دير الزور- يواجه الشباب في ريف دير الزور الشرقي ضغوطا متزايدة نتيجة قلة فرص العمل والبطالة، إلى جانب التحديات المتعلقة بالهروب من التجنيد الإجباري الذي فرضته قوات سوريا الديمقراطية (قسد) على المواليد بين عامي 1998 و2006، حيث زادت هذه المعوقات من الأعباء النفسية والاجتماعية على الشباب، وأثرت سلبا على حياتهم اليومية.

وتقوم قوات "الدفاع الذاتي" التابعة لـ"قسد" بفرض التجنيد الإجباري على الشباب الذين تبلغ أعمارهم 25 عاما. ويعدّ هذا الإجراء شرطا أساسيا للبقاء في مناطق سيطرتها، أو لمن يرغب في الحصول على وظيفة ضمن المراكز التابعة لها، إذ يتعين على المتقدمين للوظائف تقديم "وصل لا مانع" من مكتب الدفاع الذاتي، لإثبات إتمام الخدمة أو إعفائهم منها بمقابل مادي، قبل الموافقة على توظيفهم.

حاجز لقوات الأسايش في بلدة الصبحة شرقي دير الزور (الجزيرة) اعتقالات

تعاني مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية في دير الزور من تصاعد في عمليات الاعتقال وصعوبة التنقل، حيث يتم توكيل مهمة اعتقال المطلوبين إلى قوات الدفاع الذاتي التي باتت تستعين بقوات "الأسايش" (الأمن الداخلي) بقرار من الإدارة الذاتية، مما أدى إلى زيادة في الاعتقالات في المدة الأخيرة.

وبحسب ما ذكر مصدر من قوات الدفاع الذاتي -فضل عدم الكشف عن اسمه- للجزيرة نت، يتم اعتقال 50 إلى 70 شخصا شهريا من كل مناطق دير الزور، مشيرا إلى أن مشاركة الأسايش أسهمت إسهاما كبيرا في تسهيل هذه العمليات بفضل انتشار حواجزها المكثفة في كامل الريف الغربي والشرقي.

ففي حين تتوزع حواجز الدفاع الذاتي بشكل محدود في مناطق مثل المعامل شمالي دير الزور، وبلدات الصبحة والشحيل والبصيرة وأبو حردوب، وصولا إلى مدينة هجين شرقي المحافظة، تنتشر بالمقابل حواجز الأسايش في جميع المناطق الخاضعة لسيطرة "قسد" في دير الزور.

هذا الانتشار الواسع يجعل التنقل للمطلوبين محفوفا بالصعوبات، سواء للعمل أو لتأمين الاحتياجات اليومية، ويجبرهم على اتخاذ طرق وعرة وغير آمنة، حسب ما يقول نايف العبد الله أحد سكان المنطقة، للجزيرة نت.

ويشرح العبد الله معاناته بالقول "أنا المعيل الوحيد لعائلتي، ولا أستطيع التوقف عن العمل أو مغادرة المحافظة في ظل قلة فرص العمل وارتفاع تكاليف المعيشة، وكثير من الشباب مثلي يضطرون إلى استخدام طرق البادية الخطرة لتفادي الحواجز".

طريق وعرة يسلكها الفارّون تجنبا للتجنيد في دير الزور (الجزيرة)

يتعرض الفارّون من الاعتقال لخطر الاعتداءات بعد سلوك الطرق البرية أو انقطاع وسيلة النقل، إضافة الى صعوبة الطريق، حسب ما يقول رداد العليان للجزيرة نت. وقد يفضل آخرون البقاء في منازلهم خوفا من الاعتقال الذي يفضي في النهاية إلى دفع الأموال أو التجنيد الاجباري.

وعند القبض على المطلوبين، يحتجزون في أقرب نقطة تُعرف باسم "مركز القوى"، حيث ينتظرون حتى يكتمل العدد إلى 10 أفراد على الأقل قبل نقلهم إلى مكتب الدفاع الذاتي في منطقة المعامل غربي دير الزور، وفق ما أفاد مصدر خاص من عناصر "قسد" العاملين في مركز التجنيد الإجباري، للجزيرة نت.

بعد ذلك، وبحسب المصدر، يُنقل المعتقلون إلى مراكز تدريب عسكرية، إما في منطقة المعامل أو في محافظتي الرقة والحسكة، حسب الحاجة. وخلال الاحتجاز، يُقدّم للمعتقلين الخبز والشوربة والماء، بينما ينتظرون استكمال العدد المطلوب.

مركز تجمّع المطلوبين للتجنيد في منطقة البصيرة (الجزيرة) ابتزاز مالي

تعدّ ظاهرة الرشوة في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في دير الزور من المشكلات المتفاقمة، في ظل تزايد عدد المطلوبين للتجنيد الإجباري وتدهور الأوضاع الاقتصادية، مما يجعل الأهالي ضحية الابتزاز المالي والرشوة المتعلقة بعمليات التجنيد.

يسعى العديد من الأهالي، خلال هذه الفترة، لدفع مبالغ مالية كبيرة لإطلاق سراح أبنائهم، حيث يُعد عامل الوقت أساسيا في تحديد قيمة الرشوة. وبحسب محمد العبد الله (والد أحد المعتقلين السابقين)، الذي تحدث للجزيرة نت، تراوح قيمة الرشوة بين 100 و200 دولار لدفعها عند الحواجز في المدن والبلدات، لتجنب نقل الشخص إلى مراكز الدفاع الذاتي.

وفي حال تم ترحيل المعتقل إلى المركز الرئيسي للدفاع الذاتي، قد يراوح المبلغ المطلوب دفعه بين 700 وألف دولار. ويضيف العبد الله أنه دفع 700 دولار بعد تفاوضه مع مدير المركز آنذاك، قبل نقل ابنه إلى مكان آخر بعد أن اضطر إلى بيع قطعة أرض كان يمتلكها.

ويروى رامي الخالد للجزيرة نت تفاصيل احتجازه عند حاجز طيار (نقطة تفتيش غير مركزية) في مدينة البصيرة ومن ثم نقله إلى مركز الدفاع الذاتي.

استطاع الخالد من خلال زيارة أحد أقارب المعتقلين إيصال رسالة إلى عائلته عن مكان احتجازه، لتبدأ بعد ذلك المفاوضات مع مسؤولي المركز، التي انتهت باتفاق على دفع 800 دولار أميركي مقابل إطلاق سراحه بشرط دفع المبلغ ذاته لو ألقي القبض عليه مرة أخرى.

وفي ظل هذه الظروف الصعبة، يجد الشبان بريف دير الزور الشرقي أنفسهم أمام خيارات محدودة، بين مواجهة البطالة أو الخضوع للتجنيد الإجباري، مما يفرض عليهم مزيدا من الضغوط التي تؤثر تأثيرا كبيرا على مستقبلهم.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات التجنید الإجباری الدفاع الذاتی فی دیر الزور للجزیرة نت العبد الله

إقرأ أيضاً:

تفاصيل مجزرة المساعدات يرويها غزيون للجزيرة نت

غزة- تتنقل سيدة مكلومة بين جثامين الضحايا في مشرحة مجمع ناصر الطبي بمدينة خان يونس جنوب غربي غزة، باحثة عن بقية أفراد عائلتها الذين فرقتهم قذائف جيش الاحتلال أثناء محاولتهم الحصول على طرد غذائي في مركز لتوزيع المساعدات الإنسانية غرب مدينة رفح.

السيدة التي بالكاد كانت تلتقط أنفاسها من هول الصدمة، قالت للجزيرة نت إنها انتظرت منذ ساعات الليل، مع آلاف الفلسطينيين في منطقة "مواصي رفح"، إلى أن سمحت الشركة الأميركية المشرفة على توزيع المساعدات لهم بالتوجه إلى نقطة التسليم عند الساعة الخامسة والنصف فجر اليوم الأحد.

لكن ما إن تقدم الحشد المتلهف إلى المكان، حتى فتحت طائرات الاحتلال المُسيّرة نيرانها، تبعتها نيران القناصة والقذائف التي أطلقتها الدبابات، في مشهد دموي أسفر عن استشهاد عشرات الفلسطينيين وإصابة آخرين بجروح متفاوتة، في واحدة من أبشع المجازر التي تُرتكب تحت غطاء ما يُسمى "المساعدات الإنسانية".

مجزرة المساعدات

الشاب فارس عبد الغني، الذي قطع أكثر من 25 كيلومترا من مدينة غزة باتجاه رفح بحثا عن الطعام، يروي للجزيرة نت تفاصيل ما جرى قائلا: "بعد ساعات من الانتظار، تحركنا في الطريق الذي حددته لنا الشركة الأميركية، وكان آلاف الجوعى محصورين في شارع واحد، ثم باغتتنا نيران الاحتلال من كل الاتجاهات".

إعلان

وأضاف عبد الغني أنه سمع عبر مكبر صوت مثبت على رافعة تابعة لقوات الاحتلال صوت جندي يصرخ بالعبرية "غزاوي جعان.. برّا!"، قبل أن تطلق النيران بكثافة عليهم من الطائرات المروحية والدبابات والقناصة المنتشرين في مواقع محصنة.

ووصف ما جرى بـ"الكمين"، مشيرا إلى أن قوات الاحتلال منعت سيارات الإسعاف من الوصول إلى الموقع، مما اضطر الناجين إلى استخدام العربات التي تجرها الحيوانات، أو مركبات صغيرة أحضرها المواطنون لنقل المساعدات، في إخلاء الجثامين والمصابين.

ويقول أحد المسنين، وقد غلبته الدموع وهو يروي اللحظات العصيبة "ذهبنا لنحصل على لقمة العيش فوجدنا الموت.. هذه ليست مساعدات إنسانية، أميركا تدفعنا للموت بدل أن تطعمنا".

أطباء فلسطينيون يحاولون إنقاذ حياة طفلة استهدفتها قوات الاحتلال خلال قصف مواقع المساعدات (أسوشيتد برس) ابتزاز جماعي

في مجمع ناصر الطبي، تملأ عشرات الإصابات أرضية المستشفى بعد أن امتلأت غرف العمليات بالحالات الحرجة، في وقت ناشد فيه المستشفى المواطنين في خان يونس التبرع بالدم، لإنقاذ الجرحى الذين أصيبوا في "مجازر المساعدات".

وفي صباح اليوم نفسه، فتحت قوات الاحتلال نيران رشاشاتها تجاه حشود فلسطينية تجمعت قرب جسر وادي غزة عند نقطة توزيع تُعرف بـ"نتساريم"، مما أسفر عن استشهاد مواطن وإصابة 30 آخرين.

وفي تصريح خاص للجزيرة نت، قال مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي بغزة إسماعيل الثوابتة، إن ما يحدث هو "ابتزاز جماعي منظم"، حيث تُستخدم المساعدات كأداة للحرب، وتُشرف عليها شركة أميركية-إسرائيلية بتنسيق كامل مع جيش الاحتلال، الذي ينصب كمائن القتل تحت غطاء "المناطق العازلة".

وأضاف الثوابتة أن هذا النموذج القاتل يحول نقاط توزيع الغذاء إلى مصائد موت جماعي، مشيرا إلى أنه منذ بدء توزيع المساعدات عبر تلك الشركة في 27 مايو/أيار، استشهد أكثر من 49 فلسطينيا وأصيب أكثر من 305، مما يدل على أن الغرض منها ليس الإغاثة بل فرض سيطرة أمنية عبر القتل الجماعي.

إعلان هندسة التجويع

وتفرض إسرائيل حصارا شاملا على قطاع غزة منذ مطلع مارس/آذار الماضي، مانعة دخول المساعدات والمواد الغذائية لأكثر من مليوني فلسطيني، ولم تسمح بدخول بعض الشاحنات إلا بعد ضغوط أميركية في أعقاب إطلاق سراح الجندي الأميركي الإسرائيلي عيدان ألكسندر.

وفي 27 مايو/أيار الجاري، بدأت مؤسسة "غزة الإنسانية" الأميركية توزيع طرود غذائية بكميات محدودة من مركز أقامته غرب مدينة رفح، وأعلنت أنها ستقيم 4 مراكز أخرى وسط وجنوب القطاع. لكن المؤسسة لا تملك قواعد بيانات خاصة بالسكان، ولا تنسق مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) أو أي من المنظمات الدولية المعتمدة، مما تسبب في فوضى كبيرة بمواقع التوزيع.

وقال رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان رامي عبده، إن المجازر المرتكبة بحق الجوعى تؤكد أن إسرائيل تطبق "منظومة هندسة التجويع" عمليا، مستخدمة المساعدات كمصيدة لقتل الفلسطينيين، وليس لإطعامهم.

وأضاف عبده في حديثه للجزيرة نت "إسرائيل أرادت إيصال رسالة للفلسطينيين بأن رفضهم لمقترح ستيفن ويتكوف لا يعني فقط حجب المساعدات عنهم، بل قتل كل من يقترب من نقاط التوزيع".

واتهم عبده المجتمع الدولي والمؤسسات الإنسانية بـ"الاستسلام المعيب" للإرادة الإسرائيلية، محذرا من التعامل مع المجازر على أنها مجرد خلل إداري في آلية التوزيع.

وشدد على أن تولي جيش الاحتلال ملف المساعدات الإنسانية هو من أبرز مظاهر الفشل الإنساني الدولي، مؤكدا أن من يرتكب إبادة جماعية لا يمكن أن يكون مؤتمنا على تحسين أوضاع من يُفترض أنهم ضحاياه.

مقالات مشابهة

  • وزير الدفاع البريطاني الأسبق: حان الوقت لحلفائنا في الكومنولث لدعم الحكم الذاتي في الصحراء المغربية
  • رئيس وزراء بريطانيا: العالم تغير ودخلنا حقبة جديدة في الدفاع والأمن
  • تذاكر مباراة العراق وكوريا.. إقبال خجول وإلغاء شراء القمصان الإجباري
  • الجيش الروسي يسيطر على بلدة جديدة في سومي
  • قوات الدفاع المدني تكثف الجولات التفتيشية بمشعر منى
  • قوات الدفاع المدني بالحج تطلق طائرة الدرون “صقر” ضمن منظومات الإطفاء والإنقاذ
  • بريطانيا ترفع إنفاقها الدفاعي تحسباً لمواجهة محتملة مع روسيا
  • تفاصيل مجزرة المساعدات يرويها غزيون للجزيرة نت
  • صحة دير الزور: كامل أقسام مشفى مدينة الميادين ستوضع بالخدمة منتصف الشهر القادم
  • قتلى بهجوم للدعم السريع على مستشفيين والخرطوم تكافح لمواجهة الكوليرا