ما قصة (النوفـيلا) الفلسطينية المنتشرة هذه الأيام ؟ ما سر ميل الفلسطيني إلى كتابة رواية قصيرة ؟ وذهابه إلى مناطق محظورة، وغريبة عن المضمون الروائي الفلسطيني؟.

هل هناك تفسير آخر غير أن الفلسطيني الكاتب يكتب روايته وهو ينظر بين الصفحة والأخرى من النافذة، مستعجلًا خوفًا من موت سريع؟ يلاحق الموت الإنسان الفلسطيني فـي كل مكان فـي منامه وفـي ذاكرته وحتى فـي مستقبله، قالت لي ابنة عمي الخمسينية أمس مذعورة: (هل سمعت الأخبار؟ اليهود يريدون ترحيلنا إلى منطقة الأزرق فـي عمّان، وهي منطقة صحراوية وهناك سوف نموت من الحشرات والعطش) وهكذا يعيش احتمال الموت فـي بيوت الفلسطينيين كأحد الأبناء تمامًا.

بين يديّ رواية قصيرة (نوفـيلا) للقاص طارق عسراوي (اللعب بالجنود) من إصدار دار طباق للنشر والتوزيع برام الله كنسخة فلسطينية وفـي طبعة عربية عن دار تكوين الكويتية، وهي من الروايات التي ستبقى تحفر داخلي حفرياتها الخاصة، الزمان: الانتفاضة الأولى، من 1987 حتى 1993 ويمتد إلى ما بعد أوسلو، حيث يكبر الأولاد، المكان: حارات جنين، المدينة التي عذبت وحيرت الاحتلال وما زالت تفعل، الشخوص: (زياد وتميم وجميل وأيمن وأبو زياد وأبو تميم وابتهال والمفـيد) تبدأ الرواية بشقاوة صبيان، وحياة يحاول الصبيان أن تكون طبيعية، لكن دوريات الاحتلال وحواجزهم، تأبى إلا أن تكسرها، تمتد الشقاوة الطفلية لتصبح طريقةً للانتقام من كسر الاحتلال لحياة الفلسطينيين، وقد رأيت هذه الطريقة السهلة والطريفة فـي المقاومة فـي باب العامود بالقدس، حيث يتصنع الأطفال حين يغادرون الدرجات نسيان أكياس سوداء محشوة بغائط البشر والحيوانات، فـيدب الذعر فـي جنود المكان، يطردون الناس ويبدأون ورشة فحص لهذا الكيس، الذي يفجرونه عبر (روبوت)، فـيتناثر الغائط على الجنود، وتشع من فوق سور القدس ابتسامات الأولاد.

وهذا ما يفعله صبيان جنين، يمدون أسلاكًا، فـي الطرقات، ويهربون، فـيخاف الجنود، يتسلى صبيان حارات جنين باللعب بالجنود، ليس ملئًا لفراغ فقط، ولكن انتقامًا لسنوات طويلة من التعذيب والقتل والهدم. اللغة فـي الرواية ذكية وهادئة، وتعرف كيف تسبب لنا الانفعال الجمالي، وكأنها نهر طبيعي ينبع من نفسه ويصب فـي نفسه، لا أحد يصرخ فـي هذه الرواية، هنا لا بلاغة فلسطينية معهودة ولا شعر مجانيا يدخله الفلسطيني الكاتب كعادته ليلعب باللغة، أو ليستعرض بها، ويستجدي الدهشة اللغوية، فـي هذه الرواية رأيت طارق عسراوي وهو (يقتل أحباءه) وقتل الأحباء مصطلح لغوي أدبي اخترعته ناقدة بريطانية، وهي تقصد به الجمل الشعرية المدهشة التي تحشر نفسها فـي سياق غير سياقها، فـيضطر الكاتب الذكي إلى قتلها – حذفها.

أجمل ما قدمته لنا الرواية هو صورة اختلاط وتداخل حركة الأولاد الطبيعية فـي الحارات بسياق الاحتلال وتداعياته، ربما هذا يحدث فقط فـي فلسطين.

فـي رواية (اللعب بالجنود) يتلصص الأولاد الأشقياء على نافذة امرأة فاتنة سكنت حديثًا فـي الحارة مع ابنتها الصغيرة بمساعدة غامضة من والد أحد هؤلاء الأشقياء، لكنهم يشاهدون هناك ما يخجلهم من أنفسهم ويربك مشاعرهم، ثمة مقاتل مطارد يبدو أنه زوج هذه المرأة يزورها خفـية، يتعرض الأولاد للتعنيف من قبل الآباء الذين هم رفاق هذا المقاتل المطارد من قبل الاحتلال، لكنهم يحفظون السر، فـي عادة بطولية مبكرة يتمتع بها صبيان جنين.

ماذا نتعلم من هذه التجربة ؟ إن الروائي الذكي هو الذي يكتب رواية غير منفعلة لكنها تسبب للقارئ الانفعال، وهذا ما فعله العسراوي الذي بدأ حياته قاصًا، وقد سألناه عن هذه الانتقالة:

(لم أقصد هذه الانعطافة، أو بصورة أدق لم تكن الرواية ناجمة عن قرار مسبق، فـي بادئ الأمر عزمت على كتابة هذا العمل بصورة القصّة القصيرة، وفـي الأثناء سارت بي شخوص الحكاية إلى مسار درامي رئيسي ثان ومن ثم ولدت شخصيات ضرورية أثناء الكتابة، وهذا جعل الأمر يمتد إلى ما لا تحتمله القصّة القصيرة وتتسع له الرواية برحابة حبكتها، وما يمايزها عن القصّة من مساحات أوسع لحركة الشخصيات وتعددها، وهذا العمل لكونه رواية صغيرة «نوفـيلا» لم أتخلص به من القاصّ وأدواته تمامًا، وأستطيع القول إنّ القاص لا يحتاج فـي «النوفـيلا» إلى جهد كبير وأدوات كثيرة؛ كي يضيفها إلى ما يملكه أساسًا بوصفه قاصًّا).

شكرًا طارق لهذه المتعة وهذا الفضاء الروائي الجديد..

الكاتب فـي سطور

كاتب وحقوقي، صدرت مجموعته القصصية الأولى بعنوان (رذاذ خفـيف) ونالت جائزة سميرة عزّام للقصة القصيرة، تم تلحين وغناء عدد من نصوصه الشعرية من قبل عدّة فنانين فلسطينيين، عضو ومؤسس فـي عدد من الجمعيات الثقافـية والاجتماعية الفلسطينية، مؤسس فـي مشروع طباق الثقافـي، يحمل درجة الماجستير فـي القانون الخاص، ويعدّ الدكتوراة فـي قانون الإثبات، يشغل فـي السلطة القضائية الفلسطينية منصب وكيل النيابة العامة منذ عام ٢٠٠٧، عمل قبلها مذيعًا ومقدّم برامج فـي إذاعات محليّة فلسطينية، يعيش فـي رام الله.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

إعلام الفيوم يستضيف الكاتب الصحفى "محمود مسلم" فى الأحتفال بثورة ٣٠ يونية

استضاف مجمع إعلام الفيوم الكاتب الصحفى الكبير الدكتور محمود مسلم، رئيس لجنة الثقافة والسياحة والإعلام بمجلس الشيوخ ومؤسس قنوات dmc فى اللقاء الذى نظمه المجمع اليوم الأربعاء، للاحتفال بذكرى ثورة ٣٠ يونيه تحت عنوان " ٣٠ يونية إرادة شعب وحكاية وطن " وذلك بقاعة المؤتمرات بالمجمع، وذلك ضمن حملة قطاع الإعلام الداخلى بالهيئة العامة للإستعلامات للاحتفال بثورة٣٠ يونيه على مستوى الجمهورية برعاية وتوجيهات الدكتور أحمد يحيى رئيس قطاع الإعلام الداخلي بالهيئة العامة للاستعلامات وبحضور الدكتور محمد سعد مدير عام إعلام شمال الصعيد.
 

حضر اللقاء العميد أركان حرب هيثم مختار نائبا عن المستشارالعسكرى لمحافظة الفيوم، الدكتور مصطفى ثابت، رئيس تحرير موقع الفجر، الشيخ سلامة عبد الرازق، وكيل وزارة الأوقاف، القس بسادة موريس ممثل الكنيسة، محمد هاشم مدير مركز النيل للإعلام وبمشاركة ممثلى المديريات الخدمية والمجلس القومى للمرأة بالفيوم ورجال الدين الاسلامى والمسيحى 


بدأت فعاليات اللقاء بالسلام الجمهورى وتلاوة بعض آيات من القرآن الكريم وتوالت كلمات الحضور بدأت بكلمة افتتاحية للقاء مع محمد هاشم مدير مركز النيل رحب خلالها بالحضور والضيوف وأكد على أهمية الاحتفال بتلك الثورة العظيمة التى أكدت على وحدة الشعب.


وفى كلمته أيضا وجه الدكتور محمد سعد مدير عام إعلام شمال الصعيد التحية والتقدير للشعب المصرى العظيم والتى كان له الدور الكبير فى استعادة الوطن عندما استشعر الخطر على وطنه وهويته كما وجه تحية للجيش الوطنى الذى استجاب لنداء الملايين التى خرجت فى الشوارع لتصحيح المسار واستعادة مصر بقوتها ووحدتها  .


وخلال كلمة الدكتور مصطفى ثابت رئيس تحرير موقع الفجر أكد على أن تلك الثورة كانت بمثابة نقطة الانطلاق لبناء الجمهورية الجديدة وكانت بداية الطريق لرسم مستقبل وطن أراد شعبه استعادة هويته وأشار إلى أنه رغم التحديات الا هذا الشعب يثبت دائما حبه وانتماؤه لوطنه.


تناول الكاتب الصحفى الكبير الدكتور محمود مسلم في عرضه الشامل المتغيرات والأحداث التي مرت على المسرح السياسي منذ ثورة 30 يونية مسلطًا الضوء على أثرها على مقدرات منطقة الشرق الأوسط، ودور الثورة الفارق في صد ما كان يحاك ضد مصر من مؤامرات لتقسيمها وضرب استقرارها وأمنها القومي، وأكد عل أن الشعب المصرى العظيم الذى خرج بالملايين فى الشوراع للتخلص من تضليل جماعة الإخوان الإرهابية  مؤكدًا أيضا على انحياز الجيش الوطني العظيم وقيادته لمطالب الشعب المصري. 

 

واشار إلى أن هذه الثورة كانت بداية الانطلاق نحو التنمية والبناء واستعرض ما تم من مشروعات تنموية ضخمة  ومبادرات رئاسية كانت لها دور فاعل فى تحقيق الحياة الكريمة للمواطن المصرى مثل مبادرة حياة كريمة، مبادرة 100مليون صحة، مبادرة الكشف فيرس c لافتا إلى أنه خلال العام الذى حكم فيه الاخوان والذى كان يقدم نفسه على أنه رئيس اسلامى لم يبنى مسجد واحد مقارنه بما تم بعد ثورة يونيه فى بناء المساجد والكنائس عل مستوى الجمهورية  وأكد على أنه رغم حجم التحديات التى تمر بها المنطقة إلا أن هناك استقرار سياسى للقرار المصرى علينا أن نفتخر به.


وخلال كلمته وجه العميد اركان حرب هيثم مختار نائب المستشار العسكرى التحية للشعب المصري وأكد على وحدة الوطن بشعبه وجيشه وضرورة الحفاظ على هذه الوحدة، وخلال كلمة ممثل الكنيسة القس بسادة موريس أكد على الوحدة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين والتى كان لها دور كبير فى استعادة الوطن والحفاظ على هويته.


وخلال كلمة الشيخ سلامة عبد الرازق، وكيل وزارة الأوقاف بالفيوم أكد على أن هذا البلد سيظل امنا مستقرا بفضل الله سبحانه وتعالى فمصر التى ذكرت فى القرآن بلد الامن والامان.

 

وأشار إلى ضرورة الوقوف خلف الدولة وقيادتها السياسية والوقوف ضد المتآمرين على هذا الوطن ووجه التحية للجيش المصرى والرئيس السيسى على ما يقدمه لرفعة هذا الوطن  
قدم وأدار فعاليات اللقاء حنان حمدى مدير  برامج مركز النيل.


وشارك فى الاعداد والتنسيق شيماء الجاحد مسئول المتابعة بمركز النيل، نادية ابو طالب أخصائي الإعلام بالمجمع  .

 

 

 

 

 

 

0aac973d-06f5-4022-84b3-7d45771b4bdd 0eddf6cf-9c73-474e-9aa4-1f641dca7f36 05e1115a-3379-4254-8d20-3d4b08e66c18 5d84dc29-f515-4997-ab32-e0c4f434695a 46da7dd1-0913-4df0-8d88-97e4a05a2d96 83abd87d-cc4e-4175-9305-a79d636f922d 585ddd4e-fd51-41c3-8a42-12f6338e7c9d 6842d0d5-3e95-4ab5-a3a8-97d09493f44f 64220e86-139b-4f26-b0e5-8ec7df22f628 a79f3e8d-27f6-46be-8a85-d6abba1fcb23 c2b40670-d5f0-4b37-a824-2c54b5acf1db c562ef7c-3015-4df0-8b2c-bf2adfe10290 ee26db44-ab70-4718-977a-4ec692425f21

مقالات مشابهة

  • 18 رواية من 10 دول عربية على القائمة الطويلة لـ "كتارا"
  • في ذكرى ميلادها.. وداد حمدي خادمة القلوب وسيدة الكوميديا الهادئة (تقرير)
  • وثائقي غزة: أطباء تحت النار.. القناة 4 تكسر احتكار الرواية الإسرائيلية ببريطانيا
  • وفاة الكاتب الصحفي عادل السروجي نائب رئيس تحرير الأهرام المسائي
  • إعلام الفيوم يستضيف الكاتب الصحفى "محمود مسلم" فى الأحتفال بثورة ٣٠ يونية
  • وكيل الأزهر: ختم "شرح علل الترمذي "دليل على عناية الأزهر بالسنة رواية ودراية
  • نادي الأسير الفلسطيني: ارتفاع عدد الصحفيين المعتقلين إداريا بسجون الاحتلال إلى 22
  • من اليونان.. بسنت شوقي تثير الجدل بإطلالة جريئة
  • وكيل الأزهر: ختم «شرح علل الترمذي» دليل على عناية الأزهر بالسنة رواية ودراية
  • القضاء الجزائري يؤيد حكما بسجن الكاتب صنصال 5 سنوات