عائلات فلسطينية في صيدا تفتح منازلها لنازحي الجنوب
تاريخ النشر: 26th, September 2024 GMT
صيدا – مع تفاقم أزمة النزوح نتيجة التصعيد العسكري الإسرائيلي والغارات الجوية، بادرت عائلات من اللاجئين الفلسطينيين في مدينة صيدا إلى استقبال عشرات اللبنانيين النازحين من مناطق المواجهة في الجنوب.
وفي منطقة سيروب المحاذية لمخيم عين الحلوة، خصّص فلسطينيون مركزًا لإيواء العائلات اللبنانية النازحة في مدرسة درب السيم الرسمية، ووفروا لهم الخدمات الأساسية كالمأوى والغذاء والمستلزمات الضرورية، بالإضافة إلى تسهيل الاتصالات اللازمة للاطمئنان على ذويهم وأقاربهم.
وتؤكد العائلات النازحة أن هذه المبادرة تمثل تعبيرًا حقيقيا عن العلاقات الإنسانية النبيلة والروابط الأخوية القوية بين الشعبين اللبناني والفلسطيني، اللذين يتشاركان وحدة المسار والمصير في مواجهة الحرب مع إسرائيل، بعد فتح جبهة الجنوب لدعم غزة.
وأوضح منسق لجنة "تجمع شباب سيروب" علاء الجابري أن التجمع وأهالي المنطقة من اللاجئين الفلسطينيين يقومون بدعم واستقبال النازحين القادمين من الجنوب في ظل الحرب الدائرة مع "العدو الصهيوني"، وأشار إلى أن المساعدات تُقدم وفق الإمكانيات المتاحة، مؤكدا أنهم "يعتبرون أنفسهم شعبا وجسدا واحدا".
وأعرب الجابري، في حديث للجزيرة نت، عن تقديره للدور الذي تلعبه المقاومة اللبنانية، مؤكدًا أنهم يقفون إلى جانب أهلهم بكل ما يستطيعون تقديمه بالتعاون مع اللجان الموجودة في المنطقة، ومن خلال العمل داخل مدرسة سيروب. وأضاف أن الجميع ملتزمون ببذل أقصى الجهود لتحقيق التوقعات المرجوة.
محمد، أحد الشبان المتطوعين في مركز الإيواء، يقول للجزيرة نت "نحن الفلسطينيين نعرف جيدًا معنى النزوح، ولذلك كان من واجبنا الإنساني أن نفتح أبوابنا لإخواننا اللبنانيين في هذه الظروف الصعبة". ويضيف أن هذا التعاون ليس بجديد، بل هو امتداد للتضامن المتبادل الذي يتجسد في الأزمات، حيث يصبح الجميع "يدًا واحدة في مواجهة العدو".
تضامن وطني
تجلس العائلات النازحة في الباحة الخارجية لمركز الإيواء هذا، ويمكنك ملاحظة القلق في عيونهم، لكن الإيمان يجمعهم. يتبادلون أطراف الحديث عن المقاومة والصمود والمعاناة. فهذه ليست المرة الأولى لهم في تجربة النزوح، لكنهم يبدون ثباتا وثقة بعودتهم إلى منازلهم وبلداتهم.
تقول اللبنانية فاطمة، إحدى النازحات من بلدة حولا الجنوبية، للجزيرة نت إن الحرب المستمرة منذ 11 شهرًا لم تكسر صمودهم أو إصرارهم على التحمل. وأوضحت أن الأوضاع تغيّرت عندما بدأت إسرائيل تستهدف المدنيين استهدافا مباشرا، مشيرة إلى أن الضربات امتدت إلى مناطق مثل تول والنبطية والكفور، لكنهم بقوا في منازلهم حتى اللحظة التي اقترب فيها القصف من دير الزهراني، مما أجبرهم على المغادرة فورا، دون أن يدركوا كيف تمكنوا من الفرار.
واستعادت فاطمة مشاهد اللحظات الصعبة التي رافقت رحلة نزوحهم المحفوفة بالمخاطر، ووصفت الدمار الكبير الذي حلّ بالمنطقة جراء استهداف المنازل السكنية وتصاعد الغبار والدخان. لكنها بدت ممتنة لتمكنهم من الهروب والانتقال مباشرة إلى منطقة سيروب- درب السيم.
وتشيد السيدة بالدعم الذي تلقاه النازحون في مدرسة درب السيم، حيث استقبلهم أهل المنطقة وإدارة المدرسة بحفاوة بالغة. وترى أن هذا الاستقبال "عكس روح الأخوة والمقاومة المشتركة بينهم"، وقالت "هؤلاء ليسوا مجرد متضامنين، بل إنهم مقاومون يقفون إلى جانبنا في محنتنا".
وأبدت تفاؤلها بعودة قريبة، مشيرة إلى أن "النصر بإذن الله قريب، ولن يطول غيابنا وسنعود إلى بيوتنا قريبًا". وأكدت أن صمودهم واستمرارهم في المقاومة "يعد جزءًا لا يتجزأ من الجهاد الذي يخوضه اللبنانيون جميعًا، سواء على الحدود أو في مراكز النزوح".
وفي مشهد إنساني آخر، فتح عامر شريدي أبواب منزله ومنازل أقاربه لاستقبال عائلات نازحة من النبطية، التي طالتها الغارات الجوية الإسرائيلية بشكل كثيف. وقد توزعت الضربات بين الأحياء السكنية، مما أثار الخوف والرعب في قلوب أبنائها والنازحين إليها معًا.
وفي حديثه للجزيرة نت، قال شريدي "بوصفنا شعبا فلسطينيا من واجبنا استقبال أهلنا من الجنوب، كل ما يقومون به من تضحيات هو من أجل غزة وما يحدث فيها. كما يتضامنون معنا، فمن واجبنا أن نفتح لهم بيوتنا. وإن شاء الله يعود كل واحد إلى بيته، أهل الجنوب هم أهلنا، ونحن مستعدون لتلبية أي طلب أو مساعدة".
ورافقت الجزيرة نت الرجل إلى أحد المنازل التي استقبلت نازحين، حيث التقينا بهم واستمعنا إلى قصة نزوحهم الطويلة حتى وصولهم إلى مدينة صيدا.
وقال حسن رسلان "في بداية المواجهات الحدودية قبل 11 شهرًا، استقبلنا نازحين في منزلنا، كانت عندنا عائلتان من الطيبة، نزحتا أولا إلى النبطية حيث مكان إقامتنا. ولكن مع تصاعد الأوضاع وتدهورها، قررنا جميعًا النزوح نحو صيدا. وتوجهنا أولاً إلى منطقة جون وأقمنا في مدرسة هناك، حتى تواصل معنا شاب من صيدا عرض علينا شقة للإقامة مجانا".
وأضاف "جئنا جميعًا إلى هنا، حيث وجدنا الجميع متعاونًا، إذ فتح الشباب بيوتهم وساعدونا في تأمين كل احتياجاتنا. شكرا على التعاون الكبير الذي تقدمونه لنا".
وتأتي هذه المبادرة في سياق جهود فردية وجماعية مشابهة في مختلف المناطق اللبنانية، حيث توحّد الناس في مواجهة الحرب وتداعياتها، في مشهد يعكس كيف يمكن للتضامن الإنساني أن يتخطى الحدود السياسية والجغرافية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات للجزیرة نت
إقرأ أيضاً:
توماس فريدمان: الإشارات الخاطفة التي رأيتها للتو في إسرائيل
كتب توماس فريدمان أنه رأى هذه المرة إشارات جديدة في إسرائيل تشير إلى أن مزيدا من الإسرائيليين، من اليسار والوسط وحتى من اليمين، يستنتجون أن استمرار هذه الحرب كارثة على بلدهم أخلاقيا ودبلوماسيا وإستراتيجيا.
وذكر الكاتب المعروف بميوله الليبرالية -في عموده بصحيفة نيويورك تايمز- أن رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت، وهو من الوسط، كتب مقالا لم يتردد فيه في مهاجمة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وائتلافه، قائلا إن "حكومة إسرائيل تخوض حاليا حربا بلا هدف ولا تخطيط واضح، ودون أي فرص للنجاح"، وأضاف "ما نفعله في غزة الآن حرب إبادة، قتل عشوائي للمدنيين بلا حدود، وحشي وإجرامي"، وخلص إلى القول "نعم، إسرائيل ترتكب جرائم حرب".
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2باحث أميركي: البوسنة والهرسك فاشلة حتى بعد 30 عاما من التدخل الدوليlist 2 of 2إندبندنت: إسرائيل مستمرة بهدم جسور الثقة بينها وبين الغربend of listأما من اليمين، فهذا أميت هاليفي، وهو عضو حزب الليكود اليميني الذي ينتمي إليه نتنياهو، وهو مؤيد شرس للحرب، يعتقد أن تنفيذها كان فاشلا، وأن إسرائيل لم تنجح في تدمير حماس.
ومن اليسار، صرح زعيم التحالف الليبرالي الإسرائيلي يائير غولان بأن إسرائيل في طريقها إلى أن "تصبح دولة منبوذة مثل جنوب أفريقيا، إذا لم تتصرف كدولة راشدة لا تحارب المدنيين، ولا تتخذ قتل الأطفال هواية".
الحرب أنهكت المجتمعوذكّر فريدمان بأنه لم يُسمح تقريبا لأي صحفي أجنبي مستقل بالتغطية المباشرة من غزة، وبالتالي عندما تنتهي الحرب وتمتلئ غزة بالمراسلين والمصورين الدوليين الأحرار، سيتم الإبلاغ عن حجم الموت والدمار وتصويره بالكامل، وستكون تلك فترة عصيبة للغاية بالنسبة لإسرائيل ويهود العالم.
إعلانولذلك كان غولان، وفقا لفريدمان، محقّا في تنبيهه شعبه إلى ضرورة التوقف الآن، والتوصل إلى وقف لإطلاق النار، واستعادة المحتجزين، وإرسال قوة دولية وعربية إلى قطاع غزة، ولكن نتنياهو أصر على مواصلة الحرب.
ومع استهداف الجيش الإسرائيلي مزيدا من الأهداف الثانوية، تكون النتيجة هي قتل مدنيين من غزة كل يوم، مع أنه ليس ارتفاع عدد الضحايا المدنيين في غزة وحده هو ما يثير غضب الإسرائيليين المتزايد ضد الحرب، حسب فريدمان، بل ما يثيره هو أن الحرب أنهكت المجتمع بأسره.
واستشهد فريدمان هنا بما قاله عاموس هاريل المحلل العسكري لصحيفة هآرتس بأن مؤشرات الفشل تشمل كل شيء من "تزايد حالات الانتحار إلى تفكك العائلات وانهيار الشركات".
وإذا كان العديد من الإسرائيليين يشعرون بأنهم محاصرون من قبل قادتهم، فإن سكان غزة أيضا يشعرون بمثل ذلك -حسب فريدمان- وإذا كان بعض القادة الإسرائيليين سوف يواجهون الحساب عندما تصمت مدافع الحرب، فإن الشيء ذاته سيحدث لقادة حماس بغزة.
وإذا كان قادة حماس قد ظنوا أنهم ينزلون كارثة بإسرائيل، فإنهم -حسب فريدمان- منحوا نتنياهو فرصة لتدمير حليفهم حزب الله في لبنان وسوريا، مما أضعف قبضة إيران على هاتين الدولتين، وحتى على العراق، بل ساعد في إخراج روسيا من سوريا، فيما اعتبرها الكاتب هزيمة مدوية "لشبكة المقاومة" التي تقودها إيران.
وإذا كانت عمليات نتنياهو العسكرية مهدت للانضمام إلى اتفاقيات أبراهام وتطبيع العلاقات مع إسرائيل، كما يرى فريدمان، فإن نتنياهو يضيع فرصة السلام هذه برفضه أن يفعل الشيء الوحيد الذي من شأنه أن يطلق العنان لسياسة المنطقة بأكملها، ألا وهو فتح الطريق أمام حل الدولتين مع سلطة فلسطينية مُصلحة.
قبيلة اليهود ضد قبيلة الديمقراطيةولا عجب أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لا يريد إضاعة الوقت مع نتنياهو، فهو يذهب إلى الدول التي تعطيه، لا إلى الدول التي تطلب منه مثل إسرائيل، ولكن نتنياهو لن يسمح لترامب بصنع أي تاريخ معه.
إعلان
غير أن ترامب، ربما ليست لديه أي فكرة عن مدى التغيير الداخلي الذي طرأ على إسرائيل، خاصة أن العديد من اليهود الأميركيين لا يدركون مدى ضخامة وقوة المجتمع الديني المتطرف والقوميين المتدينين الاستيطانيين في إسرائيل، ومدى اقتناعهم برؤيتهم لغزة كحرب دينية، كما يقول الكاتب.
وقد أوضح الرئيس السابق للكنيست أفروم بورغ، متحدثا عن اليمين القومي المتدين الاستيطاني في إسرائيل "بيبي (لقب نتنياهو) هو في الواقع بيدقهم وليس اللاعب الحقيقي".
وأضاف بورغ "حدِّثهم عن إمكانية تحقيق إسرائيل السلام مع السعودية، يتجاهلونك ويقولون إنهم ينتظرون المسيح، حدثهم عن فرصة إسرائيل لتحقيق السلام مع سوريا، يردون بأن سوريا ملك للشعب اليهودي، حدثهم عن القانون الدولي، يحدثونك عن القانون التوراتي. حدثهم عن حماس، يحدثونك عن العماليق".
وخلص بورغ إلى أن الانقسام الحقيقي في إسرائيل اليوم ليس بين المحافظين والتقدميين، "بل بين القبيلة اليهودية والقبيلة الديمقراطية. والقبيلة اليهودية هي المنتصرة الآن".
وختم فريدمان بمقارنة بين أسلوبي نتنياهو وترامب المتشابهين في تقويض ديمقراطيتيهما، حسب زعمه، فكلاهما يحاول تقويض محاكم بلاده و"الدولة العميقة"، أما الهدف فهو بالنسبة لترامب إثراء نفسه شخصيا ونقل ثروات البلاد من الأقل حظا إلى الأكثر امتيازا، أما بالنسبة لنتنياهو فهو التهرب من تهم الفساد ونقل السلطة والمال من الوسط الإسرائيلي الديمقراطي المعتدل إلى المستوطنين والمتدينين.