كلمة نهائية.. لمن يجب أن يصوّت العرب والمسلمون في أميركا؟
تاريخ النشر: 1st, November 2024 GMT
في ضوء العقود الأربعة التي قضيتها في الولايات المتحدة وفي ظلّ خبرتي في التعامل مع النظام السياسي الأميركي، سألني العديد من الأصدقاء في أميركا عن المرشح الذي ينبغي للمجتمع العربي والمسلم هناك أن يصوتوا له في الانتخابات المقبلة.
تاريخيًا، يتنافس مرشحو الحزبين الرئيسيين على من يمكنه أن يخدم مصالح الكيان الصهيوني بشكل أفضل، أو يخدم مصالح أخرى مماثلة تتماشى مع تحقيق أهداف الإمبراطورية الأميركية واستمرار هيمنتها.
غالبًا ما تكون مثل هذه المواقف ضارة بمصالح الولايات المتحدة على المدى الطويل، وبالأخص ضد مصالح العرب والمسلمين أو عالم الجنوب بشكل عام.
لذا، كانت الحكمة التقليدية هي التصويت لصالح المرشح "الأقل شرًا" بدلًا من التصويت لمرشح حقيقي قد يهتم بالفعل بالقيم الإنسانية العليا أو مصالح الناس والمجتمع، حتى ولو لم تكن لديه أي فرصة في الفوز بالانتخابات.
ومع ذلك، فإن الانتخابات هذا العام مختلفة تمامًا.
بعد أربع سنوات مظلمة من حكم دونالد ترامب، وبعد أكثر من عام من الإبادة الجماعية المدمِّرة التي لا تزال مستمرة بدعم كامل ومشاركة مباشرة وحماية شاملة من إدارة جو بايدن/كامالا هاريس، فإنه يجب أن يكون من الواضح أن الناخب العربي والمسلم الأميركي لا يستطيع التصويت لأي من هذين المرشحين بضمير مرتاح. هذا الموقف يعتمد على أسس مبدئية ووضوح أخلاقي.
قبل تقديم التوصية، علينا أن نسأل سؤالًا وهو: هل هناك فرق جوهري بين هاريس وترامب فيما يتعلق بالقضايا التي تهم شعوب المنطقة؟
بعد دراسة موقف المرشحَين من القضايا التي تهم العالم العربي والإسلامي، فإني وجدت أن الفرق بينهما ليس كبيرًا أو إستراتيجيًا.
فبالنسبة لحرب الإبادة في غزة، فإن هاريس سوف تدعم أهداف مجرم الحرب بنيامين نتنياهو، ولكن مع وضع قيود محدودة عليه، في حين أن ترامب سوف يدعم أهداف نتنياهو دون وضع أي قيود. أمّا بالنسبة للفلسطينيين، فإن هاريس سوف تتعامل معهم على أنهم مصدر إزعاج، وسيكون تعاملها معهم بدون أفق سياسي، بينما ترامب سيتجاهلهم ويتعامل معهم بازدراء.
بالنسبة للحرب والاعتداء الإسرائيلي في لبنان، فإن هاريس ستضغط على لبنان؛ لتحقيق أهداف الكيان الصهيوني، في حين أن ترامب سيهدد لبنان لتحقيق أهداف الكيان.
أما فيما يتعلق بالتعامل مع أنظمة الاستبداد العربية، فإن هاريس سوف تقوم بدعمهم والتنسيق معهم بهدوء، بينما ترامب سيحتضنهم ويدعمهم بصورة علنية وحماس شديد.
أما في سياسات التعامل مع إيران، فإن هاريس سوف تستمر في سياسة احتوائها وتهديدها وزعزعة استقرارها باستخدام إستراتيجيات الضغط الشديد، كذلك فإن ترامب سوف يستمر في نفس هذه السياسة التي بدأها في دورته الأولى باستخدام إستراتيجيات أعلى درجات الضغط الشديد.
كذلك الأمر بالنسبة لتركيا، فإن هاريس سوف تمارس ضغطًا كبيرًا على تركيا حتى تخضع سياساتها للأجندة الأميركية، في حين أن ترامب قد يمارس ضغوطًا أقل، ولكنه سيعمل على إخضاع تركيا للأجندة الأميركية.
بالنسبة للقضايا المتعلقة بالديمقراطية وحقوق الإنسان في المنطقة، فإن هاريس سوف تقول ما يجب أن يقال، ولكن بدون أي أفعال تؤيد أقوالها، بينما ترامب سوف يتجاهل تمامًا هذه المسائل، ولن يلقي لها بالًا.
أمّا فيما يتعلق بمستقبل النظام الدولي، فإن هاريس سوف تتصرف كما لو أنه لا يزال قائمًا كما هو، وأنه يمكن لأميركا أن تستمر في قيادته وإدارته، بينما ترامب لن يهتم به كثيرًا، بل وعلى المدى الطويل قد يقوم دون قصد بتفكيكه.
عودة إلى الانتخابات، أوجز رأيي وتوصيتي في النقاط التالية:
يعتبر ترامب رجلًا كارهًا ومعاديًا للإسلام بشكل خطير، كما أنه يكره ويستهدف المهاجرين غير الأوروبيين بشدة. ولقد أظهر علنًا عداوته وكراهيته للعرب والمسلمين عمومًا في العديد من تصريحاته. ومن ثم فإن حكمه سيكون كارثة بالتأكيد، ليس فقط على الجالية العربية والمسلمة في الولايات المتحدة، بل أيضًا على معظم القضايا التي تهم العالم العربي والإسلامي بل وحتى خارجه.وحيث إن ترامب قد تبنى كل المواقف الصهيونية في ولايته الأولى، فإنه من المؤكد لن يكبح جماح الكيان الصهيوني المجرم أو يحد من سلوكه الوحشي وحرب الإبادة الجماعية التي يقوم بها في غزة، أو حملات الاستيطان في الضفة إذا تم انتخابه لولاية ثانية. بل وربما يشجع في الواقع نتنياهو وحكومته الفاشية على مواصلة مجازر الدماء، كما حثهم خلال الحملة الانتخابية على "إكمال المهمة"؛ أي مواصلة حملة التطهير العرقي.
بعد عام من الدمار الشامل على يد الكيان الصهيوني في غزة، والآن في لبنان، وبالشراكة الكاملة والمشاركة المباشرة من إدارة بايدن/هاريس، ليس هناك أدنى شك في أن هاريس كانت ومازالت متواطئة في جرائم الحرب التي ارتكبت ضد الفلسطينيين واللبنانيين.لقد كان أمامها شهور لإصلاح أو تغيير هذه السياسات المدمرة، أو على الأقل التعبير عن موقف حقيقي ضدها، إلا أنها اختارت دعم استمرار الإبادة الجماعية وتبرير العدوان المستمر، على الرغم من تحذيرات قدمها العديد من الديمقراطيين، وأعضاء الجالية العربية والإسلامية في الولايات المتحدة.
لا بد أن يتحمل أي سياسي يتجاهل هذه التحذيرات العواقب الوخيمة التي ستقع عليه إزاء ذلك. إن أي شخص يؤمن بالمبادئ الإنسانية العليا والقانون الدولي والقيم والمواقف الأخلاقية، لا يمكنه ببساطة أن يتجاهل مثل هذه الإبادة الجماعية المروِّعة.
أتفق على أن إدارة ترامب الثانية ستكون بمثابة كارثة داخليًا وخارجيًا في العديد من القضايا التي تهم المواطنين أصحاب الضمائر الحية والبسطاء، بما في ذلك القضايا التي تتجاوز قضية غزة.ولكن يجب الانتباه إلى أن حكم ترامب في ولاية ثانية قد يؤدي في الواقع إلى تسريع انهيار الإمبراطورية الأميركية، وإجبار العديد من المواطنين والمؤسسات الاجتماعية والسياسية في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وخاصة غير الجمهوريين، على الانعتاق فعليًا من قبضة الصهاينة، وهو ما سيكون أمرًا عظيمًا لمستقبل الحياة السياسية في أميركا.
إن الحياة السياسية الأميركية بحاجة ماسّة إلى بديل سياسي حقيقي غير صهيوني. ولذا فإنه إذا تم انتخاب ترامب، فربما تكون هذه اللحظة التاريخية فرصة نادرة لظهور حركة اجتماعية وسياسية غير صهيونية جديدة ونابضة بالحياة في الولايات المتّحدة.
إذا كان فوز هاريس هو المفضل، فإنها تحتاج لأن تفوز دون دعم الجالية العربية والإسلامية في الولايات المتحدة. كما يجب عليها أن تكافح من أجل الحصول على الأصوات اللازمة للفوز بولايات ميشيغان وبنسلفانيا وويسكونسن حتى تصبح رئيسة للولايات المتحدة بدون الحصول على أصوات العرب والمسلمين الأميركيين.لا بد للسياسيين أن يفهموا أن هناك عواقب حقيقية وخيمة لتجاهل حياة البشر في خضم الإبادة الجماعية. إن حرب الإبادة في غزة لم تكن أمرًا حدث لمرة واحدة يمكن تبريره أو التغاضي عنه، إنها جريمة مستمرة مضى عليها أكثر من 390 يومًا؛ ليس فقط بمعرفة ورضا إدارة بايدن/هاريس، ولكن بالمشاركة المباشرة لهذه الإدارة ودعمها الكامل.
في رأيي، يجب على الناخب العربي والمسلم في أميركا، وكذلك أصحاب الضمائر الحية في جميع أنحاء البلاد، أن يتوجهوا إلى صناديق الاقتراع ويصوتوا، وليس الاتجاه نحو مقاطعة الانتخابات.
كما ينبغي اعتبار تصويتهم بمثابة بيان صارم ورسالة قوية ضد حرب الإبادة الجماعية في غزة.
ولذا ينبغي عليهم إما:
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات فی الولایات المتحدة الإبادة الجماعیة القضایا التی تهم الکیان الصهیونی بینما ترامب العدید من فی أمیرکا فی غزة
إقرأ أيضاً:
هل خسرت أميركا رهانها الأفريقي لصالح الصين؟
كانت تناقضات سياسة الإدارة الأميركية تجاه أفريقيا واضحة هذا الأسبوع. ففي الرابع يونيو/ حزيران، عقدت اللجنة الفرعية لمجلس الشيوخ الأميركي المعنية بأفريقيا وسياسة الصحة العالمية جلسة استماع بعنوان "التأثير الخبيث للصين في أفريقيا"، وهو عنوان لا يترك مجالاً للشك في الطريقة التي ينظر بها الكونغرس إلى القارة.
استدعى رئيس اللجنة الفرعية تيد كروز المسؤول الدبلوماسي تروي فيتريل، القائم بأعمال مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون أفريقيا، الذي يمتلك خبرة تمتد 3 عقود.
بلهجة دبلوماسية مدروسة، شرح فيتريل كيف فقدت الولايات المتحدة مكانتها أمام الصين في أفريقيا، وكيف يمكن لتعزيز الدبلوماسية التجارية أن يعالج ذلك.
في اليوم نفسه، أصدر الرئيس دونالد ترامب أحدث قائمة لحظر السفر، حيث تم منع مواطني 7 دول أفريقية من دخول الولايات المتحدة.
تحذير أفريقيورد الاتحاد الأفريقي بسرعة غير معهودة، طالبا من واشنطن "اعتماد نهج أكثر تشاورا والانخراط في حوار بناء مع الدول المعنية".
وحذر الاتحاد الأفريقي من تأثير هذه التدابير على العلاقات التعليمية والدبلوماسية والتجارية التي تمت رعايتها بعناية على مدار عقود.
لكن بعيداً عن تصريحات الاتحاد الحذرة، قام الطلاب الأفارقة والشركات بإعادة توجيه خياراتهم بشكل جذري.
إعلانففي عام 2018، تم تسجيل أكثر من 81 ألف طالب أفريقي في الصين، وفقاً لبيانات منظمة اليونسكو، مقارنة بـ 68 ألف طالب في بريطانيا و55 ألفا في الولايات المتحدة.
ومن المتوقع أن تعزز القيود الجديدة على تأشيرات الطلاب في الولايات المتحدة وبريطانيا هذه الخيارات، حيث إن الرسوم الدراسية في الجامعات الصينية أقل، والحصول على تأشيرات الطلاب أكثر سهولة.
في عام 2022، تم رفض أكثر من نصف طلبات التأشيرة الدراسية الأفريقية للولايات المتحدة، التي بلغت 56 ألف طلب، بسبب أخطاء في الأوراق أو نقص التمويل، وفقا لصحيفة نيويورك تايمز.
ونظراً لتأثير المؤسسات التعليمية على القادة السياسيين ورجال الأعمال، فإن هذا التحول من قبل الطلاب الأفارقة سيعزز من نفوذ الصين في القارة.
خلال جلسة اللجنة الفرعية، أكد السفير فيتريل أن "الفرصة في أفريقيا ليست نظرية، بل يستغلها خصومنا بالفعل".
ففي عام 2000، كانت الولايات المتحدة ثاني أكبر مصدر لأفريقيا، أما في عام 2024، فقد صدّرت الصين بضائع بقيمة 137 مليار دولار إلى أفريقيا، أي أكثر من 7 أضعاف الصادرات الأميركية التي بلغت 17 مليار دولار.
ورغم إشادة أعضاء مجلس الشيوخ بخبرة فيتريل وحماسه، فإنه سيحتاج إلى جهود كبيرة لعكس هذه الاتجاهات، لكن بعض مبادراته قد تلقى صدى في أفريقيا.
تتصدر قائمة الخطط قمة للقادة الأفارقة في نيويورك بالتزامن مع الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول، احتفاءً بالذكرى الـ80 لتأسيس المنظمة.
وإذا تمكنت واشنطن من تعبئة الأموال عبر كيانات مثل مؤسسة تمويل التنمية المدعومة من القطاع الخاص، فقد يتم تسريع تنفيذ عدة مشروعات كبيرة.
ويعتمد الكثير على حسم قضايا السياسة الأميركية مثل مستقبل قانون النمو والفرص الأفريقي (AGOA) والامتيازات الجمركية المرتبطة به، بالإضافة إلى وضع مؤسسة تحدي الألفية (MCC)، التي مولت العديد من المشاريع الأميركية في أفريقيا قبل أن تعلقها وزارة كفاءة الحكومة، التي أنشأها إيلون ماسك كجزء من تدابير خفض التكاليف.
إعلانوأكد فيتريل، الذي يدعم بقوة مبادئ قانون AGOA، أنه بحاجة إلى تحديث، لكنه توقع صدور قرارات بشأن إصلاحه قريبا، وقبل مراجعته في سبتمبر/أيلول المقبل.
أما فيما يتعلق بمؤسسة تحدي الألفية، فقد أشار إلى استمرار المناقشات حول مستقبلها.
وأضاف أن هذه التحولات تتماشى مع دبلوماسية تجارية أميركية أكثر حزما في أفريقيا، مما دفع بعض أعضاء مجلس الشيوخ إلى التساؤل عن تقارير بشأن خطط وزارة الخارجية لإغلاق السفارات وخفض حجم إدارة الشؤون الأفريقية في واشنطن. ورد فيتريل بالنفي، مؤكدا أن السفارات الأميركية تعزز جهودها في مجالي التجارة والاستثمار.
ومن المتوقع أن يتوجه فيتريل قريبا إلى أنغولا للقاء الرئيس جواو لورينزو، لدعم مشروع ممر لوبيتو المدعوم من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ولإلقاء كلمة في مؤتمر مجلس الشركات هذا الشهر.
ومع ذلك، سيحتاج الأمر إلى العديد من المبادرات الأخرى، وخاصة تلك التي تجلب استثمارات طويلة الأجل وتخلق فرص عمل، إذا كانت الشركات الأميركية تأمل في منافسة الهيمنة الصينية على التجارة الثنائية، واستخراج المعادن الحيوية، والسيطرة على سلاسل الإمداد في أفريقيا.