الوصل يقلب الطاولة على الغرافة في النخبة الآسيوية
تاريخ النشر: 22nd, October 2024 GMT
نواف السالم
حقق الوصل الإماراتي فوزًا ثمينًا على نظيره الغرافة القطري بنتيجة 2-1، مساء اليوم ، ضمن منافسات الجولة الثالثة بدوري أبطال آسيا للنخبة.
وافتتح التونسي فرجاني ساسي لاعب الغرافة التسجيل في الدقيقة 44 بعدما حول كرة عرضية إلى شباك الوصل.
وأحرز الوصل هدف التعادل عن طريق لاعبه فابيو ليما في الدقيقة 84، فيما أضاف إيزاك سوكسيس لاعب الوصل هدف الفوز في الدقيقة 90+2 من عمر المباراة، ليمنح فريقه فوزاً في الوقت القاتل.
وبهذا الفوز، ارتفع رصيد الوصل عند النقطة السادسة في المركز الخامس، فيما تجمد رصيد الغرافة القطري عند ثلاث نقاط في المركز السابع .
المصدر: صحيفة صدى
كلمات دلالية: الغرافة القطري الوصل الإماراتي دوري أبطال آسيا للنخبة
إقرأ أيضاً:
عن تجسير الفجوة بين المعرفة والسياسة
يظن كثير من الباحثين والمحللين أن "المعرفة" (le savoir) مستقلة بطبيعتها عن "السياسة" (la politique)، وبالتالي هناك دعوة إلى ضرورة فك الارتباط بين المجالين، وقد أسس هؤلاء فهمهم على حجة أن للمعرفة منطقها، كما للسياسة، هي الأخرى، منطقها الخاص بها، وهما معا منطقان لا يلتقيان، بل ولا يتقاطعان حتى. والحال يصعب على العديد منا، وأنا واحد من هؤلاء، الانتصار إلى هذه الرؤية، إذ تتكامل المعرفة مع السياسة، وتتلازم معها، وإن كان الفصل الإجرائي بينهما واردا ومطلوبا.
تُعرف المعرفة بأنها "مجمل البنى الرمزية التي يحملها الإنسان، أو يمتلكها المجتمع في سياق دلالاي وتاريخي محدد، وتوجه السلوك البشري فرديا أو مؤسسيا في مجالات النشاط الإنساني كافة، في إنتاج السلع والخدمات، وفي نشاط المجتمع المدني والسياسة وفي الحياة الخاصة". أما "السياسة" فهي "علم تسيير الشؤون العامة لمجموعة بشرية باستخدامه الوسائل المادية والمعنوية، ومن بينها المعرفة". وحيث أن السياسة علم، فهي تتأسس بالضرورة على المعرفة، ومن هنا تظهر العلاقة التلازمية بينهما، خلافا لما يظن البعض منا.
غير أننا إذا سعينا إلى مقاربة هذه العلاقة في السياق العربي، فالراجح أننا سنجد من يُسند رؤية دعاة الفصل بين المجالين وفك الارتباط بينهما، ولعل ما يدعم رأيهم ذلك الاختلال الواضح في العلاقة بين المعرفة والسياسة، حيث تمارس السياسة، وتحديدا السلطة السياسية، هيمنة على المعرفة، وإحكام قبضتها على المشتغلين في نطاقه، بالاختراق والإغراء تارة، والضغط والتضييق والتهميش طورا آخر. وفي كل الحالات كانت الضحية في بلادنا العربية تراجع المعرفة، وضمور نواتجها، وفقر تأثيرها في الدولة والمجتمع، إذ يكفي القيام بإطلالة بسيطة على وضع المنطقة العربية في سلم انتاج المعرفة في العالم، حيث توجد دولنا في المراتب غير البعيدة عن ذيل الترتيب.
فمن الملاحظ أن السلطة السياسية في البلاد العربية تعمل على تدعيم النمط المعرفي الذي ينسجم مع توجهاتها وأهدافها، وتحارب الأنماط المعرفية التي تتعارض معها، وهو ما يفسر حقيقة أن الصراع في بلادنا من صميم الصراع على السلطة السياسية القائمة. ويمكن تأكيد رجاحة هذا الرأي من خلال مراجعة التقارير الاستراتيجية للأحزاب أو المجتمعات أو التكتلات السياسية التي تعُج بها البلدان العربية.
غير أن ثمة سؤالا مفصليا في تشخيص هذه المآلات، ومراتب مسؤولية الفاعلين السياسيين في سياقها، إذ من اللافت للانتباه أن انقسام النخبة المثقفة والسياسية العربية تزايدت حدته خلال العقود الأخيرة، كما زاد ضمور الصراع الأيديولوجي من تعميق هذا الانشطار داخل النخبة العربية، الأمر الذي ساهم بشكل سلبي في أدوار النخبة المثقفة في حماية استقلالها المعرفي، والعمل على التجسير الإيجابي للفجوة بين السلطة السياسية والسلطة المعرفية. بل إن التغيرات النوعية التي طالت بنية الأفكار والأيديولوجيات فتحت الأبواب أمام النخبة للالتحاق بالسلطة السياسية والاندماج في مساربها، كما حفت على نمو النزعات التبريرية الرامية إلى إضفاء الشرعية على ممارسات النظم السياسية وسلوك نخبتها، وقد تراجعت روح النقد والاعتراض والاختلاف.
بيد أنه مقابل ذلك، هناك فئة أخرى من الأكاديميين المحايدين رفعت شعار الاغتراب المعرفي في وطنها، واضطرت إلى الهجرة لإيجاد مجال لتنمية معارفها، وبين الفئتين هناك فئة ثالثة من المثقفين الملتزمين الذين يوجهون المجال المعرفي لخدمة مجتمعاتهم، وهم في عمومهم ممن ارتبطوا أساسا بمنظمات المجتمع المدني، وسخّروا مجهوداتهم لتنمية تنمية نشاط هذه لإطارات معرفيا.
إن أبرز مخاطر انقسام النخبة المثقفة، يكمن في تراجع مكانتها في التحولات المطلوب إنجازها داخل مجتمعاتها، غير أن الموضوعية تستلزم منا النظر إلى السياقات المجتمعية والسياسية التي تضغط على واقع النخبة وتوجه مسارها، ومع ذلك كله نعتبر الجانب الإرادي للنخبة مركزيا في المآل الذي بلغته علاقة المعرفة بالسياسة. فكيف السبيل إلى تجسير الفجوة بين المعرفة والسياسة، وإعادة بناء العلاقة بينهما في بلادنا العربية، لتصبح علاقة طبيعية، متوازنة، ومتكافئة؟
تقتضي سيرورة إعادة بناء التوافق على أرضية جديدة لإنتاج مجتمع معرفة متنام ومتماسك، ونرجح أن المدخل المفصلي لتحقيق ذلك، يكمن في تحقيق فصل إجرائي بين المعرفة والسياسة، عن طريق تأسيس مجال سياسي مستقل، يحتل فيه الإنسان موقعا أساسيا، يسمح له بالتعايش مع مجالات أخرى من دون أن يهيمن عليها أو يلغيها. لذلك، يُعتبر التحول الديمقراطي في البلاد العربية من الأولويات المُيسرة لاستقلال المجل المعرفي عن المجال السياسي، علما أن هذا التحول رهن بتضافر جملة من المتغيرات الأخرى ذات الطبيعة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ومهما كان ترتيب كل هذه العوامل، تظل العوامل السياسية متصدرة غيرها من العوامل، وهو ما يستوجب، بالضرورة، إقامة توليفة فعالة وناجعة بيت توطين الديمقراطية وإشاعتها، والتقنين.
ففي مجال الدمقرطة، تبرز بجلاء أهمية إقامة دولة المؤسسات وحكم القانون، وهو ما يبدو متواضعا ومحدودا في البلاد العربية، مما يعني العمل على تقنين السلطة ودمقرطتها، وبناء ثقافة سياسية وقانونية قادرة على توجيه الممارسة السياسية وترشيدها، ثم إعادة الاعتبار لدور القانون في دعم الاستقلال الإجرائي والوظيفي بين المعرفة والسياسة، وذلك بتحيينه، ومراجعته، وتطويره، وفرض شرعيته، أي احترامه بقوة القضاء وسلطانه.. إذ من شأن هذه الخطوات أن تُعيد للعلاقة بين المجالين المعرفي والسياسي اعتبارها، وتجعل الأولى زادا للثانية، والثانية معينا للأولى. ودون ذلك ستظل نظرتنا لعلاقة المعرفة بالسياسة داعمة للتنابذ، ومحرّضة عليه، ومن ستخسر المعرفة لأدوار التنويرية المطلوبة منها في إغناء الساسة وإثرائها، وسيكون بعدها عصيا على السياسة الاجتهاد في رسم السياسات الفعالة والناجعة لقيادة المجتمعات نحو الأفضل.