لجريدة عمان:
2025-12-12@17:52:34 GMT

الاقتصاد السلوكي والسياسات الاقتصادية

تاريخ النشر: 21st, October 2024 GMT

تحدثنا في مقالات سابقة عن أهمية دراسة محفّزات الاقتصاد السلوكي ودوافعه في صنع السياسات العامة واتخاذ القرارات الاقتصادية والمالية إضافة إلى أثره على مكونات الاقتصاد الجزئي والكلي؛ فالاقتصاد السلوكي يعد مدخلا فاعلا لعلاج السياسات الاقتصادية وصياغتها كونه يجمع بين علمي الاجتماع والاقتصاد، مما يرفع نسبة نجاح السياسة الاقتصادية ويجعلها أكثر تحقيقا للأهداف المخطط لها، ويساعدها على إيجاد معالجات للظروف الاقتصادية التي تؤثر على نجاح السياسات الاقتصادية الناتجة عن أزمات عدة مثلما حدث فترة تفشي جائحة كوفيد19، وأربكت فاعلية السياسة الاقتصادية المتخذة.

ما يميّز الاقتصاد السلوكي هو تقديم تحليلات وتفسيرات أكثر واقعية عبر دمج تطبيقات الاقتصاد التقليدي في نموذج جديد مبتكر قادر على مواجهة التقلبات الاقتصادية بالاستعانة بتطبيقات الاقتصاد السلوكي، مما يكون لهذه التفسيرات دور في رسم السياسات العامة واتخاذ القرار المناسب الذي بدوره سيسهم في تعزيز التنمية الشاملة التي ستنعكس إيجابا على مسار التنمية في محافظات سلطنة عُمان.

وهنا من الجيد أن نعمل على استحداث نظريات اقتصادية تدمج تطبيقات الاقتصاد السلوكي والاقتصاد التقليدي لصنع سياسات اقتصادية فاعلة وتكون مدخلا فاعلا وحيويا لوضع معالجات في حال اتخاذ سياسة اقتصادية لم تحقق المرجو منها أو الأثر المتوقع من اتخاذها؛ حيث إن الاقتصاد السلوكي رغم حداثة ظهوره، إلا أنه بات يمثّل عاملا مهما للدراسات والبحوث الاقتصادية؛ كونه يضع الجانب النفسي والعاطفي في الحسبان عند اتخاذ القرارات ووضع السياسات العامة. وأرى أنه من المهم الاستفادة من تطبيقات الاقتصاد السلوكي في صياغة السياسات عموما خاصة الاقتصادية منها والتحليل الاقتصادي عوضا عن الاعتماد على النظريات الاقتصادية الحالية وآراء الخبراء الاقتصاديين وتجارب الدول الأخرى التي يعتمد على نتائجها واضعو السياسة الاقتصادية؛ لضمان اتساق السياسة الاقتصادية المتخذة مع الجوانب الاجتماعية والأخلاقية في المجتمع، أيضا من الجيد مراجعة السياسات الاقتصادية المتخذة وتقييمها بين فترة وأخرى؛ بهدف إيجاد معالجات سريعة لأي تحديات ربما تعترض نجاحها أو فاعليتها، ورغم إيمان البعض بأن النظريات الاقتصادية المعمول بها حاليا في التحليل الاقتصادي عموما وأنها مسلمات غير قابلة للنقاش، إلا أنني أشجّع على الاستفادة من النقاشات حول تعددية المدارس الاقتصادية ونقدها بأسلوب فكري؛ بهدف عدم الانسياق خلف مسلمات في الرؤى والمنطلقات التي يروّج لها بعض الاقتصاديين دون وعي بالأيدولوجيات؛ لظنهم أن المدرسة الاقتصادية بحد ذاتها لا يمكن الحياد عنها أو نقدها أو تحديث النظرية المستندة عليها وإن كان الرأي مبنيا على تجارب دول بعينها في تطبيق سياسة اقتصادية معيّنة؛ لأنني أرى من الصعب إسقاط تجارب دول في تطبيق سياسة اقتصادية لم تظهر نتائجها للعامة أو لم تحقق تطلعات أفراد المجتمع، فالنظريات الاقتصادية حظيت في وقت مضى بتأييد واضعي السياسات الاقتصادية؛ كونها تتناسب مع فترة معينة من الزمن وتتواءم مع متطلبات تلك المرحلة، ومع حالة الفوضى التي يشهدها الاقتصاد بسبب الصدمات الاقتصادية والمتغيرات التي تطرأ عليه وتربك توازنه وتزيد من الغموض أحيانا حول مستقبله لم تعد التحيّزات الفكرية القائمة على نتائج نظريات اقتصادية تقليدية مجدية في وضع يشهد تغيرات على المستوى الفكري والاجتماعي بسبب العوامل المؤثرة على نجاح السياسات العامة، ولست هنا بصدد نقد نظرية بعينها إلا أنني أقترح أن يتم دراسة النظريات الاقتصادية بعمق ومناقشتها؛ بحيث يتم تقييمها وتطويرها وقياس فاعليتها على المستوى العام مع ضرورة الاستفادة من تطبيقات الاقتصاد السلوكي في استحداث فرضيات واختبارها؛ بهدف الوصول إلى نظرية اقتصادية سلوكية محدّثة لتكون مدخلا فاعلا في صنع السياسات الاقتصادية، وعلاجا للسياسات العامة الحالية في حال عدم فاعليتها؛ بسبب بعض التحديات الاقتصادية المفاجئة مثلما حدث في أزمة انخفاض أسعار النفط عالميا لفترة طويلة، وعمّق الأزمة تفشي كوفيد19 التي زادت من حدة الانخفاض في الأسعار.

إن السياسة الاقتصادية الفاعلة لابد أن تأخذ في الحسبان تطبيقات الاقتصاد السلوكي مع الاستفادة من فرضيات النظريات الاقتصادية الحالية ودراستها بجانب الجوانب العوامل النفسية والعاطفية المؤثرة على اتخاذ القرار المناسب، وأضع مقترحا لاستحداث النظرية الاقتصادية السلوكية لتكون المدخل الأساس في صنع السياسات الاقتصادية عبر تعميق النقاشات في فرضيات الاقتصاد التقليدي ودمجها مع تطبيقات الاقتصاد السلوكي؛ وكون أن الاقتصاد السلوكي بات عنصرا محتملا لنجاح السياسات الاقتصادي؛ فإني أكاد أجزم أنه في حال استحداث النظرية الاقتصادية السلوكية، ووضعها في الحسبان عند التخطيط لإقرار السياسات العامة؛ فاحتمالية نجاح السياسة الاقتصادية سيكون كبيرا؛ لدورها في تحقيق التوازن بين الجانبين الاقتصادي والسلوكي خلال مرحلة التخطيط للسياسة الاقتصادية المحققة لتطلعات أفراد المجتمع والداعمة لتنمية الاقتصاد وتطوّره.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: السیاسات الاقتصادیة السیاسة الاقتصادیة السیاسات الاقتصادی السیاسات العامة الاستفادة من

إقرأ أيضاً:

وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي تستقبل النائب الأول لرئيس البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية لبحث نتائج الزيارة ومستقبل العلاقات الاستراتيجية مع البنك

في ختام زيارته الأولى لمصر، التقت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي ومحافظ مصر لدى البنك الأوروبي لدى البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، السيد/جريج جاييت، النائب الأول لرئيس البنك؛ وذلك لمناقشة عدد من ملفات التعاون المشتركة، والنقاش حول محفظة التعاون الجارية والمستقبلية بين مصر والبنك، وبحث مخرجات الزيارة واللقاءات التي عقدها نائب رئيس البنك مع الجهات المختلفة.

حضر الاجتماع السيد/ ماتيو باترون، نائب رئيس البنك للشئون المصرفية، والسيد/ مارك ديفيس، المدير الإقليمي لمنطقة جنوب وشرق المتوسط بالبنك، والسيدة ريم السعدي، نائبة المدير الاقليمي للبنك الاوروبي في مصر.

وفي مستهل اللقاء، رحبت الدكتورة رانيا المشاط، بالسيد نائب رئيس البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، مؤكدة تقديرها للعلاقات الاستراتيجية المثمرة التي تربط مصر بالبنك، والتي تعكس التقدم المستمر في التعاون بين الجانبين والنجاح في بناء شراكات قوية ومؤثرة، موضحة أن العلاقة بين مصر والبنك شهدت تقدمًا ملحوظًا على مدار السنوات الخمس الماضية، حيث تعاون الطرفان بالعمل على مختلف المستويات، لتمهيد الطريق لتحقيق معدلات التنمية المستهدفة في مصر.

واستعرضت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، المؤشرات الإيجابية على صعيد الاقتصاد المصري في مختلف محاوره، وجهود الدولة في اتباع سياسات مالية ونقدية منضبطة، وحوكمة الاستثمارات العامة لضمان استقرار الاقتصاد الكلي، وفي ذات الوقت تنفيذ سياسات محفزة للاستثمار وتمكين القطاع الخاص، مشيرة إلى أن الاقتصاد المصري يشهد تحولًا نحو زيادة الإنتاجية والاستثمارات وفتح المجال للقطاع الخاص بما يضمن تحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة والمستدامة، وذلك من خلال النموذج الاقتصادي الذي تطرحه «السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية».

وأشارت إلى ما تم تحقيقه على صعيد العلاقات المشتركة في عام 2025، خاصة في ضوء العمل المشترك والمستمر لتنفيذ مشروعات الطاقة المتجددة ضمن برنامج «نُوفّي»، وإطلاق آلية إعداد مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص، والتي تُعزز الجهود الجارية لتمكين القطاع الخاص في مصر، موضحة أن الشراكة مع البنك في إطار برنامج خفض الانبعاثات بالقطاع الصناعي التابع بصندوق الاستثمار في المناخ CIF، وكذلك منصة خفض الكربون الصناعي، ستفتح المجال لمزيد من التمويلات الميسرة للقطاع الخاص في مصر، بما يحفز جهود زيادة الإنتاجية والتحول الأخضر بقطاع الصناعة.

وشددت الدكتورة رانيا المشاط، على أن أهم ما تسعى إليه الوزارة في إطار الشراكة مع البنك الأوروبي، هو زيادة التمويلات الموجهة للقطاع الخاص والبناء على ما تحقق في السنوات الماضية، في ضوء ما تقوم به هذه التمويلات من دور محوري ومحفز لضخ المزيد من استثمارات القطاع الخاص، لافتة إلى أن البنك أبرم أكثر من 94 صفقة نفذها البنك الأوروبي في مصر منذ 2020 ليتيح تمويلات واستثمارات للقطاع الخاص بـما يزيد عن 3.5 مليار دولار

من جانبه أكد النائب الأول لرئيس البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، حرص البنك على المضي قدمًا في زيادة استثماراته في مصر خاصة فيما يتعلق بالشركات الناشئة، والسعي المستمر لتطوير العلاقات بما يتسق مع أولويات الحكومة، خاصة على صعيد تمويل القطاع الخاص، والتحول إلى الاقتصاد الأخضر، مشيدًا في ذات الوقت بالجهود المستمرة التي تبذلها الدولة لتحقيق التنمية وتطوير البنية التحتية.

وناقش الجانبان الجهود التي يقوم بها البنك الأوروبي، في توفير الدعم الفني والاستثمارات في قطاع الشركات الناشئة وريادة الأعمال، وسعي البنك لتنويع آليات ومصادر التمويل لهذا القطاع الحيوي، كما تم التطرق إلى جهود تمويل قطاع الطاقة المتجددة، وكذلك آلية ضمانات الاستثمار الأوروبية بقيمة 1.8 مليار يورو والتي تفتح آفاقًا أوسع للبنك لزيادة تمويلاته للقطاع الخاص في مصر.

مقالات مشابهة

  • «يوم الحساب» للهيئات الاقتصادية
  • «اقتصادية أبوظبي» و«آسيا هاوس» تتعاونان في الأبحاث وتطوير السياسات
  • انطلاق “قمة إسطنبول الاقتصادية” بنسختها التاسعة
  • مدبولي: مصر وجهة عالمية للتعاون العلمي وبيئة رائدة لتحويل البحث العلمي إلى قيمة اقتصادية
  • خطوات الوطن الاقتصادية فوق صخب الظنون
  • رئيس الوزراء: هناك تنسيق تام بين الحكومة والبنك المركزي في كل الإجراءات والسياسات النقدية
  • اتفاقية الشراكة الاقتصادية العُمانية - الهندية تعيد رسم ملامح الاقتصاد العماني
  • وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي تستقبل النائب الأول لرئيس البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية لبحث نتائج الزيارة ومستقبل العلاقات الاستراتيجية مع البنك
  • النائب عارف السعايدة ينتقد الموازنة ويدعو لإصلاحات اقتصادية شاملة
  • الفجوة بين المؤشرات الاقتصادية والواقع الفعلي للناس