هكذا تغير العالم بعد 20 عاما وفقا للأب الروحي للذكاء الاصطناعي
تاريخ النشر: 28th, October 2024 GMT
في عام 2005، صدر كتاب يدعى "التفرد" (The Singularity) لمؤلفه راي كورزويل، تحدث الكتاب بشكل مكثف عن تقنيات الذكاء الاصطناعي المستقبلية وعن عالم يتغلغل الذكاء الاصطناعي في كافة جوانبه.
وبعد 20 عاما، تحقق جزء كبير من الذي تنبأ به كورزويل في كتابه، وهذا ليس لأن الكاتب يملك قدرات خارقة مكنته من توقع المستقبل، بل لأنه يتمتع بخبرة واسعة في قطاعات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا.
توقعات كورزويل لم تتوقف عند كتابه الأول في عام 2005، بل امتدت إلى جزء ثان يدعى "التفرد أصبح أقرب" (Singularity is Near)، وفيه يتنبأ بشكل العالم بعد 20 عاما أخرى في المستقبل ويتحدث عن دور الذكاء الاصطناعي في هذا المستقبل.
من راي كورزويل؟قبل الحديث عن توقعات ورؤى كورزويل المستقبلية يجب أن نشير إلى سبب أهمية هذه التوقعات، ولماذا يعد كورزويل من خبراء الذكاء الاصطناعي الذين يشار إليهم بالبنان، خاصة بعد أن أمضى أكثر من 60 عاما يعمل في هذا القطاع.
في مطلع هذا العام، تمكن كورزويل من تسلق قائمة أكثر 100 شخصية مؤثرة في الذكاء الاصطناعي من قبل صحيفة "تايمز"، وتموضع في طليعة المفكرين المؤثرين في هذا القطاع، أي أن أفكاره تقود قطاع الذكاء الاصطناعي حتى وإن لم يكن مرتبطا بتطويره بشكل مباشر.
هذه المكانة لم تأت بسبب كتابات كورزويل الأخيرة، بل كانت بفضل مساهمته في العديد من القطاعات التقنية والابتكارات التي مهدت ظهور الذكاء الاصطناعي في شكله الذي نعرفه اليوم، بدءا من ابتكار آلة ثورية لتحويل الطباعة والمستندات المطبوعة إلى كلام وأصوات مسموعة لمساعدة ذوي التحديات البصرية في عام 1970، وصولا إلى برمجة النماذج الأولية لنظم التعرف على الأصوات في ثمانينيات القرن الماضي، قبل أن يقرر لاحقا التخلي عن التطوير البرمجي والتفرغ لكتابة معتقداته فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي والتطور التقني الذي ينتظر العالم.
يعرف عن كورزويل التنبؤات الصحيحة فيما يتعلق بمجالات الذكاء الاصطناعي والتقنية بمختلف أنواعها، بدءا من توقعه عام 1990 أن يتمكن الذكاء الاصطناعي من التغلب على أفضل لاعب بشري، أو التنبؤ بظهور أجهزة محمولة صغيرة الحجم تستطيع الاتصال بشبكة معلومات عالمية تسهل التواصل بين أرجاء العالم المختلفة، وهذا كله قبل أن تبدأ الألفية الحالية، أي حتى قبل تطور الهواتف الذكية بشكلها المعتاد.
تسهم كتابة كورزويل في صياغة عالم الذكاء الاصطناعي، إذ تعد مهلمة للعديد من الأسماء الهامة العاملة في تطوير هذه التقنيات، بدءا من شين ليج المؤسس المشارك في شركة "ديب مايند" (Deepmind) أو جان لايكي أحد تقني "آنثروبيك" (Anthropic) البارزين، فضلا عن بيل غيتس الذي وصفه بكونه "أفضل من يتوقع مستقبل الذكاء الاصطناعي"، وهو الآن يشغل منصب في "غوغل" يدعى رؤيوي الذكاء الاصطناعي (Ai Visionary) أي المسؤول عن وضع تصورات مستقبلية تخص تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تطورها الشركة.
محاكاة أكثر دقة للبشر
قدم كورزويل مجموعة كبيرة من التنبؤات خلال كتابه الأخير، ومن ضمنها كانت تطوير الذكاء الاصطناعي الشامل، وهو النموذج الذي تتسابق جميع شركات الذكاء الاصطناعي للوصول إليه، كونه يقدم تجربة أفضل وأكثر دقة من غيره من النماذج، وبحسب ما يراه كورزويل، فإن هذا الذكاء الاصطناعي يحاكي ذكاء البشر في العديد من النقاط ويتخطاه في نقاط أخرى، وذلك عندما يصدر بشكل نهائي في عام 2029.
يحاول العديد من الشركات تطوير الذكاء الاصطناعي الشامل، ولكن في الوقت الحالي، يصعب الوصول إلى هذا النموذج المبتكر كونه يحتاج إلى قوة حاسوبية عملاقة غير متوفرة حاليا، فضلا عن كونه نموذجا شاملا يجمع كل نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية سواء كانت للنصوص أو الصور أو الفيديو في مكان واحد، وفي هذا الأمر هو يحاكي البشر لأنه سيكون قادرا على القيام بكل شيء وأي شيء.
تتضارب توقعات خبراء الذكاء الاصطناعي حول موعد صدور الذكاء الاصطناعي الشامل، إذ يرى البعض أننا اقتربنا منه بينما يرى آخرون أنه ما زال بعيدا، ولكن كورزويل يقف على الحياد بين الطرفين، إذ يتوقع صدوره عام 2029 في أبعد الاحتمالات، أي أنه قد يصدر قبل ذلك، ويبرر كورزويل هذا الأمر بأن تطور التقنيات لا يأتي متتاليا مثل تتابع الأرقام، بل إن بعض القفزات تكون متتالية حتى تؤدي إلى قفزة أكبر وأبعد من السابق، وهذه القفزة هي التي ستولد الذكاء الاصطناعي الشامل.
يبرر كورزويل هذا الأمر في حديثه مع موقع "بي بي سي" قائلا: "تقوم الحواسيب اليوم بأكثر من نصف تريليون عملية في الثانية الواحدة، هذا الأمر كان مستحيلا قبل 10 أعوام".
محاربة الشيخوخةيتوقع كورزويل بأن يتخذ الذكاء الاصطناعي الشامل دورا محوريا في محاربة الشيخوخة وإطالة أعمار البشر، وذلك لأنه سيسهم بقوة في تطوير أدوية وعلاجات جديدة تواجه الأمراض التي نعاني منها في عصرنا الحالي.
كما أشار كورزويل إلى الذكاء الاصطناعي هو المفتاح الأقرب لتحقيق معادلة سرعة الهروب من طول العمر، وهي نظرية شائعة تشير إلى أن البشر سيعيشون لفترات أطول إذا تمكنت من التغلب على الأمراض والشيخوخة.
ورغم إيمان كوروزيل الواسع بهذه النظرية وبأن الذكاء الاصطناعي هو مفتاحها الأول والأخير، فإن العديد من الخبراء يخالفونه الرأي، إذ يرى البعض بأن عوامل الشيخوخة متنوعة ومتباعدة بشكل لا يمكن معالجتها في وقت واحد، وبينما يرى البعض بأن البشر أصبحوا يعيشون أكثر من القرون الماضية، إلا أننا اليوم نرى ونعاني من أمراض لم تكن شائعة في الأزمان الغابرة، لذا، إن تمكن الذكاء الاصطناعي حقا من تقديم علاج لجميع الأمراض الموجودة حاليا، فإن الطبيعة ستقدم لنا مرضا آخر لا يستطيع الذكاء الاصطناعي حله.
التوحد مع الذكاء الاصطناعيينهي كورزويل توقعاته قائلا إن البشر والآلة سيصبحون شيئا واحدا بحلول عام 2045، أي أن وعي البشر سيصبح جزءا من الذكاء الاصطناعي أو العكس، وهو الأمر الذي طالما تنبأت به أفلام ومسلسلات الخيال العلمي عبر تعزيز القدرات البشرية من خلال القطع الآلية.
يقدم هذا التنبؤ العديد من المسارات المختلفة سواء كانت متعلقة بالذكاء الاصطناعي وتطوره ليصبح قادرا على الاندماج مع العقل البشري أو عن العقل البشري الذي سيصبح أكثر قوة وقدرة عند اندماجه مع الذكاء الاصطناعي.
ورغم كون هذا المفهوم يبدو مستبعدا ومستحيلا، فإن تجارب إيلون ماسك على الشريحة العصبية "نيورالينك" تشير وبوضوح لاقتراب هذا المستقبل، ففي النهاية، عند تزويد الشريحة بالذكاء الاصطناعي، فإن الإنسان يصبح قادرا على الوصول إليه عبر أفكاره فقط.
تظل تنبؤات كورزويل مستقبلية ومستحيلة بمعايير اليوم، ولكن بعد عدة أعوام، قد تصبح واقعا يمكن أن نعيشه، كما حدث في توقعاته السابقة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات العدید من هذا الأمر فی عام فی هذا
إقرأ أيضاً:
الذكاء الاصطناعي يساعد الأطباء في تحليل الصور الطبية
برز الذكاء الاصطناعي، منذ ظهوره، كأداة فعّالة لتحليل الصور الطبية. وبفضل التطورات في مجال الحوسبة ومجموعات البيانات الطبية الضخمة التي يُمكن للذكاء الاصطناعي التعلّم منها، فقد أثبت جدواه في قراءة وتحليل الأنماط في صور الأشعة السينية، والتصوير بالرنين المغناطيسي، والتصوير المقطعي المحوسب، مما يُمكّن الأطباء من اتخاذ قرارات أفضل وأسرع، لا سيما في علاج وتشخيص الأمراض الخطيرة كالسرطان. في بعض الحالات، تُقدّم أدوات الذكاء الاصطناعي هذه مزايا تفوق حتى نظيراتها البشرية.
يقول أونور أسان، الأستاذ المشارك في معهد ستيفنز للتكنولوجيا في الولايات المتحدة، والذي يركز بحثه على التفاعل بين الإنسان والحاسوب في الرعاية الصحية "تستطيع أنظمة الذكاء الاصطناعي معالجة آلاف الصور بسرعة وتقديم تنبؤات أسرع بكثير من المُراجعين البشريين. وعلى عكس البشر، لا يتعب الذكاء الاصطناعي ولا يفقد تركيزه بمرور الوقت".
مع ذلك، ينظر العديد من الأطباء إلى الذكاء الاصطناعي بشيء من عدم الثقة، ويرجع ذلك في الغالب إلى عدم معرفتهم بكيفية وصوله إلى قراراته، وهي مشكلة تُعرف باسم "مشكلة الصندوق الأسود".
يقول أسان "عندما لا يعرف الأطباء كيف تُولّد أنظمة الذكاء الاصطناعي تنبؤاتها، تقلّ ثقتهم بها. لذا، أردنا معرفة ما إذا كان تقديم شروحات إضافية يُفيد الأطباء، وكيف تؤثر درجات التفسير المختلفة للذكاء الاصطناعي على دقة التشخيص، وكذلك على الثقة في النظام".
بالتعاون مع طالبة الدكتوراه أوليا رضائيان والأستاذ المساعد ألب أرسلان إمراه بايراك في جامعة ليهاي في ولاية بنسيلفانيا الأميركية، أجرى أسان دراسة شملت 28 طبيبًا متخصصًا في الأورام والأشعة، استخدموا الذكاء الاصطناعي لتحليل صور سرطان الثدي. كما زُوّد الأطباء بمستويات مختلفة من الشروح لتقييمات أداة الذكاء الاصطناعي. في النهاية، أجاب المشاركون على سلسلة من الأسئلة المصممة لقياس ثقتهم في التقييم الذي يُولّده الذكاء الاصطناعي ومدى صعوبة المهمة.
وجد الفريق أن الذكاء الاصطناعي حسّن دقة التشخيص لدى الأطباء مقارنةً بالمجموعة الضابطة، ولكن كانت هناك بعض الملاحظات المهمة.
اقرأ أيضا... مؤسسات تستخدم الذكاء الاصطناعي لأعمال معقدة ومتعددة الخطوات
كشفت الدراسة أن تقديم شروحات أكثر تفصيلًا لا يُؤدي بالضرورة إلى زيادة الثقة.
أخبار ذات صلةيقول أسان "وجدنا أن زيادة التفسير لا تعني بالضرورة زيادة الثقة". ذلك لأن وضع تفسيرات إضافية أو أكثر تعقيدًا يتطلب من الأطباء معالجة معلومات إضافية، مما يستنزف وقتهم وتركيزهم بعيدًا عن تحليل الصور. وعندما تكون التفسيرات أكثر تفصيلًا، يستغرق الأطباء وقتًا أطول لاتخاذ القرارات، مما يقلل من أدائهم العام.
يوضح أسان "معالجة المزيد من المعلومات تزيد من العبء المعرفي على الأطباء، وتزيد أيضًا من احتمال ارتكابهم للأخطاء، وربما إلحاق الضرر بالمريض. لا نريد زيادة العبء المعرفي على المستخدمين بإضافة المزيد من المهام".
كما وجدت أبحاث أسان أنه في بعض الحالات، يثق الأطباء بالذكاء الاصطناعي ثقةً مفرطة، مما قد يؤدي إلى إغفال معلومات حيوية في الصور، وبالتالي إلحاق الضرر بالمريض.
ويضيف أسان "إذا لم يُصمم نظام الذكاء الاصطناعي جيدًا، وارتكب بعض الأخطاء بينما يثق به المستخدمون ثقةً كبيرة، فقد يطور بعض الأطباء ثقةً عمياء، معتقدين أن كل ما يقترحه الذكاء الاصطناعي صحيح، ولا يدققون في النتائج بما فيه الكفاية".
قدّم الفريق نتائجه في دراستين حديثتين: الأولى بعنوان "تأثير تفسيرات الذكاء الاصطناعي على ثقة الأطباء ودقة التشخيص في سرطان الثدي"، والثانية بعنوان "قابلية التفسير وثقة الذكاء الاصطناعي في أنظمة دعم القرار السريري: تأثيراتها على الثقة والأداء التشخيصي والعبء المعرفي في رعاية سرطان الثدي".
يعتقد أسان أن الذكاء الاصطناعي سيظل مساعدًا قيّمًا للأطباء في تفسير الصور الطبية، ولكن يجب تصميم هذه الأنظمة بعناية.
ويقول "تشير نتائجنا إلى ضرورة توخي المصممين الحذر عند دمج التفسيرات في أنظمة الذكاء الاصطناعي"، حتى لا يصبح استخدامها معقدا. ويضيف أن التدريب المناسب سيكون ضروريًا للمستخدمين، إذ ستظل الرقابة البشرية لازمة.
وأكد "ينبغي أن يتلقى الأطباء، الذين يستخدمون الذكاء الاصطناعي، تدريبًا يركز على تفسير مخرجات الذكاء الاصطناعي وليس مجرد الوثوق بها".
ويشير أسان إلى أنه في نهاية المطاف، يجب تحقيق توازن جيد بين سهولة استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي وفائدتها.
ويؤكد الباحث "يُشير البحث إلى وجود معيارين أساسيين لاستخدام أي شكل من أشكال التكنولوجيا، وهما: الفائدة المتوقعة وسهولة الاستخدام المتوقعة. فإذا اعتقد الأطباء أن هذه الأداة مفيدة في أداء عملهم، وسهلة الاستخدام، فسوف يستخدمونها".
مصطفى أوفى (أبوظبي)