تناول مقال للبرفسور بيتر بينارت من جامعة سيتي بنيويورك، نشر في صحيفة "الغارديان" البريطانية، تغطية الإعلام الأمريكي للعدوان على غزة وتجاهل جرائم الاحتلال.

وقال إن الإعلام الرئيسي لم يتجاهل فقط تجاهل إسرائيل لحرية الفلسطينيين بل والتناقضات في الإستراتيجية العسكرية الإسرائيلية.

وأضاف، أنه،  "في عالم بديل، ربما أجاب الإعلام الأمريكي على هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر  بوضع جهاد أبو سليم على قائمة الاتصال السريع، فهو يدير معهد الدراسات الفلسطينية في واشنطن وهو ليس فقط من غزة ولكنه يتحدث العبرية بطلاقة ويعد أطروحة دكتوراة في التاريخ والدراسات العبرية واليهودية".



ونشر مقالا قبل عدة أشهر من الهجمات ناقش فيه أن حماس "على ما يبدو تقوم بالمحافظة على مصادرها الإستراتيجية لمواجهة عسكرية كبيرة مع إسرائيل"، ومن الصعب التفكير بوجود شخص مثله يساعد الأمريكيين على فهم مذبحة حماس والرد الإسرائيلي الوحشي، ويقيم على مسافة تاكسي من استوديوهات التلفزة الأمريكية".

واستخدم أبو سليم في الأسابيع التي أعقبت 7 تشرين الأول/أكتوبر أي منصة أتيحت له للتحذير من أن الرد العسكري الإسرائيلي سيجلب الدمار لا الأمن.

كما توقع مرة بعد الأخرى بأن إسرائيل ستمحو غزة بدون هزيمة حماس.

وكتب في 11 تشرين الأول/أكتوبر على منصة إكس: "لا يوجد حل سياسي للأزمة"، وفي ذات الشهر قال إن "الغزو البري لن ينجح على الأرجح" وتوقع في 6 تشرين الثاني/نوفمبر: "من المحتمل أن تقتل إسرائيل عشرة أضعاف الفلسطينيين الذين قتلتهم حتى الآن" و "لن تحقق إسرائيل النصر العسكري في غزة"، كما حذر من حرب واسعة "يتوقع الكثيرون أنه لن يكون هناك تصعيد إقليمي" و "لكنهم مخطئون" كما قال.

ويقول بينارت إنه بعد عام على الحرب، تبدو كلمات أبو سليم مثل نبوءة تحققت.

وفي تموز/يوليو ، قدر باحثون في جامعة بيرزيت وكلية لندن للصحة والطب الاستوائي وجامعة ماكماستر أن حصيلة القتلى في غزة قد تصل إلى 186,000 قتيلا ــ أي أكثر من 18 ضعف الرقم الذي أعلنته وزارة الصحة في غزة في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.

ومع ذلك، تظل إسرائيل بعيدة كل البعد عن  تحقيق وعد رئيس وزرائها، بنيامين نتنياهو "بالقضاء" على حماس.

ووفقا لتحليل أجرته شبكة "سي إن إن"  في آب/أغسطس، ومشروع التهديدات الحرجة التابع لمعهد أمريكان إنتربرايز، ومعهد دراسة الحرب، فإن إسرائيل نجحت في جعل ثلاث كتائب فقط من كتائب حماس الأربع والعشرين "غير فعالة في القتال".

وفي حزيران/يونيو، أعلن المتحدث العسكري الإسرائيلي الأدميرال البحري دانييل هاغاري قائلا: "مخطئ من يعتقد أننا نستطيع القضاء على حماس".

وللأسف لم يسمح الإعلام الأمريكي لأبو سليم الإقتراب من الميكروفون أبدا. والمرة الوحيدة التي ظهر فيها على شبكة تلفزيون وكابل كانت قبل ستة أشهر بعد هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر، ولتقديم صورة عن معاناة عائلته وليس من أجل تحليل الحرب.

وكان هذا نموذجيا، فبحسب دراسة أجراها ويليام يومانز من جامعة جورج واشنطن، فلم تجر أربعة برامج حوارية مهمة وهي "قابل الصحافة" و "واجه الأمة" و "هذا الأسبوع" و"فوكس نيوز صنداي"  مقابلات إلا مرة واحدة مع فلسطيني مع أنها قابلت مجموعة 140 ضيفا في الفترة ما بين 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023 و 14 كانون الثاني/يناير 2024، ومن ظهر في حوارات الأحد بدلا عن ذلك؟ 



وفي معظم الوقت، عارفون بخبايا واشنطن. ففي الأشهر الأولى من الحرب، كانت نسبة 80 بالمئة من ضيوف برامج الأحد، من المسؤولين الحاليين والسابقين في الحكومة الأمريكية.

ولم تكن هناك سوى قلة من الناس يعرفون الكثير عن غزة، ولم يشكك إلا عدد قليل منهم في تصرفات إسرائيل. مثلا، ففي 5 تشرين الثاني/نوفمبر قال مايك جونسون، رئيس مجلس النواب الجمهوري، لـ "فوكس نيوز صنداي" إن الولايات المتحدة سوف تساعد إسرائيل على "هزيمة حماس". ثم استعانت الشبكة بجاك ريد، السيناتور الديمقراطي، الذي تعهد بمساعدة إسرائيل في "تدمير" حماس.

وربما كان من الطبيعي أن تلجأ شبكات التلفزة للأشخاص العارفين بخبايا الأمور في واشنطن بدلا من الأشخاص الذين يعرفون غزة، وبعملها هذا، فإنها تكرر فشل وسائل الإعلام بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر.

وفي عام 2007 حاول ثلاثة أكاديميين فهم السبب وراء فشل وسائل الإعلام الأمريكية في الفترة التي سبقت حرب العراق بإظهار الانتقادات التي وجهها الخبراء الأكاديميون والمراقبون من الخارج.

وكانت إجابتهم، أن وسائل الإعلام الأمريكية تأخذ تعليماتها/إشاراتها من الحزبين الرئيسين في أمريكا".

وفي كتابهم "عندما تفشل الصحافة: السلطة السياسية ووسائل الإعلام الإخبارية من العراق إلى [إعصار] كاترينا"، خلص دبليو لانس بينيت وريجينا لورانس وستيفن ليفينغستون إلى أنه عندما "تفكر الحكومة الأمريكية فعليا بالمبادرات المتنافسة"، فإن وسائل الإعلام الرئيسية  تأخذ الموقف من الطرفين، وفق كاتب المقال

وأضاف، أنه عندما يقرر المسؤولون في واشنطن أن هناك جانب واحد فقط، أي عندما "يتم التعامل مع قرارات سياسة مشكوك في حكمتها ولا يتم تحديها في دوائر الحكومة" فإن الإعلام الرسمي لا يناقش بصحتها. ولو وافق جونسون وريد على ضرورة مساعدة أمريكا لإسرائيل تدمير حماس، فإن برنامج "فوكس نيوز صنداي" يستنتج بأن هذه نقاط مشروعة للنقاش.

وتابع، أن المشكلة في هذه الدينامية هي أن قرارات السياسة الخارجية المدمرة غالبا ما تحظى بدعم من الحزبين، على الأقل في البداية، فقد مرر قرار خليج تونكين لعام 1964، الذي منح ليندون جونسون السلطة لتصعيد التدخل الأمريكي في فيتنام، في مجلس الشيوخ بأغلبية 88 صوتا مقابل صوتين وفي مجلس النواب بأغلبية 416 صوتا مقابل لا شيء.

وفي عام 2002، صوت العديد من الديمقراطيين البارزين في الكونغرس - بمن فيهم جو بايدن وهيلاري كلينتون وجون كيري وتوم داشل، زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ آنذاك، وريتشارد غيب هاردت، زعيم الأقلية في مجلس النواب آنذاك - لصالح تفويض غزو جورج دبليو بوش للعراق. وبعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر، تنافس بايدن وخصومه الجمهوريون لإظهار من يدعم حرب إسرائيل بشكل أكثر حزما.

ولم يكتف زعماء الحزبين بدعم الحرب بل وتجاهلوا الظروف التي يعيشون في ظلها الفلسطينيون.

وفي خطابه من المكتب البيضاوي في 20 تشرين الأول/أكتوبر استخدم الرئيس بايدن كلمة "محتلة" لوصف سيطرة روسيا على أجزاء من أوكرانيا، ولكن ليس سيطرة إسرائيل على الضفة الغربية. ولم يعترف بايدن في ذلك الخطاب ولا في الخطاب الذي ألقاه قبل يومين في تل أبيب بأن الفلسطينيين في غزة عاشوا لعقود من الزمان تحت الحصار بحسب بينارت.

اظهار ألبوم ليست



ونظرا لهذا فقد تجاهل الإعلام الرسمي هذا الواقع مع أن الباحثين الفلسطينيين، أشاروا أكثر من مرة لافتقار الفلسطينيين للحرية، وأنها كانت أمرا حاسما لفهم هجوم حماس.

وفي 51 لقطة تلفزيونية حللها يومانس ببرنامج الأحد، ذكرت كلمة "احتلال" 15 مرة فقط وذكرت كلمة "حصار" أربع مرات، وعلى النقيض من ذلك، ذكرت إيران 356 مرة، على الرغم من أن كلا من الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية خلصتا إلى أن طهران لم تلعب أي دور مباشر في هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.

ويتساءل الكاتب، لماذا هذا التناقض؟  والجواب هو، لأن الجمهوريين استخدموا هجوم حماس للمطالبة بسياسة أكثر صرامة تجاه طهران. وفي واشنطن بعد هجمات تشرين الاول/أكتوبر أصبحت إيران موضوع نقاش حزبي شرس، أما الإحتلال الإسرائيلي، فلم يكن كذلك.

ويقول بينارت، "لم يتجاهل الإعلام الرئيس حرمان إسرائيليين الفلسطينين من الحرية، بل وتجاهلت التناقضات في الإستراتيجية العسكرية.  وأصر المسؤولون الإسرائيليون، ومنذ البداية أن الضغط العسكري كاف لإقناع حماس على إعادة الأسرى الذين أخذتهم في أثناء الهجمات. كما وأصر عدد من المعلقين الفلسطينيين على خطأ هذا النهج، ومنذ البداية".

وفي تشرين الأول/أكتوبر، حذر الكاتب الفلسطيني إياد البغدادي من أن غزو إسرائيل لغزة من شأنه أن "يضحي بالرهائن".

وفي كانون الثاني/يناير، زعم الكاتب محمد شحادة، وهو من مواليد غزة، أن "وقف إطلاق النار الدائم" هو "السبيل الوحيد لتحرير الرهائن أحياء". واتفق العديد من عائلات الأسرى مع هذا الرأي.

وفي أواخر تشرين الأول/أكتوبر ، ذكرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" أن ممثلي الأسرى حثوا نتنياهو على قبول عرض حماس بإعادة جميع الأسرى في مقابل جميع السجناء الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.

ويشير الكاتب، إنه بات من الواضح ان شحادة والبغدادي وعائلات الأسرى كانوا على حق، فقد ألقت إسرائيل قنابل على غزة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر وأكثر مما ألقاه الحلفاء على ألمانيا في الحرب العالمية الثانية.

ومع ذلك، فإنها لم تجبر حماس على التخلي عن الأسرى المتبقين لديها. وفي آب/أغسطس، قال عاموس هرئيل، المحلل العسكري المخضرم لصحيفة هآرتس الإسرائيلية، أن "الادعاء بأن الضغط العسكري الإسرائيلي وحده قادر على تحرير الرهائن كان خاطئا دائما". وكان العديد من الفلسطينيين والإسرائيليين يدركون ذلك منذ البداية. ولكن نفوذهم في واشنطن الرسمية كان ضئيلا في المناقشة الأمريكية العامة.

وربما ناقش البعض أن الإعلام الرسمي لم يعط المعارضين للحرب منبرا بعد هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر لأن الحركة همشت نفسها. وربما كان هذا صحيحا في بعض الحالات، وكان لشبكات التلفزة الحق بتجنب المعلقين الذي برروا هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر.

وكانت تريد ضيوفا  لا ينتقدون الحرب ولكن تقديم مسار بديل للعمل، وهو أمر فشل اليسار بعمله.

ومع ذلك، لم يكن من الصعب العثور على مراقبين يعرفون غزة عن كثب ويعارضون سيطرة حماس على حياة المدنيين ويدعون إلى حل سياسي وليس عسكريا لهجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر.

وفي الأول من تشرين الثاني/نوفمبر ، أجاب شحادة على سؤال من تسعة ملامح :ماذا ستفعل إذا كنت في مكان إسرائيل وتعرض شعبك لهجوم. وباستنثاء "الديمقراطية الأن" لم تجر أي شبكة تلفزيونية معه مقابلة منذ الهجمات.

وأخبر البغدادي الكاتب قائلا: " رغم أن مشاركاتي حصدت ملايين المشاهدات، وأنني متابع من قبل العديد من الصحفيين والمحللين وصناع السياسات في الولايات المتحدة، إلا أنني لم أتلق أي دعوات للظهور على قنوات الكابل أو الشبكات الإخبارية الأمريكية" بعد الهجمات.

وليس من الخطأ مقابلة الصحافيين لمسؤولي ورجال السلطة، لكن عندما يكون هذا كل ما يفعلونه، فإنهم يسمحون للسلطة، وليس الخبرة، بتحديد حدود المناقشة العامة المشروعة.

ومرة أخرى في التاريخ الأمريكي، أثبتت هذه المصطلحات أنها ضيقة بشكل كارثي بحسب بينارت.



ومع ذلك، لا يزال المسؤولون الأقوياء يهيمنون على موجات الأثير فقط، ومن النادر ما يطلب منهم تفسير أخطائهم الماضية. وفي الأشهر التي تلت 7 أكتوبر، كان الضيف الأكثر حضورا في البرامج التلفزيونية يوم الأحد هو وزير الخارجية أنطوني بلينكن.

ولم يظهر أي عضو في مجلس الشيوخ أكثر من ليندسي غراهام من ساوث كارولينا.

وفي 22 تشرين الأول/ أكتوبر، قال بلينكن إن إدارة بايدن "ليس عملها هو التخمين" لما ستقوم به إسرائيل من عمل عسكري. وفي 15 تشرين الأول/ أكتوبر، أعلن غراهام  في تسع مرات منفصلة أن إسرائيل يجب أن "تدمر" حماس. ولم تعمر أي من  تصريحات الرجلين.

ويذكر الكاتب في النهاية بأن هناك ما يجمع بلينكن وغراهام ومن النادر ما يثيره الصحافيون الذين يجرون مقابلات معهما، وهو أنهما كانا من المؤيدين لغزو العراق.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية الإعلام الأمريكي غزة الاحتلال غزة الاحتلال الإبادة الجماعية الإعلام الأمريكي صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة هجمات 7 تشرین الأول أکتوبر تشرین الثانی نوفمبر الإعلام الأمریکی وسائل الإعلام فی واشنطن فی مجلس ومع ذلک فی غزة

إقرأ أيضاً:

الاحتلال الإسرائيلي أمام اتهامات بالإبادة الجماعية في غزة.. أدلة متزايدة ورفض رسمي

نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، مقالا، للصحفي إيشان ثارور قال فيه إنّ: "منظمتان إسرائيليتان بارزتان في مجال حقوق الإنسان (بتسيلم وأطباء من أجل حقوق الإنسان)، أصدرتا هذا الأسبوع، تقريرين منفصلين يشرحان أن أفعال إسرائيل في قطاع غزة ترقى إلى مستوى إبادة جماعية". 

وبحسب المقال الذي ترجمته "عربي21" فإنّ: "تقييماتهما قد توافقت مع الاستنتاجات التي سبق أن توصل إليها عدد من منظمات حقوق الإنسان الدولية الرائدة، والحكومات الأجنبية، والباحثون في دراسات الإبادة الجماعية خلال 21 شهرا".

وتابع: "منذ ذلك الحين، ألحق الجيش الإسرائيلي أضرارا أو دمّر معظم مباني غزة، وسوى معظم أحيائها بالأرض، وشرّد السكان الفلسطينيين في القطاع مرارا وتكرارا من خلال أوامر الإخلاء والقصف المتواصل. قُتل أكثر من 60 ألف شخص، وفقا للسلطات الصحية المحلية، وتنتشر المجاعة بين السكان الناجين، وفقا لمراقبي الأمم المتحدة، حيث يعانون من: مجاعة واسعة النطاق وسوء تغذية وأمراض". 

وقالت المنظمتان الحقوقيتان الإسرائيليتان، وفقا للمقال نفسه، إنّ: "سلوك إسرائيل خلال الحرب وخطاب العديد من القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين يُظهران "نية متعمدة من صناع القرار الإسرائيليين لاستهداف جميع سكان غزة بدلا من استهداف المقاتلين فقط، وتدمير حياة الشعب الفلسطيني"، كما أفاد مراسلو واشنطن بوست. ودعا هؤلاء القادة الإسرائيليون، من بين أمور أخرى، إلى حرمان المدنيين في غزة من الغذاء والماء والتطهير العرقي للقطاع".

إلى ذلك، قالت مديرة منظمة بتسيلم، يولي نوفاك: "لكل إبادة جماعية في التاريخ مبرراتها، على الأقل في نظر مرتكبيها: الدفاع عن النفس في وجه خطر وجودي، وحرب لا خيار فيها، وضحايا 'جلبوها على أنفسهم'".

وأوضح المصدر أنّ: "تهمة "الإبادة الجماعية" تُعتبر تهمة مُثقلة ومُحفوفة بالمخاطر، خاصة عند استخدامها ضد دولة نتجت عن تجربة الهولوكوست. صاغ هذا المصطلح المحامي البولندي رافائيل ليمكين عام 1944 لتفصيل مشروع النازيين المنهجي لقتل اليهود، وتم تعريفها بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1948 بشأن الإبادة الجماعية كجريمة تحمل "نية التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية".

وأردف: "تعتقد الحكومات التي اتهمت إسرائيل في محكمة العدل الدولية بارتكاب إبادة جماعية، أن هناك أدلة كافية تُظهر أن إسرائيل تنوي جعل حياة الفلسطينيين في غزة مستحيلة. وفي هذا الرأي، يدعمهم عددٌ متزايد من علماء الإبادة الجماعية. في كانون الأول/ ديسمبر 2023، أصدر معهد منع الإبادة الجماعية، الذي يحمل اسم ليمكين، بيانا حذّر فيه من "استخدام لغة الإبادة الجماعية الواضحة على جميع مستويات المجتمع الإسرائيلي تقريبا".

في السياق نفسه، كتب الخبير الاجتماعي الرائد في مجال الإبادة الجماعية ومؤلف كتاب "ما هي الإبادة الجماعية؟" الصادر عام 2007، مارتن شو، الأسبوع الماضي، أنّ: "العديد من القادة والصحفيين الغربيين عازمون على "تجنب استخدام كلمة 'إبادة جماعية' بأي ثمن عند تقييم أفعال إسرائيل"، ويرجع ذلك جزئيا إلى حساسية هذه الكلمة".

لكن شو جادل بأنّ: "تراكم البؤس والمعاناة في غزة على مدى 21 شهرا الماضية، والجهود الفوضوية التي تبذلها مبادرة مدعومة من إسرائيل لتقديم المساعدات الإنسانية إلى غزة منذ انهيار وقف إطلاق النار قصير الأمد في آذار/ مارس، تعني أنّ: سد إنكار الإبادة الجماعية التفسيري قد انهار تماما".

وتصدر المؤرخ البارز للهولوكوست في جامعة براون، عمر بارتوف، عناوين الصحف، قبل أسبوعين، بمقال رأي في صحيفة "نيويورك تايمز" جادل فيه بأن إبادة جماعية تحدث في غزة. في مقابلة لاحقة مع شبكة سي إن إن أوضح بارتوف أنه "اعتقد في البداية أن إسرائيل ربما ترتكب جرائم حرب، وليس إبادة جماعية".

واستدرك: "لكن تطبيق سياسات معاقبة جميع سكان غزة "تفاقم بشكل كبير" في الأشهر التالية، على حد قوله، كما أن تدمير إسرائيل للبنية التحتية المدنية والمستشفيات والمتاحف والجامعات، وأي شيء من شأنه أن يُمكّن السكان بعد الحرب من إعادة بناء أنفسهم، في غزة، يعزز أيضا تهمة الإبادة الجماعية".

بارتوف ليس الوحيد. ففي حزيران/ يونيو، قالت رئيسة الرابطة الدولية لعلماء الإبادة الجماعية، ميلاني أوبراين، وهي رابطة تضم أكثر من 700 باحث، في مقابلة إن "ما يحدث في غزة يُمثل إبادة جماعية" ويندرج ضمن التعريفات القانونية للجريمة التي حددتها اتفاقية الإبادة الجماعية ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. 

أيضا، كتب تانر أكام وماريان هيرش ومايكل روثبرغ، الأكاديميون الذين ساعدوا في تأسيس شبكة أزمة دراسات الإبادة الجماعية والمحرقة، التي انضم إليها أكثر من 400 باحث بعد إطلاقها في نيسان/ أبريل، في مقال رأي بصحيفة الغارديان هذا الأسبوع أنّ: "المسؤولين الإسرائيليين وحلفاءهم برروا العنف الإبادي ضد الفلسطينيين بمساواتهم بين حماس والنازية، مستغلين ذكرى المحرقة لتعزيز العنف الجماعي بدلا من منعه".


في أيار/ مايو، أجرت صحيفة NRC الهولندية استطلاعا لآراء سبعة باحثين بارزين في مجال الإبادة الجماعية، والذين أجمعوا على أن إبادة جماعية تحدث في غزة. كان المؤرخ الإسرائيلي ومدير برنامج دراسات المحرقة والإبادة الجماعية في جامعة ستوكتون في نيوجيرسي، راز سيغال، من أوائل الباحثين في هذا المجال الذين أشاروا إلى الإبادة الجماعية، محذّرا بعد أسبوع واحد فقط من عملية 7 أكتوبر من أن "حالة إبادة جماعية نموذجية" تتكشف في غزة. 

وختم المقال بالقول: "جادل دانيال بلاتمان وآموس غولدبرغ، مؤرخا دراسات الهولوكوست والإبادة الجماعية في الجامعة العبرية في القدس، في وقت سابق من هذا العام، بأن المحاسبة بالنسبة لإسرائيل ستتجاوز بكثير حدود الأكاديميا". 

وكتبا في صحيفة "هآرتس" العبرية، في كانون الثاني/ يناير: "بمجرد انتهاء الحرب، سيتعين علينا نحن الإسرائيليين أن ننظر إلى أنفسنا في المرآة، حيث سنرى انعكاس مجتمع لم يكتفِ بفشله في حماية مواطنيه من هجوم حماس القاتل، وإهمال أبنائه وبناته الأسرى، بل ارتكب أيضا هذا الفعل في غزة، هذه الإبادة الجماعية التي ستلطخ التاريخ اليهودي من الآن فصاعدا وإلى الأبد. علينا أن نواجه الواقع ونفهم عمق الرعب الذي ألحقناه".

مقالات مشابهة

  • جدل حول سلوك إسرائيل في غزة.. خبير قانوني: ما يحصل في القطاع لا يرقى لمستوى الإبادة الجماعية
  • "الشيوخ" الأمريكي يصوّت ضد حظر تصدير السلاح لـ"إسرائيل"
  • فلسطين: يجب وقف إسرائيل عن جرائم الإبادة الجماعية في غزة
  • الاحتلال الإسرائيلي أمام اتهامات بالإبادة الجماعية في غزة.. أدلة متزايدة ورفض رسمي
  • خبير دولي: إيصال المساعدات لغزة يُفشل أحد أدوات الإبادة الجماعية الإسرائيلية
  • نشطاء ألمان يتظاهرون للمطالبة بوقف الإبادة الجماعية في غزة
  • لأول مرة.. عضوة جمهورية بالكونجرس تصف ما تفعله إسرائيل في غزة بـ الإبادة الجماعية
  • نحو ولاية رابعة… رئيس ساحل العاج الحسن واتارا يعلن ترشّحه للانتخابات الرئاسية في أكتوبر/ تشرين الأول
  • نائبة أوروبية: الاتحاد الأوروبي متواطئ في الإبادة الجماعية بغزة
  • ارتفاع ضحايا الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة إلى 60 ألفا و34 شهيدا