سالي علي

في عصر تتسارعُ فيه وتيرةَ التكنولوجيا بشكلٍ غيرِ مسبوق أصبحَ الذكاء الاصطناعي جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، ومن بينِ المجالات التي تأثّرت بشكل كبير هو مجال الكتابة، حيث بدأت أدوات الذكاء الاصطناعي في تقديم خدمات مُتقدمة تساعُد الكتاب والمبدعين ولكن، هل يعني ذلك أنَّ الكتابة الإبداعية قد تفقد جاذبيتها وأهميتها؟

وتعد أدوات الذكاء الاصطناعي مثل "تشات جي بي تي" و"جوجل بارد" من أبرز الابتكارات في هذا المجال حيث يمكن لهذهِ الأدوات توليد نصوص بطريقة سريعة وفعَّالة مما يُسهل على الأفراد إنتاجَ محتوى متنوع، ومع ذلك نشهد كيف تثير هذه التكنولوجيا تساؤلات حول طبيعة الكتابة الإبداعية وما إذا كانت ستظل تحتفظ بجاذبيتها الفريدة؟

التحديات التي تواجه الكتابة الإبداعية

فقدان الأصالة أول تحدٍ فمع استخدام الذكاء الاصطناعي قد يُصبح من الصعب تمييز النصوص الأصلية عن تلك التي تم إنشاؤها بواسطة الآلات وهذا يمكن أن يؤدي إلى تآكل مفهوم الأصالة والإبداع كذلك، تراجع المهارات البشرية لأن الاعتماد على أدوات الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى تراجع مهارات الكتابة والتحليل النقدي لدى الأفراد، حيث يصبحون أقل قدرة على التعبير عن أفكارهم بطرق مبتكرة، ومع تزايد استخدامه قد يشعر الكتاب التقليديون بالتهديد من هذه الأدوات مما يخلق بيئة تنافسية غير متكافئة.

الفرص التي يوفرها الذكاء الاصطناعي

أولها هو تحفيز الإبداع حيث يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون أداة مساعدة للكتاب فهو يمكنه توفير أفكار جديدة أو اقتراحات تساعدهم في تطوير نصوصهم.

ثانيها يكون بتوفير الوقت فيمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي أن تساعد الكتاب في إنجاز المهام الروتينية مثل التحرير والتدقيق اللغوي مما يمنحهم المزيد من الوقت للتركيز على الجوانب الإبداعية.

ثالثها يكمن بتوسيع نطاق الوصول فهو يساعد بجعل المحتوى أكثر سهولة للوصول إلى جمهور أوسع، مما يتيح لمزيد من الأصوات فرصة التعبير عن نفسها.

وهنا يمكننا القول إن التوازن بين استخدام التكنولوجيا والحفاظ على الأصالة والإبداع هو ما سيحدد مستقبل الكتابة في هذا العصر الرقمي لذا يجب على الكتاب أن يتقبلوا هذه الأدوات كحلفاء وليس كخصوم، وأن يسعوا لتطوير مهاراتهم بما يتماشى مع التطورات التكنولوجية.

وتقوم آلية عمل أدوات الكتابة المدعومة بالذكاء الاصطناعي على جمع البيانات حيث تبدأ العملية بجمع كميات هائلة من النصوص من مصادر متنوعة مثل الكتب، المقالات، والمدونات. يُستخدم هذا المحتوى لتدريب النماذج على فهم اللغة، ثم التدريب وذلك بعد جمع البيانات يتم تدريب النموذج باستخدام تقنيات التعلم العميق، يتم عرض النصوص على النموذج، ويتم ضبطه بناءً على كيفية استجابته للمدخلات. ويتعلم النموذج من الأخطاء و يعمل على تحسين دقته في فهم وتوليد النصوص، ثم تنتقل إلى التوليد؛ حيث يُطلب من النموذج توليد نص جديد؛ فيستخدم المعرفة المكتسبة لتقديم محتوى يتماشى مع السياق المطلوب، لذا يمكن أن يكون هذا النص مقالًا، قصة قصيرة، أو حتى محتوى تسويقي. وأخيرًا بتخصيص المحتوى حيث يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل تفضيلات الجمهور وتقديم محتوى مخصص يناسب اهتماماتهم، مما يزيد من فعالية التواصل.

وتعد أدوات الذكاء الاصطناعي ثورة في عالم الكتابة، حيث تقدم إمكانيات جديدة وطرق مبتكرة للتعبير عن الأفكار ومع ذلك، يتطلب الاستخدام الفعال لهذه الأدوات توازنًا دقيقًا بين الاستفادة من التكنولوجيا والحفاظ على الأصالة والإبداع البشري.

إذن.. كيف يؤثر الذكاء الاصطناعي على الأصالة؟

من خلال التكرار والأنماط حيث نشهد كيف تعتمد نماذج الذكاء الاصطناعي على تحليل كميات ضخمة من البيانات لتوليد نصوص وهذا يمكن أن يؤدي إلى إنتاج محتوى يتسم بالتكرار أو استخدام أنماط شائعة، مما يُقلل من التنوع والإبداع، وكذلك من خلال توحيد الأساليب والذي قد يؤدي بالخوارزميات إلى إنتاج نصوص تتشابه في الأسلوب والمحتوى، مما يجعلها أقل تميزًا مما يؤدي إلى فقدان الأصالة فيصبح النص الناتج مجرد نسخ من الأنماط الشائعة.

وأخيرًا بفقدان الاتصال الشخصي، فالكتابة الإبداعية غالبًا ما تعكس تجارب الكاتب وأفكاره الشخصية، وإذا تم استبدال هذا التعبير الفريد بالذكاء الاصطناعي فإنَّ القارئ قد يفقد الاتصال الشخصي مع النص.

استراتيجيات للحفاظ على الأصالة

تكمن بالتوازن بين التكنولوجيا والإبداع، فيمكن للكتاب استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي كمساعدات، وليس كبدائل، كما يجب أن تبقى الكتابة الإبداعية عملية إنسانية تعكس تفرد كل كاتب.

إضافة لتطوير أسلوب شخصي، يجب على الكتاب التعبير عن أصواتهم الفريدة بدلًا من الاعتماد الكلي على النماذج الجاهزة. كما إن التفاعل مع الجمهور ضروري حيث يتوجب على الكتاب التفاعل مع جمهورهم وفهم احتياجاتهم وتفضيلاتهم مما يساعدهم على إنتاج محتوى أصيل وجذاب.

في ختام هذا البحث يتضح لنا أنَّ الذكاء الاصطناعي يمثل أداة قوية تعزز الكتابة الإبداعية وتفتح آفاقًا جديدة للكتاب من خلال تحفيز الإبداع وتوفير الوقت، وهو يمكّن الكتاب من استكشاف أفكار جديدة وتطوير محتوى مبتكر يتناسب مع احتياجات جمهورهم كما أنه يُسهم في توسيع نطاقِ الوصول إلى قُراء عالميين، مما يعزز من تأثير الكتاب ويزيد من فرصهم في النجاح وبالإضافة إلى ذلك هو يتيح تحليل البيانات وفهم الاتجاهات للكتاب تحسين أعمالهم بشكل مستمر لذا، فإن دمج الذكاء الاصطناعي في عملية الكتابة ليس مجرد خيار بل إنها ضرورة لمواكبة التطورات السريعة في عالم الأدب والنشر، علاوة على أنَّ التفاعل بينَ الإبداع البشري والتكنولوجيا الحديثة يُعد بمثابة خطوة نحو مستقبل مشرق للكتابة الإبداعية، حيث يمكن لكل كاتب أن يستفيد من هذه الأدوات لتعزيز رؤيته الفنية وإيصال صوته بفاعلية أكبر.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

نماذج الذكاء الاصطناعي وإعادة صياغة الظهور الرقمي

شهد العالم الرقمي خلال العقدين الماضيين هيمنة كبيرة لمفهوم تحسين محركات البحث SEO (Search Engine Optimization)  بوصفه الأداة الأساسية لرفع ترتيب المواقع الإلكترونية في نتائج البحث التقليدية، مثل: جوجل وبينغ وغيرها، حيث كان الهدف الرئيس هو الظهور في الصفحة الأولى وزيادة عدد الزيارات. غير أنّ هذا المفهوم، الذي شكّل حجر الأساس للتسويق الرقمي لسنوات طويلة، يكاد يتندثر لكي يحل محله مصطلح جديد وهو GEO (Generative Engine Optimization) فمع انتشار نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية، مثل: محركات الإجابة الذكية والمساعدات الرقمية، لم يعد المستخدم يبحث فقط عن روابط، بل أصبح ينتظر إجابة مباشرة، مختصرة، وموثوقة، ومدعومة بعدد من الروابط التي يمكنه التحقق من صحة المعلومة من خلالها. من هنا، بدأ يظهر مفهوم GEO أو تحسين الظهور في محركات الذكاء الاصطناعي التوليدية.
بحيث يرتكز SEO تقليديًا على تحسين الكلمات المفتاحية، وبناء الروابط، وتحسين سرعة الموقع وتجربة المستخدم، بهدف إرضاء خوارزميات محركات البحث. أمّا GEO فينطلق من منطق مختلف؛ إذ يسعى إلى جعل المحتوى قابلًا للفهم والاقتباس من قبل نماذج الذكاء الاصطناعي نفسها، بحيث يتم تضمينه داخل الإجابات التوليدية التي تقدمها هذه المحركات للمستخدمين وما يجب التأكيد عليه هو أن التحول من SEO إلى GEO لا يعني نهاية الأول، بل يعكس توسّعًا في فلسفة الظهور الرقمي. فالمحتوى اليوم لم يعد يُقيَّم فقط بمدى ترتيبه، بل بمدى موثوقيته، ودقته، وعمقه، وسياقه. إذ نجد أن محركات الذكاء الاصطناعي تميل إلى تفضيل المحتوى الواضح، المنظّم، المدعوم بالبيانات، والمكتوب بلغة تحليلية تساعدها على استخلاص المعرفة وإعادة إنتاجها.
في هذا السياق، أصبح على المؤسسات الإعلامية، والمواقع الإخبارية، والكتّاب، والخبراء، إعادة النظر في طريقة إنتاج المحتوى. بحيث لم يعد السؤال: كيف أظهر في نتائج البحث؟ بل أصبح: كيف أكون مصدرًا تُحيل إليه محركات الذكاء الاصطناعي عند توليد الإجابات؟
إنّ الانتقال من SEO إلى GEO يمثّل انتقالًا من منطق المنافسة على "الترتيب" إلى منطق المنافسة على "المصداقية والمعرفة". وهو تحوّل يفرض تحديات كبيرة، لكنه في الوقت نفسه يفتح آفاقًا جديدة أمام الصحافة الرقمية العربية لتثبيت حضورها كمصدر موثوق في فضاء المعلومات العالمي.

مقالات مشابهة

  • بقيادة ترمب.. تشكيل تحالف دولي لمواجهة الهيمنة الصينية في الذكاء الاصطناعي
  • الذكاء الاصطناعي يساعد الأطباء في تحليل الصور الطبية
  • نماذج الذكاء الاصطناعي وإعادة صياغة الظهور الرقمي
  • الذكاء الاصطناعي يحل مشكلة السمع في الضوضاء
  • مهندسو الذكاء الاصطناعي شخصية عام 2025 بمجلة تايم
  • تحذير من ضعف دقة الذكاء الاصطناعي لقياس النبض عند ارتفاعه
  • بيتكوين تهبط إلى أقل من 90 ألف دولار وسط مخاوف من الذكاء الاصطناعي
  • جامعة أسيوط تنظّم ورشة عمل حول الكتابة والصياغة الإبداعية للخطابات
  • قيادة المستقبل في عصر الذكاء الاصطناعي
  • هل روبوتات الذكاء الاصطناعي مجرّد ضجيج أم أمل حقيقي؟