الحصول على رغيف الخبز مهمة شبه مستحيلة بغزة
تاريخ النشر: 29th, October 2024 GMT
غزة – بعد ساعات من الانتظار في طابور طويل أمام المخبز الوحيد في مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة، حمل محمد شراب الحزن على كتفيه وعاد إلى أسرته بكفّين خاويتين، حيث لم يكن من القلة المحظوظة التي حظيت بربطة خبز.
ولليوم الثالث تواليا يعود هذا الأب الأربعيني إلى أسرته في المواصي غرب المدينة مثقَلا بهمومه وأحزانه، وقد فشل في توفير بعض أرغفة الخبز لأبنائه الستة، ويقول للجزيرة نت "منذ أسبوعين لم نتذوق الطعم الحقيقي للخبز بدون رائحة كريهة".
ويعتاش شراب وأسرته على "بقايا طحين" في آخر كيس لديهم، يقول إنه "مسوس ولا يصلح للبشر، ولكن نضطر رغم رائحته السيئة إلى تنخيله وعجنه وخبزه، ونأكله مع ما يتوفر من طعام في تكية خيرية مجاورة لنسد جوعنا".
واشتدت المجاعة على أكثر من مليوني فلسطيني في جنوب القطاع وشماله منذ مطلع أكتوبر/تشرين الأول الجاري، جراء إغلاق الاحتلال معبر كرم أبو سالم التجاري الوحيد في القطاع، ومنع إدخال المساعدات الإنسانية والبضائع التجارية، علاوة على استمرار احتلال معبر رفح البري منذ اجتياح مدينة رفح الحدودية مع مصر في السادس من مايو/أيار الماضي.
ويقطع محمد شراب مسافة طويلة من خيمة نزوحه في المواصي إلى "مخبز القلعة" وسط المدينة، كل صباح، آمِلًا الحصول على موقع متقدم في طابور طويل، من أجل فرصة للحصول على ربطة خبز تكفي أسرته ليوم واحد فقط.
ويشهد هذا المخبز -الوحيد في مدينة خان يونس التي يقطنها زهاء مليون و200 ألف نسمة من سكانها والنازحين فيها- ازدحاما شديدا من الرجال والنساء والأطفال، وتنشب يوميا مشاكل ومُلاسنات جراء التدافع الشديد، يقول محمد "إنها أحد أهداف الاحتلال، الذي يستخدم الجوع كسلاح يحاربنا به، لقتلنا وخلق الفتن الداخلية".
وزاد اعتماد شراب على تكِية خيرية لا تزال تعمل على مقربة من مخيم النازحين الذي يقيم به، فيما اضطرت تكايا كثيرة إلى التوقف الطارئ والمؤقت عن العمل إلى حين توفر المواد والسلع التي نفدت من الأسواق جراء الحصار الإسرائيلي وإغلاق المعابر.
وتمر أيام على أسرته لا يتوفر لهم فيها إلا وجبة واحدة فقط قوامها "المعلبات"، التي تحولها التكية إلى "طبيخ" وتوزعه على الأسر النازحة، ولا تكفي الجميع في أحيان كثيرة، جراء اشتداد الحاجة إلى الطعام.
"نعيش مجاعة حقيقية" تقول زوجة شراب، التي تقف عاجزة أمام توفير الطعام والاحتياجات اليومية لأطفالها، وتضيف "الله يكون بعون أهل الشمال، صار لهم على هذه الحال من بداية الحرب".
ويتشاطر نحو مليون و800 ألف نسمة من السكان والنازحين في جنوب القطاع آلام الجوع، ويواجهون المجاعة ذاتها التي يعاني منها أيضا زهاء 400 ألف نسمة من الغزيين في مدينة غزة وشمال القطاع.
أزمة دقيقوإزاء ذلك، ارتفعت أسعار الدقيق والسلع والبضائع الشحيحة في الأسواق بصورة باهظة، لا تناسب غالبية الغزيين ممن فتكت بهم الحرب، وأفقدتهم مصادر رزقهم ومدخراتهم.
واختفى الدقيق تماما من الأسواق، بعدما وصل سعر الكيس الذي يزن 25 كيلوغراما لأكثر من 250 شيكلا (حوالي 67 دولارا). تقول مريم المصري للجزيرة نت إن زوجها بحث عن كيس ليومين متواصلين في كل مكان بمدينة خان يونس ولم يجد، وتستدرك "ولو وجده بهذا السعر فلن نستطيع شراءه".
وقبيل الإغلاق الحالي لمعبر كرم أبو سالم التجاري، كان سعر هذا الكيس من الدقيق لا يزيد عن 10 شيكلات (أقل من 3 دولارات)، لكن بسبب الإغلاق وعدم وصوله لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) لتوزيعه بالمجان، ارتفعت الأسعار على هذا النحو.
وتقول المصري إنها وأسرتها (5 أفراد) يعتاشون على "ساندويشات"، مما يتوفر في البيت من معلبات توشك على النفاد، ولا تعلم كيف ستتدبر أمورها بعد ذلك، ما لم يتم فتح المعبر وإدخال الدقيق والمساعدات الإنسانية والبضائع.
واضطر زوجها إلى شراء ربطة خبز بـ20 شيكلا (5.4 دولارات) من فتى يصطف مع آخرين في طابور المخبز منذ الفجر، لشراء ربطة الخبز بـ3 شيكلات وإعادة بيعها.
وتقول هذه المرأة التي فقدت خلال الحرب عددا من أفراد عائلتها "الاحتلال علينا وكمان احنا (نحن) ما بنرحم بعض، وتجار الحرب يستغلون حاجتنا ويرفعون الأسعار، كل شيء بالبلد سعره ارتفع إلا أرواحنا وحياتنا".
ونتجت عن أزمة الدقيق في جنوب القطاع مهنة يعمل بها فتية وفتيات، يقفون على الأرصفة ونواصي الشوارع يبيعون أرغفة الخبز الذي تعده أمهاتهم في مراكز الإيواء، بسعر شيكل للرغيف الواحد، أي أكثر من ضعف سعره قبل الأزمة الحالية، واشتكى كثيرون من طعمه لرداءة الدقيق المصنوع منه.
من جهته، قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا" إن وصول المساعدات الإنسانية إلى القطاع يواجه عراقيل كبيرة منذ مطلع الشهر الجاري.
ويضع المكتب الإعلامي الحكومي هذه العراقيل في إطار ما يسميها "سياسة التجويع" التي ينتهجها الاحتلال، وبسببها اختفت غالبية السلع والبضائع من الأسواق في جنوب القطاع وشماله، وارتفعت الأسعار على نحو كبير، واستحكمت أزمة الخبز، التي يرجعها مدير عام المكتب إسماعيل الثوابتة لمنع الاحتلال إدخال شاحنات الدقيق التابعة لأونروا.
ويقول المسؤول الحكومي ذاته، للجزيرة نت، إن "الاحتلال منع إدخال أكثر من رُبع مليون شاحنة مساعدات وبضائع منذ بدء حرب الإبادة الجماعية، في إطار تعزيز سياسة التجويع واستخدامها كسلاح حرب ضد المدنيين".
وتفاقمت الأوضاع على نحو خطير خلال الشهر الجاري، جراء إحكام الاحتلال الإغلاق التام لجميع المعابر والمنافذ الإنسانية التي كانت تدخل منها بعض المساعدات الإنسانية والبضائع، وفقا للثوابتة.
وبحسب "أونروا" وهيئات أممية أخرى فإن حالة الجوع الحالية نتيجة التضييق والقيود الإسرائيلية تعيد التذكير بما كان عليه واقع الغزيين في الشهرين الأولين للحرب، وتوضح "أونروا" ذلك بالقول إن "الناس يكافحون في دير البلح من أجل الحصول على رغيف خبز، ويواجه الجميع في قطاع غزة خطر المجاعة".
وفي تقرير حديث لها تقول الوكالة الأممية "يعاني أكثر من مليون و800 ألف شخص في جميع أنحاء القطاع من مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد، المصنف في المرحلة الثالثة من التصنيف أزمة أو أعلى"، وتشير إلى أن "سوء التغذية الحاد أعلى بعشر مرات مما كان عليه قبل الحرب".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الجامعات فی جنوب القطاع خان یونس ربطة خبز أکثر من
إقرأ أيضاً:
مجازر تحصد أرواح العشرات بغزة بينهم مسعفون ومنتظرون للمساعدات
أفادت مصادر في مستشفيات غزة باستشهاد 82 فلسطينيا بنيران جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ فجر أمس الثلاثاء، في حين تواصلت المجازر التي تستهدف منتظري المساعدات في غزة.
وذكرت من بينهم 20 سقطوا برصاص قوات الاحتلال خلال انتظارهم تلقي المساعدات من مركز المساعدات الأميركي قرب محور نتساريم وذلك في محيط دوار النابلسي غربي مدينة غزة.
وفي الجنوب أيضا، أفاد مصدر في مجمع ناصر الطبي باستشهاد 8 فلسطينيين في استهداف إسرائيلي قرب مركز مساعدات الشركة الأميركية شمال رفح جنوبي القطاع.
وفي تطور آخر، استُشهد 3 مسعفين من طواقم الخدمات الطبية الفلسطينية، إضافة إلى الصحفي مؤمن أبو العوف، إثر قصف إسرائيلي استهدفهم خلال محاولتهم انتشال جثث عدد من الشهداء، والمصابين، من منزل تعرض للقصف الإسرائيلي في حي التفاح شرق مدينة غزة.
وقالت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إن استهداف إسرائيل طاقم الإسعاف الليلة الماضية، والذي استُشهد إثره 3 مسعفين بحي التفاح في غزة، جريمة حرب مركّبة.
ووصفت حماس الاستهداف بأنه يمثل مستوى غير مسبوق من الوحشية والإجرام، ويكشف سعي جيش الاحتلال لخنق كل أدوات النجاة والإنقاذ في القطاع.
وطالبت حماس المجتمع الدولي والأمم المتحدة بتحمل المسؤولية لوقف جرائم إسرائيل ومحاسبة قادتها وإنقاذ مصداقية المنظومة الدولية التي تتعرض -حسب قولها- لامتحان تاريخي أمام جرائم الإبادة.
إعلان
تبريرات إسرائيلية
من جانبه، قال الجيش الإسرائيلي إنه أطلق طلقات تحذيرية على فلسطينيين اقتربوا من قواته وشكلوا تهديدا في منطقة ممر نتساريم.
وأضاف جيش الاحتلال أن الحادث وقع على بعد مئات الأمتار من موقع توزيع مساعدات، وقبل ساعات من فتحه، مدعيا أن الفلسطينيين اقتربوا من القوات رغم التحذيرات من أنها منطقة قتال نشط، مشيرا إلى أنه على علم بالتقارير التي تفيد بوقوع إصابات جراء إطلاق النار، وأنه يجري تحقيقا معمقا في الحادث.
انتشال شهداء في جباليا
وفي غضون ذلك، قال مصدر في مستشفى الشفاء بغزة إنه تم انتشال جثث 9 شهداء إثر غارات إسرائيلية على منازل في جباليا البلد شمالي القطاع.
ووسط القطاع، أفاد مدير مستشفى شهداء الأقصى باستشهاد 8 فلسطينيين وإصابة آخرين في غارة إسرائيلية على منزل بدير البلح.
وبتجويع متعمد يمهد لتهجير قسري -وفق الأمم المتحدة– دفعت إسرائيل 2.2 مليون فلسطيني في غزة إلى المجاعة بإغلاقها المعابر في وجه المساعدات الإنسانية ولا سيما الغذاء، حسب المكتب الإعلامي الحكومي بالقطاع.
ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 ترتكب إسرائيل بدعم أميركي إبادة جماعية في غزة تشمل قتلا وتجويعا وتدميرا وتهجيرا، متجاهلة النداءات الدولية وأوامر محكمة العدل الدولية بوقفها.
وخلفت الإبادة أكثر من 181 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح -معظمهم أطفال ونساء- وما يزيد على 11 ألف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين، ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين بينهم أطفال، فضلا عن دمار واسع.