أسواق النفط "تحبس أنفاسها" انتظاراً لرد إسرائيلي على إيران
تاريخ النشر: 4th, October 2024 GMT
ارتفعت أسعار النفط إلى أعلى مستوى لها في أكثر من شهر الخميس، مع تكهن المتعاملين بأن إسرائيل قد تشن ضربات انتقامية ضد صناعة النفط الإيرانية.
وارتفعت أسعار خام برنت بأكثر من 5 بالمئة لتبلغ عند التسوية 77.62 دولار للبرميل بعد أن قال الرئيس الأميركي جو بايدن للصحافيين إن مثل هذه الخطوة قيد المناقشة رداً على الهجوم الصاروخي الذي شنته إيران على إسرائيل يوم الثلاثاء.
وعندما سُئل عما إذا كانت الولايات المتحدة ستدعم إسرائيل في ضرب منشآت النفط الإيرانية، قال بايدن: "نحن في نقاش حول ذلك"، على الرغم من أن الرئيس الأميركي في تعليقه المقتضب واصل حديثه قائلاً: "أعتقد أن ذلك سيكون ضعيفاً على أي حال".
وفي الأيام الأخيرة، أجرى مسؤولون أميركيون كبار سلسلة من المحادثات مع كبار المسؤولين الإسرائيليين، في الوقت الذي تحاول فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون الحد من نطاق رد إسرائيل ومنع صراع إقليمي أوسع، بحسب تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، اطلع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" عليه.
ويعتقد المسؤولون الأميركيون بأن رد إسرائيل سيكون مدروسا بدرجة كافية لتجنب إثارة جولات جديدة من التصعيد في مختلف أنحاء الشرق الأوسط.
إشارة قويةوقال مسؤول أميركي إن المسؤولين الإسرائيليين يريدون إرسال إشارة قوية إلى إيران في حين يأملون في وضع حد للصراع. وحذر المسؤول الأميركي من أن إسرائيل لم تتخذ أي قرارات نهائية بعد.
تأتي الثقة الحذرة في أن إسرائيل ستخفف من رد فعلها في الوقت الذي أعلن فيه بايدن وحلفاؤه الغربيون علناً معارضتهم لأية ضربة على المنشآت النووية الإيرانية.
وكان مسؤولون أميركيون وإسرائيليون يناقشون احتمال توجيه إسرائيل ضربات لأهداف عسكرية وبنية تحتية للطاقة. وقال المسؤول الأميركي إن واشنطن لا تتوقع المشاركة في الضربات.
وفي الوقت نفسه، يتزايد القلق بين حلفاء الولايات المتحدة من أن واشنطن تكافح من أجل التأثير على الحكومة الإسرائيلية بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
وقال دبلوماسي أوروبي إن إسرائيل طُلب منها الامتناع عن شن هجوم على البنية التحتية النفطية أو النووية الإيرانية، لكن لا يوجد ما يضمن أن البلاد ستلبي هذا الطلب.
وقال دبلوماسي كبير آخر في الاتحاد الأوروبي: "من المحزن أن نرى مدى ضآلة تأثيرنا على هذه الأحداث.. وهذا يضفي بعض التشاؤم والقدرية على مناقشاتنا بشأنها".
ونفى بايدن الخميس أن يكون للولايات المتحدة حق النقض على تصرفات إسرائيل، مضيفا أنه لا يتوقع ردا إسرائيليا فوريا يوم الخميس. وقال الرئيس الأميركي: "نحن لا نسمح لإسرائيل. نحن ننصح إسرائيل. ولن يحدث شيء اليوم".
وتأتي تصريحات بايدن في ظل مخاوف من اتساع رقعة الحرب. فقد بدأت إسرائيل توغلاً بريا للبنان يوم الثلاثاء بعد أسابيع من القصف المكثف، في حين واصلت حربها المستمرة منذ ما يقرب من عام في غزة.
وبعد أن أطلقت طهران نحو 200 صاروخ باليستي على إسرائيل مساء الثلاثاء ردا على الهجمات على حزب الله المدعوم من إيران ومقتل زعيمه حسن نصر الله، تعهدت إسرائيل بالرد.
وشنت إسرائيل الخميس عدة غارات جوية على بيروت، مما أسفر عن مقتل تسعة أشخاص على الأقل في منشأة طبية مرتبطة بحزب الله في قلب العاصمة اللبنانية، واستهدفت مبنى يستخدمه المكتب الإعلامي للحزب.
وارتفعت أيضا عقود خام غرب تكساس الوسيط، وهو مؤشر النفط الأميركي، بعد تعليقات بايدن، لتستقر عند 73.71 دولار للبرميل يوم الخميس، بزيادة 5.2 بالمئة.
صادرات النفطوتصدر إيران نحو 1.6-1.8 مليون برميل يوميا من النفط الخام والمكثفات، منها 1.5 مليون برميل يوميا تذهب إلى الصين، إلى جانب أكثر من 0.5 مليون برميل يوميا من المنتجات النفطية، وفقا لشركة إنيرجي أسبكتس الاستشارية.
ونقلت الصحيفة البريطانية عن مديرة الأبحاث في شركة إنيرجي أسبكتس، أمريتا سين، إن أسعار النفط قد ترتفع بشكل كبير إذا ضربت إسرائيل مصافي التكرير الإيرانية وإذا ردت طهران بمهاجمة حقول نفط ومصافي أخرى في المنطقة.
وشهدت أسواق النفط العالمية تقلبات منذ بداية الأسبوع بسبب تصاعد التوترات، مع احتمال حدوث اضطرابات في صادرات الطاقة.
ومع ذلك، فإن نقص الطلب من الصين، فضلاً عن وجود أكثر من 5 ملايين برميل يومياً من الطاقة الفائضة لدى منتجي أوبك+ والتي يمكن استخدامها إذا تم خفض الإمدادات الإيرانية، قد ألقى بثقله على السوق.
مشهد غامضفي تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أشار خبير اقتصاديات الطاقة المقيم في لندن، نهاد إسماعيل، إلى أن المشهد الحالي بأسواق النفط يتسم بالغموض والارتباك؛ نظرًا لعدم اليقين بشأن توقيت توجيه ضربة عسكرية محتملة للمرافق النفطية في إيران.
وأضاف إسماعيل: "هذا يثير عديداً من التساؤلات: هل ستكون الضربة جزئية ورمزية كتحذير أو رسالة سياسية لإيران؟ أم أنها ستشمل قصفًا مدمرًا للحقول النفطية، وخطوط الأنابيب، والبنية التحتية الإنتاجية، ومرافق الشحن، وموانئ التصدير؟"
أوضح أن إيران تمتلك أكثر من 100 حقل نفطي وما يزيد على 40 حقل غاز، بما في ذلك الحقول البحرية، مضيفًا: "لكن هل سيتم استهداف معظم هذه الحقول؟ وهل ستشمل الضربات مصافي التكرير أيضًا؟". وأشار إلى أن إيران تواجه صعوبات في تأمين احتياجاتها المحلية من المنتجات المكررة، متسائلًا عن تأثير سيناريو تعطيل الإنتاج والتصدير بالكامل، حيث من المتوقع أن تخسر الأسواق العالمية في هذا السيناريو كميات كبيرة من النفط يوميًا، استنادًا إلى الأرقام الرسمية.
وأكد أنه في حالة حدوث تعطيل جزئي، فإن السعودية والإمارات يمكنهما تعويض هذا النقص بفضل القدرة الإنتاجية غير المستغلة لدى "أوبك"، مشيرًا إلى أن هذه التطورات قد ترفع أسعار النفط بمقدار 10 دولارات للبرميل، ليصل خام برنت إلى مستويات منتصف الثمانينات، وخام غرب تكساس الوسيط إلى أوائل الثمانينات.
وتناول خبير اقتصاديات الطاقة السيناريو الأكثر خطورة، والمتمثل في محاولة إيران الانتقام عبر إغلاق مضيق هرمز، الذي يُعتبر مسارًا بحريًا حيويًا لصادرات النفط والغاز من منطقة الخليج. وأوضح أن هذا السيناريو ستترتب عليه تأثيرات جيوسياسية واقتصادية عالمية، وقد يدفع أسعار النفط إلى مستويات مرتفعة للغاية، تتراوح بين 120 و150 دولارًا للبرميل.
أبرز السيناريوهاتفي تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، توقع المستشار في شؤون الطاقة مصطفى البزركان استمرار ارتفاع أسعار النفط الذي بدأ مطلع هذا الأسبوع، مضيفاً: أسعار النفط قد تتجاوز حاجز 80 دولارًا للبرميل إذا قامت إسرائيل بتوجيه ضربة لمنشآت نفطية إيرانية، إلا أن العامل الأهم هو كيفية رد الفعل الإيراني المحتمل.
وأوضح: "السؤال الرئيسي هو هل ستكتفي إيران بتحمل الضربة دون رد فعل، أم سيكون لها رد؟ وفي حال الرد، ما هو نوعه؟ هل ستستهدف منشآت تكرير النفط أو حقول الغاز البحرية في المياه الإسرائيلية، أم ستتوجه نحو أهداف أخرى؟".
وأشار البزركان إلى أن السيناريو الذي قد يدفع أسعار النفط لتتجاوز 100 دولار للبرميل هو إذا أقدمت إيران على عرقلة الملاحة عبر مضيق هرمز، وهو السيناريو الذي لا ترغب فيه الدول المنتجة أو المستهلكة للنفط نظرًا لتداعياته الكبيرة على الأسواق العالمية.
التوترات وأسعار النفطمن جانبها، أكدت أستاذة الاقتصاد والطاقة بالقاهرة، الدكتورة وفاء علي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن التوترات الجيوسياسية تمثل العامل الرئيسي في تحركات أسواق النفط، خصوصًا مع تصاعد التهديدات المتبادلة.
وأضافت أن تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي حول الرد على إيران، وكذلك مناقشة الرئيس الأميركي لضربة محتملة ضد المنشآت النفطية الإيرانية، تزيد من حالة الغموض في الأسواق.
وأوضحت أن ردود الفعل في منصات التداول كانت سريعة، لتسجل أسعار النفط ارتفاعًا كبيرًا، وصولًا إلى أعلى مستوياتها منذ أكثر من شهر. وأضافت أن الأسواق كانت في ترقب، وحين تصاعدت التوترات إلى تهديدات جدية بشأن تدمير منشآت النفط الإيرانية، وصلت الأسعار حاجز 75 دولارًا للبرميل. وتوقعت أن هذا المستوى سيؤثر بشكل مباشر على كافة مناحي الحياة، مما يعيد التضخم إلى الواجهة ويغير التوازنات الاقتصادية والسياسية، خاصة مع استمرار "أوبك بلس" في خفض الإنتاج الطوعي.
وأشارت إلى أن الخطر يكمن في استمرار إيران بتصدير كميات كبيرة من النفط يوميًا، رغم العقوبات، حيث يتم ذلك عبر ماليزيا إلى الصين ودول أخرى. وأوضحت أن عائدات تلك الصادرات تشكل حصة كبيرة من الإيرادات الإيرانية، وأن ارتفاع المخاطر الجيوسياسية سيؤدي إلى زيادة علاوة المخاطر على أسعار النفط.
وأكدت أن الأسواق تسعّر نفسها وفقًا لتطورات الصراع، وأن الاحتمالات تشير إلى سيناريوهات متباينة للاحتدام، مضيفة: "التحذيرات واضحة، فالعالم يواجه خطر الدخول في ركود اقتصادي إذا تطورت الأوضاع إلى حرب شاملة، وهو سيناريو سيشكل كارثة بكل المقاييس، وسيجعل التضخم أكثر ضراوة من أي وقت مضى".
قفزات مرتقبةفي تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أكد مستشار المركز العربي للدراسات والبحوث ورئيس منتدى تطوير الفكر العربي للأبحاث، أبو بكر الديب، أن توجيه ضربة لمنشآت النفط الإيرانية سيؤدي إلى انفتاح المنطقة على صراع غير محدد العواقب.، موضحاً أن إيران تعد لاعبًا رئيسيًا في سوق النفط وتتمتع باحتياطات كبيرة، مما يجعلها عنصرًا حاسمًا في هذا السياق.
وأشار الديب إلى أن استهداف المنشآت النفطية الإيرانية سيؤدي حتمًا إلى ارتفاع كبير في أسعار النفط. وأكد أن أي رد فعل محتمل من إيران قد يستهدف منشآت نفطية وغازية في إسرائيل أو حتى أهداف أمريكية، مما سيؤدي إلى تصاعد التوترات في المنطقة التي تحتضن نسبة كبيرة من احتياطات النفط العالمية.
كما أضاف الديب أن هناك سيناريوهات متعددة تعتمد على طبيعة الضربة، سواء كانت محدودة أو مؤلمة، مشيرًا إلى أن إيران قد ترد على ذلك باستهداف منشآت حيوية في إسرائيل. وأوضح أن هذا السيناريو قد يقود منطقة الشرق الأوسط نحو الهاوية، مما قد يدفع أسعار النفط إلى تجاوز 150 دولارًا للبرميل، إلى جانب ارتفاع أسعار الغاز، نظرًا لأن المنطقة تعد مصدرًا رئيسيًا للطاقة وتتحكم بشكل كبير في حجم التجارة الدولية. لذا، فإن أي سيناريو للحرب سيؤدي حتمًا إلى قفزات كبيرة في أسعار النفط.
المصدر: سكاي نيوز عربية
كلمات دلالية: ملفات ملفات ملفات جو بايدن إسرائيل منشآت النفط الإيرانية الرئيس الأميركي إيران المنشآت النووية الإيرانية واشنطن أسواق النفط الصين أسعار النفط التضخم النفط أسواق النفط توازن أسواق النفط استقرار أسواق النفط جو بايدن إسرائيل منشآت النفط الإيرانية الرئيس الأميركي إيران المنشآت النووية الإيرانية واشنطن أسواق النفط الصين أسعار النفط التضخم النفط نفط النفط الإیرانیة الرئیس الأمیرکی دولار ا للبرمیل منشآت النفط برمیل یومیا أسعار النفط کبیرة من أن إیران أکثر من إلى أن
إقرأ أيضاً:
العدو الذي يتحدث لغتك.. خطة إسرائيل الجديدة لاختراق المجتمعات
في محاولة للتمدد داخل المجتمعات العربية، يعمل الاحتلال الإسرائيلي على صناعة جيل من عناصر الاستخبارات والجنود المتحدثين بالعربية بلهجاتها المتنوعة، كأداة اختراق تتجاوز البندقية والدبابة إلى محاولة السيطرة على العقول.
"إسرائيلي يتحدث لهجتك، يغني أغانيك، ويردد أمثالك الشعبية" مشهد بات يتكرر في مقاطع فيديو ينشرها إعلام الاحتلال، ضمن خطة مدروسة للتأثير على الرأي العام العربي وتحويل مجرم الحرب إلى وجه مقبول.
ومهمة الجيل الجديد هي كسر الحواجز النفسية مع الشعوب العربية، وتهيئة الأرضية لاختراقات ثقافية وأمنية أشد خطورة من الحرب التقليدية، وفق ما كشفت وسائل إعلام إسرائيلية.
بعد فشل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية في التنبؤ بعملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، شرعت إسرائيل في إعادة تقييم أدواتها الاستخبارية وأساليبها في جمع المعلومات.
وفي هذا السياق، كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية -في تقرير نشرته في الثامن من يوليو/تموز الجاري- عن تكثيف إسرائيل جهودها في تدريب كوادر بشرية متخصصة في اللغات واللهجات المحلية بهدف تعزيز قدراتها الاستخبارية بعد إخفاقات أكتوبر/تشرين الأول.
وقد أقرت الأجهزة الأمنية ضرورة العودة إلى الأدوات التقليدية، كاللغة وتفعيل الجواسيس على الأرض، إلى جانب استخدام التكنولوجيا المتطورة لمراقبة الاتصالات وشبكات التواصل الاجتماعي بشكل أكثر فاعلية.
وبناءً على ذلك، أطلقت شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "أمان" برامج تدريبية مكثفة تستهدف شبابًا أنهوا دراستهم الثانوية حديثًا، حيث يتم اختيارهم لتعلم لغات ولهجات محددة، حسب الاحتياجات الأمنية. وتستغرق هذه الدورات حوالي 6 أشهر.
إعلانوهو ما أكد عليه ضابط إسرائيلي برتبة مقدم، رمزت له الصحيفة بالحرف (ح) والذي قال إن الحرب الدائرة في غزة أظهرت أنه "لا يمكن الاستغناء عن الأذن التي تلتقط النبرة، والعين التي تفسر التعبيرات والسلوكيات" مضيفًا أن هذا التوجه سيمتد للسنوات القادمة من خلال تعزيز وتوسيع منظومة كوادر اللغة داخل المؤسسة الأمنية.
وتعود مدارس اللغات التي تديرها "أمان" إلى بدايات تأسيس الشعبة، لكنها تشهد توسعًا كبيرًا حاليًا لتلبية متطلبات "الجبهات المشتعلة" حيث يتعلم مئات المجندين سنويًا لغات ولهجات متنوعة تشمل السورية واللبنانية والفلسطينية والعراقية والبدوية، وقبل 18 شهرا أضيفت اليمنية إلى القائمة، مما يعكس اهتمامًا غير مسبوق بتنوع اللهجات العربية.
ويتجاوز التدريب الجانب اللغوي ليشمل مواد نصية وصوتية مستمدة من الواقع العملياتي مثل محادثات حديثة أو تقارير إخبارية، وذلك للحفاظ على التأهب العملي لدى المتدربين، كما يتعرض المتدربون لتعبيرات يومية وأغانٍ ومقاطع فيديو من شبكات التواصل لإتقان النبرة واللهجة بشكل طبيعي، وفقا للصحيفة.
اختراق ثقافيلا يتوقف التدريب عند اللغة وحدها، بل يدمج بين الجانب اللغوي والتحليل الثقافي والسياسي، إذ يتعلم عناصر الاستخبارات المستقبليون قراءة ما بين السطور، وفهم أنماط التفكير والعادات المحلية، بحسب يديعوت أحرونوت.
ورغم أهمية اللغة، يوضح الضابط (ح) أن الهدف ليس فقط بناء "مترجمين" بل عناصر استخبارات تجمع بين القدرة اللغوية وفهم الثقافة والمجتمع والسياسة المحلية، مشددًا على أنه "لكي تكون رجل استخبارات جيدًا يجب أن تدرس النظريات، والثقافة (..) والقيم التي تشكل أساس رؤيتهم للعالم".
وقال الضابط المقدّم المسؤول عن مدرسة اللغات في شعبة الاستخبارات العسكرية -في حديثه عن دروس السابع من أكتوبر/تشرين الأول- أن أحد الاستنتاجات الأساسية من الهجوم المفاجئ هو الحاجة الماسة إلى زيادة عدد المتخصّصين في اللغات ضمن المنظومة الأمنية.
يُشار إلى أن تقارير إسرائيلية أكدت أنه كانت يُفتقر لمعلومات استخباراتية في اليمن بالتحديد، كونها لم تتوقع دخول جماعة أنصار الله (الحوثيين) في معارك ضدها كما حدث في جبهة الإسناد الحالية. وهو ما استدعى تجنيد إسرائيليين من أصول يمنية، من اليهود الذين وصلوا حديثا لإسرائيل ويجيدون العربية واللهجة اليمنية، للمساعدة في جمع معلومات استخباراتية عن الحوثيين، وفق صحيفة معاريف الإسرائيلية.
وفي إطار الإصلاحات التي تبنتها قيادة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية بعد "طوفان الأقصى" أصدرت تعليمات بعمل دورات في الثقافة الإسلامية واللغة العربية بدءًا من مرحلة ما قبل التجنيد وصولًا إلى تدريب الضباط. وتهدف هذه المبادرة إلى تزويد الأفراد العسكريين والجنود والقادة المستقبليين بالكفاءة اللازمة لفهم المجتمعات العربية بشكل أعمق، بحسب إذاعة جيش الاحتلال.
ووفقًا لتقرير نشره موقع "ذا ديفنت بوست" في 16 يوليو/تموز الجاري، فإن جميع أعضاء شعبة الاستخبارات العسكرية سيخضعون لتدريب في الدراسات الإسلامية، وسيتلقى نصفهم تدريبًا في العربية بحلول العام المقبل.
إعلان سلاح خفيفي السنوات الأخيرة، اتضح أن إسرائيل باتت تستخدم إستراتيجيات ناعمة ترتكز على الجانب النفسي والثقافي، الهدف منها كسر الحواجز النفسية واختراق الوعي الجمعي، مما يسهل عليها نقل رسائلها وتأثيرها بالمجتمع العربي دون إثارة مقاومة واضحة.
ويتفق الخبير النفسي عبد الرحمن مزهر مع ذلك، ويقول إنها خطوات نحو محاكاة أنماط السلوك والتعبيرات العربية اليومية، مما يجعلها تظهر كجزء من النسيج الاجتماعي المستهدف.
ويوضح مزهر أن هذا الانخراط اللغوي والثقافي يقلل الفجوة النفسية بين الطرفين، إذ إن اللهجة ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل تعبر عن الهوية والشخصية. وعندما يتحدث شخص غريب باللهجة نفسها، يشعر المستمع بحالة من الألفة والقبول اللاواعي، مما يسهل قبول رسائل العدو دون وعي.
ويشير الخبير -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن هذه العمليات النفسية تؤسس لتطبيع عاطفي مع الطرف الآخر، يجعل من السهل تمرير أفكار سياسية وثقافية عبر قنوات تبدو طبيعية ومألوفة، مثل ارتداء بعض الإسرائيليين لباسا عربيا تقليديا، والترويج لأطعمة عربية على أنها جزء من المطبخ الإسرائيلي، كممارسات تهدف إلى تشويش الهوية وإعادة تشكيل الصور الذهنية.
ويعتبر مزهر أن هذا "السلاح الناعم" أكثر خطورة من السلاح التقليدي، لأن الأخير معروف وتتم مواجهته برفض ومقاومة، أما السلاح الناعم فيتسلل بسلاسة ليعيد تشكيل المفاهيم والقيم داخل المجتمع، دون أن يشعر المتلقي بخطورته أو يدرك طبيعة تأثيره الحقيقي.
من أجل تعزيز التواصل مع الجمهور العربي، أنشأت الخارجية الإسرائيلية صفحات رسمية لكبار المسؤولين بالعربية على منصات التواصل، وصفحات بعض السفارات في دول عربية مثل مصر والأردن.
وتعتمد إسرائيل على وسائل إعلام ناطقة بالعربية منذ تأسيس إذاعة "صوت إسرائيل" التي بدأت العمل بموجب قانون سلطة البث لعام 1965، والذي نص على أن تعمل الإذاعات بالعربية لخدمة المواطنين العرب (الفلسطينيين) داخل إسرائيل، وتعزيز التفاهم والسلام مع الشعوب العربية المجاورة.
ومع ظهور ثورات الربيع العربي، تغيرت الصورة التقليدية لهذه الوسائل الإعلامية، إذ أدركت إسرائيل -كما الأنظمة العربية- أهمية وتأثير مواقع التواصل على الشباب العربي، لذا اتجهت نحو استخدام صفحات التواصل والمتحدثين العرب بهدف كسر الحواجز النفسية والثقافية مع الجمهور العربي الشاب.
ومن أبرز الشخصيات التي تتفاعل بالعربية بشكل مستمر مع الجمهور العربي أفيخاي أدرعي (المتحدث الرسمي باسم جيش الاحتلال) والذي يحرص على التفاعل المباشر مع المتابعين على فيسبوك وتويتر، من خلال تهنئة المسلمين بالأعياد، ودعاء قبول الصلاة في منشورات مثل "جمعة مباركة".
كما ينشر صورا له من أماكن مختلفة بالأراضي المحتلة، رغم أن هذه المنشورات غالبا ما تتلقى تعليقات ساخرة من الجمهور العربي.
ويرى المنسق العام لتنسيقية مقاومة الصهيونية والتطبيع أنس إبراهيم أن مشروع الاحتلال الإسرائيلي لإنتاج جيل من المتحدثين الرسميين بالعربية بلهجاتها المتنوعة -من الخليج إلى الشام فالمغرب- ليس مسألة لغوية أو تواصلية بريئة، بل هو جزء من خطة عميقة تستهدف بنية الوعي العربي، وتهيئة الأجيال القادمة لتقبّل الكيان الصهيوني كجزء طبيعي من نسيج المنطقة.
ويقول إبراهيم في حديثه للجزيرة نت إن "الرسالة الأساسية التي يسعى الاحتلال لبثّها هي أنه ليس كيانًا غريبًا أو طارئًا، بل هو كيان مألوف يفهم العرب أكثر مما يفهمون أنفسهم. وعندما يتحدثون مثلنا فإنهم يخفون حقيقتهم الاستعمارية خلف قناع التفاعل الإنساني، في محاولة لكسر الصورة النمطية للعدو".
إعلانويرى أن أخطر ما في هذه السياسات أنها تُنتج استعمارًا ناعمًا يفتك بالعقول والقلوب قبل الأرض، فالاحتلال لم يعد يعتمد فقط على القوة المسلحة، ولهذا فإن مقاومة هذا المشروع تبدأ من الوعي، وحماية الهوية، وتمتين المناعة النفسية والثقافية، لأن ما لا نرفضه اليوم بوضوح سنعتاده غدا بصمت، على حد تعبيره.