تماثلية الألم: المقاومة تُجبر الصهاينة على مواجهة واقع الحرب
تاريخ النشر: 17th, October 2024 GMT
يمانيون – متابعات
تظهر دلائل المواجهة القائمة على حدود فلسطين الشمالية أن حزب الله لا يكتفي بالتعافي، بل يستعيد السيطرة والانضباط ويقود حرب استنزاف تدريجية ومخطط لها. ومن أبرز شواهد ذلك الضربة القاسية التي وجهتها مسيّراته إلى معسكر لواء جولاني في منطقة بنيامينا بحيفا المحتلة، ما أسفر عن مقتل وجرح أكثر من سبعين عنصرًا من “جيش” الاحتلال، بحسب ما ذكرته الجهات الصهيونية.
هذا التصعيد الملحوظ من طرف حزب الله يُعتبر سلاحًا ذو حدين وفقًا للرؤية الصهيونية، وخصوصًا من قبل بنيامين نتنياهو. من جهة، يتسبب هذا التصعيد في إلحاق أضرار مؤلمة بالمجتمع الصهيوني، حيث تزداد التكاليف والتوتر نتيجة هجمات المسيّرات والاستهدافات الصاروخية. هذه التصعيدات تؤدي إلى شعور المستوطنين بفقدان الأمان وتصدّع الرواية الصهيونية حول فلسطين.
هذا الأمر يعزز أيضًا ما يمكن وصفه بـ “تماثلية الألم”، مما يعني أن الفلسطينيين واللبنانيين ليسوا وحدهم الذين يعانون من تبعات الحرب، بل بإمكان المقاومة أن تجعل الصهاينة يشعرون بنفس المعاناة، مما يوسع نطاق المستوطنات المخلاة. وقد أكد حزب الله أن استمرار الحرب يعني أن حيفا معرضة للاستهداف بشكل مماثل لما حدث في “كريات شمونة”.
من جهة أخرى، فإن المواجهة البرية تُثقل كاهل “جيش الاحتلال” بشكل كبير، وهو ما يفسر الحذر والتردد الإسرائيلي في اتخاذ خطوات عسكرية برية. يبدو أن حزب الله يعكف على رفع التكلفة مع تصعيد المواجهة، مع الحفاظ على مخزونه الاستراتيجي من الأسلحة، مما قد يمنعه من الردود الانفعالية التي قد تُضعفه.
فيما يتعلق بـ “حدّ التوظيف”، فإنه من الواضح أن نتنياهو يدرك أن حزب الله لا يزال قويًا رغم الأضرار التي لحقت به. لذا، قد يسعى لتوظيف الهجمات على قاعدة جولاني لتعزيز موقف الجبهة الداخلية، وإقناع الإسرائيليين بضرورة الاستمرار في الحرب حتى يتمكنوا من تحقيق نصر عليه.
دون شك، سينتقل نتنياهو الآن لاستهداف العمق اللبناني وبيروت، وأعلى احتمال أنه سيتجاوز بيئة حزب الله ليطال البنية المدنية للدولة اللبنانية ومؤسساتها. وفي هذا السياق، يُظهر نتنياهو تجاهلاً للتحذيرات الأمريكية بعدم استهداف بيروت بشكل شامل، لما قد يسببه ذلك من أزمات مع حلفاء الولايات المتحدة.
في الختام، بعد الضربة المؤلمة التي نفذها حزب الله على قاعدة جولاني، يقف نتنياهو أمام ثلاثة خيارات للتعامل مع تصعيد حزب الله. يمكن أن يدفع هذا التصعيد في المستقبل نتنياهو نحو التراجع عن سردية “النصر المطلق”، والبحث عن تسويات لمنع غرق “إسرائيل” في المستنقع العسكري، خاصة فيما يتعلق بالمواجهة البرية.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: حزب الله
إقرأ أيضاً:
استراتيجية الأمن القومي الأمريكي للحلفاء: «تخبزوا بالافراح»
بعدما خاضت أمريكا في نهاية ولاية الرئيس جو بايدن وبداية ولاية الرئيس دونالد ترامب، أم الحروب الي تهرّبت منها طويلاً، وهي حرب تغيير الشرق الأوسط، فنقلت التهديد المزمن بالحرب على إيران إلى ساحات الحرب، واستجابت للفرضية التي وضعها أمامها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو وفق معادلة إذا هزمنا هزمتم وإذا انتصرنا انتصرتم، فخرجت أمريكا للحرب بكل ما لديها لمنع هزيمة “إسرائيل” التي بدأت تقترب مع الفشل الإسرائيلي في القضاء على المقاومة في غزة وتحرير الأسرى بالقوة، بينما جبهة إسناد لبنان تجعل مدن الشمال مدن أشباح وتضخ المزيد من النازحين إلى الوسط، واليمن يقفل ميناء إيلات ويسيطر على البحر الأحمر، الذي كان في حربي عام 1967 و1973 محور الخطط الحربية الإسرائيلية، وعبر ذلك كله تزداد الأزمة الوجودية في الكيان التي فجرها طوفان الأقصى عندما قال إن جيش الاحتلال لا يشكل ضمانة كافية لشعور المستوطنين بالأمن.
– خرحت أمريكا للحرب بكل ما لديها من تكنولوجيا وأسلحة وذخائر وخطط جاهزة ومخزون استخباري، وبدأ الهجوم المعاكس بعد اجتماعات تموز 2024 في واشنطن، خلال زيارة نتنياهو وقبيل وضع الحزمة الأمريكية القاتلة التي تم تجييرها لـ”إسرائيل”، بعمليات اغتيال بدأت برئيس حركة حماس إسماعيل هنية وبلغت سقفها مع اغتيال قائد ومؤسس مقاومة الأهم في لبنان السيد حسن نصرالله، وتضمّنت تفجير البايجر واللاسلكي، ورغم نسبتها لـ”إسرائيل” بقي السؤال لماذا لم تقم بـ”إسرائيل” بتفعيلها قبل ذلك وهي في ذروة أزمتها على كل الجبهات، ولم يفرج عنها إلا بعد زيارة نتنياهو لواشنطن في تموز 2024، لكن عندما جاء دور “إسرائيل” للقطاف بخوض حرب برية على جبهة لبنان كانت الحصيلة الفشل الذريع، وحاولت أمريكا بايدن قيادة مسار الخروج من الحرب وتحديد الخسائر، لكن “إسرائيل” نجحت بالمناورة حتى دخل الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض، وتبنى خيار الحرب على اليمن وغزة وإيران، وقيادة الحصار على المقاومة في لبنان بتسريع إسقاط النظام السابق في سورية، وإعادة إنتاج مؤسسات السلطة في لبنان بما يضمن خوض معركة إنهاء سلاح المقاومة.
– صمدت المقاومة في لبنان وأحسنت إدارة العلاقة بمؤسسات السلطة الجديدة في لبنان، ونجحت المقاومة في غزة بتحمل تبعات حرب الإبادة والتجويع بكل ما فيها من وحشية وأهوال، ووقف شعبها معها، وفشل الرهان على استسلام المقاومة أو استسلام شعبها، لكن اليمن ربح الحرب، وإيران أقامت توازن قوة انتهى بعجز أمريكا و”إسرائيل” عن مجاراتها بالاستعداد لمواصلة القتال، بعدما ظهر أن حرب الاستنزاف قاتلة لكل من واشنطن وتل أبيب، وبدأت مساعي وقف النار في غزة بعد وقف النار في اليمن بشروط يمينة، وفي إيران بشروط ايرانية، وبدأت بالتزامن معها مناقشات رسم استراتيجية الأمن القومي لإدارة الرئيس ترامب، بينما كانت حرب أوكرانيا ترسم معادلات فشل مشابه يصيب حلفاء واشنطن، والحل نفسه في محاولات ترويض الصين سواء بحرب جمركية أو محاولة الحد من مستوى النمو الصيني ورفع مستوى النمو الأمريكي، لأن الأسواق كانت تقول باستحالة استرداد زمام المبادرة في المنافسة الاقتصادية مع الصين.
– جاءت استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الصادرة قبل يومين تقول إن روسيا ليست تهديداً بل تحدٍّ لكيفية صناعة التسويات، والصين ليست عدواً بل منافس يمكن التوصل معه إلى قواعد اشتباك، والشرق الأوسط لا يجوز أن يكون ساحة حروب مفتوحة، وإن الأمريكيتين الشمالية والجنوبية هما المدى الحيوي للأمن القومي الأمريكي، وإن إعادة صياغة الداخل الأمريكي أولوية الأمن القومي، وإن أوروبا وسائر الحلفاء يجب أن يتعلموا الاعتماد على أنفسهم، وليس من شك في أن هذه الاستراتيجية هي أهم ثمرات الحرب التي دارت بلحمنا ودمنا، وأن هذه الاستراتيجية بعد التغييرات التي لحقت بالرأي العام العالمي لصالح فلسطين هي أهم ثمرات التضحيات الجسام التي قدّمتها شعوب المنطقة وفي طليعتها الشعب الفلسطيني والشعب اللبناني.
– وفقاً لهذه الاستراتيجية معطوفة على ما شهده الرأي العام الغربي والأمريكي خصوصاً من تحوّلات، تخسر “إسرائيل” أهم ركنين لصناعة السياسة والحرب، رغم كل الضعف العربي والإسلامي الذي يُغري قادة “إسرائيل” بمواصلة لحروب أملاً بالنصر المطلق الذي تحدّث عنه نتنياهو، لكن دون هذا النصر شروط وأثمان لا تستطيع “إسرائيل” توفيرها دون استعادة أمريكا إلى ميادين الحروب ودون استرداد الرأي العام العالمي إلى ضفة التأييد، وبغياب فرص واقعية لتحقيق أي من هذين الشرطين، على “إسرائيل” التواضع والتخلّي عن الحلم بنزع سلاح المقاومة، والتوسّع وفقاً لخرائط المياه والنفط بتغيير الحدود، والبحث عن مخارج من نوع اعتبار النصر محققاً بأبعاد التهديد الراهن وليس التهديد الاستراتيجي المتمثل ببقاء المقاومة ومحور المقاومة وإيران بقدرات متزايدة، والقبول بإغماض العين عن تهديد استراتيجي يتمثل ببقاء المقاومة ومحور المقاومة وإيران على عقيدة قتال “إسرائيل” وبقوة قابلة للنمو تحضيراً لجولة جديدة لا تكون أمريكا طرفاً فيها.
– كلام توماس برّاك المكثف خلال يومين بعدة إطلالات مبرمجة، يقول لا فرصة للرهان على قيام الجيش اللبناني بالدخول في مواجهة عسكرية مع المقاومة، ولا قدرة لـ”إسرائيل” على سحق المقاومة ونزع سلاحها، وكأنه مكلف بمهمة تسويقية للاستراتيجية الجديدة، فيقول لقد حاولنا مرتين إسقاط النظام في إيران وكانت محاولات فاشلة، وجرّبنا دفع الجيش اللبناني لقتال شريحة لبنانية عامي 82 و83 وفشلنا، وكما تحتمي أمريكا خلف الأطلسي، على “إسرائيل” أن تختبئ خلف الجدران.
* رئيس تحرير صحيفة البناء اللبنانية