جريدة الرؤية العمانية:
2025-05-11@08:42:04 GMT

الاستقالة الهادئة

تاريخ النشر: 24th, September 2024 GMT

الاستقالة الهادئة

 

عائشة بنت محمد الكندية

من خلال متابعتي لبرنامج "على الطاولة" والذي يُعرض على إحدى الإذاعات الخليجية، ويتميز بتنوع مواضيعه واستضافته لأشخاص ملهمين ومبدعين، فقد لفت انتباهي بشكل خاص حلقة تناولت موضوع "الاستقالة الهادئة".

وقد دفعني هذا الموضوع إلى الرغبة في مشاركة بعض الأفكار حول هذا المصطلح الذي قد يبدو غريبًا في البداية، ولكنه يعكس تحوّلًا مُهمًا في مفاهيم العمل والوظيفة التي نعيشها اليوم.

في الحقيقة، تُعد "الاستقالة الهادئة" ظاهرة شائعة بين عدد من الأفراد في بيئات العمل المختلفة. وهنا، لا يعني هذا المصطلح التخلي عن الوظيفة بالمفهوم التقليدي، بل هو حالة نفسية وسلوكية يمر بها الموظف عندما يشعر بالإرهاق أو الاستنزاف المستمر في بيئة عمله. وبالتالي، يجد الموظف نفسه عاجزًا عن تقديم المزيد من الجهد، ويتوقف عن السعي لتحقيق الأهداف المهنية التي كان يسعى إليها في السابق. وبدلاً من ذلك، يكتفي بالحد الأدنى من المهام المطلوبة دون مبادرة أو شغف كما كان في بداية مسيرته المهنية.

ومن ناحية الأسباب، يُعد الاحتراق الوظيفي أحد أبرز العوامل التي تؤدي إلى هذا السلوك. كما سبق وأن تطرقتُ إلى هذا الموضوع في مقالي السابق، فإن الاحتراق الوظيفي يجعل الموظف يشعر بالإرهاق المستمر، مما يؤدي إلى فقدانه القدرة على الموازنة بين العمل والحياة الشخصية. وهذا الشعور بالإرهاق يضعف من قدرة الموظف على التحمل ويجعله أقل قدرة على الاستمرار في تقديم الأداء العالي الذي كان يقوم به سابقًا.

إضافةً إلى ذلك، نجد أن غياب التقدير أو المكافآت المناسبة للجهد المبذول هو عامل رئيسي في ظهور الاستقالة الهادئة. وعندما لا يشعر الموظف بأن هناك تقديرًا ملموسًا لجهوده، سواء كان ذلك من خلال ترقية وظيفية أو مكافأة مالية أو حتى مجرد تشجيع معنوي، فإن الرغبة في تقديم المزيد من الجهد تتضاءل تدريجيًا. كما أن بيئة العمل السامة تلعب دورًا كبيرًا في دفع الموظف إلى التراجع عن المشاركة الفعالة في مهام العمل. وعندما يشعر الفرد بأن مكان العمل مليء بالتوترات والصراعات، يصبح من الصعب عليه الحفاظ على الدافع والشغف.

بالطبع، بالرغم من وجود هذه الأسباب التي تؤدي إلى الاستقالة الهادئة، فإنَّ تأثيراتها لا تقتصر على الموظف وحده. بل إنَّ المؤسسة نفسها تتأثر بشكل كبير. ففي الواقع، من أبرز التأثيرات التي تواجهها المؤسسة هو تراجع الإنتاجية والإبداع. إذ يفقد الموظف الدافع لتقديم أفكار جديدة أو حلول مبتكرة، مما يؤدي إلى تدهور الأداء العام للمؤسسة. كما أن هذا التراجع قد ينتقل كعدوى بين الموظفين، حيث يؤدي انتشار الاستقالة الهادئة بين الأفراد إلى انخفاض المعنويات في بيئة العمل.

علاوة على ذلك، للتصدي لهذه الظاهرة والحد من آثارها، يجب على المؤسسات أن تتبنى استراتيجيات تُعزز بيئة العمل الإيجابية. ومن الضروري أن تكون هناك منصات حوار مفتوحة تتيح للموظفين التعبير عن آرائهم ومشاكلهم بشكلٍ مريح. وأيضًا، ينبغي توفير فرص للتطوير المهني والتدريبات المستمرة التي تُسهم في تحسين مهارات الموظفين وتعزيز شعورهم بالتقدير. كذلك، توفير برامج تدعم التوازن بين الحياة المهنية والشخصية يُعد أمرًا بالغ الأهمية. وعندما يشعر الموظف بأن لديه القدرة على إدارة حياته بشكل متوازن، فإنه سيكون أكثر قدرة على الاستمرار في تقديم أداء عالٍ دون الشعور بالإرهاق أو الاستنزاف.

ومن جهة أخرى، من الحلول التي يمكن أن تساهم في تحسين بيئة العمل وتجنب الاستقالة الهادئة هو تعزيز نظام المكافآت للأداء الجيِّد. فسواء كانت المكافآت مالية أو تقديرية، فإنَّ شعور الموظف بالتقدير يحفزه على الاستمرار في بذل المزيد من الجهد والإبداع. كما أنه من المهم أن تتيح المؤسسات الفرص للترقية والتطور المهني، حتى يشعر الموظف بأنَّ هناك مجالًا للتقدم والنمو في مسيرته المهنية.

وفي ختام المقال، يجب أن ندرك أن "الاستقالة الهادئة" ليست مجرد مشكلة يمكن تجاهلها، بل هي ظاهرة تعكس تغيرًا عميقًا في علاقة الموظف بعمله. ولذلك، تحتاج المؤسسات إلى إعادة التفكير في سياساتها تجاه الموظفين، والعمل على خلق بيئة عمل تدعم النمو الشخصي والمهني. كما أنَّ تحقيق الأداء المستدام يتطلب دعمًا نفسيًا ومهنيًا للموظفين، مما يسهم في بناء بيئة عمل مثمرة تحقق النجاح لكل الأطراف.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

ألسن عين شمس تستضيف ندوة نحو بيئة جامعية دامجة لمركز ذوي الإعاقة

استضافت كلية الألسن بجامعة عين شمس ندوة "نحو بيئة جامعية دامجة"، التي نظمها مركز ذوي الإعاقة بالجامعة تحت رعاية أ.د.محمد ضياء زين العابدين، رئيس الجامعة، والدكتورة سلوى رشاد، عميد الكلية، وإشراف الدكتورة هالة سيد متولي، وكيل الكلية لشئون التعليم والطلاب، الدكتورة رنا الهلالي، مدير المركز، بحضور الدكتور مصطفى الشاهد، نائب مدير المركز، الدكتورة ريهام القاضي، مدير وحدة الإرشاد الأكاديمي والدعم الطلابي بالكلية، ولفيف من السادة رؤساء الأقسام وأعضاء هيئة التدريس والهيئة المعاونة وطلاب الكلية.

خلال كلمتها الافتتاحية، أكدت الدكتورة سلوى رشاد، عميد الكلية، أن تحدي الإعاقة يمثل أحد أهم النماذج التي يمكن أن تسهم في تطوير المجتمع الجامعي، مشيرة إلى أن الكلية تواصل جهودها لدعم الطلاب من ذوي الإعاقة، من خلال تقديم بيئة تعليمية شاملة تتيح لهم التفوق والاندماج، وأشارت إلى أن كلية الألسن بجامعة عين شمس بها العديد من النماذج النشرفة للطلاب من ذوي الإعاقة منهم من يعمل ضمن أعضاء هيئة التدريس والهيئة المعاونة بها، إلى جانب مجموعة من الخريجين المتميزين الذين يشغلون وظائف مرموقة.


مشيرة إلى أن الخطة الاستراتيجية للدولة المصرية اليوم أصبحت تولي بالغ الإهتمام بذوى الإعاقة؛ ولعل المجتمع الجامعي اليوم يشهد نقلة نوعية في التعامل مع الطلاب من ذوى الإعاقة بأنواعها و توفير العديد من برامج التأهيل والدمج مع زملائهم في قاعات المحاضرات، بالإضافة إلى التواصل مع الشركات المختلفة لتدريب الطلاب ذوي الإعاقة على إحتياجات سوق العمل وفتح مجال توظيفهم بتلك الشركات على نطاق أكبر.

ومن جانبها، أكدت أ.د.هالة سيد متولي، وكيل الكلية لشئون التعليم والطلاب، أن الكلية تسعى لتوفير بيئة آمنة ومناخ أكاديمي داعم للطلاب من ذوي الإعاقة، من خلال خطوات مدروسة، مثل تخصيص يوم لقاء للتعرف على احتياجاتهم بشكل مباشر من خلال تواصلهم مع أولياء أمورهم، كما تحرص إدارة الكلية على توفير قنوات اتصال مباشرة مع طلابها من ذوي الإعاقة لتذليل كافة العقبات التى يقابلونها.

من جانبها، تحدثت أ.د. رنا الهلالي، مدير المركز، عن الجهود المبذولة لتحسين بيئة الجامعة بما يتناسب مع احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة، مشيرة إلى أن المركز يضع خطة استراتيجية سنوية تشمل توعية الأسر والأشخاص ذوي الإعاقة أنفسهم، إلى جانب دورات تدريبية في مجالات مثل اللغة العربية، الإنجليزية، والعصا البيضاء.
كما أكدت على أهمية مبادرات الصحة النفسية التي يتم تنظيمها لدعم الطلاب وأسرهم، وذلك لتسهيل اندماجهم في المجتمع الجامعي.

واشارت أ.د.رنا الهلالي، إلى أنه هناك أكثر من ٣٥٠٠ طالبًا من ذوي الإعاقة في جامعة عين شمس، وهم مسجلون في مختلف الكليات. فيما يتعلق بملف الإتاحة، أكدت أن الجامعة تعمل على توفير سبل الإتاحة في جميع الكليات، سواء في المباني أو القاعات الدراسية، وأنه يتم مراعاة كافة الأكواد الخاصة بتيسير الوصول للطلاب ذوي الإعاقة في جميع المشاريع الجديدة.

فيما يتعلق بالدعم النفسي، أشارت الدكتورة رنا الهلالي، إلى أن المركز يولي اهتمامًا كبيرًا بتقديم الدعم النفسي للطلاب من خلال عقد لقاءات توعية مع الأهالي وأساتذة الطب النفسي، حيث توجد وحدات داعمة للطلاب في كل كلية تابعة للمركز.

بينما تناول الدكتور مصطفى الشاهد، نائب مدير المركز، آداب التعامل مع ذوي الإعاقة مشيرًا إلى أنه يُعد احترام الآخر وتقدير اختلافاته سمة من سمات المجتمعات المتحضرة، ويأتي في مقدمة ذلك حسن التعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقة،  فالتعامل السليم معهم لا يتطلب سوى وعي، احترام، وإرادة لتقدير الإنسان كإنسان بغض النظر عن إعاقته.

أولاً فهم مفهوم الإعاقة
من الضروري إدراك أن الإعاقة ليست نقصًا أو عجزًا، بل هي حالة إنسانية طبيعية، يتعايش معها الملايين حول العالم، وقد يكون الشخص من ذوي الإعاقة متميزًا في مجالات متعددة مثل الفن، الرياضة، العلم، أو غيرها.

وأوضح آداب الحديث والتواصل، فيجب مخاطبة الشخص ذي الإعاقة مباشرة، وليس من يرافقه، لا تتحدث إليه بصوت مرتفع أو ببطء مبالغ فيه إلا إذا كان يعاني من ضعف في السمع أو الإدراك، استخدام لغة محترمة ولائقة، وابتعد عن المصطلحات السلبية أو الترحم مثل: "مسكين" أو "ربنا يعينك".
وعن  التعامل الجسدي شدد على أهمية أن لا تُقدم المساعدة إلا إذا طلبها الشخص أو بدا واضحًا أنه بحاجة إليها، لا تمسك بمعداتهم الشخصية مثل الكرسي المتحرك أو العصا البيضاء دون إذن، اجعل مستوى نظرك في مستوى نظره إن كان جالسًا على كرسي متحرك.

واستطرد حديثة مشيرًا إلى أهمية احترام الاستقلالية فالأشخاص ذوي الإعاقة يمتلكون إرادة واستقلالية، لذلك يجب احترام قراراتهم وعدم فرض الرأي أو الافتراض بأنهم لا يستطيعون فعل شيء.

وعن دمجهم في المجتمع فأشار إلى أن أهمية التعامل الطبيعي وعدم المبالغة في المساعدة أو الشفقة يعزز من شعورهم بالاندماج. كما أن إشراكهم في الأنشطة المجتمعية والتعليمية والعملية يعزز من كفاءتهم وثقتهم بأنفسهم.

وشهدت الندوة نقاشات حول كيفية تعامل أعضاء هيئة التدريس والهيئة المعاونة مع الطلاب ذوي الإعاقة وتوفير بيئة تعليمية لدمجهم في المجتمع، وفي الختام قامت الدكتورة سلوى رشاد، عميد الكلية بتقديم درع للدكتورة رنا الهلالي، تقديرًا لمجهوداتها في الارتقاء بالعملية التعليمية وتسخير كافة إمكانيات الجامعة لخدمة أبناء الجامعة ذوي الإعاقة.

طباعة شارك كلية الألسن مركز ذوي الإعاقة ذوي الإعاقة

مقالات مشابهة

  • ألسن عين شمس تستضيف ندوة نحو بيئة جامعية دامجة لمركز ذوي الإعاقة
  • ألسن عين شمس تستضيف ندوة "نحو بيئة جامعية دامجة" لمركز ذوي الإعاقة
  • قانون العمل الجديد يحظر تشغيل الموظف أكثر من 8 ساعات يوميا
  • علاء نصر الدين: تراخيص الشركات إلكترونيا يخدم بيئة الاستثمار
  • الحضور والانصراف في المدارس عبر بصمة الصوت والوجه والإصبع
  • المالية تُحدد السن التقاعدي للموظف (وثيقة)
  • وزير الاقتصاد والصناعة يبحث في إدلب تطوير بيئة العمل ودعم المشاريع ‏المحلية
  • التراجع عن الاستقالة خلال أسبوع.. قانون العمل الجديد ينتصر للموظفين
  • تبدأ بالإنذار وتصل للفصل من العمل.. جزاءات تأديبية على الموظف المقصر
  • أبرزها السفر للعمل بالخارج.. إجازة بدون أجر للموظف بهذه الحالات