كشفت المديرية العامة للاستخبارات الفرنسية أنّ أجهزة الأمن الإيرانية عادت إلى ممارسة سياسة الاغتيالات المُستهدفة بشكل مخفي في السنوات الأخيرة، وذلك عبر تجنيد المُجرمين العاديين، وليس من خلال عملاء أو جواسيس كما في السابق، وبهدف "ضرب أهداف مدنية" من أجل "زيادة الشعور بعدم الأمان داخل المُعارضة للنظام الإيراني وداخل "المجتمع اليهودي أو الإسرائيلي".

وقبل أيّام وجّه القضاء الفرنسي، بعد سلسلة مُحاكمات مماثلة، اتهامات إلى شخص جديد في باريس، يُشتبه في أنّه خطط لاغتيال يهود في ألمانيا وفرنسا بطلب من طهران، وذلك في إطار قضية الاشتباه بوجود "إرهاب دولة إيراني" في أوروبا، وعلى الرغم من تعزيز أجهزة الأمن الفرنسية والألمانية لقُدراتها في الكشف عن الجواسيس الاعتياديين لإيران.

Soupçons de « terrorisme d’Etat iranien » en Europe : une troisième inculpation à Paris https://t.co/8HpxA9wlTu

— The Times of Israel (@TimesofIsraelFR) September 27, 2024 إرهاب من "الباطن".. عقود مع الجريمة المُنظّمة!

وحول طريقة العمل الجديدة لأجهزة المخابرات الإيرانية، يقول الكاتب والمحلل السياسي الفرنسي ماتيو سوك، إنّ طهران باتت تتعاقد الآن من "الباطن" وتُبرم عقوداً مع عناصر من الجريمة المنظمة. وهو ما يكشف الوجه الجديد لإرهاب الدولة الإيراني عبر تجنيد مُجرمين عاديين لتنفيذ الاغتيالات المُستهدفة.

وفي سبتمبر(أيلول) الماضي، تمّ اتهام الأجهزة الإيرانية بالوقوف على رأس سلسلة مخططات لاغتيال يهود في فرنسا وألمانيا، حيث اعتقل في باريس شخصان هما عبد الكريم س.، 34 عاماً، وسابرينا ب.، 33 عاماً، بتهمة الارتباط بالإرهاب الإجرامي، الذي تفاقم في سياق الحرب بين إسرائيل وحركة حماس.

وتُثير هذه الاعتقالات مخاوف من وجود أجندة سرّية لطهران حول تنفيذ عمليات إرهابية ضدّ مصالح دبلوماسية وقنصلية لكلّ من الولايات المتحدة وإسرائيل في عدد من الدول الأوروبية، بما في ذلك ضدّ دبلوماسيين ورجال أعمال.

Affaire «Marco Polo» : l'Iran aurait commandité des assassinats de juifs en Europe https://t.co/T9Mi06avZL

— CNEWS (@CNEWS) September 8, 2024 مخدرات وإرهاب

وفيما شكّلت حرب غزة مُنعطفاً في تصاعد الدور الإيراني التخريبي في أوروبا، فقد خلصت التحقيقات الفرنسية والألمانية إلى التأكيد على أنّ طهران باتت تقوم بتجنيد مُجرمين وأفراد عصابات وتجار مخدرات في عدد من الدول الأوروبية، لتنفيذ الاغتيالات والعمليات الإرهابية، في مسعى منها لإخفاء أجندتها بعد اكتشاف ممارساتها التقليدية وفق أعمال الاستخبارات الاعتيادية.

ومؤخراً تمّ اعتقال رجل في فرنسا، يبلغ من العمر 38 عاماً، وكان قد تمّ استجوابه بالفعل أثناء احتجازه لدى الشرطة في الربيع الماضي، ثم اعترض بشدّة على الاتهامات، ولكن لم تتم مُحاكمته حينها، إلا أنّه عاد إلى السجن حيث تمّ سجنه على ذمة التحقيق بتهمة تهريب المخدرات، فيما تبيّن خلال التحقيقات الجديدة وجود صلات إرهابية له مع إيران.

وأكد مكتب المدعي العام الوطني لمكافحة الإرهاب في مدينة نانت الفرنسية أنّ قاضي التحقيق المُختص بالإرهابيين وجّه إليه أخيراً، تهمة الارتباط بالإرهاب الإجرامي. وقد مثل خلف أبواب مغلقة أمام قاضي الحريات والاعتقالات، الذي أمر أيضاً بدوره بوضعه في الحبس الاحتياطي.

Affaire «Marco Polo» : l’Iran soupçonné d’avoir commandité des assassinats de personnes juives en France

Lire ⤵️https://t.co/HZDuxLIQus

— Libération (@libe) September 7, 2024 عودة إرهاب الدولة

وتُوضح هذه القضية، المعروفة باسم "ماركو بولو"، عودة ظهور "إرهاب الدولة الإيراني" في أوروبا، بحسب تحقيقات للمديرية العامة للأمن الداخلي الفرنسي. وتتمحور الخلية المذكورة حول أحد كبار تجار المخدرات وزوجته من منطقة ليون (وسط شرق فرنسا)، والذي كان على الأرجح في طهران في مايو (أيار) الماضي، لتلقي التعليمات من السلطات الإيرانية.

وشملت أهداف الاغتيالات التي تمّ تحديدها في المرحلة الأولى، موظف سابق في شركة أمنية إسرائيلية وثلاثة من زملائه السابقين في باريس، بالإضافة إلى ثلاثة إسرائيليين ألمان في ميونيخ وبرلين. وقام المُتّهمون بالفعل بإشعال عدّة حرائق طالت شركات تعود ملكيتها لإسرائيليين في جنوب فرنسا.

A propos de l'enquête de Mediapart, et du terrorisme d'Etat iranien :
"Le régime islamique cible des juifs et des israéliens en Europe"@srodan ,Directrice générale de l' @AJC_Paris , au micro d' @EvaBSoto pic.twitter.com/zqUcvdp28G

— RADIO J (@RadioJFrance) September 6, 2024

وفي يونيو (حزيران) الماضي، اعتقلت السلطات الفرنسية مواطناً إيرانياً هو بشير بي آزار، قدّمته طهران كصحافي، فيما اعتبرته باريس عميلاً للمخابرات الإيرانية، وذلك قبل أن تُفرج عنه بعدّة أسابيع بهدف إبعاده إلى بلاده. وتمّ كشف تقديمه خدمات استخباراتية استثنائية، بالإضافة إلى علاقته بشكل خاص مع الوحدة 840 من فيلق القدس، الفرع الخارجي للحرس الثوري الإيراني.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية طهران إسرائيل وحزب الله إيران وإسرائيل فی أوروبا م جرمین

إقرأ أيضاً:

العلاقات المصرية الإيرانية.. إلى أين؟

 

 

مسعود أحمد بيت سعيد

masoudahmed58@gmail.com

 

مُنذ زمن ليس بالقصير، وكل الحريصين على تطوير العلاقات العربية- الإيرانية يعتقدون أن المدخل الأساس لذلك يتطلب نمطًا من العلاقات المُتقدِّمة بين مصر وإيران.

غير أن تلك الرغبة تصطدم دائمًا بجُملة من التعقيدات والتناقضات وأحيانًا بالخيارات الاستراتيجية التي قد لا تكون مفهومة لدى البعض. وبطبيعة الحال، ترى بعض القوى الإقليمية والدولية أن مصلحتها تكمُن في التعامل مع المحيط العربي بالمفرَّق، وتعتبر إضعاف مصر مهمةً مباشرة؛ سواء صرّحت بذلك علنًا أو تجلّى ذلك في ممارساتها العملية.

أما مصر، بصرف النظر عن طبيعة نظامها السياسي، فترى أن مهامها القومية جزء لا يتجزأ من مهامها الوطنية. ومرة أخرى، وبصرف النظر عن طبيعة المقاربات السياسية التي قد يُتفق معها أو يُختلف، فإنها في نهاية المطاف تُدرك أن التاريخ قد حمّلها أعباء الآمال العربية، وإن شذّت في مرحلة معينة عن هذا التوجّه، وقد تلَّقت بسبب ذلك كثيرًا من الانتقادات. ومع ذلك، فإنَّ الجميع- حتى من اختلف معها سياسيًا- يُجمعون على ضرورة الحفاظ على مكانتها التاريخية. وفي ظل تسارع الأحداث وتبدّل المواقف، يبدو أن الطرفين المصري والإيراني، باتا يُدركان أهمية استعادة علاقاتهما الطبيعية.

ورغم أن الفجوة لا تزال واسعة، فإن مشتركًا جديدًا قد يكون دافعًا حقيقيًا لهذه الرغبة المستجدة، وقد يفتح أمامها آفاقًا واسعة. وتحديدًا ما يُحدث في سوريا يدفع باتجاه هذا التقارب؛ فالنظام السوري الجديد، المُعادي لإيران، لا يُبدي وُدًّا تجاه مصر أيضًا، ما يجعل القاهرة وطهران تلتقيان ضمنيًا على أرضية الشعور بالقلق ذاته. هذا الإحساس المشترك تُعزّزه ممارسات بعض الحلفاء الإقليميين لمصر، الذين بدأوا في الانفتاح على النظام السوري الجديد دون اعتبار للتحفُّظات المصرية؛ مما يبعث برسائل مُقلقة للقاهرة، ولا يدور الحديث هنا عن مُعطيات آنية لا تزال بحاجة إلى وقت طويل لإعادة صياغتها بشكل نهائي؛ بل عن استشراف أبعادها على المدى البعيد.

وقد بدأت إرهاصات أولية تتشكّل، قد تُنبئ بالكثير من المفاجآت إذا سارت الأمور في مسارها الطبيعي دون عوائق؛ إذ لا يُمكن تصور توقف نتائجها عند هذا الحد، وفي حين أن إيران فقدت في المشرق العربي حليفًا استراتيجيًا ذا تأثير كبير، ولم تعد تعوِّل كثيرًا على معظم الأنظمة العربية المشرقية، فإن هذه الحيثيات تفرض نفسها على الطرفين، وتجعل من تطوير العلاقة بينهما- أي طهران والقاهرة- أمرًا حتميًا.

لكنَّ السؤال الذي يطرح نفسه: ما شكل العلاقات المقبلة؟ وما مضمونها وحدودها؟

لا شك أن إيران تستطيع أن تتفهم علاقات متوازنة خارج الفضاء العربي، أمَّا علاقة مُشابِهة داخل هذا الفضاء، فغالبًا ما تكون على حساب قُطر عربي آخر، خصوصًا أن الأمة العربية، حتى هذه اللحظة، لا تمتلك مشروعًا أو حتى رؤية مشتركة لمواجهة معضلات واقعها، وتواصل البحث عن حلول خارج سيادتها وتطلعات شعوبها؛ الأمر الذي يجعلها عرضة للتجاذبات. وهذا في العمق، سيتطلب من مصر ذات الالتزامات القومية، جهدًا أكبر مما يتطلب من إيران، التي تعرِف مصالحها بدقة، وتتمكن من توظيف علاقاتها الإقليمية والدولية بشكل إيجابي في خدمة أهدافها.

وهذه ليست نقيصة؛ بل ميزة تُحسب لها؛ كون سياساتها تنبُع من إرادة مُستقلة وتسير وفق رؤية تخدم مصالحها. وبالطبع، هناك من يصرخون من التدخل الإيراني في الشؤون العربية، إلّا أن هذا العويل لا يبدو مُبرَّرًا ومُقنعًا. ولو سلّمنا بهذا المنطق، فما الذي يجعل إيران أو غيرها من القوى الإقليمية قادرة على التدخل في شؤون أمة تعدادها 10 أضعاف إيران، وتمتلك كل تلك الطاقات الاقتصادية، لولا وجود خلل بنيوي في طبيعة النظام العربي الذي يستدعي التدخل الأجنبي لتدمير أقطاره واحدة تلو الأخرى؟!

علاوة على ذلك، فإن مصر لا تمتلك، حتى اليوم، استراتيجية واضحة؛ الأمر الذي أظهرها بصورة مُخالِفة لما هو مُختزَن عنها في الوجدان العربي، وبيدها أوراق سياسية عديدة يُمكن تفعيلها بعيدًا عن خيار السلاح. هذه الواقعية الشديدة مُرتبطة بوعيٍ دقيقٍ لطبيعة الاستهداف الذي تتعرض له الأمة العربية في هذه المرحلة المُعقَّدة.

والمباحثات الأخيرة التي أجراها وزير الخارجية الإيراني في القاهرة مع القيادة المصرية وُصفت بـ"الإيجابية"، وقد تناولت- كما هو معلن في الإعلام- جملةً من القضايا التي لدى الطرفين، تتضمن مواقف ورؤى.

ورغم تنوُّعها يُمكن حصر أهمها في ملفين اثنين؛ الأول: الملف النووي الإيراني؛ حيث إن الموقف المصري من هذا الملف هو موقف مبدئي، ينطلق من ضرورة إخلاء منطقة الشرق الأوسط بأكملها من الأسلحة النووية، ولا يرى في السلاح النووي الإسرائيلي مُبرِّرًا لامتلاك غيره هذا السلاح، مهما كانت الأسباب.وفي هذا الإطار، فإن دعم الحوار والحلول السلمية، يُمثل جوهر ما تطلبه إيران من مصر.

أما الملف الثاني، فهو فيما يتعلق بوقف حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني وفك الحصار؛ فهو موقف يتطابق جوهريًا مع الموقف الإيراني. وفي هذه النقطة تحديدًا، فإن الموقفين متقاربان إلى درجة التماثل، على الرغم من أن طهران أقرب إلى التيار الإسلامي، بينما تتمسك القاهرة بشرعية منظمة التحرير الفلسطينية، إلّا أن البراغماتية الإيرانية المعروفة بمرونتها، قادرة على التقاط مواقف مشتركة، خاصةً إذا كانت ضمن توجه دولي عام.

لقد حاولنا أن نُضيء، ولو بشكل عام، على بعض المُعوِّقات والصعوبات التي تواجه تطوُّر العلاقات الثنائية، في ضوء الواقع الراهن والمُتغيِّرات الجارية، ورؤية كل طرف لدوره وحدود فعله. أما الآفاق المستقبلية، فستُحدِّدها طبيعة التحديات المُقبلة التي يُواجِهها الطرفان.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • عرض روسي لـ"المساعدة في حل" الملف النووي الإيراني
  • المجلس الوطني: عدوان المستوطنين على بلدة دير دبوان إرهاب منظم
  • العلاقات المصرية الإيرانية.. إلى أين؟
  • التليفزيون الإيراني يعلن القبض على شبكة إرهابية تابعة لتنظيم داعش
  • المرشد الإيراني: طهران لن تتخلى عن تخصيب اليورانيوم
  • خلال جولة في لبنان.. وزير الخارجية الإيراني: تخصيب اليورانيوم خط أحمر
  • وزير الخارجية الإيراني: استمرار تخصيب اليورانيوم على الأراضي الإيرانية خط أحمر
  • وزير الخارجية الإيراني: لا نتطلع إلى إنتاج السلاح النووي وأثبتنا ذلك
  • وزير الخارجية الإيراني يشكر مصر على دعمها للمفاوضات بين طهران وواشنطن
  • وزير الخارجية الإيراني: نحترم شؤون لبنان الداخلية ولا نتدخل فيها