توفي والدي عباس عبد المنان
رحل والدي و أخي الكبير و سمير الليالي و رفيق الروح الأثير إليها.
كان مؤنسي في شبابي أكثر مما كنت له في شيخوخته
ما رأيت رجلاً عصيّاً على الشكوى و بعيداً من التسخط مثله في حياتي ..
صحبته بضعاً و أربعين سنة ، فلا أذكر أنه قال لي يوما : أنا جائع أو متألم ، و إن كان لا بد ، فيستخدم صيغ المجاز و يبالغ في وضع الإستعارات كأنّ طلب الأب من إبنه عيب أو حرام.


كان إذا شقّ عليّ القيام بواجب نحوه أسترجع حادثة و أنا ابن خمس سنوات، رفضت ليلتها أخذ العلاج و أنا في المستشفى . حارت والدتي و الأطباء في إقناعي ، فأتى هو من البيت مبتلّاً من المطر حاملاً “شمسية” بيمينه يلاحق أنفاسه من الربو ..لم أحتمل المنظر حينها و استلقيت لأخذ الإبرة دون مقاومة و دون أن يأمرني أو يعاتبني . دسست وجهي في الوسادة و زرفت دموعي عليها و أخذت عهدا طفولياً بأني لن أكلفه العناء في حياتي ، حنثت بذلك الوعد ، لكن بقيت معي صورته و هو يغادر ضاحكاً و آذان الفجر الأول يحرسه من هول العاصفة و الرعود.
راقبته و أنا ابن اثني عشر سنة و قد أحالوه للصالح العام و ضايقوه لينكسر.
رأيت الهم حينها في وجه أمي و خوف الفاقة في عيون إخوتي الكبار الذين عقلوا ذلكم الشيء
لكن : ما بدأ في و جهه إلا التحدي و الكبرياء.
كان أبعد شيء عن الإنكسار !
حاولت تقليده في كل المعارك التي خضتها في حياتي..التي خسرتها و حتى تلك التي سُحقت فيها ..كنت أجد الأنس في خطى الوالد و السرور في تقمص روحه القوية و المحاربة.
كان محاربا..لا يتألم و لا يتراجع ، فأحببت لأجله أن أحارب!
كان مثقفاً واسع الإطلاع عاشقاً لتراب هذه البلاد.. يذكر جنباتها الأربع التي عمل فيها و ساكن أهلها..
كان طيب العشرة لين الجانب.
عاش يعمّر المساجد لا يفوّت الفرض أول وقته.. محبّاً للحلقات تالياً للقرآن
عندما أعجزه المرض عن حضور الجماعات ، كان ينتظر الآذان على سجادته حتى ليكاد أن يسابقه أحياناً
خُضنا الحرب سويّاً..ربما بكيت على وسادته ليلاً و أمسح دموعي عن الناس في الصباح فلا يرون في وجهي إلا القوة و الثبات..
في بلاد الإغتراب ، تقاضيت أنا و رجل من أهلها ، فكان يزاملني في الجلسات..فتلبّستني الروح التي أرتديها عندما أكون حوله و قريباً منه ، فكان القاضي الصارم يترجاه أن يأمرني بالصمت و يحملني على الهدوء.
ربما لأنه يحب الكلام في الطب ، أو لأنّه رجل أثقلته الأمراض فيبحث عن السبب و العلاج ، فقد كنّا نكثر الحديث كفاحاً و عبر الهاتف .. كنت أشعر بأنه مِلكي بحيث تثور غيرتي عندما يمازح إخوتي أو يكلمهم طويلاً..
يومه الأول في مرضه الأخير خرجنا سوياً .. إنتظرته في السيارة فأتى يتكيء على عصاته..وسيماً قسيماً طويلاً مهندماً معطراً بجلباب أبيض مكويّ و محدد الثنايا..ساعاته و جواله و حقيبة اليد الممتلئة بالأدوية. تحدثنا لساعات قبل أن نعود الى البيت و نحن في قمة النشوة من الصحبة و متعة التمازح.
وضع رأسه على الوسادة لينام في هدوء لا تشك أنه نومه المعتاد.
مكث في المستشفى نحو عشرة أيام ، هادئاً كما عاش ، صلباً كما اعتاد. أطال الأطباء علينا التحذير و كثّروا علينا الوعيد و نحن لا نأبه . والدي لا يموت . من حيث أتى هذا الرجل الناس عادة لا يموتون . رأيته مسجّى و قد غادرت الروح الجسد. وسيماً كما كان و قويّاً كما عاش.
رحل بهدوء و دون ضوضاء. كأنه اختار هذه الطريقة للرحيل ، توفي مثلما فعلت والدته. كاد ألّا يكلف غيره شيئاً أو يحملهم على بذل أدني جهد.
غسلناه ثلاثتنا و دفناه ثلاتنا . و بكيناه ثلاثتنا.
الى الذين ما زالوا يقرأون ، ادعو لوالدي للحظة ، ثم انطلقو و انظروا أين أباؤكم فالزموا أقدامهم.
لا يقطع عنك ألم الرحيل إلا وجع الندم ..للحظة لم تقضها معهما أو مكالمة لم تتصل فيها بهما. و تتراوح بين الألم و الوجع إلى أن يتغمدك الله برحمته.
و أصدق ما قد ننعاه به كلمة واحدة : و لا نقول إلا ما يرضي الرب و نحن بفراقك لمحزونون!
عمار عباس

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

ياسر بدران من أوائل الثانوية الأزهرية للمكفوفين بـ الشرقية: تفوقت بفضل الله ثم دعم والدي

وسط أجواء من الفرحة، احتفل الطالب «ياسر محمد إسماعيل بدران » ابن عزبة صالح بدر التابعة لكفر العزازى بمركز أبوحماد بالشرقية، والمقيد بمعهد كفر العزازي التابع لإدارة أبوحماد بمنطقة الشرقية الأزهرية، لحصولة على المركز الثالث على مستوى المحافظة للمكفوفين.

وأكد الطالب ياسر بدران» أذاكر دروسي أول بأول وأحرص على صلاة الفجر، كما أواظب على مذاكرة دروسي دون تأجيل شيء للغد، والحمد لله المناهج الأزهرية علمتنا القرآن الكريم وفهم معانية ومقاصده وفقه العبادات والمعاملات ودراسة العقيدة بالإضافة للغة العربية، وحلمى كلية الدعوة الإسلامية أو كلية أصول الدين وأمنيتي أكون قارئ مشهور والتحق بالإذاعة المصرية.

وأضاف الطالب «ياسر بدران» حفظت القرآن الكريم كاملا فى سن الحادى عشر من عمرى وتحديدا وأنا فى الصف الخامس الإبتدائى على يد الشيخ محمد فتحى حفظه الله والذى كان يأتى الي فى المنزل ويعطينى ورد يومي ويشدد على الحفظ والمراجعة المستمرة، وبعد أن أتممت حفظ القرأن الكريم، اتجهت لدراسة علم التجويد على يد الشيخ محمد السلاوى، ودرست القراءات العشرواتقنتها، وحصلت على دورة فى المقامات الصوتية من معهد الطاروطى لإعداد القراء والمبتهلين، وأتقنت فن المقامات.

وأشار «ياسر بدران » كان لوالدى ووالدتى دور كبير فى تفوقي من خلال توفير كل الامكانيات التى احتاج اليها، ودعمي من خلال الحث على المذاكرة، ولوالدتي دور كبير فى حفظي للقرأن الكريم ولا أنسى تقديم الشكر لوالدى ومعلمي المعهد الذين وقفوا بجانبي وكانوا سببا فى تفوقي نجاحى.

وأوضح ياسر بدران " قال تعالى"إن هذا القرآن يهدى للتي هى أقوم” فالقرآن دستور الأمة، وأهل القرآن هم أهل الله وخاصته، وعلينا أن نعلم أولادنا القرآن الكريم مصداقا لقوله النبى صلى الله عليه وسلم ” خيركم من تعلم القرآن وعلمه”، وأنصح الشباب بالمداومة على حفظ وقراءة القرآن الكريم بجانب العمل والكفاح والجد والبعد عن الأفكار الهدامة والإلتزام بالمنهج الوسطى والأخلاق الحميدة وحب الوطن والإبتعاد عن الإدمان.

وقال محمد إسماعيل والد الطالب «ياسر» نجلي كان لديه الاصرار والعزيمة على التفوق والنجاح والحصول على أعلي الدرجات فى الشهادة الثانوية الأزهرية، والحمد لله كلل الله جهده بالنجاح والتفوق، وبإذن الله مستمر فى دعمه خلال دراسته المستقبليه حتى يكون عنصر مشرف لمجتمعه وأهله.

وبين عاطف محمد إسماعيل شقيقه"ياسر حرص على مذاكرة دروسه أول بأول، وأتم حفظ القرأن الكريم ونظم وقته، وبعزيمة واصرار وتحدى تحقق له ما أراد وأصبح من أوائل الثانوية الأزهرية، وكنت أقرأ له الكتب وأسهر طوال الليل معه، واتوجه معه للمعهد وانتظره حتى ينتهي من دراسته.

مقالات مشابهة

  • قبل عرضه الأول بمهرجان تورنتو.. مخرجة فيلم فلسطين 36: أصعب مغامرة في حياتي
  • عمار بن حميد يقدم واجب العزاء في وفاة علي عبيد الكتبي
  • عمار النعيمي يقدم واجب العزاء في وفاة علي عبيد الكتبي
  • بسمة بوسيل تكشف لأول مرة عن الأزمة الصحية لنجلها آدم: أصعب فترات حياتي
  • ياسر بدران من أوائل الثانوية الأزهرية للمكفوفين بـ الشرقية: تفوقت بفضل الله ثم دعم والدي
  • تقارب مفاجئ بين طارق صالح والإصلاح وسط صراع نفوذ بالمؤتمر
  • تقدم الى مكتب الصحة والبيئة بأمانة العاصمة الصيدلاني د عمار الذانبي بطلب تغيير اسم صيدليته
  • سباليتي: كرة القدم دمرت حياتي ولا أستطيع النوم!
  • دموع وفرح وتاريخ ناصع| سميرة عبدالعزيز: الفن حياتي.. وكل مخرج أضاف إلى رصيدي الفني
  • نجل صالح يؤكد رواية الحوثيين: والدي قتل في طريقه إلى سنحان وليس في منزله