المؤتمرات الدولية ودورها في التنمية المستدامة
تاريخ النشر: 14th, October 2024 GMT
تسترجع الذاكرة بعض الأفكار المكتوبة في مقالات أو تدوينات في منصات التواصل الاجتماعي، فينجم عنها مراجعة فكرية أكثر نضجا وإقناعا لاسيما بعد تحقُّق الأمنيات وتجسيدها على أرض الواقع. من الأفكار التي كتبتُ عنها في السابق، فكرة إقامة الجامعات في المحافظات لإيجاد تنمية مستدامة في تلك الجهات (الوسطى خير مكان لجامعة عُمان، صحيفة الرؤية: يونيو 2012)، كاقتراح بإقامة جامعة عُمان في مدينة هيما لتوفير المزيد من الفرص وتنشيط الولاية ثقافيا واقتصاديا، كما كتبتُ مقالا آخر بعنوان (نصيب العُماني من التنمية الثقافية، صحيفة الرؤية: يناير 2012)، مُذكرا بالعديد من المؤسسات التي نتطلع إلى قيامها بالأنشطة الثقافية في العديد من محافظات السلطنة، وقد أشرت حينها إلى «عدم وجود خطة ثقافية وطنية للنهوض بالشأن الثقافي أسوة بالخطط التنموية والاقتصادية، إذ لا يمكن الفصل بين النشاط الاقتصادي والعمل الثقافي، فالأخير مقدمة لتطور الأول، ولا أعلم عن وجود تنسيق مشترك بين هذه الجهات حول العمل الثقافي الوطني.
بعد ما يقارب عقد ونيف على تلك الأفكار، أود القول: إن الواقع قد اختلف اختلافا جذريا، إذ تعمل المؤسسات في كافة القطاعات وفق خطط واستراتيجيات وطنية انبثقت عن رؤية «عُمان 2040»، التي بلورت الاستراتيجية الثقافية (2021-2040)، والاستراتيجية العمرانية وغيرها. كما أقيمت فعاليات ومؤتمرات ومهرجانات ثقافية في مناطق السلطنة آخرها ملتقى النادي الثقافي في ولاية شليم وجزر الحلانيات الجاري تنفيذه خلال كتابة هذه الكلمات. وقد شاركت مؤخرا في مؤتمر دولي يُقام لأول مرة في محافظة شمال الشرقية، احتضنته جامعة الشرقية التي ساهم وجودها في تنمية الولاية ناهيك عن الأنشطة الثقافية التي تقيمها لجنة الكتاب والأدباء بشمال الشرقية، كان آخرها تنظيم المؤتمر الدولي الأول توظيف التراث في الأدب العُماني، الذي شارك فيه عدة باحثين وأكاديميين من المغرب، والجزائر، وتونس، ومصر، وفلسطين، ولبنان، والإمارات، والهند، وأذربيجان. وقد ساهمت محافظة شمال الشرقية في دعم تنظيم المؤتمر، إضافة إلى رعاية من الشركة العُمانية للغاز الطبيعي المسال. وبصرف النظر عن قيمة المؤتمر كحدث ثقافي وعلمي، إلا أن الأثر الإيجابي الملموس هو النشاط الثقافي والسياحي والترويج لمحافظات السلطنة كوجهة سياحية وإطلاع المشاركين على المقومات السياحية والاقتصادية في محافظة شمال الباطنة.
إن تنظيم المؤتمرات العلمية ودعمها وإقامة المهرجانات الثقافية كمهرجانات السينما والمسرح والفنون بمختلف أنواعها، تُفعّل أنشطة اقتصادية وسياحية واجتماعية موازية، وتتكامل فيما بينها لتحقيق الأهداف التنموية في المحافظات والمناطق النائية، بالإضافة إلى تطبيق اللامركزية في الإدارة والتنفيذ التي تسعى إليها الجهات المعنية في ترسيخها على أرض الواقع. ومع الإصرار على العمل برؤية «عمان 2040» وتحقيق أهدافها يتعين تهيئة البُنى السياحية في مراكز المحافظات، مثل إقامة الفنادق والمنتجعات المؤهلة لاستضافة المؤتمرات الدولية والفعاليات الرياضية والثقافية، الأمر الذي يُسرّع من نشاط سياحة المؤتمرات وإيجاد تنمية مستدامة في العديد من مناطق سلطنة عمان.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
الكلباني لـ"الرؤية": عُمان قادرة على المنافسة الدولية في صناعة "أشباه الموصلات".. وتأهيل الكفاءات الوطنية ضروري لقيادة الابتكار والإنتاج
◄ 630 مليار ريال إجمالي مبيعات أشباه الموصلات في 2024
◄ عمان قادرة على المنافسة العالمية في صناعة أشباه الموصلات
◄ تطوير البنية اللوجستية والرقمية يُعزز جهود هذه الصناعة المتطورة
◄ إنشاء مراكز أبحاث صناعية ومراكز للتجميع والابتكار من الخطوات الضرورية
◄ صناعة أشباه الموصلات فرصة لخلق وظائف ذات قيمة عالية
◄ يجب اتخاذ خطوات فعلية بتدريب الكوادر العمانية
◄ نحتاج إلى برامج جامعية معنية بهذه الصناعة الواعدة وتدريب الكوادر العمانية
الرؤية- سارة العبرية
أكد سعيد بن محمد الكلباني، باحث ومدرب في الذكاء الاصطناعي والتقنيات الناشئة، أن صناعة أشباه الموصلات تمثل اليوم إحدى أهم الفرص الاقتصادية الواعدة للسلطنة؛ نظرًا لحجمها العالمي المتنامي، مُعتبرا أن دخول سلطنة عُمان هذا المجال يمنحها موردًا اقتصاديًا جديدًا عالي القيمة، ويفتح الباب أمام وظائف نوعية للشباب، ويعزز توجهات رؤية "عُمان 2040" نحو اقتصاد متنوع ورقمي قائم على المعرفة.
وأوضح في -تصريحات لـ"الرؤية"- أن صناعة أشباه الموصلات تجاوزت مبيعاتها 630 مليار دولار (242.2 مليار ريال عُماني) في العام 2024 مع توقعات قوية بتجاوز الترليون دولار خلال السنوات العشرة القادمة، وهذا نتيجة للذكاء الاصطناعي والتقنيات الناشئة ومتطلباتها، مبينا: "في الحقيقة أننا أمام أرقام تعادل وتتجاوز اقتصاد دول، والحصول على حصة من السلسلة العالمية المتنافسة في مجال أشباه الموصلات حتماً سوف ينعكس إيجاباً على الناتج المحلي للسلطنة وتخفيف الاعتماد على المنتجات النفطية إلى مجال جديد واعد، علاوة على خلق فرص عمل نوعية تساهم في تخفيض أعداد الباحثين عن عمل".
وأشار إلى أن إدراك عُمان لأهمية أشباه الموصلات وإعداد البنية لها يوجهها إلى العمل عليه كخيار استراتيجي، فبعد استضافة مسقط النسخة الأولى من القمة التنفيذية الدولية لأشباه الموصلات عام 2023، انتقلت إلى جولات من التفاهمات الدولية والتي أفرزت توقيع وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات مذكرة تفاهم مع شركة AONH Private Holdings لتطوير شرائح متقدمة للذكاء الاصطناعي في المنطقة الحرة بصلالة.
وأكد الكلباني أن السلطنة ليست بعيدة عن التنافس العالمي في هذا المجال فهي أدركت قيمته وأهميته وخاصة أنها متوافقة مع رؤية "عُمان 2040" الرامية في بنيتها إلى إيجاد اقتصاد متنوع يستند على المعرفة والتقنية والابتكار، إذ إنها تجد في التحول الرقمي والصناعة الرقمية محركات رئيسة للنمو الاقتصادي المستقبلي الذي حتماً سيكون بعيداً عن المنتجات النفطية، مضيفا أن المناطق الاقتصادية الخاصة والحرة باتت محركات رئيسية لجذب الاستثمارات والمشاريع المتنوعة، كما أن التشريعات المنظمة للاستثمار أصبحت مطمئنة للمستثمرين، إلى جانب التسهيلات والحوافز المقدمة لهم.
وأضاف: "من جانب أخر، يمكن اعتبار البرنامج الوطني للاقتصاد الرقمي من العوامل التي تساهم في جذب الاستثمار وذلك لما يحرص عليه من تقديم بنية تحتية رقمية متطورة، والارتقاء بالخدمات الحكومية إلى أن تصبح ذكية، وفتح المجال أمام القطاعات الناشئة مع تسهيل نموها، وهذا يظهر في حزم الحوافز التي تقدمها الحكومة في المناطق الحرة".
ويرى الكلباني أن سلطنة عُمان تتعامل مع هذا القطاع بواقعية كبيرة، لأنه من الأساسيات اللازمة للانطلاق في مجال صناعة أشباه الموصلات، إذ شهدت السنوات الماضية نضوجا على مستوى البنية الأساسية اللوجستية والرقمية، وأن الوقت يتطلب العمل على إنشاء مراكز الأبحاث الصناعية ومراكز التجميع والابتكار.
وفي جانب الفرص التي يمكن أن توفرها صناعة أشباه الموصلات للشباب العُماني، يؤكد الكلباني أن هذا القطاع يمثل فرصة مزدوجة المنفعة للشباب العماني، وذلك لأنه يفتح مجال لوظائف ذات قيمة عالية، كما أن امتلاك مهاراتها يفتح المجال واسعاً نحو إنشاء الكثير من الأعمال الموازية، إذ إنه يتيح فرص للتعلم واستقاء المعرفة من المراكز العالمية المتخصصة في مثل هذه الصناعات.
ولفت الكلباني إلى أن السلطنة تعمل في هذا المجال بواقعية كبيرة، ويظهر ذلك من خلال استحواذ جهاز الاستثمار العماني على حصة في شركة GSME الأمريكية العاملة في تصميم أشباه الموصلات والخدمات المرتبطة بها، حيث بدأ تفعيل هذا الاستحواذ بمشروع مختبر لتصميم رقائق وتطوير كوادر عمانية بدأت بتدريب 90 مهندسا، ولم تتأخر كثيراً ثمار هذا الاستحواذ ففي عام 2023 تم تصميم أول رقاقتين عمانيتين وهما Oman-1 - Oman-2 واللتان أرسلتا للاختبار في شركات عالمية متخصصة.
وذكر سعيد الكلباني أن سلطنة عُمان وقعت مذكرة تعاون مع الشركة الهندية Kaynes Semicon لإنشاء مركز لتصميم الدوائر المتكاملة مع البدء بتأهيل حوالي 80 مهندسا عمانيا في مجالات أشباه الموصلات لمدة 12 شهرًا، كما أن وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات قد تستعين بمستشارين من أجل إيجاد بيئة حقيقية مؤهلة لتشغيل هذا القطاع في السلطنة في مراحله الأولى والتي سوف تعمل لاحقاً بكوادر وطنية.
وقال الكلباني إن صناعة الرقائق والخدمات المرتبطة بها تقدم الدعم والمساهمة المباشرة لرؤية "عمان 2040" من خلال إدخال السلطنة في سلاسل القيمة العالمية؛ وذلك بالتصميم والتجميع والاختبار، وهذا يعني مصدر إيرادات جديد ونوعي يقلل الاعتماد على الإيرادات النفطية وهو ما يصب في محور الاقتصاد المتنوع، مبينا: "حزم المشاريع المرتبطة بقطاع أشباه الموصلات والشراكات والتعاونات مع الشركات العالمية وما يفرز عنها من إنتاج وكوادر بشرية مؤهلة وذات خبرة في القطاع جميعها تساهم في تعزيز مستهدفات الرؤية من الاقتصاد المعرفي المساهم في الناتج المحلي، والنهوض بالكفاءات الوطنية في مجال نادر وذو طلب عالمي، كما أن الاستثمار في قطاع أشباه الموصلات ليس مشروع صناعي يراد منه مستهدف مالي فقط، إنما منظومة متكاملة وذات تأثير متنوع يدفع نحو تحقيق "رؤية 2040" في محاورها الرئيسية المترامية بين التنويع والابتكار وبناء الإنسان شريطة أن يتم إدارة هذه المنظومة بذات الواقعية ودون المجازفة والتسرع في الانتقال بين التمكين والتوطين".
وحول التحديات، ذكر الكلباني: "الاستثمار في هذا القطاع يعني الاستعداد لضخ المليارات من الدولارات؛ وذلك لأن إنشاء المصانع وتشغيلها يتطلب الكثير من الأموال، والتي اعتقد بأن السلطنة في وضعها الحالي لن تستطيع بمفردها الإنشاء والتشغيل وخاصة إذا كانت تستهدف الدخول في سلسلة القيمة العالمية، مما يعني أن عليها الدخول في تحالفات دولية وشراكات متعددة تتجاوز الثنائية، وهذا بدوره يشكل تحدي آخر يطل من باب التنافسية العالمية مع دول لها ثقلها كأمريكا وكوريا والهند ودول المنطقة بقيادة السعودية والإمارات التي تفرض على السلطنة إقناع الشركات العالمية بأن تستثمر في دولة صاعدة على الخارطة العالمية في مجال تنافسي وشديد الحساسية والتكلفة".
وأوضح الكلباني: "الجهات المسؤولة عن ملف هذه الصناعة تعي جيداً المهارات التي يتطلبها والتي لا تملكها السلطنة حالياً لمواجهة المستقبل، وهذا بدوره يعني بأننا أمام تحدي كبير يعود بنا إلى متطلبات سوق العمل والتوجهات وما يفرضه ذلك ضرورة إعادة هندسة برامج الجامعات من حيث المحتوى والمهارات والزمن لتضم مسارات واضحة في تصميم الدوائر المتكاملة وعلوم المواد وتقنيات التصنيع النانوي يكتسبها المتعلمين نظرياً وأدائياً وفي فترة زمنية معقولة تواكب التسارع التكنولوجي العالمي".
وأضاف "أما التحدي الكبير والذي بدأ يواجه كثير من الدول وربما يكون لاحقاً ميزة تنافسية لمن لا يواجه ذات التحدي، هو توفير الطاقة والماء اللازمان لتشغيل مصانع الرقائق، وعمان بالمشاريع الخضراء وعلى رأسها الهيدروجين الأخضر ربما تمتلك الميزة التنافسية التي نتحدث عنها، ولكن الأمر يتطلب الكثير من الضبط عل مستوى الإدارة والإمداد والوفاء بمعايير السلامة والاستدامة، وجميع ذلك يعتبر مركز الحسم الجاذب للاستثمار والصناعة".
وحول مسارات الاكتفاء بالتصميم والتجميع فقط أو الاتجاه للتصنيع المحلي، يؤكد الكلباني: "مستقبل السلطنة يأتي من طريق الواقعية والعمل المتوازن والمتوازي بين التمكين والتوطين ويكون ذلك على مراحل ثلاث، وهي: الأولى: مرحلة التمكين والتي تتمثل في بناء العقول الوطنية بإنشاء مراكز التدريب وبرامج للابتعاث المستهدف والمخطط له قبل وأثناء وبعد، وبالتوازي في ذات المرحلة العمل على تصميم الرقائق والدوائر المتكاملة وليس التصنيع المتقدم، والثانية: مرحلة التمكين الصناعي المتوسط والذي يكون بجذب الاستثمار المتقدم والذي يستهدف التجميع والاختبار والتغليف بالاستفادة من مستفيدة من الموانئ والمناطق الحرة الموزعة بين صحار والدقم وصلالة، كما أنه في هذه المرحلة ينبغي دمج الكوادر الوطنية في السلسلة والتي تعد الجسر الناقل بين المعرفة والتطبيق وبداية الإنتاج، إضافة إلى مرحلة التوطين والتموضع العالمي من خلال الانتقال من التصميم إلى التصنيع الثقيل والمخصص وبكوادر وطنية ووفق المقومات التي تدعم هذا التوجه ومن أهمها الطاقة والماء، وهذه المرحلة لها خصوصيتها من حيث الشراكات والإنتاج والتي يجب التعبير عنها بوضوح بأنها لا تسعى لمنافسة عمالقة القطاع وإنما تعمل على سد الثغرات العالمية والفجوات في المواد ضمن أجزاء محددة ومعينة من هذه السلسلة.
وأكد الكلباني أن مستقبل السلطنة في هذا المجال واعد ولكن يتطلب الكثير من التخطيط وكفاءات تقود الابتكار والإنتاج، على أن تبدأ دون فكرة منافسة تايوان وكوريا وإنما تعمل وفق ما تحتاجه السلسلة العالمية من هذا القطاع انطلاقا من التصميم والاختبار والتغليف دون إهمال فكرة التصنيع الثقيل المخصص عندما تنضج البيئة والموارد.