إمارة جديدة لتوطين وافدين بدارفور تُشعل غضبا قبليا
تاريخ النشر: 20th, October 2024 GMT
الخرطوم- في خطوة فتحت بابا جديدا للتنازع، أعلنت قوات الدعم السريع في السودان، قبل أيام، توطين مجموعة سكانية قادمة من أفريقيا الوسطى في ولاية وسط دارفور ومنحها "إمارة" جديدة، مما أثار ردود فعل غاضبة بين السكان الأصليين وتنامت الدعوات للمقاومة ورفض ما أطلقوا عليه "المشروع الاستيطاني".
وقال قيادي في قبيلة "الفور" إن المجموعة العربية التي عرفت باسم "أولاد بركة ومبارك"، وصلت من دولة أفريقيا الوسطى إلى وسط دارفور، وكان لديها وُجود قبل اندلاع الحرب في 15 أبريل/نيسان من العام الماضي في الجزء الجنوبي من مدينة زالنجي، لكن أعدادها تزايدت بعد سيطرة الدعم السريع على الولاية.
واعتبر القيادي القبلي، الذي فضل عدم ذكر اسمه، في حديث للجزيرة نت، أن "الدعم السريع فيما يبدو تُكافئ المجموعات التي قاتلت معها بمنحها أراضي وحواكير على حساب القبائل الأصيلة".
وأظهرت مقاطع فيديو -بثها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي- مشاركة مرتزقة من دول عديدة في النزاع المسلح بين الدعم السريع والجيش السوداني، حيث ظهرت عناصر موالية للمعارضة التشادية وأخرى منتمية لجنوب السودان، وثالثة لمقاتلين من إثيوبيا وليبيا وغيرها، يقاتلون بجانب الدعم السريع في الخرطوم ودارفور.
وفي بيان صدر الخميس الماضي، أدان "مجلس أعيان وشورى عموم الفور" ما وصفه بـ"إنشاء إمارة جديدة من الدعم السريع لمجموعة عربية وافدة"، وحذّر من أن هذه الخطوة تعد محاولة مكشوفة لإحداث تغيير ديموغرافي يستهدف تمكين "مجموعات أجنبية" على حساب السكان الأصليين.
وندد المجلس بما سماه "الانتهاك الخطير" لحقوق أهل المنطقة التاريخية، معتبرا ما يحدث "احتلالا مباشرا لأراضي الفور بمساندة واضحة من الدعم السريع".
وأكد أن القبيلة التي تنتمي إليها مجموعة "أولاد بركة ومبارك" لا تمتلك أي حق قانوني أو تاريخي في هذه الأراضي، حيث دخلت السودان مؤخرا، وأن هذه المحاولات تهدف إلى "إنشاء سلطات موازية تسعى إلى تفكيك النظام الإداري التقليدي والهيمنة على المنطقة تحت غطاء المليشيا المسلحة"، على حد وصف البيان.
وأدان المجلس أيضا تعيين محمود صوصل، أميرا للقبائل العربية في وسط دارفور، بما يتجاوز الصلاحيات التقليدية للإدارات الأهلية، خاصة أنه، وفقا للبيان، متهم بالضلوع في "جرائم فظيعة ضد قبيلة الفور خلال الهجمات التي شنتها المليشيا على المنطقة"، مما يزيد من خطورة هذا القرار.
وفي وقت سابق من الأسبوع الماضي، أعلن مجلس شورى الفور عزل السلطان أحمد حسين دينار، بعد اتهامه بالتحالف مع الدعم السريع و"انتهاك أعراف السلطنة" التي تأسست على يد السلطان سليمان أحمد عام 1445.
وسبق ذلك إصدار عميد الأسرة، أحمد سعد عمر، ومقررها عبد المنعم يعقوب، بيانا مشتركا اتهما خلاله السلطان دينار بارتكاب مخالفات "لا تتسق مع إرث وقانون السلطنة"، بجانب "دعمه ومساندته لمليشيا "الجنجويد" مما دفع النيابة العامة في السودان لإصدار أمر قبض بحقه.
وأوضح البيان أن عمادة الأسرة وهيئة الشورى سبق أن اجتمعت بعد وفاة السلطان إبراهيم يوسف، وتم الاتفاق على تنصيب السلطان عبد الرحمن التجاني علي دينار، لكن النظام السابق تدخل في أعلى مستوياته عن طريق حسبو محمد عبد الرحمن نائب الرئيس وقتها، أحد أبرز قادة الدعم السريع حاليا، لتنصيب أحمد حسين.
ويطرح الأمين العام لمجلس شورى قبيلة الفور، نور الدين محمد رحمة، دلائل على ما وصفها بـ"عمليات استيطان" تمت على نطاق واسع في ولايتي وسط وجنوب دارفور. ويؤكد في حديثه للجزيرة نت أن إدارة "دار دمى"، بوسط دارفور، وهي من حواكير الفور، بجانب إدارية "كوتية" أصبحت الآن، كما يقول، "محتلة بمساحتها الزراعية والرعوية لمستوطنين من قبائل عربية".
ويتابع "مناطق وادي صالح، وقارسيلا، ودليج، ومكجر، وعمار جديد، وكردل وبندسي وكل قرى الفور تم حرقها في هذه المناطق، بل أزيلت الحدود التاريخية غربا لعمق 12 كيلومترا داخل حواكير الفور".
ويؤكد نور الدين الانتشار الواسع للقبائل العربية في مناطق شاسعة وإقامتهم ما لا يقل عن 100 دامرة (قرى صغيرة للعرب الرحل) بجانب استبدالهم أسماء بعض قرى القبائل الأفريقية بأخرى جديدة، حيث تم تغيير اسم منطقة كابار إلى "دار السلام".
ويمضي القيادي الأهلي إلى القول إن "الاستيطان في زالنجي عاصمة وسط دارفور تمدد في كل المنطقة الغربية حتى مورني في الحدود مع ولاية غرب دارفور، وتحولت القرى لمراعٍ خاصة بالقبائل العربية". ويتابع "توجد قبائل وصلت من تشاد.. التغيير الديمغرافي حقيقي والاستيطان غير محدود".
ويلفت نور الدين إلى أن القبيلة التي ينحدر منها قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو غيّرت اسم منطقة دوقي التابعة لمحلية مرشنج بولاية جنوب دارفور إلى "أم القرى"، وهي منطقة تسكنها قبيلة الرزيقات أولاد منصور، الفرع الذي ينتمي إليه حميدتي.
ويشير إلى أن الدعم السريع أولت اهتماما خاصا لأم القرى وأنشأت فيها مشاريع خدمية كبيرة من مستشفيات حديثة ومحطات مياه ومدارس، وهي الآن بمثابة قيادة عسكرية للدعم السريع.
حق تاريخيفي المقابل، يرفض أمير القبائل العربية بولاية غرب دارفور، مسار عبد الرحمن، الاتهامات "باحتلال" مناطق في دارفور أو توطين قبائل عربية من خارج الحدود.
ويقول عبد الرحمن للجزيرة نت إن القبائل العربية موجودة في هذه المناطق منذ مئات السنين، ويضرب مثلا بغرب دارفور قائلا إن العرب هناك لديهم حواكير مع المساليت منذ عهد الإنجليز.
وينوه إلى أن الطرق الدائم على وجود دخلاء وأصحاب حواكير هو الذي تسبب في حالة العداء الشديد بين المكونات القبلية في دارفور، مبرزا أهمية التعايش بين الجميع.
وكانت تقارير تحدثت عن تهجير 800 ألف من قبيلة المساليت من مناطق الجنينة، ومورني وكرينك وأزرني في غرب دارفور بعد نشوب الحرب العام الماضي، وأن قراهم الآن توجد فيها القبائل العربية تحت حماية قوات الدعم السريع.
باب للحرب الأهليةيرى عبد العزيز سليمان أوري، المتحدث باسم حكومة إقليم دارفور، في حديثه للجزيرة نت، أن "استجلاب المرتزقة والعمل على تغيير التركيبة الديموغرافية في دارفور يلقي بآثار بالغة على كل السودان وليس دارفور فقط"، ويستشهد بما حدث في الحرب الحالية التي عمت شرارتها كل أنحاء البلاد.
ومن وجهة نظر المتحدث، فإن "الحرب الأهلية لن تتوقف ما لم يعد المرتزقة لبلادهم"، إذ لا يوجد، كما يقول، ما يمكن تقاسمه مع هؤلاء "الأجانب". ومع ذلك، لا ينكر، في الوقت ذاته، وُجود عرب رُحّل من المكونات الوافدة في إقليم دارفور بحكم التداخل القبلي.
لكن أوري يلفت إلى ضرورة أن "توفق الدولة أوضاعهم بدلا من الاستيطان على رؤوس الآخرين"، ويردف "لا بد من قوانين منصفة لملكية الأرض دون إغفال الخصوصية والإرث التاريخي والنظام الأهلي المعروف كجزء من المنظومة الإدارية في الدولة".
دعوات المقاومةتساعد عمليات التغيير الديموغرافي الجارية في دارفور على تصعيد خطاب الكراهية، بحسب الناشط في قضايا دارفور عباس عبد الكبير، حيث تنعدم فرص الحل السلمي المعمول بها في النظم المجتمعية المرعية محليا لمعالجة النزاعات حول الأرض.
ويرى في حديثه للجزيرة نت أن فرض الحلول بالقوة ينتج ردود فعل وصدامات مباشرة بين أصحاب الأراضي المعروفين بأنهم مجتمع لا يميل للعنف ولا للتكتلات القبلية، كما أن وجودهم كنازحين لسنوات طويلة جعلهم غير قادرين عن الدفاع عن أراضيهم، وهو ما يزيد الاحتقان والشعور بالغبن.
ويشير إلى رفض واسع ودعوات للمقاومة بدأت تتنامى لمنع الوافدين الجدد من "احتلال" أراض جديدة، على حد وصفه، بما يرجح أن يؤدي ذلك إلى نشوب حرب أهلية يمكن تداركها فقط -كما يقول- بوقف الدعم السريع "مشروعها الاستيطاني" والتراجع عن الإجراءات الحالية وإلغاء كل ما ترتب على منح الحواكير منذ عام 2003.
ويستدرك بالقول إن ذلك مستبعد للغاية، "لأن الدعم السريع لن يتخلى عن مشروعه الاستيطاني، وبالتالي فإن فرضية الصدام المباشر هي الأعلى حظا".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات القبائل العربیة الدعم السریع وسط دارفور للجزیرة نت عبد الرحمن فی دارفور
إقرأ أيضاً:
بسبب سوء التغذية.. وفاة 13 طفلاً سودانياً في مخيم للنازحين بولاية دارفور
أعلنت مجموعة أطباء سودانية الثلاثاء عن وفاة 13 طفلاً لأسباب تتعلق بسوء التغذية الشهر الماضي في مخيم للنازحين في إقليم دارفور بالسودان، حيث تسببت الحرب الأهلية في أسوأ أزمة إنسانية في العالم. اعلان
تُعدّ الوفيات في مخيم لقاوة بشرق دارفور أحدث مأساة في السودان، الذي دخل في حالة من الفوضى في أبريل/ نيسان 2023 عندما اندلعت التوترات بين الجيش وقوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم، وانتشرت بسرعة إلى باقي مناطق البلاد.
مأساة المخيم
وأفادت شبكة أطباء السودان، وهي مجموعة من المهنيين الطبيين السودانيين في جميع أنحاء البلاد الواقعة في شمال شرق أفريقيا، بوفاة الأطفال في بيان. وقالت إن المخيم، الذي يستضيف أكثر من 7000 نازح، معظمهم من النساء والأطفال، يعاني من نقص حاد في الغذاء.
وحثت المجموعة المجتمع الدولي ومنظمات الإغاثة على زيادة المساعدات الإنسانية للمخيم في ظل تزايد معدلات سوء التغذية، وخاصة بين الأطفال. لكن منظمات الإغاثة ناشدت الأطراف المتحاربة السماح بدخول المزيد من المساعدات الإنسانية.
انتشار سوء التغذية وأمراض أخرى
أفادت اليونيسف في وقت سابق من هذا الشهر بارتفاع بنسبة 46% في عدد الأطفال الذين يتلقون العلاج من سوء التغذية الحاد الوخيم - وهو أخطر أشكال سوء التغذية - في جميع أنحاء دارفور بين يناير/ كانون الثاني ومايو/ أيار، مقارنةً بالفترة نفسها من العام الماضي.
وأضافت الوكالة الأممية أن أكثر من 40 ألف طفل أُدخلوا لتلقي العلاج من سوء التغذية الحاد الوخيم في ولاية شمال دارفور، وهو ضعف العدد المسجل في الفترة نفسها من العام الماضي.
وُجدت مجاعة في مناطق متعددة في دارفور ومنطقة كردفان الجنوبية.
كشفت المنسقية العامة لمخيمات النازحين واللاجئين في دارفور، الثلاثاء، عن تسجيل 2145 حالة إصابة بالكوليرا في منطقة الطويلة وحدها، إلى جانب 40 حالة وفاة، ووجود 207 مصابين في مراكز العزل، مع تسجيل معدل إصابة يومي يتراوح بين 100 و208 حالات.
Related مقتل 14 مدنياً في قصف لقوات الدعم السريع على مخيم نازحين بدارفورالنازحون في دارفور يصارعون الجوع وسط صراع مستمر وغياب للمساعداتالسودان: خمسة قتلى وعدد من الجرحى في الهجوم على قافلة إغاثة أممية في دارفورتشكيل حكومة موازية
على صعيد تعميق الأزمة السياسية في البلاد، أعلنت قوات الدعم السريع، السبت، عن تشكيل حكومة موازية في السودان، في خطوة يرفضها الجيش، وحذرت الأمم المتحدة سابقا من مخاطرها على وحدة السودان.
وسيرأس قائد قوات الدعم السريع السودانية محمد حمدان دقلو (حميدتي)، المجلس الرئاسي في الحكومة الموازية، فيما سيكون قائد الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال عبد العزيز الحلو، نائبا له في المجلس المكون من 15 عضوا.
وخلال مؤتمر صحفي في نيالا، كبرى مدن إقليم دارفور، أعلن المتحدث باسم التحالف علاء الدين نقد، أنه جرى تعيين محمد حسن التعايشي رئيسا للوزراء في حكومة الدعم السريع، إلى جانب الإعلان عن حكام للأقاليم.
ووقّع أكثر من 20 كياناً سياسياً وفصيلاً مسلحاً في نهاية فبراير/ شباط الماضي في العاصمة الكينية نيروبي على الوثيقة السياسية التي شكّلت الأساس الذي ستقوم عليه الحكومة التي كُشف عنها.
سارعت وزارة الخارجية السودانية إلى شجب خطوة تشكيل الحكومة الموازية، ووصفتها، في بيان، بالحكومة بالوهمية والتي تسعي فيها قوات الدعم السريع إلى توزيع مناصب حكومية، مشيرة إلى أن هذه الخطوة فيها تغافل تام عن معاناة الشعب السوداني، على حد تعبير البيان.
وأدانت الخارجية السودانية موقف الحكومة الكينية التي استضافت الاجتماعات التحضيرية الخاصة بتشكيل الحكومة واعتبرتها انتهاكاً للسيادة السودانية.
وطالبت الحكومة السودانية كل المنظمات الدولية والحكومات بإدانة خطوة تشكيل الحكومة الموازية وعدم الاعتراف بها. وقالت إن أي تعامل مع حكومة الدعم السريع يُعتبر تعدياً على حكومة السودان وسيادتها على أراضيها.
كما وصف الناطق الرسمي باسم الجيش السوداني، العميد نبيل عبد الله، خطوة تشكيل حكومة موازية بواسطة قوات الدعم السريع وفصائل موالية لها بالتمثيلية السمجة، على حد وصفه.
النظام الصحي يدفع ثمن الصراع
دمرت الحرب الأهلية النظام الصحي في السودان، مما أوجد بيئة خصبة للأمراض، وأثّر على صحة الملايين، بما في ذلك المجتمعات الضعيفة أصلاً. وتعاني البلاد من تفشي الكوليرا والحصبة والملاريا.
وقال شيلدون يت، ممثل اليونيسف في السودان: "هذه لحظة فارقة؛ فحياة الأطفال تعتمد على ما إذا كان العالم سيختار التحرك أم تجاهل الأمر".
أودت الحرب بحياة آلاف الأشخاص وشردت نحو 13 مليونًا من ديارهم، منهم 4 ملايين عبروا الحدود إلى الدول المجاورة.
كما اتسم القتال بفظائع، منها اغتصاب جماعي وقتل بدوافع عرقية، ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، لا سيما في دارفور، وفقًا للأمم المتحدة ومنظمات حقوقية دولية.
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة