفان الثلاث (شمال وغرب وجنوب) اشتباكات ضارية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ أسابيع أدت إلى نزوح عشرات الآلاف في الآونة الأخيرة.
مصادر أمنية للجزيرة: 3 قتلى و9 جرحى في غارة بمسيرة تابعة للدعم السريع على حي سكني بمدينة الأبيض في كردفان#الأخبار pic.twitter.com/umSvJmHrGk
— قناة الجزيرة (@AJArabic) December 13, 2025
خفض التمويلوعلى صعيد الوضع الإنساني، قال برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة إنه سيضطر إلى خفض حصص الغذاء المقدمة للمجتمعات التي تواجه المجاعة في السودان اعتبارا من الشهر المقبل بسبب نقص التمويل.
ووصف نائب رئيس البرنامج الوضع في السودان بأنه أسوأ كارثة على مستوى الغذاء في العالم، حيث يعاني 20 مليون سوداني من سوء التغذية، بينهم 6 ملايين يقفون على حافة المجاعة.
إعلانوقال مدير قسم التأهب والاستجابة للطوارئ في البرنامج روس سميث في إفادة مرئية للصحفيين إن البرنامج "سيضطر بدءا من يناير/كانون الثاني إلى خفض حصص الغذاء بنسبة 70% للمجتمعات التي تواجه المجاعة، وبنسبة 50% للمجتمعات المعرضة لخطر الانزلاق إليها".
وأضاف سميث أن الأزمة التمويلية مرشحة للتفاقم خلال الأشهر المقبلة، مشيرا إلى أنه "اعتبارا من أبريل/نيسان سنواجه حالة انهيار على صعيد التمويل"، مما يهدد قدرة البرنامج على الاستمرار في تلبية الاحتياجات الغذائية الأساسية لملايين المحتاجين بالسودان.
"الجنائية الدولية"
من ناحية أخرى، كشفت المحكمة الجنائية الدولية عن عقد لقاء هذا الأسبوع في مقرها بلاهاي جمع نزهة شميم نائب المدعي العام بالنائبة العامة السودانية انتصار أحمد عبد الله.
وأوضحت المحكمة في منشور على منصة إكس أن اللقاء كان بنّاء وتناول الأوضاع في السودان وآفاق التعاون في ما يتصل بالتحقيقات التي يجريها مكتب المحكمة بشأن إقليم دارفور.
وأشارت إلى أنها كانت قد أكدت سابقا مباشرتها تحقيقات بشأن جرائم حرب محتملة وقعت مؤخرا في دارفور.
وفي السياق ذاته، دعا السودان المجتمع الدولي إلى الوقوف مع ما سماه الجانب الصحيح من التاريخ بتكثيف الضغوط وتصنيف قوات الدعم السريع كيانا إرهابيا.
وقال مندوب السودان الدائم لدى الأمم المتحدة السفير مجدي أحمد مفضل في إحاطة للبعثات الدبلوماسية المعتمدة بفيينا بشأن الأوضاع الإنسانية في السودان إن تجاهل المجتمع الدولي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية التي ترتكبها قوات الدعم السريع منذ اندلاع الحرب شجعها على التمادي في ارتكاب المزيد من الجرائم المروعة والفظائع غير المسبوقة.
العقوبات البريطانيةبالمقابل، قال الباشا طبيق مستشار قائد قوات الدعم السريع إن العقوبات التي أعلنتها بريطانيا على 4 من قادة قوات الدعم السريع تفتقر إلى الأسس القانونية والبيانات الموضوعية.
وأوضح طبيق على حسابه في فيسبوك أن المملكة المتحدة لم توفد لجان تحقيق مستقلة للتأكد من الاتهامات الموجهة، مشيرا إلى أن الإجراءات التي اتخذتها متحيزة.
واعتبر أن هذه العقوبات تشجع ما سماها الجماعات الإرهابية التي تقاتل إلى جانب الجيش.
ويشهد السودان حربا بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ أبريل/نيسان 2023 أدت إلى مقتل عشرات الآلاف ونزوح نحو 13 مليون شخص، فضلا عن تفاقم أزمة إنسانية توصف بأنها من الأسوأ عالميا.