نقل العاصمة الإدارية إلى عطبرة: استراتيجية أم رد فعل؟
تاريخ النشر: 3rd, October 2024 GMT
“اختيار المدينة قد يكون مرتبطًا بأسباب سياسية أو اجتماعية، مثل تعزيز وجود الجيش في المنطقة أو استغلال قربها من مناطق الصراع لتسهيل الاستجابة للأوضاع الأمنية، أو التعامل مع التوترات المتصاعدة في شرق السودان”
التغيير: كمبالا
كشفت تسريبات صحفية، عن بدء قيادة الجيش، في اتخاذ خطوات عملية لنقل العاصمة الإدارية المؤقتة من بورتسودان، حاضرة ولاية البحر الأحمر، إلى مدينة عطبرة بولاية نهر النيل شمال السودان.
ووفقًا لموقع “دارفور 24″، فإن الترتيبات الأولية تشمل نقل عدد من الوزارات مثل التربية والتعليم العام، والتعليم العالي، والنقل، والمعادن إلى عطبرة كمرحلة أولى، مع التخطيط لنقل كافة المقرات الحكومية تباعًا.
وأكد مصدر حكومي بولاية نهر النيل، وفقًا لما نشره الموقع، أن هناك أعمال صيانة وترميم جارية لمرافق تابعة لهيئة سكك حديد السودان وجامعة وادي النيل بمدينة عطبرة، وذلك استعدادًا لاستقبال الوزارات الاتحادية. كما أشار إلى استمرار توسعة وصيانة مدرج مطار عطبرة، بالإضافة إلى إنشاء صالات جديدة للمسافرين، ما يهدف إلى تجهيز المطار لاستقبال الرحلات المحلية والدولية.
المحلل السياسي وعضو الحزب الشيوعي، كمال كرار، صرح لـ”التغيير” بأن التكهنات حول نقل العاصمة المؤقتة إلى عطبرة قد تكون صحيحة، على الرغم من عدم صدور قرار رسمي بذلك.
وأوضح أن التوترات في شرق السودان، خاصة في ظل قرارات وزير المالية بشأن الموانئ والجمارك التي أثارت استياء السكان، قد تكون من الأسباب الرئيسية وراء هذا التحرك. كما أشار إلى وجود قوات الحركات المسلحة في المنطقة، التي يعتبرها أهالي الشرق مليشيات يجب إبعادها، مؤكدًا أن بقاء الحكومة في بورتسودان قد يؤدي إلى تصعيد الأوضاع هناك، حيث أن المنطقة قابلة للانفجار بسبب مشاكل الفقر، ونقص الكهرباء والمياه، واستغلال إيرادات الموانئ لتمويل الحرب.
وأفاد كرار أن بعض الأصوات في الشرق، مثل تصريحات شيبة ضرار، تعبر عن استياء شعبي واسع ضد وجود الحكومة الحالية في بورتسودان، خاصة بعد حادثة الهجوم على حفل التخريج العسكري في جبيت، مما يجعل المنطقة غير آمنة بالنسبة للحكومة. ويرى أن هذه التطورات قد تكون دافعًا لنقل العاصمة الإدارية إلى عطبرة.
في المقابل، أعرب المحامي عبد الوهاب العطا عن شكوكه حول جدوى نقل العاصمة إلى عطبرة، وقال: (الاخيرة) قد لا تكون المكان المثالي لنقل العاصمة نظرًا لحجمها الصغير وقلة المرافق القادرة على استيعاب المؤسسات الحكومية.
لكنه لم يستبعد في مقابلته مع “التغيير” أن اختيار المدينة قد يكون مرتبطًا بأسباب سياسية أو اجتماعية، مثل تعزيز وجود الجيش في المنطقة أو استغلال قربها من مناطق الصراع لتسهيل الاستجابة للأوضاع الأمنية، أو التعامل مع التوترات المتصاعدة في شرق السودان.
كما أشار إلى أن التحسينات الجارية في مطار عطبرة قد تكون جزءًا من هذا التوجه، إلى جانب استياء سكان شرق السودان من وجود الحكومة في بورتسودان.
من جهة أخرى، يرى الصحفي والناشط زهير عثمان حمد أن اختيار عطبرة يعود إلى رمزيتها التاريخية كمعقل للحركة العمالية والنضال السياسي في السودان، فضلاً عن كونها موطنًا للجيش وكثير من ضباطه.
واعتبر في تحليل له منشور على منصات التواصل الاجتماعي، أن نقل المؤسسات الحكومية إلى عطبرة قد يكون محاولة من الجيش لتثبيت قبضته على السلطة وتجنب المواجهات المباشرة مع المعارضة في المناطق المدنية.
وأضاف أن نقل العاصمة بعيدًا عن الموانئ الرئيسية في بورتسودان يخفف من تأثير المجموعات المعارضة التي قد تتواجد في البحر الأحمر، لكنه أشار إلى أن هذه الخطوة قد تثير تساؤلات حول المركزية في الحكم، إذ أن السلطة قد تتركز في منطقة تحت سيطرة الجيش، مما قد يثير استياء مناطق أخرى تشعر بالتهميش.
الوسومالعاصمة الادارية بورتسودان عطبرة
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: العاصمة الادارية بورتسودان عطبرة
إقرأ أيضاً:
المنطقة أمام تحوّلات استراتيجية كبرى
عند عتبة نهاية الحرب على غزة، تشهد المنطقة تحولات تبدو في طريقها للتبلور بشكل أكثر جلاء ووضوحا، ويمكن القول إن المنطقة تشهد مرحلة انتقالية بين زمنين، بفاعلين جدد، وقواعد ومعادلات مختلفة، وتوازنات جديدة، أنتجتها مرحلة ما بعد انطلاق طوفان الأقصى خلال العامين الأخيرين، وكانت حصيلة الديناميكيات والتفاعلات التي شهدتها المنطقة.
أول تلك التحولات تمثل بتراجع دور إيران، وما تبعه من تراجع دور الفواعل من دون الدولة في المنطقة، وهو الدور الذي صبغ سياسات المنطقة في العقد الماضي بصبغة خاصة وكان له تأثير كبير في صناعة الأحداث وتوجيهها، صحيح أن تأثير تلك الفواعل ما زال ملحوظا في البنى السياسية والاجتماعية في المنطقة، ولكن فعاليتها تراجعت إلى حد كبير، مع تراجع قدرتها على الضبط والسيطرة، وإمكانية أن تكون بدائل فعلية للدولة.
شهدت المنطقة إعادة ترتيب لمكانة دولها، من حيث الفعالية والتأثير، فقد تبوأت تركيا ودول الخليج مكانة مميزة في قدرتها على التأثير في الإقليم وعلى المستوى العالمي، لا سيما الأطراف المنخرطة في معادلات المنطقة، وتأتي الولايات المتحدة الأمريكية في مقدمتها
بناء على ذلك، شهدت المنطقة إعادة ترتيب لمكانة دولها، من حيث الفعالية والتأثير، فقد تبوأت تركيا ودول الخليج مكانة مميزة في قدرتها على التأثير في الإقليم وعلى المستوى العالمي، لا سيما الأطراف المنخرطة في معادلات المنطقة، وتأتي الولايات المتحدة الأمريكية في مقدمتها، حيث باتت هذه الأطراف تملك تأثيرا ملموسا لدى إدارة الرئيس دونالد ترامب، دفعه لممارسة ضغوط علنية على الحليف الإسرائيلي العتيد وإجباره على الانخراط في التسوية، كما كان لهذا التأثير دور في منع إسرائيل من إعلان ضم الضفة الغربية، وهو الأمر الذي كان مُدرجا على خطط إسرائيل وعلى بعد خطوّة من فعله.
لقد ساهمت التحركات العربية- الإسلامية، ودخول باكستان على خط التفاعلات الجارية في المنطقة، لدفع ترامب إلى التدخل، في محاولة لهندسة التوازنات، وإبقاء الولايات المتحدة الأمريكية ضابطا للتفاعلات، لضمان عدم تحول هذه الديناميكيات إلى حالة إقليمية تخرج من تحت السيطرة الإقليمية، وكان شرط هذه التحركات الضمني، الضغط على إسرائيل، وإلا فإن لكل طرف كامل الحرية في تشكيل شبكات أمان استراتيجية تضمن له الحماية.
على ضوء ما تقدم، يمكن القول إن موجة تغيير الشرق الأوسط التي سبق وأن أعلن عنها اليمين الإسرائيلي المتطرف وبدأ بتنفيذها الفعلي، قد تم كسرها. وسبب ذلك يعود إلا أن تداعيات هذا التغيير، بحسب خرائط وخطط اليمين الإسرائيلي، كان ستمس جميع الفاعلين في المنطقة دون استثناء، وبالتالي شعرت غالبية الأطراف بالتحدي الذي تواجهه والذي من شأنه تغيير ليس فقط المعادلات في المنطقة، بل وحتى خرائط الدول ومصائر شعوبها.
دفع هذا الأمر دول المنطقة إلى القيام بهجوم معاكس، وتحويل الخطر الذي وضعه نتنياهو في قلبها، إلى فرصة لعكس الهجمة، وقد تجلى ذلك بوضوح في التحرك الذي قادته السعودية وفرنسا، والذي يهدف إلى إيجاد حل للقضية الفلسطينية يتمثل بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، وتطبيق حل الدولتين، الذي ترفضه إسرائيل اليمينية؛ صحيح أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية رمزيا إلى حد بعيد، لكنه تحوّل إلى معطى تفاوضي وورقة تفاوض قوية وملزمة لدول المنطقة في مواجهة واشنطن التي تضغط من أجل ايجاد هيكلة جديدة للمنطقة تكون إسرائيل أحد مرتكزاتها، وفي مواجهة إسرائيل التي تعتقد أنها قادرة على الفصل بين استمرار رفضها الإقرار بحق الفلسطينيين بدولة مستقلة، وبين إقامة علاقات نافعة مع دول المنطقة.
عند عتبة نهاية الحرب على غزة، قد تحصد المنطقة ثمارا استراتيجية مهمة زرعتها تضحيات الفلسطينيين عبر عامين من الصمود الأسطوري في مواجهة أعتى المتطرفين وأكثرهم همجية
إزاء ذلك، يبدو أن المنطقة ستكون أمام أحد سيناريوهين: الأول، أن تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية هندسة هيكلة إقليمية جديدة، تكون إسرائيل أحد أطرافها، لكن إسرائيل المتخفّفة من أعباء اليمين المتطرف والمعترفة بالحق الفلسطيني، وهو احتمال قد يكون قابلا للتحقّق قياسا بما تنتظره إسرائيل بعد نهاية الحرب، من صراعات سياسية داخلية، قد ينتج عنها إزاحة اليمين المتطرف وعودة اليمين الوسط، والتوصل معه إلى ترتيبات مرحلية للخروج من الأزمة الراهنة عبر ترتيبات مشتركة، أمريكيا وعربيا وإسرائيليا.
أما السيناريو الثاني، فيتمثل في بقاء الأوضاع على ما هي دون تغيير في نهج التعاطي مع الوضعين الفلسطيني والإقليمي، وفي هذه الحالة فإن الأطراف الإقليمية والعربية ستعمل على ترسيخ التوازنات القائمة عبر تدعيم التحالفات وتأكيدها عبر إقامة أطر فعلية بهدف ردع اليمين الإسرائيلي المتطرف من تحقيق أهدافه، حيث يشكل فراغ القوّة محركا خطيرا في اتباع هذا المسار.
عند عتبة نهاية الحرب على غزة، قد تحصد المنطقة ثمارا استراتيجية مهمة زرعتها تضحيات الفلسطينيين عبر عامين من الصمود الأسطوري في مواجهة أعتى المتطرفين وأكثرهم همجية.
x.com/ghazidahman1