دستور الولايات المتحدة، وثيقة قانونية عرفت بأنها "أقدم دستور معمول به في العالم"، وُضع بعد مؤتمر دستوري عقد عام 1787 في أعقاب اندلاع "حرب الاستقلال" ضد المملكة المتحدة، بحضور 55 مندوبا يمثلون 12 ولاية أميركية.

ناقش المندوبون قضايا أساسية مثل توزيع السلطات بين الحكومة الفدرالية والولايات وتنظيم التجارة وفرض الضرائب.

وقد وُقع الدستور في 17 سبتمبر/أيلول 1787، ودخل حيز التنفيذ في مارس/آذار 1789.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2هيئة عربية أميركية ترفض ترامب وهاريس لدعمهما إسرائيلlist 2 of 2سهم شركة ترامب الإعلامية يواصل مسيرة صعود قويةend of list

ينقسم الدستور الأميركي إلى 7 مواد تُحدد هيكل الحكومة الفدرالية وصلاحياتها، وتعرضت بنوده للتعديل 27 مرة على مر التاريخ.

ما قبل المؤتمر الدستوري

في عام 1775 اندلعت "حرب الاستقلال" في الولايات المتحدة بقيادة جورج واشنطن ضد بريطانيا، واستمرت حتى عام 1783 بإعلان بريطانيا استقلال البلاد.

في خضم الحرب، صادق كونغرس الكونفدرالية الوليدة (اتحاد بين ولايات ذات سيادة مستقلة) على أول دستور للبلاد، ومنحت مواد الدستور الكونغرس سلطة إدارة الشؤون الخارجية والحرب وتنظيم العملة، لكنها كانت صلاحيات محدودة للغاية، إذ لم تكن له سلطة على الولايات.

وبعد فترة قصيرة من نيل الولايات المتحدة استقلالها عن بريطانيا عام 1783، أصبح من الواضح بشكل متزايد أن الجمهورية الناشئة تحتاج إلى حكومة مركزية أقوى لضمان استقرارها.

وقد أسهم جيمس مادسن المعروف بـ"أبو الدستور"، بشكل كبير في تشكيل الدستور الأميركي، إذ كان يرى أن الحكومة لم تكن تتمتع بالسلطة الكافية لتنظيم التجارة، وأن الولايات كانت على وشك الدخول في كارثة اقتصادية. وتخوّف عديد من الأثرياء من أن الفوضى كانت على وشك الحدوث.

وبعد مراسلات بين واشنطن ومادسن، قدم الأخير وجون تايلر اقتراحا في "جمعية فرجينيا" بمنح الكونغرس سلطة تنظيم التجارة في جميع أنحاء الكونفدرالية.

عقب مؤتمر تجاري في سبتمبر/أيلول 1786 بولاية ميريلاند، أصدر مادسن والمحامي ألكسندر هاملتون تقريرا بشأن المؤتمر، ودعوا الكونغرس إلى استدعاء مندوبي جميع الولايات للاجتماع بغرض مراجعة بنود دستور الكونفدرالية.

في فبراير/شباط 1787، أصدر الكونغرس دعوة رسمية للولايات الـ13 لعقد مؤتمر في 14 مايو/أيار 1787 بولاية فيلادلفيا، وكان المؤتمر بالنسبة لمادسن بمثابة فرصة لعكس اتجاه البلاد.

صياغة الدستور وتبنيه

عينت الولايات 74 مندوبا للمؤتمر عُرفوا باسم "واضعي الدستور"، وكانوا محامين وجنودا ومزارعين ومعلمين وأطباء وأصحاب أموال وتجارا.

ومع حلول موعد انعقاد المؤتمر، لم يكتمل النصاب القانوني مع رفض ولاية رود آيلاند إرسال مندوبها بسبب تخوفها من تدخل الحكومة المركزية في أعمالها الاقتصادية.

وبحضور 55 مندوبا عُقد المؤتمر في 25 مايو/أيار 1787، برئاسة جورج واشنطن، وبسرية تامة تجنب الضغوط الخارجية التي تؤثر على سير المؤتمر. ورغم تكليف الكونغرس للمندوبين بتعديل مواد الكونفدرالية، ناقشوا مقترحات لشكل جديد تماما للحكومة.

بعد نقاشات حول شكل الحكم وتمثيل الولايات في الهيئة التشريعية وتنظيم التجارة والضرائب والعبودية، استمرت طوال صيف عام 1787، وضع المؤتمرون في 6 أغسطس/آب المسودة الأولى للدستور.

وشبت خلافات بين المندوبين عقب وضع المسودة الأولى، أبرزها حول تنظيم التجارة والعبودية، وفي 8 سبتمبر/أيلول 1787 شُكلت لجنة الأسلوب والترتيب مكونة من 5 أشخاص بغرض صياغة النص النهائي للدستور.

وقدمت لجنة الأسلوب الصياغة النهائية للدستور للمندوبين للتصويت عليها، وجرت مشاورات حتى وقع ما مجموعه 39 مندوبا من أصل 55 على الدستور في 17 سبتمبر/أيلول 1787، وكان لابد أن توقع 9 ولايات من أصل 13 لكي يصبح ساريا.

وفي 21 يونيو/حزيران 1788 وقعت ولاية نيو هامبشير على وثيقة الدستور لتصبح الولاية التاسعة التي تصادق عليه. وتلقى الكونغرس في 2 يوليو/تموز 1788 إشعارا بهذا التصديق، وفي 3 مارس/آذار 1789 انتهى رسميا دستور الكونفدرالية وفقا لقرار المحكمة العليا للولايات المتحدة.

وبدأت الحكومة الجديدة العمل بموجب الدستور الجديد، الذي يعتبر أقدم دستور مكتوب ومعمول به في العالم، في 4 مارس/آذار 1789، ونُصّب جورج واشنطن في 30 أبريل/نيسان 1789 أول رئيس للولايات المتحدة.

الهيكل الأساسي للدستور

ينقسم الدستور الأميركي إلى 7 مواد، تضم أبوابا متعددة تتناول مواضيع مختلفة، ومواده هي:

المادة الأولى تتناول الفرع التشريعي للحكومة. المادة الثانية تتعلق بالفرع التنفيذي للحكومة. المادة الثالثة تؤسس المحكمة العليا باعتبارها أعلى سلطة قضائية في البلاد. المادة الرابعة تحدد شكل العلاقة بين الولايات. المادة الخامسة تصف الإجراءات اللازمة لتعديل الدستور. المادة السادسة تعلن الدستور "القانون الأعلى للبلاد". المادة السابعة تصادق على الدستور.

واشتهر الدستور الأميركي بديباجته التي تلخص نية واضعيه في إنشاء حكومة فدرالية مكرسة لضمان عيش الشعب في بيئة آمنة وسلمية ومحمية وحرة.

وتقول الديباجة "نحن شعب الولايات المتحدة، من أجل تشكيل اتحاد أكثر كمالا، وإقامة العدل، وضمان الاستقرار الداخلي، وتوفير الدفاع المشترك، وتعزيز الرفاه العام، وتأمين بركات الحرية لأنفسنا ولأبنائنا، نقر ونؤسس هذا الدستور للولايات المتحدة الأميركية".

وثيقة الحقوق والتعديلات الدستورية

خضع الدستور الأميركي لـ27 تعديلا على مر التاريخ، أولها 10 تعديلات عُرفت بـ"وثيقة الحقوق"، التي اعتمدت في 15 ديسمبر/كانون الأول 1791.

وتحدد الوثيقة حقوق الأميركيين فيما يتعلق بحكومتهم، وتضمن الحقوق المدنية والحريات للأفراد، مثل حرية التعبير والصحافة والدين، وحق الاحتفاظ بالسلاح وحمله.

كما تضع الوثيقة قواعد للإجراءات القانونية الواجبة، وتحتفظ بكل السلطات غير الموكلة إلى الحكومة الفدرالية للشعب أو الولايات.

وتوضح الوثيقة أن "تعداد بعض الحقوق في الدستور لا ينبغي أن يُفسر على أنه ينكر أو ينتقص من حقوق أخرى يحتفظ بها الشعب".

وعُدل الدستور 17 مرة أخرى، منذ 7 فبراير/شباط 1795 في قضايا مختلفة من بينها آلية التصويت للرئيس، وإلغاء العبودية، والحماية المتساوية للمولودين والمجنسين، والسماح بتصنيع وبيع الكحول، وحق المواطنين الأميركيين الذين تزيد أعمارهم عن 18 عاما في التصويت.

وقد كان آخر تعديل ينص على أن أي تغييرات في رواتب أعضاء الكونغرس لا ينبغي أن تدخل حيز التنفيذ حتى الانتخابات التالية للنواب، واقترح التعديل في عام 1789 وتم التصديق عليه في 7 مايو/أيار 1992.

الدستور الأميركي ينقسم لـ7 مواد تُحدد هيكل الحكومة الفدرالية وصلاحياتها، وتعرضت بنوده للتعديل 27 مرة (شترستوك)

وتتم عملية التعديل بشكل معقد، إذ يجب أن يمر التعديل المقترح عبر الكونغرس الأميركي، ويحتاج إلى موافقة ثلاثة أرباع الولايات، كما يجب ألا يؤثر أي تعديل يُجرى قبل عام 1808 على الفقرتين الأولى والرابعة في القسم التاسع من المادة الأولى، المتعلقة بالعبودية وتأثيرها على الضرائب والتمثيل في الكونغرس.

إضافة لذلك، لا يمكن حرمان أي ولاية من حقها المتساوي في التصويت في مجلس الشيوخ دون موافقتها. وقد رُفضت آلاف المقترحات لتعديل الدستور ولم يتم التصديق عليها قط.

الدستور في العصر الحديث

يرى الأميركيون أن واضعي الدستور كانوا مدركين أنه ليس الوثيقة المثالية، غير أنهم وافقوا عليه بكل عيوبه. ومع امتداد الولايات المتحدة عبر قارة بأكملها وتوسع سكانها واقتصادها، أثبت الدستور الأميركي صموده وتكيفه مع المتغيرات.

وبين الفينة والأخرى يشب جدال حول ضرورة إجراء تعديلات على الدستور الأميركي، بما في ذلك نطاق السلطة الرئاسية، وتمويل الحملات الانتخابية، وحق المرأة في الإجهاض، وحق الفرد في امتلاك سلاح ناري للدفاع عن النفس.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الحکومة الفدرالیة الولایات المتحدة الدستور الأمیرکی سبتمبر أیلول

إقرأ أيضاً:

الولايات المتحدة تلمِّح بالانسحاب من حلف الناتو!

أنقرة (زمان التركية) – أبلغت إدارة الرئيس دونالد ترامب الأوروبيين برغبتها في نقل جزء كبير من مسؤولياتها بحلف الناتو إليهم بحلول عام 2027.

وتشير الصحافة الأوروبية إلى أن هذه الرسالة الأمريكية جاءت خلال اجتماع بين مسؤولين في البنتاجون والوفود الأوروبية هذا الأسبوع بالعاصمة الأمريكية، واشنطن.

وأبلغ المسؤولون الأمريكيون نظرائهم الأوروبيين بعدم رضا إدارة ترامب عن الخطوات التي اتخذتها أوروبا لتعزيز قدراتها الدفاعية.

وكان من بين رسائل الولايات المتحدة أيضا احتمالية التوقف عن المشاركة في آليات التنسيق الدفاعي للناتو في حال عدم اتخاذ الحلف الخطوات اللازمة بحلول عام 2027 لتولي الكفاءة الدفاعية التقليدية.

هل سيشهد الناتو تغييرات؟

نقل الولايات المتحدة لمسؤولياتها ضمن الحلف إلى أوروبا يعني تغييرا كبيرا ضمن الناتو. ويعد الكشف عن هذه النية بمثابة مؤشر جديد على أن أمن أوروبا لم يعد يشكل أولوية للولايات المتحدة.

وتضمن القدرات الدفاعية التقليدية مجالا كبيرا يمتد من الأسلحة بما يشمل الصواريخ إلى الجنود.

لا يكف المال والإرادة السياسية وحدهما لتولي مسؤوليات الولايات المتحدة، وحتى في حال الرغبة في ذلك، فمن المستحيل تقريبا أن نقل مهام ومسؤوليات الجيش الأمريكي ضمن الحلف في مثل هذا الوقت القصير.

ويؤكد المسؤولون الأوروبيون أنه حتى وإن تقدموا اليوم بطلبات للحصول على الأسلحة والأنظمة الدفاعية الأمريكية اللازمة للدفاع عن الحلف فإن عمليات التسليم ستتم بعد سنوات.

وتلعب الولايات المتحدة دورا حساسا في مجالات داخل الحلف كالاستخبارات والرصد والاستطلاع.

وتشكل مهام الجيش الأمريكي هذه أهمية كبيرة للحرب الروسية الأوكرانية.

هل يمكن للناتو الاستمرار بدون الولايات المتحدة؟

أثار غياب وزير الخارجية الأمريكي، مارك روبيو، عن اجتماع وزراء خارجية حلف الناتو الذي أقيم مؤخرا في بروكسل أصداء واسعة لكونها المرة الأولى في تاريخ الحلف التي يتغيب فيها وزير خارجية الولايات المتحدة عن الاجتماع.

وجاءت وثيقة استراتيجية الأمن القومي الجديدة للولايات المتحدة، التي أعلن عنها البيت الأبيض مؤخرا، بمثابة صدمة للعواصم الأوروبية.

هذا وتشهد أوروبا نقاشات حول كون الولايات المتحدة والقارة العجوز يقفان حاليا على مفترق طريق وأنه يتوجب على أوروبا الاستعداد لحلف ناتو بدون الولايات المتحدة.

Tags: استراتيجية الأمن القومي الجديدةالحرب الروسية الأوكرانيةالولايات المتحدة وأوروباحلف الناتو

مقالات مشابهة

  • الحنيطي يبحث مع وفد من الكونغرس الأميركي تعزيز التعاون العسكري والتطورات الإقليمية
  • الولايات المتحدة تلمِّح بالانسحاب من حلف الناتو!
  • رئيس هيئة الأركان الأردنية يستقبل وفد الكونغرس الأميركي لمناقشة الأمن والسلم الدوليين
  • جدل حول تصريحات جورج كلوني.. الأدلة تكشف السياق الحقيقي
  • حسام الغمري: الإخوان الإرهابية كتبوا دستور مصر في الخارج عشان يسهلوا احتلالها
  • من أقدم المدن في العالم.. هذه أهمية اختيار صيدا عاصمة للثقافة والحوار لعام 2027
  • مصطفى بكري عن مشاركة أمل كلوني في كتابة الدستور: فضيحة كشفت فشل «الإخوان» وعجزهم
  • وثيقة أمريكية تتهم أوروبا بـالمحو الحضاري.. وانتقادات: هذا خطاب يشبه الكرملين
  • سمو سفيرة المملكة لدى الولايات المتحدة تحضر قرعة كأس العالم برفقة الوفد السعودي
  • “فيفا” يعلن حضور قادة الولايات المتحدة وكندا والمكسيك “القرعة النهائية” لكأس العالم 2026 في واشنطن اليوم الجمعة